|
| حقوق النساء في شريعة السماء | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: حقوق النساء في شريعة السماء الأربعاء 22 فبراير 2012, 6:47 am | |
| شبهات حول المسلمات
حقوق النساء في شريعة السماء
بقلم: حمدى شفيق بسم الله الرحمن الرحيم
الإهـداء إلى حبيبتي و سيدتي ومليكتى .. إلى أمى أكرم الله مثواها مع أبى .. وغفر لهما ورحمهما كما ربياني صغيرًا. المؤلف مقـدمـة
هذا الكتاب... لماذا؟
اشتدَّت الحملات الإعلامية المسعورة على الإسلام وأهله, في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م على بعض المنشآت المهمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وزاد من حِدَّة الحملات الرعبُ الشديد الذي عصف بالخصوم؛ بسبب تزايد معدلات انتشار الإسلام فى كل أنحاء العالم, حتى في قلب أوروبا وأمريكا.
ولأن معظم الذين يعتنقون الإسلام هم من النساء يحاول الحاقدون بكل قواهم تخويفهن من الدين الحنيف بنشر سيول من الأكاذيب والشبهات حول مكانة المرأة في الإسلام.
ولا يقتصر التطاول على الإعلام الغربي وحده، إذ يساندهم في ذلك فئة قليلة ضالَّة من العلمانيين والملحدين في داخل بلادنا, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
وكل مَن جَرَّبَ التحاوُر مع أحد من العلمانيين أو غير المسلمين يعلم جيّدًا أن من أخطر الشبهات التي يثيرونها تلك التي تزعم أن الإسلام ينتقص من حقوق المرأة ويجعلها مخلوقًا من الدرجة الثانية إلى آخر هذه الافتراءات. وقد دفعني ذلك إلى البدء في رحلة البحث عن ردود مُقنعة وكافية لتبديد الشكوك وإزالة الشبهات عن المرأة في الإسلام.
و لاحظت أن أغلب الردود على تلك الشبهات هي آراء أو مقالات أو فتاوى متناثرة هنا وهناك ، ففكّرت في جمعها في كتاب واحد ، بالإضافة إلى ما وفّقني الله تعالى بفضله وكرمه إليه من أوجه وأفكار جديدة في الرد .
وكذلك أنعم الله علينا وألهمنا الرد على بعض الشبهات التي لم يسبق الرد عليها بشكل كاف من قبل -على قدر علمي- ونسأل الله السداد و القبول.
ونحمد الله - سبحانه - أن أعاننا كذلك على جمع الكثير من الحقائق العلمية والأبحاث الجديدة التي توصَّل إليها علماء من غير المسلمين، وكلها تثبت عظمة تشريعات الإسلام، ومنها ما يتعلَّق بشؤون النساء، وهو ما لم يكن متاحًا في زمن علمائنا الأبرار الذين تصدَّوا قبلنا للرد على الشبهات - رضي الله عنهم ورضوا عنه.
واستعرضنا أيضًا في هذه الدراسة كثيرًا من الأرقام والإحصاءات عن واقع النساء في العالم اليوم، وكلها تثبت بدورها حكمة وضرورة التشريع الإلهي لتنظيم المجتمع, وكفالة حياة كريمة سعيدة للمرأة وللرجل أيضًا.
ومن الأسباب التي دفعتني إلى تأليف هذا الكتاب ما لاحظته أيضًا من أخطاء جسيمة وقع فيها بعض مَن رَدَّوا على الشبهات.
فهناك مَن سقطوا في فخ التشكيك في بعض الأحاديث الشريفة أو تحريف معانيها لاستنباط نتائج ترضى الغرب، ظنًّا منهم أن تفريغ النص من محتواه كفيل بالقضاء على الشُبهة وحل المشكلة وإرضاء الأسياد!!
وهناك من أصدروا فتاوى خطيرة تخالف نصوصا قطعية في الكتاب والسنّة!!.
ومنهم رجل من العلماء –غفر الله له– أفتى بجواز إصدار تشريع من الحاكم يمنع تعدُّد الزوجات!!! وزعم أنه لا يمكن تربية أُمَّة تفشو فيها ثقافة تعدد الزوجات!! وكأن صاحبنا يتوهَّم أن الأمة التي يُمكن تربيتها هي تلك التي يفشو فيها تعدد العشيقات أو الشواذ!!
وزعم آخر أن النقاب عادة ولا أصل له في الشرع!!
وتمادى ثالث في المجاملات على حساب دينه فأفتى بأن على المسلمة في الغرب أن تخلع حجابها امتثالاً لقوانين البلد الذي تعيش فيه!!
ولعل أبلغ رَدِّ على هؤلاء وأمثالهم أن نعرض في هذه الدراسة آراء بعض كبار المفكّرين من غير المسلمين الذين حملتهم النزاهة الفكرية والأمانة العلمية على إنصاف التشريعات الإسلامية بشأن الحجاب وتعدُّد الزوجات والحقوق المالية وغيرها...
ويكفى العلمانيين ومشايخ السُلطة خزيًا أن فحولاً من علماء ومفكّري الغرب كانوا أكثر إنصافًا للإسلام منهم، رغم أنهم لا يدينون به كما سنرى!!
وإذ أضع هذا الكتاب سلاحًا بأيدي شبابنا يواجهون به الخصوم ويستخدمونه في الدعوة إلى الدين الحق، فإنني أناشد كل القادرين ترجمته وغيره من كتب تصحيح المفاهيم وإزالة الشبهات إلى كل اللغات الأجنبية بقدر الاستطاعة؛ لأن مئات الملايين من غير الناطقين بالعربية في أَمَسِّ الحاجة إلى معرفة الردود على تلك الشبهات؛ لتبديد الشكوك وتفنيد افتراءات الحاقدين على الإسلام.
وأقول أخيرًا: إنه لا مفرَّ من وجود نقص وأخطاء في كل عمل بشرى، وأستغفر الله من كل خطأ أو نسيان، وما أردت إلا الخير.
ويبقى الكمال لله وحده لا شريك له، والعصمة للأنبياء والملائكة -عليهم السلام- وما كان من صواب فمن ربى سبحانه و: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43].
المؤلف الفصل الأول
عصور القهر:
لم تكن المرأة قبل الإسلام شيئًا مذكورًا.
كانت كل الشعوب والأمم لا تعترف لها بأية حقوق من أي نوع، فهي عندهم سبب الخطايا ومصدر الآثام، وهى كذلك عبء ثقيل على الرجل، عليه إطعامها وكسوتها وحمايتها.
وفى المقابل لا تقدِّم هي شيئًا يذكر -حسب زعمهم- إذ هي لا تستطيع القتال دفاعًا عن القبيلة والأرض, فهي مصدر القلق والعار إذا انهزم قومها؛ لأن المغيرين يتَّخذون النساء وأطفالهن سبايا.
وكان المتعارَف عليه في كل أنحاء الأرض أنَّ من حق الجيش المنتصر أن ينهب كل ممتلكات المهزوم، ومنها النساء اللاتي كن من أهم غنائم الحرب، ويحرص المنتصرون على الاستحواذ عليهن, فهن يحققن المتعة ويقمن على الخدمة في البيوت، كما يمكن بيعهن في سوق النخاسة لمَن يدفع أكثر إن لم يقم المهزوم بدفع فدية باهظة ليستردهن.
ويثبت التاريخ أن الاسترقاق بدأ أولاً بالنساء، فهن كن أغلب ضحاياه، ولم يخضع الرجال للرق إلا بعد مرور زمن طويل عندما انتشر العمران, وأراد الغالبون المزيد من الأيدي العاملة الرخيصة أو المجانية تقريبًا, أما استرقاق النساء فبدأ قبل ذلك؛ لأنهن يقدمن المتعة والخدمة معًا كما أشرنا.
وكانت شعوب -مثل اليهود- تقتل النساء كما تقتل الرجال؛ لأنهم يتوهَّمون أن العرق اليهودي أنبل وأسمى من باقي الأعراق، ولا يحبُّون أن يختلط دمهم بدماء شعوب أخرى أقل منهم شأنًا وأصالة!!! وهكذا لا تفقد النساء العرض والحرية والكرامة الإنسانية فقط بل تفقد الحياة أيضًا!!
وكانت المرأة تفقد أطفالها الذين يُباعون في أسواق العبيد المنتشرة في كل أنحاء العالم, ولا تراهم بعد ذلك, ولا تعرف عن مصيرهم شيئًا أبدًا!!
ولم يكن السيد وحده هو الذي يغتصب السبايا، بل يقدمهن لضيوفه لمضاجعتهن من قبيل كرم الضيافة!!
وكان إجبار الجواري على الاشتغال بالدعارة ليكسب المالك ثروة من الاتِّجار بفروجهن أمرًا شائعًا في كل أنحاء العالم قبل الإسلام, ومن الأمثلة على إهدار آدمية المرأة عندهم ما كان يسمى بـ"حزام العِفَّة"؛ فقد كانت عادة فرسان أوروبا أن يربط كل منهم حزامًا حديديًّا حول فرج زوجته قبل انطلاقه إلى الجيش، ليضمن عدم ممارستها الفاحشة مع رجل آخر أثناء فترة غيابه في الحروب!!
وسبب تفشِّي استخدام "حزام العفة" هذا أنهم كانوا يعتقدون أن المرأة هي مجرد "حيوان" مسعور الشهوة ولا يمكن الوثوق بها, أو ضمان سيطرتها على غريزتها الجنسية في غياب الزوج، فلا مفرَّ إذًا من ربط الحزام الحديدي حول فرجها لمنعها من الفاحشة!!!
