الملا  محمد علي الفضلي
(1297-1367 هـ /1879-1948 م)

اسمه ومولده:
هو الخطاط المقرئ الفقيه العلامة الشيخ "محمد علي" بن درويش بن شلال الزبيدي الفضلي البغدادي المعروف بالملا علي الفضلي .

ولد في محلة الفضل ببغداد بحدود سنة (1297هـ/1879م) ، ونشأ فيها وترعرع .

وكان والده يعمل بقالا في دكانه المعروف باسم (دكان درويش) خلف جامع الفضل .

نشأته وطلبه للعلم ومشايخه:
بدت على الملا علي الفضلي في صغره علامات الذكاء والفطنة ، وإمارات النجابة والاستعداد والاستيعاب للعلوم والفنون . وتتلمذ على كبار علماء عصره في العراق وهم:
1- الخطاط البارع الشيخ أحمد نوري أفندي.
2- علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي.
3- الشيخ عبد الوهاب النائب
4-الشيخ يوسف العطا
5-الشيخ سعيد النقشبندي
6- الشيخ عبد المحسن الطائي
7- الشيخ قاسم القيسي
8- المـــلا عبـــدالله الوسواسي

وكان رحمه الله قد استهوته جمالية الخط العربي فبدأ يراجع الخطاط البارع الشيخ أحمد نوري أفندي إمام العباخانة ، وبدأيمشق عليه ويأخذ عنه الأصول الفنية للخط العربي حتى نبغ فيها وأصبح علما من أعلامها في بغداد .

ولما تميز به الملا علي من ذكاء واجتهاد انكب على تحصيل العلوم من فقه وأصوله ومنطق وحكمة ونحو وصرف وحساب وفلك وقراءات.. وغير ذلك من العلوم الشرعية والعربية .

فدرس التفسير والحديث بعد تمكنه من علوم اللغة العربية على جملة من كبار علماء العراق في وقته وعلى رأسهم علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي (1273-1342هـ/1857-1924م) حيث درس عليه علم العروض وأبحاثا أدبية متنوعة ودراسات تاريخية .

ثم اتصل بالشيخ عبد الوهاب النائب، والشيخ يوسف العطا مفتي بغداد السابق ، والشيخ سعيد النقشبندي ، والشيخ عبد المحسن الطائي وأخذ عنهم..

ثم اتصل بعد ذلك بالعالم الزاهد الشيخ قاسم القيسي مفتي العراق السابق وكان مدرسا في الصويرة أيام العثمانيين .

فسافر الملا علي إلى الصويرة ومكث فيها مدة ، ودرس خلالها كتاب المطول في شرح التلخيص على الشيخ قاسم القيسي .

وفي الوقت نفسه كان الشيخ قاسم يدرس العروض على الملا علي لأنه أخذه عن الألوسي .

فكان الملا علي في الصباح تلميذا لدى الشيخ قاسم وفي المساء أستاذا له.

ثم درس الملا علي الفضلي علم التجويد والقراءات السبع من الشاطبية على شيخه المـــلا عبـــدالله الوسواسي وأجازه بها .

وكان الملا علي علما بين المتخصصين في هذا العلم الجليل.

وكان الملا علي الفضلي صاحب همة عالية وشغف في تحصيل العلم ، لا يعرف الملل والتعب ، منتقلا من حلقة إلى أخرى ومن مجلس إلى آخر يستوعب ما يسمعه ... حتى تكونت له ذهنية فقهية عالية صافية ، وذخيرة علمية كبيرة ، وأصبح له مركز مرموق بين أوساط طلبة العلوم الشرعية في بغداد ، لفرط ذكائه وشدة إخلاصه وصفاء نيته وقوة حفظه.

وفي أثناء خدمته العسكرية أيام العثمانيين عين إماما في الجيش وسافر إلى همدان واتصل هناك ببعض الخطاطين العجم وأخذ عنهم قواعد الخط الفارسي ، كما أتقن اللغتين الفارسية والتركية.

