أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: القاعدة التاسعة والثلاثون: في طريقة القرآن في أحوال السياسة الداخلية والخارجية الجمعة 30 مارس 2012, 1:16 am | |
| القاعدة التاسعة والثلاثون
في طريقة القرآن في أحوال السياسة الداخلية والخارجية
طريقة القرآن في هذا أعلى طريقة، وأقرب إلى حصول جميع المصالح الكلية، وإلى دفع المفاس، ولو لم يكن في القرآن من هذا النوع إلا قوله تعالى في سورة آل عمران: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }، [ آل عمران: من الآية159 ]، وإخباره عن المؤمنين في سـورة الشـورى { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }، [ الشورى: من الآية38 ].
فالأمر مفرد ومضاف إلى المؤمنين، وفي الآية الأولى: قد دخلت عليه: [ ال ]، المفيدة للعموم والاستغراق، يعني أن جميع أمور المؤمنين وشئونهم واستجلاب مصالحهم واستدفاع مضارهم، معلقٌ بالشورى والتعاون على الاهتداء إلى الأمر الذي يجرون عليه في حل مشكلاتهم، وتدعيم سلطانهم وتجنيبهم الخلاف المفضي إلى تفكك قواهم وانحلال عراهم.
وقد اتفق العقلاء أن الطريق الوحيد للصلاح الديني والدنيوي هو طريق الشورى.
فالمسلمون قد أرشدهم الله أن يهتدوا إلى مصالحهم وكيفية الوصول إليها بأعمال أفكارهم مجتمعة، فإذا تعينت المصلحة في طريق سلكوه، وإذا تعينت المضرة في طريق تركوه، وإذا كان في ذلك مصلحة ومضرة، نظروا: أيها أقوى وأولى وأحسن عاقبة، وإذا رأوا أمراً من الأمور هو المصلحة ولكن ليست أسبابه عتيدة عندهم ولا لهم قدرة عليها نظروا بأي شيء تدرك الأسباب وبأي حالة تنال على وجه لا يضر.
وإذا رأوا مصالحهم تتوقف على الاستعداد بالفنون الحديثة والاختراعات الباهرة، سعوا لذلك بحسب اقتدارهم، ولم يملكهم اليأس والاتكال على غيـرهم الملقي إلى التهلكة، وإذا عرفـوا ـ وقد عرفوا ـ أن السعي لاتفاق الكلمة وتوحيد الأمة هو الطريق الأقوم للقوة المعنوية جدوا في هذا واجتهدوا، وإذا رأوا المصلحة في المقاومة والمهاجمة أو في المسالمة والمدافعة بحسب الإمكان، سلكوا ما تعينت مصلحته فيقدمون في موضع الإقدام، ويحجمون في موضع الإحجام، وبالجملة لا يدعون مصلحة داخلية ولا خارجية، دقيقة ولا جليلة إلا تشاوروا فيها، وفي طريق تحصيلها وتنميتها، ودفع ما يضادها وينقصها.
فهذا النظام العجيب الذي أرشدهم إليه القرآن: هو النظام الذي يصلح لكل زمان ومكان، ولكل أمة.
ومن ذلك قوله في سورة الأنفال:{ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ }، [ الأنفال: من الآية60 ]، فهذه الآية تصرح بوجوب الاستعداد للأعداء بكل ما نستطيعه من قوة عقلية، ومعنوية ومادية، مما لا يمكن حصر أفراده، وفي كل وقت يتعين سلوك ما يلائم ذلك الوقت ويناسبه ومن ذلك قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ }، [ النساء: من الآية71 ]، ونحوها من الآيات التي أرشد الله فيها إلى شدة التحرز من الأعداء.
فكل طريق وسبب يتحرز به من الأعداء فإنه داخل في هذا، ولكل وقت لبوسه، ومن عجيب ما نبه إليه القرآن من النظام الوحيد، أن الله عاتب المؤمنين بقوله: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ }، [ آل عمران: الآية144 ]، فأرشد عباده إلى أنه ينبغي أن يكونوا بحالة من الحكمة واستقامة الأمور على طريقها، بحيث لا يزعزعهم عنها فَقْدُ رئيس وإن عظم.
وما يكون ذلك إلا بأن يستعدوا لكل أمر من أمورهم الدينية والدنيوية بعدة أناس، إذا فقد أحدهم قام مقامه غيره، وأن تكون الأمة متوحدة في إرادتها وعزمها ومقاصدها وجميع شئونها.