وإذا كانت هذه نظرتهم إلى المرأة في الغرب، فإن الشيوعية في شرق أوروبا لم تأتِ بحال أفضل؛ فقد ذهب مفكرو اليسار إلى حتمية انهيار مؤسسة الأسرة، وبالتالي تتحوَّل المرأة إلى مجرَّد "آلة" أو أداة من أدوات الإنتاج، يعاشرها مَن أراد بدون زواج, وبلا تمييز بين زوج أو رجل غريب, فإذا أنجبت انتزعوا منها طفلها ليُربَّى بعيدًا في مؤسسات الدولة الشيوعية, ولا تراه أو تعرفه بعد ذلك أبدًا.
فالإنجاب هنا أو ممارسة العلاقات الجنسية يتحرَّر -كما يرى فردريك أنجلز- من أيَّة رابطة كالزواج, ويتحرَّر كذلك من أي شعور أو عاطفة كالحب؛ لأنه مجرَّد وظيفة أو شكل من أشكال الإنتاج في المجتمع!!!
ولا تمتلك المرأة عندهم شيئًا من المال شأنها شأن الرجل، فلا ملكية خاصة لأحد، كما أنها مُجْبَرة على أداء أشقِّ الأعمال في المصانع والحقول مع الرجال بلا أجر إلا ما يسدُّ الجوعَ فقط لا غير!!(1).
وفى دستور الاتحاد السوفيتى الصادر 1977م تأخذ "التعاونيات" مكان الأسرة.
وهكذا فإن الشيوعية كانت تستهدف القضاء التامَّ على الزواج والأسرة التقليدية، وفى هذا النظام لا حقوق ولا خصوصية ولا حتى دين أو مشاعر إنسانية للمرأة أو للرجل!! فهي لا تستطيع اختيار الرجل الذي تحبه، ولا يمكنها الامتناع عن ممارسة الجنس مع أي "رفيق" يطلبها، وإلاَّ كان مصيرها الدفن تحت طبقات الجليد في أعماق سيبيريا!! وإذا كانوا لا يعترفون لها بأيَّة مشاعر, ولا حتى حق الاحتفاظ بالأطفال أو البيت أو المال؛ فهل يبقى لها في هذا النظام حقٌّ أو كرامة أو حتى كيان إنساني؟!!
وعن أحوال النساء عند الإغريق يقول ول ديورانت في موسوعته: "كان الزواج عادة يتَّفق عليه والدا الزوجين كما كان يحدث على الدوام في فرنسا القديمة، أو بين خُطَّاب محترفين، وأكبر ما يهتمُّون به فيه البائنات لا الحب؛ فقد كان ينتظر من والد الفتاة أن يقدِّم لابنته بائنة من المال والثياب والجواهر، ومن العبيد في بعض الأحيان, فإذا لم يكن للبنت مال فنادرًا ما تجد لها زوجًا!!!
ومن أجل هذا كان أقاربها يجمعون لها المال إذا عجز الوالد، وبهذه الطريقة انقلب الزواج بالشراء الذي كان كثير الحدوث في أيام هومر، فصارت المرأة في عهد پركلي هي التي تشتري زوجها!!
ومن هذا الوضع تشكو "ميديا" في إحدى مسرحيات "يورپديز", فلم يكن اليوناني إذًا يتزوج لأنه يحبُّ، ولا لأنه يرغب في الزواج، فهو كثير التحدُّث عن متاعبه، بل ليحافظ على نفسه وعلى الدولة عن طريق زوجة جاءته بثروة مناسبة.
ولقد كان الرجل - رغم المغريات كلها - يتجنب الزواج ما دام يستطيع تجنبه, وكانت حرفية القانون تُحرَّم عليه أن يبقى أعزبَ, ولكن القانون لم يكن يُنفَّذ دائمًا في أيام پركليز, ولما انقضى عهده زاد عدد العُزَّاب حتى صار مشكلة من المشاكل الأساسية في أثينا, حقًّا ما أكثر الأمور التي تدهش الإنسان في بلاد اليونان!
وكان الذين يرضون بالزواج من الرجال يتزوَّجون متأخرين - في سن الثلاثين عادة - ثم يصرون على الزواج من فتيات لا تزيد سنهن على خمسة عشر عامًا!!
وفي ذلك تقول إحدى الشخصيات في مسرحية ليورپديز: "إن زواج الشابِّ من زوجة شابَّة شرٌّ مستطير؛ وسبب ذلك أن قوَّة الرجل تبقى طويلاً، أما نضرة الجمال فسرعان ما تفارق صورة المرأة!!".
يتبع إن شاء الله... |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: حقوق النساء في شريعة السماء الأربعاء 22 فبراير 2012, 11:24 pm | |
| فإذا ما تمَّ اختيار الزوجة واتفق على بائنتها، تمت خطبتها رسميًّا في بيت والدها, ويجب أن يحضر هذه الخطبة شهود، ولكن حضور الفتاة نفسها لم يكن ضروريًّا.
فإذا لم تتم هذه الخطبة الرسمية لا يعترف القانون الأثينى بالزواج، وكان يجوز للزوج دائمًا أن يطلقها في أي وقت يشاء بلا سبب، فالطلاق يُبَاح أيضًا إذا تراضى الزوجان، وكان هذا التراضي يعبر عنه عادة بإعلانه رسميًّا إلى الأركون، وإذا افترق الزوجان بقى الأطفال مع أبيهم حتى إذا ثبت الزنا عليه. وجملة القول أن العادات والشريعة الأثينية فيما يختصُّ بالعلاقات بين الرجال والنساء كانت كلها من صنع الرجال، وهى تمثل النكوص عن وصل إليه المجتمع في مصر وكريت وبلاد اليونان نفسها في عصر هومر، وتميل بالمجتمع الأثينى ناحية إهدار حقوق المرأة".
ويضيف ديورانت:
"من الأمور التي لا تقلُّ دهشة الإنسان منها عن دهشته من أي شئ آخر في هذه الحضارة، أنها ازدهرت من غير أن يكون لها عون أو حافز من المرأة.
اختفت النساء المتزوجات من تاريخ اليونان بين يوم وليلة، كأن الأقدار قد أرادت أن تدحض حجة القائلين بأن ثمة ارتباطًا بين مستوى الحضارة في بلد ما ومركز المرأة فيه.
فبينما نرى المرأة في تاريخ هيرودوت في كل مكان، لا نراها في تاريخ توكيديدز في أي مكان، وترى الأدب اليوناني من سمنيدز الأمرجوسى إلى لوشان يكرر أخطاء النساء تكريرًا تشمئز منه النفس، وفى آخر هذا العصر يكرر فلوطارخس الرحيم نفسه قول توكيديدز: "يجب أن يُحْبَس اسم السيدة المصونة في البيت كما يحبس فيه جسمها!!.
وهذه العزلة النسائية لا وجود لها عند الدوريين، وأكبر الظن أنها جاءت من الشرق الأدنى إلى أيونيا، ثم انتقلت من أيونيا إلى أتكا، فهي جزء من تقاليد آسيا.
ولعل اختفاء نظام التوارث عن طريق الأم، ونشأة الطبقات الوسطى، وسيطرة النظرة التجارية إلى الحياة، لعل لهذه الأمور أثرها في هذا التغيير؛ ذلك أن الرجال في هذه الأحوال ينظرون إلى النساء نظرة نفعية، فيَجِدُونَهُنَّ أكثر فائدة لهم في البيت.
وتتفق الصبغة الشرقية التي اصطبغ بها الزواج اليوناني مع نظام العزلة التكية (Attic), فهذا الزواج يقطع الصلة بين العروس وأقاربها، فتذهب لتعيش معيشة لا تكاد تختلف عن عيشة الخدم في بيت غير بيتها.
ولم يكن في مقدورها أن تتعاقد على شيء, أو أن تستدين أكثر من مبلغ تافه, أو أن ترفع قضايا أمام المحاكم.
وإذا مات الزوج لا ترث زوجته شيئًا من ماله.
وحتى العيب الفسيولوجى في أمور التناسل يُعَدُّ سببًا مشروعًا لإخضاعها للرجل، فبينما كان جهل الرجل فى الأزمنة البدائية في أمور التناسل يؤدى إلى رفع المرأة، نرى النظرية السائدة في عصر اليونان الزاهر ترفع من شأن الرجل بتقريرها أن قوة التناسل يختصُّ بها الرجل وحده، وأن المرأة لا تعدو أن تكون حاملاً للطفل ومرضعًا له.
وكان كِبَرُ سِنِّ الرجل عن المرأة وقت الزواج من أسباب خضوع المرأة, فقد كانت سنه في ذلك الوقت ضعفي سنها، وكان في وُسْعِه -إلى حدٍّ ما- أن يُشَكِّل عقلها حسب آرائه وفلسفته في الحياة.
وما من شكٍّ أن الرجل كان يعرف ما يتمتع به الرجال من حرية في المسائل الجنسية في أثينا معرفة تمنعه من أن يجازف بإطلاق الحرية لزوجته أو ابنته، فهو يختار الحرية لنفسه على أن يكون ثمنها عزلة زوجته أو ابنته.
ولقد كان في وسعها إذا تحجبت الحجاب اللائق بها، وصَحِبها مَن يوثق به، أن تزور أقاربها، وأن تشترك في الاحتفالات الدينية - ومنها مشاهدة التمثيل - أما فيما عدا هذا فقد كان ينتظر منها أن تقبع في منزلها، وألاَّ تسمح لأحد بأن يراها من النافذة.
وكانت تقضى حياتها في جناح النساء القائم في مؤخِّرة الدار، ولم يكن يسمح لزائر من الرجال أن يدخل فيه، كما لم يكن يسمح لها بالظهور إذا كان مع زوجها زائر.