ثم عاد إلى بغداد ، وعمل كاتبا محررا في المحكمة الشرعية .بعد ذلك عين في إماما في جامع آل جميل في محلة قنبر من سنة 1927م إلى سنة 1930م ، واطلع على مكتبة آل جميل واستفاد من ذخائرها العلمية.

ثم عاد إلى مكانه الأول في جامع الفضل، واتخذ فيه غرفة صغيرة عند قاعدة منارة الجامع ، فيها كتبه ومحبرته وأوراقه وأقلامه وسريره.

وقد كان رحمه الله مولعا باقتناء الكتب ، وإذا اقتنى كتابا فإنه ينكب عليه ليستوعب مافيه بنهم شديد . وكان يحب العزلة ولا يميل إلى الاختلاط بالناس مما وفر له فرصة الاستيعاب التام والتفرغ للعلم والتعليم.

وكان يصرف جل راتبه في اقتناء الكتب ونفائس المخطوطات.

تميز الملا علي بحسن خطه ومتانته حتى اختاره البلاط الملكي في عام 1920م لكتابة الإرادات الملكية والبراءات والإنعامات أيام الملك فيصل .

وكان يكتبها بالخط الديواني .

وبقي الملا علي يكتب البراءات مدة طويلة، حتى انصرف عنه موظفوا البلاط لما رأوا منه من انشغال في تعليم الأطفال، وتحفيظ القرآن الكريم، لمن يرغب من الناس وخاصة المكفوفين منهم .

ومما يذكر أن منهجية الملا علي في تعليم الخط العربي كانت بأن يعطي لتلاميذه سطرا بالثلث أو بالنسخ كواجب عليهم ، ويطلب أن يمشقوا عليه بالتمرين في بيوتهم ، وأن يأتوه به من الغد في صلاة الفجر بجامع الفضل .

فإذا كانت صلاة الفجر فيقوم الملا علي بتفقد تلاميذه فإذا تخلف أحدهم عن صلاة الفجر أو حضر إلى الجامع وقد انتهت الصلاة، فإنه كان لا ينظر إلى سطره ولا يصلح له واجبه حتى يحثهم على العبادة.

تلاميذه:
بقي الملا علي ملازما لغرفته . وقد جعلها مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم كما كان يتردد عليه بعض الراغبين في علوم الفقه واللغة والتجويد والقراءات والعروض والخط العربي .

وممن درس عليه وأخذ عنه :
1- العلامة المقرئ الشيخ عبد القادر الخطيب، درس عليه شرح السيوطي للألفية ودرس العروض.
2- الشيخ كمال الين الطائي .
3-الشيخ عبد الوهاب الفضلي كبير علماء البصرة .
4-الشيخ كمال الدين السهروردي درس عليه (الفاكهي والسيوطي ) في جامع آل جميل.
5-الحافظ مهدي القارئ البغدادي الشهير أخذ عنه التجويد والقراءات السبع من الشاطبية.
6-الحافظ السيد زهير المعمار البنداري أخذ عنه التجويد والقراءات السبع من الشاطبية.
7-الملا ياسين إمام جامع الباجه جي ببغداد أخذ عنه علم التجويد.
8- الشيخ حسين العبيدي خطيب جامع السراي. ومما يذكر هنا أن الملا علي كان يتعب عند تدريس تلميذه العبيدي ، وذلك لأن العبيدي لايستوعب المادة بسرعة ، فيلاطفه الملا علي قائلا : " والله أنت تصلح أن تكون خطيبا للملوك " .
وحصل ذلك فعلا فعند إتمام العبيدي دراسته على الفضلي صدرت الإرادة الملكية بتعيينه خطيبا في جامع السراي ، ويسمى جامع الملك أيضا لأن الملك كان يؤدي صلاة الجمعة فيه .
9-الأستاذ الحاكم وحيد حافظ شوقي أخذ عنه الخط العربي .
10-الأستاذ فاضل محمد جميل درس عليه العربية والعروض .
11-الشاعر الحاج كمال الجبوري درس عليه الخط العربي والعروض .
12-الأستاذ عبد الكريم فرهاد درس عليه الخط العربي والعروض .
13- الخطاط صبري الهلالي أخذ عنه الخط العربي .
14- الخطاط العملاق هاشم محمد البغدادي من أشهر من تتلمذ على الملا علي الفضلي في الخط العربي وأجازه به في عام 1363هـ/1943م.

