قبل ان تعانق رمضان..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي الشاب: يا أعز من نملك! ويا أغلى من نحب!
لعل رسالتي التي خططتها من القلب قبل بداية رمضان والتي تحمل عنوان: (قبل أن تعانق رمضان) وصلت إلى شخصك الكريم، وكلي أمل أن تكون ممن قرأها، وأمعنت النظر فيها جيداً، وحققت لك عوداً مباركاً إلى الحياة الحقيقية من جديد وذلك فقط هو الذي دعاني للكتابة بالأمس، وهاهو اليوم يعاودني من جديد للحديث مرة ثانية مع شخصك الكريم.
غير أنّي فكرت هذه الوهلة أن أغيّر نوعية الخطاب، وأن يكون حديثي معك عن النعيم المرتقب هناك في الحياة الأخروية، فإن كثيراً من النفوس لا يأسرها إلا رجاء ما عند ربها، فتتطلّع للخير، وتبحث عن أسرار العاقبة، وكم تتمنى أن تسمع على الأقل حديث وعد، وفسحة أمل، نحو عيش السعداء، فهيا أخي الشاب نلتقي وإياك هذه الليلة على ضفاف الجنة، وحينما نقف وإياك هناك، لك أن تتأمّل كثيراً، وتحسب الفرق بين ما أهل الدنيا فيه وبين نعيم يعيشه الأصفياء والصالحون فقط دون غيرهم.
يقول في وصفه ابن القيّم رحمه الله تعالى: وكيف يقدّر قدر دار غرسها الله بيده، وجعلها متقرّباً لأحبابه، وملأها من رحمته وكرمه ورضوانه:
فإن سألت عن أرضها وتربتها:
فالمسك والزعفران.
وإن سألت عن سقفها:
فهو عرش الرحمن.
وإن سألت عن بلاطها:
فهو المسك الأزفر.
وإن سألت عن حصبائها:
فهو اللؤلؤ والجوهر.
وإن سألت عن بنائها:
فلبنة من فضة، ولبنة من ذهب،.
وإن سألت عن أشجارها:
فما فيها من شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب.
وإن سألت عن ثمارها:
كأمثال القلال ألين من الزبد، وأحلى من العسل.
وإن سألت عن ورقها:
فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.
وإن سألت عن آنيتهم:
فآنية الذهب والفضة في صفاء القوارير.
وإن سألت عن سعتها:
فأدنى أهلها من يسير في ملكه وقصوره وسرره وبساتينه مسيرة ألفي عام.
وإن سألت عن خيامها وقبابها:
فالخيمة الواحدة من درة مجوّفة طولاها ستون ميلاً من تلك الخيام.
وإن سألت عن عرائسهم:
فهن الكواعب الأتراب الآتي جرى في أغصانهن ماء الشباب، فللورد والتفاح مالبسته الخدود، وللرمان ماتضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما درات عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ويضيء القمر من بين ثناياها إذا ابتسمت.
حمر الخدود ثغورهن لآلئن
سود العيون فواتر الأجفان
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها
فيضيء سقف القصر بالجدران
ولقد روينا أن برقاً ساطعاً
يبدو فيسأل عنه من بجنان
فيقال هذا ضوء ثغر ضاحك
في الجنة العليا كما تريان
إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيّرين، وإذا حادثته فما بالك بمحادثة الحبين، يرى وجهه في صحن خدها، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم لا يستره عظمها ولا جلدها ولا حللها، لو اطلعت إلى أهل الأرض لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتسبيحاً، ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ولآمن من على ظهرها للحي القيوم، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، ووصالها اشهى إليه من جميع أمانيها، لاتزداد مع طول الأحقاب والأزمان إلا حُسناً وجمالاً، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالاً، مبرأة من الحمل والولادة، والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق، والبول والغائط وسائر الأدناس. وإن سألت عن السن:
فأتراب في أعدل سن الشباب.
وإن سألت عن الحسن:
فهل رأيت الشمس والقمر.
وإن سألت عن الحدق:
فأصفى بياض في أحسن حور.
وإن سألت عن القدود:
فهل رأيت أحسن الأغصان.
وإن سألت عن اللون:
فكأنه الياقوت والمرجان.
وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك:
فهن العُرب المتحببات إلى أزواجهن، فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من قصر لقصر قلت هذه الشمس متنقّلة في برج فلكها، وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة، وإن خاصرته فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة.
وحديثها السحر الحلال لو أنه
لم يجن قتل المســـلم المتحرّز
إن طال لم يملل وإن هي حدّثت
ودّ المحدّث أنها لم توجـــــــــز.
انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله تعالى.
هذه هي الجنة أخي الحبيب، يل هذا جزء يسير من وصفها الفيّاض، ولك أن تعيد قراءته بين الفينة والأخرى، فإن ما نقله ابن القيّم رحمه الله هو خبر عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم جاء مستفيضاً في القرآن الكريم، والسنة النبوية أحببت أن يصل إليك في شهر رمضان خاصة، الشهر الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتتزيّن لأهلها، فإن تاقت نفسك إلى دخولها، والعيش في هذا النعيّم فذلك ما نتمناه، وأنت صاحب القرار، وأمرك بيدك، لكن تأكد تماماً أن توبتك هي الطريق الوحيد الذي يوصلك إلى هذا العالم الروحاني العجيب، وشهر رمضان هو أنسب الشهور، وأعظم الأيام، وأقرب الفرص التي يُتخذ فيها مثل هذا القرار. فإن أبيت إلا الإصرار على جلسة الرصيف على الوتر السامر أو أمام شاشة الفضائيات، أو حتى في ساحات المقهي فحسبي أنني أوصلت الرسالة في أوضح معنى، وأجلى قيمة، وتخيّرت لنشرها أعظم الأوقات ونفسك فقط هي التي تأبى الهداية، وتُصر على الغواية، وتحاول جاهدة في سبيل المعصية، فأنّى لها الصلاح، وكيف تعيش طعم الحياة الحقيقية، وحينما تجد شيئاً من الآلام أو تشعر بشيء من القسوة، أو تجد مس الضيق والكآبة فهي التي قررت هذا المصير دون ضغط أو إكراه من أحد، وقد بذلت لك النصيحة في ثوب جديد، وخطاب وئيد، وحسبي أنني اجتهدت ولست مسؤولاً عن فشلك أو عدم نجاحك في رحلة الحياة على وجه العموم.
منقول
المصريه.