وكانت وهى في البيت تُطَاع في كل ما لا يتعارض مع سلطة زوجها الأبوية.
فهي تدبر شؤون البيت أو تشرف على تدبيرها وهى تطهو الطعام، وتمشِّط الصوف وتغزله، وتخيط ثياب الأسرة وتصنع فراشها.
ويكاد تعليمها أن يكون مقصورًا على الفنون المنزلية؛ لأن اليونان كانوا يعتقدون مثل يوپديز أن ذكاء المرأة يعوقها عن أداء واجباتها؛ وكانت نتيجة ذلك أن نساء أثينا المحصَّنات كن أكثر تواضعًا، وأكثر فتنة لأزواجهن من مثيلاتهن في اسپارطة، ولكنهن كن في الوقت نفسه أقل منهن ظرفًا ونضوجًا، عاجزات عن أن يكن رفيقات لأزواجهن؛ لأن عقول الأزواج قد امتلأت وصقلت بتجارب الحياة المختلفة, ومن أجل هذا فإن الأدب اليوناني لم يستفد شيئًا من نساء أثينا في عصر پركليز، وكان أرسطوفان يسخر منهن بألفاظ وقحة صاخبة"(2).
ولم يكن الفيلسوف أفلاطون بأفضل رأيًا في المرأة؛ إذ يرى في كتابه عن الجمهورية المثالية أن النساء هن أدوات للتناسل فقط، فيجب وضعهن في غُرَفٍ خاصة للتناسل مع رجال بلا تمييز ولا زواج، والأطفال الذين ينتجون عن هذه العلاقات الجنسية الفوضوية ينتزعون من أمهاتهم بمجرَّد انتهاء فترة الرضاعة؛ حيث تتولى السلطة تربيتهم في معاهد خاصة, ولا يرون أمهاتهم بعد ذلك مطلقًا ولا يتعرَّفن عليهن!!
وإذا مارست المرأة دون سن العشرين الجنس أو كان رفيقها أكبر من خمسين سنة فإن الطفل الذي يولد نتيجة لهذه العلاقة يجب إعدامه بتركه حتى الموت جوعًا؛ لأنه لا يصلح ليكون عضوًا نافعًا حسب زعم أفلاطون!! ولا يعترف أفلاطون بالأسرة أو الزواج أو أية حقوق للمرأة في حضانة وتربية فَلَذَاتِ كَبِدِها أو حتى رؤيتهم بعد ذلك مطلقًا!!
وكان الفُرْس يبيحون النساء حتى المحارم لكل الرجال بدون زواج, وجاءت هذه الإباحة طبقًا لمذهب "مزدك" الذي أعلن أن سبب كل الفتن هو النساء, ولذلك أباحهن للكافة!(3).
وعقب معركة القادسية أمر يزجرد ملك الفرس بقتل كل النساء اللاتي كن يصرخن حزنًا على القتلى من أقاربهن!!!.
ولم يكن حظُّ المرأة عند الرومان بأوفر من حظها عند الفرس أو اليونان؛ فشعار الروم الشهير كان هو "قيد المرأة لا يُنزع ونَيْرُها - استعبادها - لا يُخلع"!! وكانت عقيدة الرومان هي "نجاسة المرأة" وأنها هي الخطيئة، والابتعاد عنها فضيلة لمَن لا تغلبه الرذيلة!!(4).
وكان من نتائج هذا الفكر الظالم انهيار كل مكانة, وانعدام أية حقوق للنساء, ثم خطا الفكر المسيحي الأوروبي خطوات أبعد وأشد تطرُّفًا وشذوذًا؛ عندما راحت المجامع الأوروبية - مثل مجمع "ماكون" - تبحث في القرن الخامس الميلادي قضية اختلفوا حولها وهى التساؤل عما إذا كانت المرأة جسدًا فقط بلا روح, أم أنها جسد وروح كالرجل, وتغلب الرأي الذي أفتاهم بأن المرأة جسد بلا روح!! ولم يكن هناك استثناء من هذه القاعدة - على حدِّ زعمهم - إلا السيدة مريم - عليها السلام-!!
وإذا كان الأمر كذلك فقد أفتوا بأنها لا تصلح إلا لخدمة الرجل من صباها إلى مماتها، ولا حق لها في شيء إلا ما يتفضل به عليها سيدها الرجل!! وما زال معظم الرهبان يظن أن الابتعاد عن النساء ضرورة؛ لأنهن حبائل الشيطان وسبب كل الخطايا!!
ولو قال أحد من المسلمين مثل هذا لقامت قيامة الغرب!!
وكانت شريعة "مانو" في الهند لا تعترف بوجود للمرأة استقلالاً عن أبيها أو زوجها أو ولدها في حالة عدم وجود الأب والزوج.
وكانوا لا يعترفون لها حتى بحق الحياة بعد الزوج، فإذا مات وشرعوا في حرق جثته فإنهم يحرقون الزوجة حَيَّة معه ويبعثرون أشلاءها مع أشلائه!!
وفى شريعة "حمورابى" في بابل كانت النساء تعتبر في عداد الماشية والأغنام المملوكة, وكان عندهم نصٌّ على أنه إذا قتل شخص ابنة رجل آخر فإن على القاتل أن يُسلم ابنته إلى والد القتيلة ليقتلها قصاصًا وانتقامًا أو يمتلكها كجارية إلى الأبد بدلاً من قتلها!!
وهكذا لا يقتص من القاتل بل تدفع ابنته المسكينة ثمن جريمة أبيها!!
ويظن بعض الناس أن عادة وأد البنات الوحشية كانت موجودة فقط عند عرب الجاهلية، وهو ظن خاطئ تمامًا؛ إذ أن عادة قتل المولود – الأنثى - عرفتها شعوب كثيرة, بل كانت - وما زالت موجودة حتى الآن - في المناطق الريفية من الصين.
ولم يُنصف المرأة أي تشريع في أيَّة أمة قبل نزول القرآن الكريم.
وزاد الطين بِلَّة عندما قام اليهود والنصارى بتحريف التوراة والإنجيل لإضافة نصوص بشعة ما أنزل الله بها من سلطان!!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أضاف المجرمون في التوراة نصوصًا تُلصق الخطيئة بحواء وحدها، وتزعم أن الشيطان أغوى حواء وساعدته الحية حتى أكلت حواء من الشجرة المُحَّرمة ليأكل آدم بعدها بدوره، فتسببت حواء بذلك في طردهما من الجنة!!
ونورد فيما يلي النص الذي حرَّفوه بالتوراة لتأتى القصة على النحو الذي يروق لهم، وهو الإصحاح الثالث من سفر التكوين الذي جاء به:
"وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية... فقالت للمرأة: أحقًّا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منها ولا تمساه لئلا تموتا.
فقالت الحية للمرأة: لن تموتا, بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تتفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر, فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل, وأنها بهجة للعيون, وأن الشجرة شهية للنظر، وأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل.
وانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان.
فخاطا أوراق تين، وصنعا لأنفسهما مآزر، وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار, فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة، فخشيت لأني عريان واختبأت.
فقال: مَن أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة: فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غَرَّتْنِى فأكلت.
فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية، على بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك، وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه، وقال للمرأة: تكثيرًا أُكَثِّر أتعاب حبلك.
بالوجع تلدين أولادًا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك، وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً: لا تأكل منها - ملعونة الأرض بسببك.
بالتعب تأكل منها كلَّ أيام حياتك.
وشوكًا وحسكًا تنبت لك، وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك, تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب، وإلى تراب تعود...".
وعلى هذا النحو سارت كتب العهد الجديد حيث جاء في الإصحاح الحادي عشر من كتاب كورنثوس الثاني:
"ولكنني أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح".
وذكر في تيموثاوس من الإصحاح الثاني:" إن آدم لم يغوِ، ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي".
وهكذا ألصقت الأناجيل الخطيئة بحواء وحدها على غرار ما فعلت التوراة!!.
ويبدو أن من بَدَّلوا التوراة كانوا يُكِنُّون كراهية شديدة للنساء، فلم يكتفوا بإلصاق الخطيئة بحواء وحدها وإنما أضافوا نصوصًا أخرى للحط من قيمة النساء والتنفير منهن، وسار مفكرو النصرانية على ذات الدرب أيضَا، فهي عندهم "حبالة الشيطان ومصدر النقمة والشرور، وأسلم ما يكون الرجل أبعد ما يكون عنها".
ومن تلك النصوص التي تبث الكراهية للمرأة: "إنها إبريق مُلِئ بالقاذورات وفمها مُلِئ بالدم، ومع ذلك يجرى وراءها الجميع".
وحاشا لله أن يهبط الوحي المقدس بمثل هذا الكلام على نبي من الأنبياء - عليهم السلام - وقالت الموسوعة اليهودية أيضَا: "وكان الخوف من المرأة باعتبارها مصدر الغواية والإغراء وسبب الانفلات الكبير في الأمور الجنسية بين عامة الشعب" انتهى(5).
يتبع إن شاء الله... |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: حقوق النساء في شريعة السماء الثلاثاء 27 مارس 2012, 7:04 am | |
| وفى التوراة أيضَا: "وإذا إمرأة استقبلته في زى زانية وخبيثة القلب" الأمثال10:7.
ووضع المجرمون نصوصًا مماثلة في الأناجيل منها ما يرمى ابنتي لوط عليه السلام بالفاحشة وينسب إليهما أنهما سقتا أباهما خمرًا وزنتا معه وحملتا من أبيهما سفاحًا!!