قصدهم جميعاً أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تقوم جميع الأمور بحسب قدرتهم وقال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }، [ التغابن: الآية16 ]، أي: اتقوا غضبه وعقابه بالقيام بما أمر به من كل ما فيه الخير والصلاح لكم جماعة ومنفردين، فكل مصلحة أمر الله بها وهي متوقفة في حصولها أو في كمالها على أمر من الأمور السابقة واللاحقة، فإنه يجب تحصيلها بحسب الاستطاعة.
فلا يكلفهم الله ما لايطيقون. وكذلك كل مفسدة ومضرة لا يمكن اجتنابها إلا بسلوك بعض الطرق السابقة واللاحقة فإنها داخلة في تقوى الله تعالى، وذلك بأسبابها، لازم الحق حق، والوسائل لها أحكام المقاصد.
كذلك كل ما نهاهم عنه، فإنه أعطاهم من القوى والأسباب ما يمكنهم من البعد عنه ومن الحلال ما يستغنون به.
ومن الآيات الجامعة في السياسة قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }، [ النساء: 58 ]، والآية التي بعدها.
فالأمانات يدخل فيها أشياء كثيرة، من أجَلَّها: الولايات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، الدينية والدنيوية.
فقد أمر الله أن تؤدى الأمانات إلى أهلها بأن يجعل فيها الأكْفاء لها، وكل ولاية لها أكْفاء مخصوصون.
فهذا الطريق الذي أمر الله به في الولايات من أصلح الطرق لصلاح جميع الأحوال، فإن صلاح الأمور بصلاح المتولين والرؤساء فيها والمدبرين لها والعاملين عليها، فيجب تولية الأمثل فالأمثل:{ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }، [ القصص: 26 ].
فصلاح المتولين للولايات الكبرى والصغرى عنوان صلاح الأمة وضده بضده.
ثم أرشدهم الله إلى الحكم بين الناس بالعدل الذي ما قامت السموات والأرض إلا به، فالعدل قوام الأمور وروحها، وبفقده تفسد الأمور كلها ويختل الميزان لكل شيء.
والحكم بالعدل من لازمه معرفة العدل في كل أمر من الأمور، فإن فهمت الأمة حقيقة العدل وعرفت حدوده وضعت كل شيء في موضعه، وكان المتولون للولايات هم الكمل من الرجال والأكْفاء للأعمال فَجَرَتْ تدابيرهم وأفعالهم على العدل والسداد، متجنبين للظلم والفساد، ترقت الأمة وصَلَحت أحوالها، وتمام ذلك في الآية الأخرى التي أمر الله فيها بطاعة ولاة الأمور بقوله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، [ النساء:59]، فهل يوجد أكمل وأغنى من هذه السياسة الحكيمة الرشيدة التي عواقبها أحمد العواقب؟.
ومن الآيات المتعلقة بالسياسة الشرعية: جميع الآيات التي شرع الله فيها الحدود على الجرائم، العقوبات على المتجرئين على حقوقه وحقوق عباده وهي في غاية العدالة والحسن وردع المجرمين والنكال والتخويف لأهل الشر والفساد، وتطهير المجتمع من فسادهم، وتنقيته من جرائمهم صيانة لدماء الخلق وأموالهم وأعراضهم.
والآيات التي فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتكلم بالحق مع من كان وفي أي حال من الأحوال.
وكذلك ما فيها من النهي عن الظلم فيه إرشاد لإعطاء الناس الحرية النافعة التي معناها التكلم بالحق، والدعوة إلى الصالح للأمة، وفي الأمور التي لا محظور فيها، كما أن الحدود والعقوبات والنهي عن الكلام القبيح والفعل القبيح فيها رد الحرية الزائفة الكاذبة الباطلة التي يتشدق بها الحمقى والسفهاء الذي عموا وصموا، فلا يرون ما حل بأمم الغرب من الدمار من ثمرات هذه الحرية الفاجرة الخاسرة.
إن ميزان الحرية الصحيحة النافعة هو ما أرشد إليه القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم.
وأما إطلاق عِنان الجهل والظلم والأقوال الضارة المحللة للأخلاق، فإن من أكبر أسباب الشر والفساد، المؤدية إلى الفوضى المحضة وانحلال الأخلاق التي هي قوام كل أمة.
فنتائج الحرية الصحيحة أحسن النتائج، ونتائج الحرية الفاسدة أقبح النتائج، فالشارع فتح الباب للأولى، وأغلقه عن الثانية، تحصيلاً للمصالح ودفعاً للمضار والمفاسد، والله أعلم. |
|