وغيرهم كثير ممن أخذ عنه الخط العربي وغير ذلك...

مؤلفاته وخطوطه:
ترك الملا علي الفضلي الكثير من اللوحات الخطية الرائعة والتي تدل على براعته وقوة خطه، منها لوحة في جامع الفضل، وأربع لوحات في غرفة الشيخ محمد صالح النائب الإمام في جامع الفضل وثماني لوحات في مجلس الشيخ كمال الدين الطائي بجامع المرادية... وغير ذلك..

وله كتابا بعنوان العمل والعمال يبحث في فنون الصناعات وهو مفقود.

حليته وأوصافه وشمائله:
كان رحمه الله قصير القامة ، نحيف الجسم ، أسمر اللون . يرتدي دشداشة بغدادية من الخام ، ويضع على رأسه عمامة .

وكان لا يرغب أن يتقدم ليصلي بالناس إماما من شدة ورعه ومحاسبته ومراقبته لنفسه وكثيرا ما كان يصلي صلاة السنة في غرفته، ولا يخرج لصلاة الجماعة حتى يسمع تكبيرة الإمام، كي لا يقدمه الناس بالصلاة.

وكان لا يشرب الشاي ولا القهوة ولا يدخن.

كما أنه كان عزيز النفس ، عالي الهمة ، وشهرته كعالم وفقيه ، أبعد من الصيت منه كشاعر وخطاط .

وكان أيضا يحب الفقراء ويقضي أكثر أوقاته معهم ، يستمع إلى حكاياتهم وهمومهم . ويحدثهم بما عنده من الأخبار التي تروق الفقراء ، ويحبون السماع إليها . فهم يحنون إليه وهو يحن إليهم ويحنو عليهم .

وكان لا يميل إلى الحكام ، وكبار الموظفين ، ويستوحش منهم ، ويضيق صدره عند ملاقاتهم والتحدث معهم .

بقي الملا علي رحمه الله في غرفته بجامع الفضل يقرأ ويكتب ويصلي ويدعو، وينظف حرم الجامع ويكنس فناءه... وعاش رحمه الله اثنتين وسبعين سنة لم يتزوج خلالها - ولا نعلم إن كانت هناك علة منعته من الزواج أم لا..، لانشغاله بالتتبع والاستقصاء في العلوم والآداب والفنون، كما كانت له أوراد وأدعية قد ألزم نفسه بها آناء الليل وأطراف النهار.

في ذكر وفاته:
لقد اشتد به المرض في أواخر حياته فتوفي رحمه الله يوم الخميس 15/ رمضان /1367 هـ الموافق 22 / تموز / 1948 م عند صلا ة المغرب، وبعد صلاة الفجر صلي عليه ودفن في مقبرة الشيخ عمر السهروردي.

وبهذا يكون قد انطوى علما من أعلام الخط والقراءات والأدب والفقه في بغداد رحمه الله رحمة واسعة بمنه وكرمه .

من أقوال العلماء فيه:
قال عنه الشيخ كمال الدين الطائي:
" كان الملا علي -رحمه الله- زاهدا عفيفا قنوعا يميل إلى الكفاف، ينفق جل راتبه على الفقراء من جيرانه، ولا يحب الاختلاط بالناس وإنما يستأنس بالكتب والمخطوطات ".

أخذت هذه الترجمة من كتاب تراجم خطاطي بغداد المعاصرين من تأليف الخطاط الشاعر الشيخ وليد بن عبدالكريم الأعظمي، والمطبوع بدار القلم بيروت، الطبعة الأولى 1977م. ص159- 174. بتصرف.