وإذا كانوا قد افتروا هذا على بنات الأنبياء و على السيدة مريم أيضًا فهل تكون عامة النساء أفضل حظًا عندهم؟!!
وقد استمرت المهانة والإذلال وإهدار آدمية النساء في أوروبا حتى القرن التاسع عشر الميلادي، ولم تحصل المرأة على أي حقوق هناك إلا بعد ثلاثة عشر قرنًا كاملة من نزول القرآن الكريم.
ويكفى أن نورد ما قاله لورانس ستون أحد كبار الكُتَّاب الاجتماعيين في أوروبا في كتابه "الطريق الطويل نحو الطلاق في إنجلترا", فقد ذكر ستون أنه كان مسموحًا ببيع "الزوجة" في مقاطعة بريطانيا ونيو إنجلند إلى شخص آخر بكل أغراضها.
وكان بيع الزوجات يتم علنًا في أسواق الماشية كما تُباع الأبقار والأغنام!!! لاحظ أننا نتحدث عن الزوجات وليست الجواري!!
واستمرت تلك الممارسات حتى أواخر القرن الثامن عشر، ولم تتوقَّف طوال قرون رغم استنكار الصحافة المحلية!!
وكان الزوج الذي لا يستطيع تطليق زوجته -بسبب الحظر القانوني لذلك وقتها- يطردها من البيت ويحضر عشيقته لتنام معه على فراش زوجته الطريدة، وينفق على العشيقة من مال الزوجة حتى يدفع الأخيرة إلى الانتحار أو الجنون أو قتلهما معًا؛ لتتخلص من الجحيم الذي تعيش فيه على الأرض!(6).
وفى عام 1790م باعت كنيسة في انجلترا امرأة في السوق بشلنين فقط؛ لأن تلك الكنيسة عجزت عن إيواء المرأة المسكينة أو إطعامها!!!
وسوف يطالع القارئ العزيز في مواضع أخرى من هذه الدراسة أرقامًا مُفْزِعة تُظْهِر بجلاء أن كثيرًا من الاضطهاد والظلم والجرائم بكل أنواعها ما زال يرتكب ضد النساء في أوروبا وأمريكا رغم كل مزاعم المدنية والحضارة والمساواة بين الجنسين!!!
فالمسألة ليست شعارات جوفاء لا صلة لها بالواقع، إنما يكون احترام المرأة والمحافظة على حقوقها، نابعًا من عقيدة صادقة، يؤمن صاحبها أن الله تعالى قد فرض عليه أن يحب لنسائه ما يحب لنفسه, وإكرام المرأة التي هي أخته في الإنسانية وهى أمه وجدته وابنته وزوجته أيضًا.
وذلك لن يكون بغير الإسلام، ولن تجده عند غير المسلمين.
المـراجـع:
1- انظر: فردريك أنجلز: The Origin of the Family. 2- ول ديورانت, قصة الحضارة - ترجمة محمد بدران – طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب – مصر – الجزء الرابع "حياة اليونان" ص 112-119. 3- الكامل في التاريخ - لابن الأثير (1/318), وكذلك الملل والنحل للشهرستانى (1/249) . 4- المرأة في القرآن - عباس محمود العقاد, ص 48 – طبعة شركة نهضة مصر– القاهرة– مصر. 5- الموسوعة اليهودية – باللغة الانجليزية – مشار إليه عند زكى على أبو غضة: المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام – ص 244-245 – طبعة دار الوفاء – مصر. 6- لورانس ستون – الطريق الطويل إلى الطلاق في انجلترا – Road to divorce – England, Oxford University Press – 1990..
الفصل الثاني
إنصاف حواء:
رد الإسلام إلى المرأة كيانها كإنسان, فليست حيوانًا ولا أداة ولا متاعًا يملكه الرجل كما كانت كل الأمم قبل الإسلام تعتقد وتعاملها على هذا النحو.
والآيات في ذلك عديدة منها قوله تعالى: {فَاستجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195].
ومن يتأمَّل قوله -تعالى-: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} يدرك فورًا أن أصل الخلق واحد بالنسبة للجميع ذكورًا وإناثًَا, والله - سبحانه وتعالى - هو "رب العالمين" كلهم، والعالمين تشمل الإناث كما تشمل الذكور.
وتقول الآية الأولى من سورة النساء عن الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1].
فقد خلق الله كل البشر من آدم - عليه السلام - وحواء زوجته التي خلقها الله - تعالى - من أحد أضلاعه، فهي جزء منه, وليست مخلوقًا أدنى, ولا هي بحيوان أو جماد كما زعم الآخرون.
كما أن كل البشر - باستثناء آدم - قد وُلِدُوا من رَحِم امرأة، والكلُّ مخلوقٌ من طين الأرض، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وصالح الأعمال.
وفى هذا المعنى ورد الحديث الشريف «النساء شقائق الرجال» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والبزّار, وذكره القرطبى في تفسيره(1).
والمساواة بين الرجال والنساء فى الثواب والأجر على الأعمال الصالحة مقرَّر بنص القرآن الكريم: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} النحل: 97 (2).
وكما يتساوى الذكور والإناث فى الثواب فإنهم يتساوون فى العقاب على السيئات.
بل نجد أن المرأة تُعفى من العقاب إذا أكرهها الرجل على الزنا أو غيره من الجرائم، مراعاة لضعفها وتسلُّطه عليها بقوته البدنية.
وهناك نهى صريح فى سورة النور الآية رقم 33 عن ذلك؛ قال -تعالى-: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور : 33].
فإذا حدث هذا الإكراه فإن ذات الآية تقرِّر أن الله سيغفر لهن: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] كما يُؤجل تنفيذ العقوبة على الحامل حتى تضع وترضع طفلها عامين.
الحق في الحياة:
وحرص الإسلام على حماية حق المرأة فى الحياة ، فهي نفس، وقد حرَّم الله, قتل النفس بغير جريمة ارتكبتها أو إفساد فى الأرض ، كما نهى الإسلام بشدَّة عن وأد البنات المسكينات لمجرَّد أنهن إناث.
قال - تعالى -: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179], وقال - تعالى -: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45], ولا عبرة فى القصاص أو الدية - التعويض - عن القتل أو الجرح أو إتلاف عضو من البدن بكون المجنى عليه ذكرًا أو أنثى.
وأمَّا وأد البنات فقد قال الله - سبحانه - فيه: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58- 59].
تأمَّل وصف المولى لأهل الجاهلية حين يبلغ أحدهم خبر ولادة أنثى له، وكيف يكتسى وجهه بالكآبة والسواد - المعنوى طبعًا - وهو يحاول كتمان ما به من غيظ وحسرة ويتفادى لقاء الناس؛ لأن زوجته ولدت أنثى ولم تلد له ذكرًا يحارب معه حين يكبر ويحوز الغنائم والرئاسة فى قومه...
ثم يُصوِّر القرآن مستخدما أبلغ وأقل عدد من الكلمات الحالة النفسية المنهارة للأب الكافر، وكيف تعصف به الهواجس والحيرة فلا يدرى: أيحتفظ بالمولودة على هوانها وضعفها واحتمالات تسببها فى عار يلحق به إن وقعت فى أسر إحدى القبائل المغيرة، مع ما تُكَلِّفه من نفقات إطعامها وكسوتها بلا مقابل تقدمه دفاعًا عن القبيلة وإحرازًا للمكاسب؟!!
أم يدفنها حيَّة فى التراب ليتخلص من عبئها الثقيل ونفعها القليل وعارها الذليل؟!! وانظر إلى حكم ربنا - عز وجل - في نهاية الآية: {أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} لتعلم علم اليقين أن هذا كلام رب العالمين حقًّا؛ لأنه لا ينحاز إلى الرجل ضد المرأة ، فالكلُّ عباد وإماء له.
ولو كان هذا الكلام من عند النبى -كما زعم الكفار- لكان أفضل له ألاَّ يتطرَّق إلى ذكر هذا الموضوع أبدًا، لأنه يصطدم بعادات وتقاليد الجاهليين، وهى أقوى عندهم من رابطة الدم, إلى درجة أن الأب لا تجد عاطفة الأبوة لها موضعًا فى نفسه وهو يدفن فَلَذَةَ كَبِدِه حيّة في التراب إلى أن تخمد أنفاسها البريئة, وهو في ذلك الدرك الأسفل من الإجرام وانعدام الرحمة، ولا نقول الوحشية، فإننا لم نجد على مرِّ التاريخ أسدًا أو نمرًا أو ذئبًا يدفن كبده فى التراب، بل يقاتل لحماية أشباله حتى آخر قطرة دم, وتوعَّد القرآن من يفعل ذلك بأشد الحساب و العقاب يوم القيامة: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8- 9].
البرّ بالأمهات والبنات والأخوات:
وقد جاء تحريم وأد البنات صريحًا قاطعًا كذلك فى الحديث الشريف الذى رواه الإمام البخاري عن لمغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات، ومنعًا وهات، ووأد البنات, وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».
وفى هذا الحديث العظيم نصٌّ على تحريم قتل المولودة الأنثى كما كانت كثير من الشعوب تفعل قبل الإسلام.
ونلاحظ أيضًا حكمًا آخر فى ذات الحديث هو تحريم عقوق الأمهات؛ أي: الإساءة إليهن بقول أو فعل.
وهكذا نجد حديثا واحدا يحظر قتلها ويُحرِّم كذلك الإساءة إليها مطلقًا. وبذلك نخلص إلى حتمية الاعتراف لهن أوَّلاً بالحق فى الحياة ثم حتمية الإحسان إليهن طوال تلك الحياة.
وروى البخاري أيضًا أن رجلاً سأل النبى - صلى الله عليه وسلم -: مَن أحق الناس بحسن صحابتى؟ قال: «أمك» قال: ثم مَن؟ قال: «أمك» قال ثم مَن؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أبوك», وهكذا فقد أوصاه - عليه السلام - بالأم ثلاث مرات وبالأب مرة واحدة, وكل امرأة هى أم لرجل أو ابنة لرجل حتمًا.
ولم يقتصر الإسلام على تحريم القتل أو الإساءة إليهن بل حثَّ الرجال على رعايتهن والبرِّ بهن, ووعد مَن يحسن إليهن بأعظم الأجر والثواب من الله فى الدنيا والآخرة.
وهذه الصلة والبرُّ بالأم مفروضة حتى لو كانت مشركة لا تؤمن بالله.
روى البخاري عن أسماء بنت أبى بكر -رضي الله عنهما- أن أمها قدمت إليها فى المدينة فقالت أسماء للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن أمي المشركة قدمت وهى راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم صلى أمك» , صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه.
وللجدَّات والعمَّات والخالات مكانة الأم ذاتها, وهن نساء, ويمتدُّ الحث على البرِّ والإحسان إلى البنات والأخوات.
روى الطبراني عن عوف بن مالك - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلم يكون له ثلاث بنات فينفق عليهن حتى يَبِنَّ أو يَمُتْنَ إلا كُنَّ له حجابًا من النار», فقالت امرأة: أو بنتان؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «أو بنتان».
وفى رواية لأبى سعيد الخدرى - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن, واتقى الله فيهن فله الجنة», ورواه الترمذي أيضًا بألفاظ قريبة.
وروى أحمد و الطبرانى عن أم مسلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَن أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتى قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما من فضل الله أو يكفيهما كانتا سترًا له من النار».
وعن جابر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن كان له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنَّة البتّة» قيل: يا رسول الله فإن كانتا اثنتين؟ قال: «وإن كانتا اثنتين», قال: فودَّ بعض القوم أن لو قالوا له : "واحدة" ليقول - عليه السلام -: "أو واحدة".
وفى رواية أخرى عن أبى هريرة - رضي الله عنه -: قال رجل: يا رسول الله وواحدة؟ قال - عليه السلام -: «وواحدة»؛ رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد(3).
كما روى أبو داود عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «مَن كانت له أنثى فلم يئدها ولم يُهنها ولم يؤثر ولده -الذكر- عليها أدخله الله الجنة».
فهل يستطيع أحد بعد كل هذه النصوص أن يزعم أن الإسلام لم ينصف المرأة ؟! وهل هناك مزيد يمكن لأى تشريع أن يقدمه لها فوق ذلك؟! يتبع إن شاء الله... |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: حقوق النساء في شريعة السماء الثلاثاء 27 مارس 2012, 7:27 am | |
| حمايتهن أثناء الحرب:
ومَن يراجع أحكام القتال فى الإسلام يدرك فورًا جانبًا مهمًّا من جوانب العظمة والرحمة فى هذا الدين الحنيف.
فقد راعى الشارع الحكيم ضعف المرأة وحاجتها إلى الرعاية والحماية من الأهوال والفظائع التى ترتكبها الجيوش فى كل مكان وزمان فى أوقات الحروب العصيبة, ولا جدال فى أن أغلب ضحايا الصراعات المسلَّحة عادةً هم الضعفاء من النساء والأطفال والمرضى والعجائز، فنصَّ القرآن على ضرورة القتال دفاعًا عن هؤلاء المستضعفين: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].
وكما يقول المفسرون:
إن الأمر بالقتال هنا هو للرجال من المؤمنين الذين عليهم إغاثة المستضعفين المضطهَدين.
قال الشوكانى فى فتح القدير:
"المعنى: ما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله وسبيل المستضعفين؛ حتى تخلّصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد، وخصَّ بالذكر المستضعفين فإنهم من أعظم ما يصدق عليه (سبيل الله), ولا يبعد أن يُقال أن لفظ الآية أوسع"(4).
وهكذا فرض الله على الرجال القتال لحماية النساء وغيرهن من المستضعفين, ورفع الظلم والإذلال والإستعباد عن الجميع, و في الوقت ذاته أعفى الإسلام المرأة من القتال؛ رحمة بها وإشفاقًا عليها من التعرض للقتل أو الجراح أو الوقوع فى الأسر والتعرُّض للإسترقاق والاغتصاب وغيره من الأهوال.
ويُجَوِّز للنساء المشاركة فى إسعاف الجرحى وإطعام الجنود وسقيهم, كما حدث فى غزوة بدر وغزوة أُحد.
ولها أن تشارك فى القتال فى حالات الضرورة دفاعًا عن النفس والأطفال إذا لم يوجد رجال أو لم يكفِ عددهم لصدِّ الأعداء.
وحتى على الجانب المقابل وهو جيش الأعداء أو بلادهم، فقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النساء والأطفال؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلاً ولا امرأة» رواه أبو داود فى سننه, ومَّر صلى الله عليه وسلم بعد إحدى المعارك بجثث قتلى الكُفَّار فرأى جثة امرأة, فغضب الرسول عليه غضبا شديدًا واستنكر قتلها قائلاً: «ما بالها قُتلت ولم تقاتل؟!» رواه أبو داود, وفى رواية عند البخارى أن إمرأة وُجدت فى بعض مغازى النبى -صلى الله عليه وسلم- مقتولة، فأنكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتل النساء والصبيان.
وفى رواية أخرى للبخارى ومسلم: "وُجدت امرأة مقتولة فى بعض مغازى النبى صلى الله عليه وسلم فنهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان", وقال الدكتور موسى شاهين لاشين أستاذ الحديث بجامعة الأزهر تعليقًا على الحديث: قد اتَّفق العلماء على منع قتل النساء من الأعداء والأطفال وغير المحاربين(5).
وفى حالة الوقوع فى الأسر؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يُفَرَّق بين الوالدة وولدها» فقيل حتى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية»؛ رواه البيهقى فى "السنن".
وتمتدُّ هذه الرحمة العامة لتشمل حتى إناث الطيور:
روى ابن مسعود: كنا مع النبى - صلى الله عليه وسلم- في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَة - طائر- معها فرخان فأخذت الحمرة تعرش -تُحَلِّق حولهم- فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فرآها فقال: «مَن فجع هذه بولدها؟ رُدُّوا ولدها إليها»، والحديث في "صحيح الجامع" وهو واضح الدلالة على الرحمة حتى بالأمهات من الطيور.
وتتمتَّع المرأة الأسيرة بالحماية والضمانات التى كفلها الإسلام للأسرى رجالاً كانوا أم نساء:
فقد فرض الإسلام حسن معاملة الأسرى وإطعامهم وإيوائهم وحظر التعذيب وسائر ألوان الإهانة والبطش, بل جعل الإحسان إلى الأسرى من المكارم وفضائل الأعمال.
وأورد القرآن الكريم فى أواخر ما نزل من الآيات قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4]. وهكذا يأمر الإسلام بالتكرُّم على الأسيرات بإطلاق سراحهن بلا مقابل -والأسرى من الرجال كذلك- أو بفداء وهو تبادل الأسرى بين الجانبين، أو تعويضات مادية مقابل ما أحدثه الجيش المعتدى من أضرار, ومن العدل كل العدل أن مَن تسبَّب في الدمار هو الذى يدفع تكاليف الإصلاح.
كما فتح الإسلام أبواب الحرية على مصاريعها للجوارى والعبيد بعشرات الوسائل التى فرضها لعتق وإنقاذ هؤلاء من ذل الرق.
وتختص الجارية بفرصة للتحرَّر لا ينالها الرجل, فالجارية لا يعاشرها إلا سيدها بموجب عقد ملك اليمين الذى يفرض عليه إطعامها وكسوتها والإحسان فى عشرتها تمامًا كزوجته.
فإن ولدت منه طفلاً تنال حريتها ولو كان المولود سقطًا -جنينًا ميتًا لم يكتمل نموه- ويحظر على سيدها بيعها؛ لأنها تصبح "أم ولد".
وليس هذا هو الحال بالنسبة للعبد -الذكر- لأنه لو تزوَّج من حُرَّة وأنجب منها لا يصبح حُرًّا بهذا الإنجاب، وإنما عليه السعى لتحرير نفسه بوسائل أخرى تشاركه فيها الجارية الأنثى أيضًا (6).
ومن أحكام الجهاد أيضًا أنه لا يجوز للرجل الخروج للقتال بدون إذن أبويه وخاصة أمه؛ روى الشيخان أن رجلاً جاء يستأذن النبى -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد فسأله: «أحي والداك؟» قال: نعم, قال: «ففيهما فجاهد».
وروى الطبراني أن رجلاً أستأذن النبى -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد فسأله: «أمك حيّة؟» قال الرجل: نعم, قال النبي: «الزم رجلها فثمَّ الجنَّة».
وهكذا قدَّم الإسلام بِرَّ الأم على الجهاد فى سبيل الله.
وإذا كان الإسلام قد أعفى المرأة من أهوال القتل والقتال فإنه لم يحرمها من أجر مماثل لأجر الرجال المقاتلين فى سبيل الله؛ روى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "استأذنت النبى -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد فقال «جهادكن الحج», وفى رواية ثانية للبخارى أيضًا أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: «نِعم الجهاد الحج».
والحديث واضح الدلالة على أن القتال غير واجب على النساء, وأن الجهاد متعدد ومتنوِّع(7).
وقد روت كتب السيرة والأحاديث قصة وافدة النساء وهى أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية التى أبلغت الرسول -عليه الصلاة والسلام- رسالة من جموع النساء يطالبن فيها بعمل، كأعمال الجهاد وصلاة الجمعة والجماعة التى يقوم بها الرجال لنيل الأجر مثلهم, فأعجب -عليه الصلاة والسلام- بفصاحتها وحرصهن على نيل الخير والثواب, وأخبرها أن حسن تبعُّل المرأة لزوجها -أي قيامها بواجباتها كزوجة- يساوى القتال في الأجر، فهو بنص كلامه عليه الصلاة والسلام: «يعدل ذلك كله»، والحديث رواه الإمام أحمد.
كما تنال المرأة درجة الشهداء إذا ماتت أثناء الولادة أوالنِّفاس, وهى وسيلة للشهادة لا يملكها الرجل بطبيعة الحال.
فقد روى أحمد والنسائى وأبو داود: «والمرأة تموت بجمع -أثناء الولادة- شهيدة».
نساء في القرآن:
توجد فى القرآن الكريم عشرات الآيات التي تناولت تفصيلاً كل شؤون المرأة وحقوقها, وأوجبت البر بها ورعايتها وحسن معاشرتها, وحذّرت الرجال من عقاب رادع فى حالة مخالفة كل ذلك.
وتجد فى القراَن سورة عظيمة اسمها سورة "النساء"، ولا نجد سورة باسم "الرجال".
وهناك سورة أخرى اسمها سورة "مريم" وهى امرأة, بينما لا نجد سورة بإسم "أبى بكر" أو "عمر" وهما أعظم رجال الإسلام بعد النبى صلى الله عليه وسلم.
بل إن كثيرًا من الرسل والأنبياء لم يُذْكَرُوا في القرآن بالاسم, بينما ذكرت السيدة مريم.
وكذلك توجد سورة باسم "المُمْتَحَنة" وهى صفة للمرأة , وتأمر هذه السورة النبي -عليه السلام- ومَن معه باختبار النساء اللاتى يهاجرن إليهم في المدينة.
فإذا تبيَّن أنهن جئن مسلمات مؤمنات بالله ورسوله فإن على المسلمين حمايتهن وإيوائهن وعدم ردِّهن إلى الكفار حتى لايقتلونهن أو يردوهن إلى الكفر.
بيعة النساء:
وأمرت ذات السورة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمبايعة النساء كما يبايع الرجال على الإسلام والطاعة فى المعروف ومكارم الأخلاق وعدم إرتكاب الذنوب والمعاصى.
وروى الترمذى وعبد الرازق والنسائى وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر أن عددًا من النساء بايعن النبى على الإسلام طبقًا لما ذكرته هذه السورة, فقال لهن -عليه السلام-: «فيما استطعتن وأطقتن»؛ أي: أنه نبَّههن إلى هذا القيد لرأفته بهن وعلمه أنهن بشرٌ لهن طاقة محدودة, فقالت النساء عند ذلك: "الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا".
وهى عبارة بالغة الدقة والفصاحة والحكمة, وشهادة من النساء أنفسهن بما فى شريعة الإسلام من الرحمة لهن والبر بهن والإحسان إليهن.
وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأتين هما السيدة آسية زوجة فرعون ومريم ابنة عمران, ومدحهما كما مدح ملكة سبأ, بينما ذمَّ رجالاً مثل: فرعون وهامان وقارون وأبي لهب، فهل هذا كتاب ضد المرأة؟!
الله يسمع شكواها:
ونزلت سورة كريمة أخرى هى "المجادلة" ردًّا من الله -عز وجل- على شكوى امرأة, وحلاًّ لمشكلتها هي وكل أخواتها المؤمنات اللاتى يتعرَّضن لذات المشكلة.
ومَن يقرأ هذه السورة يكاد العجب والإعجاب يذهبان بنفسه كل مذهب.
الله -تعالى- بكل عظمته وجلاله وسموِّه وأسمائه الحسنى وصفاته العليا يستمع إلى قول امرأة تجادل نبيه عليه السلام!! بل يساوى -سبحانه- بينها وبين نبيه من حيث إنه: {يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} سورة المجادلة: 1.
فهو -تعالى- سمع كلامها مع النبى -صلى الله عليه وسلم- وعلم -سبحانه- شكواها من قبل أن تنطق بها, وأنزل الرحمن الرحيم فيها قرآنًا يُتْلَى إلى يوم القيامة.
ولم يعاتب المرأة المسكينة لأنها تجاوزت الحد فى جدالها مع النبي واعترضت على الحكم الذى اجتهد فيه النبى عليه الصلاة والسلام -كقاضٍ- قبل نزول الوحى بشأنها.
وهذه الواقعة دليلٌ قاطع لا يقبل إثبات العكس على تمتُّع المرأة بحرية الرأي في ظل الإسلام على أوسع نطاق ممكِن وعلى نحو غير مسبوق.
والقصة كما قال ابن كثير والقرطبى والنسفى وغيرهم -أن أَوْسَ بن الصامت -رضي الله عنه- غضب على امرأته خَوْلَة بنت ثعلبة فقال لها: أنت علىَّ كظهر أمي, وكانوا في الجاهلية يقولونها لنسائهم فتحرم المرأة على زوجها بهذا القول.
ولم يكن الوحى قد نزل بشأن حكم الظهار, فاجتهد النبي -عليه السلام- برأيه البشرى وقال لخولة: «قد حُرمت عليه», فجادلته قائلة: والله ما ذكر طلاقًا, وأشكو إلى الله فاقتي –فقرى- ووحدتي, وأن لي صبية صغارًا إن ضمَّهم إليه ضاعوا, وإن ضممتهم إلى جاعوا، والرسول لا يزيد على تأكيد أنها حرمت على زوجها بهذا الظهار.
وجعلت الصحابية ترفع رأسها إلى السماء وتكرِّر شكواها إلى الله السميع البصير الرحيم.
فأنزل الله -سبحانه- حلاًّ لمشكلتها ومشكلة كل امرأة يتلفَّظ زوجها بكلمة الظهار, وألزم الزوج فى هذه الحالة بالكَفَّارة وهى تحرير عبد أو جارية، فإن لم يَجِد يصوم شهرين متتاليين، فإن لم يقدر على الصيام يطعم ستين مسكينًا وترجع إليه زوجته فالظهار ليس طلاقًا.
خطيئة مشتركة:
ويُحمد للقرآن أنه الكتاب الوحيد الذى أنصف أُمِّنا (حواء) فلم يلصق الخطيئة بها وحدها كما فعلت التوراة والأناجيل بعد تحريفها.
فالنصوص القرآنية صريحة فى أن آدم شارك حواء فى المعصية والأكل من الشجرة المُحَّرمة بعد أن وَسْوَس إليهما الشيطان وأغراهما بذلك.
قال الله -تعالى-: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 35- 36], وقال الله -تعالى- في سورة الأعراف: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20].
بل إننا نلاحظ أن القرآن الكريم قد خصَّ آدم بالذكر رغم اشتراك حواء معه فى المعصية، وذلك فى سورة طه حيث يقول ربنا -تبارك وتعالى-: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 121- 122].
ولا عجب فى ذكر خطأ آدم وحده هنا، فهو النبى الذى يوحى إليه وليس حواء.
كما أنها خُلقت من جسده فهى فرعٌ منه، والأصل مقدَّم في الذكر على الفرع، وهو الذى عَلَّمه ربُّه الأسماء كلها وليست هي.
وخطأ العالم أخطر من خطأ المتعلم، كما أن خطأ الرئيس أو القائد أو المتبوع أشدُّ نُكرًّا وأخطر أثرًا من خطأ المرؤوس أو الجندى أو الأتباع.
ورب الأسرة أَوْلَى باللوم -حين يخطئ- من زوجته؛ لأنه هو القَوَّام والمسئول عن دفة سفينة الأسرة وليست هى. يتبع إن شاء الله... |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: حقوق النساء في شريعة السماء الأربعاء 28 مارس 2012, 2:51 am | |
| آيات الإحسان:
وكذلك أمر المولى -جَلَّ وعلا- بالإحسان إليهن, وكفل لهن كل الحقوق المادية والمعنوية بآيات صريحة قاطعة فى القرآن الكريم، حتى يقطع الطريق على كل من تسوِّل له نفسه إهدار حقوقهن أو الانتقاص منها على أى نحو وبأية وسيلة.
فهناك عشرات الآيات التى نظمت حقوقهن فى الميراث والزواج والطلاق والنفقات وحسن المعاشرة.
ولن نستطيع استعراض أحكام كل تلك الآيات الكريمات، ولهذا نكتفي بعرض بعضها كأمثلة.
ولمن شاء الرجوع إلى كتب التفسير والفقه والحديث ليجد مئات الآلاف من الصفحات المليئة بتفاصيل تلك الحقوق للنساء على نحو يستحيل وجود بعضه فى أية كتب أو ديانات أو شرائع أخرى سماوية كانت أم وضعية.
ويكفى أن نشير هنا إلى قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228], وقوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32], وقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، وقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].
وحين أمر الله -سبحانه- بالبر والإحسان إلى الوالدين فإنه خصَّ الأم بذكر معاناتها فى الحمل والولادة والإرضاع: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14], وأمر الله الابن أن يخفض لأمِّه وأبيه جناح الذل؛ أي: أن يكون رقيقًا بارًّا بهما إلى حدِّ التذلل بين أيديهما: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24], وهذه الآيات وغيرها من نصوص القرآن الكريم تشكِّل نظامًا كاملاً محكمًا لحماية المرأة وكفالة كل حقوقها بلا إفراط أو تفريط (8).
وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- بهن:
بالإضافة إلى نصوص القرآن الكريم نجد عشرات الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة فى الإحسان إلى النساء والرفق بهن.
وقد تقدم بعض هذه الأحاديث فى النهى عن قتلهن, وفى فريضة البر بالأمهات والجدات والبنات والأخوات وغيرهن من ذوات القرابة.
ونضيف هنا أحاديث أخرى منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»؛ رواه الترمذي وصَحَّحه عن السيدة عائشة وهو فى "نيل الأوطار"(9).
وهناك أيضًا قوله -عليه السلام-: «خياركم خياركم لنسائهم»؛ رواه أحمد والترمذى.
وقد كان -صلى الله عليه وسلم- القدوة الحَسَنة في معاشرة الزوجات والتلطُّف معهن والرفق بهن، ولا عجب فهو الذى وصفه ربه قائلاً: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} [القلم: 4] وأخرج البخاري ومسلم عن النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خُلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا».
وهذا لفظ البخارى، أمَّا مسلم فإن عنده إضافةً هى: «فإن استمتعت بها استمعت بها وبها عِوَج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها».
وكما نرى فإن الحديث تضمَّن النهى عن إيذاء الجار، ثم أوصى -صلى الله عليه وسلم- بالنساء مرتين في ذات الحديث.
لاحظ تكرار عبارة: «استوصوا بالنساء» في حديث واحد!.
يقول الإمام الصنعانى تعليقًا على هذا الحديث: "الحديث فيه الأمر بالوصية بالنساء, والاحتمال لهن والصبر على عِوَج أخلاقهن" (10).
وهناك حديث للبخارى قال فيه -عليه السلام-: «إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً» وعلل البخاري الحديث -ذكر سببَه- في ترجمة الباب تحت عنوان: (باب لا يطرق الرجل أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخوَّنهم أو يلتمس عثراتهم), وقال الإمام الصنعانى: لأن الريبة تغلب فى الليل وتندر فى النهار" (11).
وروى أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ما حقُّ زوج أحدنا عليه؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: «تُطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تُقبِّح، ولا تهجر إلا فى البيت».
ويقول الإمام الصنعانى هنا: "دلَّ على وجوب نفقة الزوجة عليه، وألاَّ يختص بالطعام والنفقة دون زوجته، ومثله القول فى الكسوة", وفى الحديث دليلٌ على جواز الضرب تأديبًا، إلا أنه منهى عن ضرب الوجه للزوجة وغيرها، وقوله: «لا تُقبِّح»؛ أي: لا تسمعها ما تكره وتقول: قبَّحك الله ونحوه من الكلام الجافى"(12).
وهناك حديث عند البخارى ومسلم: قال -صلى الله عليه وسلم- لغلامه الحادي: «يا أنجشة رويدك سَوْقًا بالقوارير».
قال المازرى: "قوله «سوقًا بالقوارير» شبههن بها لضعف عزائمهن، والقوارير يُسرع إليها الكسر، وجاء فى كتاب "المعلم بفوائد مسلم": لا تكسر القوارير؛ يعنى: ضعفة النساء؛ أي: الضعاف من النساء"(13), ورويدك كلمة تقال حثًّا على التمهُّل والتأني في السير؛ رفقًا بمن معه من النساء.
ويعد الإسلام الرجل بأجر عظيم إذا أنفق على إمرأته وعياله:
روى البخارى عن أبى مسعود الأنصارى عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة».
وفى حديث آخر عند البخارى أيضًا أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى سعد ابن أبى وقاص -رضي الله عنه- عن التصدُّق بماله كله ونهاه عن التصدق بنصفه، فلما طلب سعد أن يوصى -وكان مريضًا- بثلث ماله قال له -صلى الله عليه وسلم-: «الثلث والثلث كثير, أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفَّفون الناس في أيديهم, ومهما أنفقت فهو لك صدقة، حتى اللقمة ترفعها فى في- فم- امرأتك, ولعل الله يرفعك, ينتفع بك ناس ويُضَّرُ بك آخرون».
والشاهد هنا هو إخباره صلى الله عليه وسلم أن المسلم له ثواب الصدقة حتى ما كان منها إطعامًا لزوجته, فالله يثيبه حتى على اللقمة الصغيرة من الطعام التى يضعها فى فم امرأته.
ويجعل الإسلام ثواب الدينار الذي ينفقه الرجل على أهله -زوجته وأمه وأولاده وبناته- أعظم من ثواب الدينار الذي ينفقه صدقة على الفقراء والمساكين أو الدينار الذي ينفقه في سبيل الله, و نص الحديث موجود في "صحيح الإمام مسلم".
ويبلغ الإسلام بإطعام الأرامل والمساكين ورعايتهم والقيام على مصالحهم أعلى درجات الأجر تمامًا كأجر المقاتل فى سبيل الله, أو العابد الذى لا يتوقَّف عن العبادات كالصلاة والصيام طوال الليل والنهار أى عمره كله.
روى البخاري وغيره عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله, أو القائم الليل الصائم النهار».
ويتضاعف الأجر إن كانت الأرملة أوالمسكينة من ذوى القربى؛ إذ ينال راعيهما أجر الجهاد برعايتهما بالإضافة إلى أجر صلة الرحم.
والأجر العظيم -أجر الجهاد فى سبيل الله- يناله أيضًا مَن يرعى زوجات المقاتلين وأطفالهم أثناء غيابهم فى ساحات الحروب.
روى أبو داود عن زيد بن خالد الجُهَنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن جهَّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا, ومَن خَلَفَه في أهله بخير فقد غزا», وأهل المقاتل فى سبيل الله هم زوجته وعياله.
وامتدح النبي -صلى الله عليه وسلم- الزوجة الصالحة:
روى أبو داود أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر -رضي الله عنه- في حديث طويل كان آخره: «ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرَّته, وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته», فهل هناك وصف للمرأة الصالحة أجمل من أن يسميها النبي كنزًا أي: أغلى ما يملكه المسلم؟!
وأخيرًا, فقد كَرَّم الإسلام المرأة تكريمًا -بل لعله تدليل لها- حين أباح لها التمتُّع بلبس الحرير والتحلى بالذهب، ونهى الرجال عنهما وعن التعطُّر بالزعفران الذي هو مباح للمرأة بدوره.
وأحاديث تحريم الذهب والحرير والزعفران على الرجال عند البخاري ومسلم, ونختار هنا رواية أبى داود عن على بن أبى طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ حريرًا فجعله فى يمينه وأخذ ذهبًا فجعله فى شماله ثم قال: «هذان حرام على ذكور أمتي».
وفى حديث عند البخارى أنه نهى الرجل عن عطر الزعفران.
وروى أحمد والنسائى والترمذى وصحَّحه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أُحِلَّ الذهب والحرير للإناث من أمتى وحُرِّم على ذكورها».
الحق في التعليم:
إذا كان الإسلام هو دين العلم فإن طلب العلم حقٌّ بل واجب على كل مسلم ومسلمة.
ونصوص القرآن الكريم التى حثَّت على العلم عامَّة للجميع بلا تفرقة بين ذكر وأنثى.
وأوَّل كلمة نزلت من القرآن هى: (اقرأ) والله -تعالى- هو: {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 4- 5].
ولفظ "الإنسان" هنا يشمل الذكور والإناث معًا, كما يشملهم قوله -تعالى- في موضع آخر: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].
وكذلك تدخل النساء مع الرجال فى عموم مَن يرفعهم الله بالعلم والإيمان: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11].
وقد وردت أحاديث صحيحة صريحة فى وجوب طلب العلم على النساء كوجوبه على الرجال، و من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: « طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة » رواه ابن ماجه فى المقدمة كما رواه البغوى فى "شرح السُنَّة".
وثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- خصَّص يومًا للنساء يُعلِّمهنَّ فيه أحكام الإسلام كما يُعلِّم الرجال.
وقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى -رضي الله عنه-: "قالت النساء للنبى -صلى الله عليه وسلم-: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك, فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: «ما منكنَّ امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابًا من النار», فقالت امرأة: واثنتين؟ قال: «واثنتين», وفى رواية عن أبى هريرة عند البخارى أيضًا: «ثلاثة لم يبلغوا الحنث»؛ أي: مَن يموت لها ثلاثة من الأطفال أو اثنان لم يبلغا سن الإدراك والتكاليف الشرعية، فإن ذلك يكون سببًا لنجاتها من النار -إن صبرت- ودخولها الجنَّة إن هي احتسبت, ورضيت بقضاء الله وقدره.
وروى البخاري أيضًا تحت عنوان: (باب عظة الإمام النساء وتعليمهن) عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أشهد على النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج ومعه بلال فظنَّ أنه لم يُسمع -ظن أن النساء لم يسمعنه من قبل- فوعظهن وأمرهن بالصدقة, فجعلت المرأة تلقى القرط والخاتم -الحلي والجواهر- وبلال يأخذ فى ثوبه"؛ أي: يجمع تلك الصدقات لتوزيعها فيما بعدُ على الفقراء والمساكين.
وروى البخاري أيضًا تحت عنوان: (تعليم الرجل أمته وأهله -زوجته-) حديثًا عن مضاعفة الأجر لمن يعلم جاريته أو زوجته, ونصَّ الحديث عن أبى موسى الأشعري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثة لهم أجران , رجل من أهل الكتاب آمن بنبيِّه وأمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم- والعبد المملوك إذا أدَّى حق الله وحق مواليه, ورجل كانت عنده أمَة فأدَّبها فأحسن تأديبها, وعلَّمها فأحسن تعليمها, ثم أعتقها فتزوجها فله أجران».
ونلاحظ هنا حثَّ الإسلام على تعليم النساء, وكذلك حثَّه على عتق الجوارى والترغيب فى الزواج بهن أيضًا.
فماذا يمكن أن تحلم به أية جارية أكثر من التعليم والعتق والزواج والأمومة وتكوين أسرة سعيدة؟! وهل يمكن أن يقدم لها أي نظام أو تشريع آخر أفضل من هذا؟!
وأورد ابن سعد فى الطبقات أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر الشفاء بنت عبد الله أن تُعلم السيدة حفصة كيفية الرُقية, وروى آخرون أنه أمر الشفاء العدوية أن تعلِّم السيدة حفصة رضي الله عنها تحسين الخط وتزيينه.
وكانت حفصة تجيد القراءة والكتابة، وكذلك السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- وروت السيدة عائشة عن النبى -صلى الله عليه وسلم- أكثر من ألفى حديث, وكان أكابر الصحابة من الرجال يسألونها ويتعلمون منها.
وقد تفوَّقت كثيرات من نساء الصحابة والتابعين والأجيال المتتابعة فى علوم الدين والدنيا, وكتب السير والتراجم مليئة بآلاف من أسمائهن, وشهد لهن كبار علماء السلف بالعلم والدقة والصدق, قال الحافظ الذهبى -رضي الله عنه- في مقدمة كتابه "الميزان": "لم يُؤثر عن امرأة أنها كذبت فى حديث".
وقال الإمام الشوكانى -رضي الله عنه-: "لم يُنقل عن أحد من العلماء أنه ردَّ خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سُنَّة تلقَّتها الأُمَّة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا يُنكره مَن له نصيب من علم السُّنَّة" (14). يتبع إن شاء الله... |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: حقوق النساء في شريعة السماء الأربعاء 28 مارس 2012, 3:01 am | |
| وكانت السيدة رُفيدة الأسلمية على علم بالطب والجراحة, وأذن لها النبى -صلى الله عليه وسلم- باتِّخاذ خيمة في مسجده لعلاج جرحى الغزوات، ومنهم سعد بن معاذ -رضي الله عنه- الذي أصيب بجراح خطيرة فى غزوة الخندق، فأمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- بنقله إلى خيمة السيدة رُفيدة -عيادتها الطبية- لعلاجه، لكن قضاء الله سبق كل جهودها، واستشهد -رضي الله عنه- داخل عيادتها بعد قليل.
وخبر نقل سعد إلى خيمة رُفيدة لعلاجه أورده الإمام الذهبى فى ترجمته لسعد بن معاذ رضي الله عنه (15).
وكانت السيدة نفيسة -رضي الله عنها- عالمة من مشاهير علماء أهل البيت -رضي الله عنهم- وأثنى عليها الإمام الشافعى -رضي الله عنه- وذكر أنه تلقَّى عنها كثيرًا من العلوم الشرعية، وكانت تُلَقَّب بـ "نفيسة العلوم" لغزارة علمها وحدة ذكائها.
وكانت أم عطية الأنصارية قابلة وخاتنة بالمدينة، أي طبيبة أمراض نساء وولادة بلغة عصرنا، وبرعت في ذلك حتى أنه لا يُعرف بالمدينة غيرها فى وقتها.
ولم يجد كبار علماء الإسلام -على مرِّ العصور- غضاضة فى ذكر أسماء من تلقَّوا العلم عنهن من عالمات السلف, ويمكن الرجوع إلى كتب التراجم والسير والتاريخ للاطلاع على المزيد من سيرهن, وما قدمن من أعمال علمية جليلة لحفظ وتدريس العلوم الشرعية -رضي الله عن الجميع-.
وحتى في عصرنا الحديث يعمر العالم الإسلامى بعشرات الملايين من الطبيبات والمُدَرِّسات والمهندسات والعالمات المسلمات فى كل فروع العلوم الدينية والدنيوية.
ونؤكِّد أن المجتمعات الإسلامية بحاجة ماسَّة إلى المزيد منهن فى كل التخصُّصات, فنحن بحاجة إلى الطبيبات لعلاج بنات جنسهن، ونحن أيضًا بحاجة إلى مَن يقمن بالتدريس لبنات جنسهن فى مختلف فروع المعرفة الإسلامية والإنسانية والعلوم الطبيعية.
وخروج المرأة لطلب العلم قال عنه ابن حزم -رضي الله عنه-: "النِفَار -الخروج- لطلب العلم والفقه فى الدين واجبٌ عليهن كوجوبه على الرجال، ففرض على كل إمرأة التفقُّه في كل ما يخصُّها؛ كأحكام الطهارة, والصلاة, والصوم, والحج, والزكاة, وما يحلُّ وما يحرم من الأكل والشراب والملابس وغير ذلك" (16).
مسلمات خلَّدَهُن التاريخ:
ويكفى النساء شرفًا أن أوَّل من آمن بالنبى -عليه الصلاة والسلام- كانت واحدة منهن هى أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- التي نطقت بشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله قبل أبى بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من سادات الصحابة.
وظلت أيامًا هى وبناتها رقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة هن كل الأمة الإسلامية قبل أن يدخل الإسلام رجل, وسَلَّمَ عليها الله -تعالى- وشهد لها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وَبَشَّرَهَا جبريل بقصر فى الجنة.
وهى التي نصرت دينها ونبيها وزوجها بكل ما تملك، وآمنت به حين كَذَّبَه الرجال, وأعطته مالها حين حرموه, وواسته بنفسها وقومها حين كان وحيدًا مضطهدًا يجبن كثير من الأبطال والرجال عن مساندته ونصرته.
ويكفيهن شرفاً أن أوَّل مَن نال درجة الشهادة فى سبيل الله -وهى درجة رفيعة تَمَنَّاها حتى النبى- كانت امرأة هى: "سميَّة بنت خياط" والدة عمار بن ياسر -رضى الله عنهما- حيث طعنها الطاغية اللعين "أبو جهل" بحربة فى فرجها؛ لأنها رفضت أن ترتدَّ عن الإسلام رغم التعذيب المروِّع الذي تعرَّضت له مع زوجها وولدها, وآثرت الموت مع الإسلام على الحياة مع الكفر.
ومن النساء أيضًا سيدة الأبطال "نسيبة بنت كعب" الأنصارية التى حضرت بيعة العقبة الكبرى مع امرأة أخرى من الأنصار، وصرعت بسيفها عشرات من فرسان المشركين يوم أحد الذى لم يثبت فيه عند الهزيمة إلا قلة من المسلمين منهم "نسيبة" -رضى الله عنها- وتلقَّت عشرات الطعنات فى جسدها الطاهر فداء لنبيها -عليه الصة والسلام- وحمت جسده الشريف من سيوف وسهام الكافرين.
ومنهنَّ السيدة عائشة التى عَلَّمَت أكابر الصحابة بل عَلَّمَت -ولا تزال- مئات الملايين من طلبة العلم الحديث والفقه والتفسير جيلاً بعد جيل.
ومنهن "الخنساء" الشاعرة التى عجز ملايين الرجال عن نظم معشار ما جادت به قريحتها العبقرية من قصائد خَلَّدها التاريخ.
ولن نستطيع حصر أسماء آلاف من النساء اللاتى شَرَّفَهن الإسلام, ويمكن لمن شاء الرجوع إلى كتب التراجم والسِّيَر لمزيد من التفاصيل (17).
المـراجـع:
7- تفسير القرطبى (الجامع لأحكام القرآن الكريم) -الجزء السادس- ص318 وما بعدها -طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة. 8- انظر تفسير الآية الكريمة عند ابن كثير والقرطبى والطبرى والنسفى والشوكانى والمنتخب فى تفسير القرآن -طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية- مصر. 9- أحاديث فضل رعاية البنات والأخوات أوردها المنذرى فى كتابه: الترغيب والترهيب - الجزء الثالث, ص 84- 85. 10- تفسير الشوكانى (فتح القدير), الجزء الأول - ص 776, طبعة دار الوفاء, المنصورة - مصر. 11- تيسير صحيح البخاري, الدكتور موسى شاهين لاشين -الجزء الثاني- ص 214 -طبعة دار الشروق الدولية, القاهرة- مصر. 12- لمزيد من التفاصيل والأدلة انظر كتاب: "الإسلام محرر العبيد, التاريخ الأسود للرق فى الغرب" للمؤلف -منشور بمكتبة موقع صيد الفوائد- وموقع المكتبة الإسلامية, وموقع المنشاوى للدراسات والبحوث - وموقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنَّة - وغيرها من المواقع على الانترنت. 13- تيسير صحيح البخاري -د. موسى شاهين لاشين- الجزء الثانى ص 191. 14- انظر: تفسير الآيات المذكورة فى أمهات كتب التفسير المشار إليها. 15- نيل الأوطار – الشوكانى - الجزء السادس - ص 207. 16- سبل السلام – الصنعانى - ص 568 - طبعة دار الكتب العلمية, بيروت. 17- سبل السلام - المرجع السابق - ص 569. 18- سبل السلام - ص 570. 19- المعلم بفوائد مسلم – المازرى - ج2 ص306- ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - القاهرة - مصر. 20- نيل الأوطار – الشوكانى - الجزء 58 -ص 122. 21- سير أعلام النبلاء – الذهبي - الجزء الأول- ص 287- طبعة مؤسسة الرسالة - بيروت. 22- ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام - الجزء الثاني - ص 257 - طبعة مكتبة الخانجى - مصر. 23- الطبقات الكبرى -لابن سعد- الجزء الأخير الخاص بالنساء - وكذلك أسد الغابة فى معرفة الصحابة, لابن الأثير, وغيرها. |
| | | | حقوق النساء في شريعة السماء | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |