3- رحمته بكبار السن:
وأردف قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس في مدرسته الرحمةَ بكبار السن من الرجال والنساء.
والرحمةُ بهم تعني إكرامَهم وتوقيرَهم.
وقد بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا درجةً وصلت إلى أن قَرَن إكرامهم بإجلال الله سبحانه، فقال: «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم» فأي رحمة بهم بعد هذا؟!
وكان من رحمته للكبار عامةً وتوقيرهم، أنه كان يؤكد على تقديمهم حتى في الكلام، فقد روي أن نفراً انطلقوا إليه، فبدأ أصغرهم بالكلام، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «يبدأ الأكبر».
وفي الأمور الكبيرة كإمامة الصلاة - عندما تتساوى الكفاءات - ورد أنه أتاه رجلان يريدان السفر فقال لهما: «إذا أنتما خرجتما فأذِّنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما».
وفي الأمور الصغيرة، روي عنه أنه قال: «أراني في المنام أتسوّك بسواك، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي كبِّر، فدفعته إلى الأكبر منهما».
وروي أنه أُتي بشراب فشرب، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أوثِر بنصيبي منك أحداً.
قال: فتلَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يده - أي دفعه إليه وأعطاه إياه -».
وقد قَرَن -صلى الله عليه وسلم- رحمة الصغير إلى توقير الكبير، فكلتاهما رحمة لا يكون مسلماً من أغفلها، فقال: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا».
* * *
4- رحمته بالآباء والأمهات:
قال الأب ستيفانو: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس في مدرسته الرحمةَ بالآباء والأمهات، وسماها (برّ الوالدين).
وحذَّرهم من القسوة عليهما، وسماها (عقوق الوالدين).
أما عن (برِّ الوالدين): فكان -صلى الله عليه وسلم- لا يرضى للمسلم القيامَ حتى ببعض واجباته الدينية ما لم يكن ذلك برضا أبويه، فقد روي أن رجلاً هاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من اليمن لأجل الجهاد، فقال له: «هل لك أحد باليمن؟ قال: أبواي. قال: أذنا لك؟ قال: لا. قال: فارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرّهما».
وروي أنه جاءه رجل فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويّ يبكيان. فقال له:«ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما».
بل هو كان يفضّل ويختار للمسلم أن يبرّ والديه على أن يجاهد في سبيل الله، حتى مع إذنهما له، فقد سأله رجل ذات مرة: أُجاهد؟ قال: «لك أبوان؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد».
وجاءه مرة أحد المسلمين فقال: إني أريد الجهاد وجئت أستشيرك. فقال: «ألك والدة؟ قال: نعم. قال: فالزمها - وفي رواية فأكرمها - فإن الجنة تحت رجليها».
* * *
وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدث عن (برّ الوالدين) تارة يجمع بينهما، وتارة يخص كلاًً منهما، فقد جاءه أعرابي ذات مرة فسأله: مَن أَبَرّ؟ قال: «أمَّك. قال: ثم مَن؟ قال: أمَّك. قال: ثم مَن؟ قال: ثم أباك».
وكان رجل من الصحابة اسمه (حارثة بن النعمان) وكان أبرّ الناس بأمه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «دخلتُ الجنة، فسمعتُ فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البِر،كذلكم البِر».
وروي عن جابر بن عبد الله أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي مالاً وولداً، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي. فقال: «أنت ومالك لأبيك».
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «الوالد أوسط أبواب الجنة» ، والوالد هنا هو الأب أو الأم أو كلاهما.
* * *
قال الأب ستيفانو: لعل هذه الرحمة بالوالدين، التي حرصت عليها مدرسة محمد تختص بالوالدين المسلمَين، أما الكافرَين فلا.
قلت: بل والكافرَين أيضاً، فقد جاء عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: قدمتْ عليَّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أبو بكر قد طلق قتيلة أم أسماء في الجاهلية - فاستفتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أفأصِل أمي؟ قال: «نعم، صِلي أمك».
وأردفت: ولم يكتفِ -صلى الله عليه وسلم- بالتأكيد على بر الوالدين، بل تعداهما إلى إخوانهما فقال: «من أَحب أن يصل أباه في قبره، فلْيصلْ إخوان أبيه بعده».
* * *
قال الأب ستيفانو: هذا عن (بر الوالدين) فماذا عن عقوقهما؟
قلت: أما عن (عقوق الوالدين)،فقد علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس في مدرسته أن هذا من أكبر الكبائر في الإسلام! فقد روى عنه أحد أصحابه أنه قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين».
فبادر الأب ستيفانو قائلاً بتعجب: عقوقُ الوالدين قرينُ الإشراك بالله؟! هذه هي الرحمة، هذه هي الرحمة!.
قلت: وقال في حديثٍ آخر: «أبشروا، أبشروا: إنه من صلى الصلوات الخمس، واجتنب الكبائر، دخل من أي أبواب الجنة شاء: عقوقَ الوالدين، والشركَ بالله، وقتْلَ النفس، وقذفَ المحصنات، وأكلَ مال اليتيم، والفرارَ من الزحف، وأكلَ الربا».
وقال في حديث آخر: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه،ومُدمنُ الخمر، والمنَّانُ عطاءَه. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والدَّيُّوث، والرَّجُلَة».
وأردفت: بل هو جعل من الكبائر أن يتسبب الابن في وصول الأذى إلى والديه، فقال: «من الكبائر شتمُ الرجل والديه. قالوا: يارسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال:نعم، يسبُّ أبا الرجل، فيسبُّ أباه، ويسبُّ أمه، فيسبُّ أمه»
* * *
وأَضَفْتُ: ولأجل هذا التأكيد على الرحمة بالوالدين وبرّهما، فقد كانت عقوبة من يعق والديه معجَّلةً له في الدنيا قبل الآخرة، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: «اثنان يعجِّلهما الله في الدنيا: البغي، وعقوق الوالدين».
فقال الأب ستيفانو بعد تفكُّر: يخيَّل إلي بعد كل هذا أن رضا الله وسخطه على المرء، معلَّق برضا الوالدين وسخطهما.
قلت: أصبت، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما».
قال: أَوَلهذه الأحاديث النبوية الصحيحة في برِّ الوالدين والرحمة بهما أصل في القرآن؟
قلت: أجل تقول الآية القرآنية: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً {23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.
وتقول الآية القرآنية: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.
وتقول الآية القرآنية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.
وتقول الآية القرآنية: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾.
فقال الأب ستيفانو بعد تفكُّر: كم بين نظرة مدرسة محمد إلى الأبوين، وبين نظرة المدرسة الغربية المعاصرة إليهما من بون شاسع!
قلت: كيف هذا؟
قال: إن المدرسة الغربية المعاصرة، بعد أن تخلت عن نظام الأسرة بصورته الصحيحة، جعلت من الأبوين عبئاً على الأبناء، يحاولون التخلص والتملص منه ما استطاعوا، وبخاصة عندما يتقدم العمر بالأبوين.
قلت: لكنَّ الغربيين استحدثوا دُور العجزة لحل هذه المشكلة، وصرنا نقلدهم أحياناً.
قال: وهل يحرص الموظف على حسن سير العمل في المصنع، حرصَ صاحبه عليه؟
قلت: لا.
قال: أضف إلى هذا أن الشيخ والشيخة لا يشعران بشيخوختهما شعوراً حاداً طالما أنهما يعيشان في منـزلهما بين ذويهما، فإذا نُقلا إلى (مأوى العجزة) تضاعفت آلامهما النفسية، واستشعرا العقوق الحقيقي من أبنائهما.
* * *
5- رحمته بالأطفال:
وأردف الأب ستيفانو قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس في مدرسته الرحمةَ بالأطفال والصبيان والعيال. فقد روى الصحابي أنس بن مالك، وكان خادماً ملازماً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «ما رأيت أحداً أرحم بالعيال من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كان إبراهيم - ابنه - مسترضَعاً في عوالي المدينة - حي من أحيائها - فكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت وإنه لَيُدَّخَن، وكان ظئره قيناً ، فيأخذه فيقبِّله ثم يرجع».
وكان -صلى الله عليه وسلم- يستدل على وجود الرحمة في قلوب الناس، برحمتهم أطفالهم، فقد جاء عن زوجته السيدة عائشة قالت: «قدِم ناسٌ من الأعراب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟! فقالوا: نعم. فقالوا: لكنا والله لا نقبِّل. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وأملكُ إن كان الله نـزع منكم الرحمة؟!».
وجاء عن أبي هريرة: «أن الأقرع بن حابس أبصر النبي يقبّل الحسن. فقال: إنَّ لي عشرة من الولد، ما قبَّلْتُ واحداً منهم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنه من لا يَرحم لا يُرحم».
* * *
وكان -صلى الله عليه وسلم- يداعب الأطفال بما يناسب أعمارهم، فقد رُوي عنه أنه «كان يدلع لسانه للحسن بن علي، فيرى الصبي حمرة لسانه فيبهش إليه - أي يسرع إليه -».
ورُوي عنه أنه كان يلاعب زينب بنت أم سلمة - أي بنت زوجته من زوجها السابق - وهو يقول: «يا زوينب، يا زوينب، مراراً».
وروى عنه صاحبه وخادمه أنس بن مالك قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل علينا - أي على أهل أنس - ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، وكان له نُغر - طائر صغير - يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات مرة فرآه حزيناً، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نُغره. فقال له: يا أبا عمير ما فعل النغير؟».
* * *
وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يحرِم الأطفال من رحمته وعطفه حتى في أثناء صلاته، فقد رُوي عنه أنه «كان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما، أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره وقال: من أحبني فليحب هذين ».
ورُوي عنه أنه «كان يصلي وهو حامل أمامةَ بنت زينب - بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها»
* * *
وكان -صلى الله عليه وسلم- يجلس إلى الأطفال ليلعبوا أمامه، ويشاركهم أحياناً، فقد جاء عنه أنه «كان يَصفُّ عبد الله وعبيد الله وكَثيراً، من بني عمه العباس، ويقول: من سبق إلي فله كذا وكذا. قال: فيستبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيلتزمهم ويقبلهم».
أما إذا مرّ بهم وهم في لعبهم، فلم يكن يتجاهلهم، حدَّث عبد الله بن جعفر قال: «لقد رأيتُني وقثم وعبيد الله ابنَي العباس، ونحن صبيان نلعب، إذ مر بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ارفعوا هذا إلي. فحملني أمامه - على الدابة - وقال لقثم: ارفعوا هذا إلي. فحمله وراءه.. ثم مسح على رأسي ثلاثاً، كلما مسح قال: اللهم اخلف جعفراً في ولده».
* * *
وكان -صلى الله عليه وسلم- من شدة رحمته بالأطفال، كأنما يشتاقهم إذا ذهب في سفر، فإذا قدم من سفره، تلقاه الناس بالأطفال لما يعرفونه من شدة رحمته بهم، فقد حدّث عبد الله بن جعفر قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من سفر تُلُقِّي بصبيان أهل بيته.
قال: وأنه قدم من سفر، فسُبق بي إليه، فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابنَي فاطمة فأردفه خلفه. قال: فأُدخلنا المدينة ثلاثة على دابة».
وحدث ابن عباس قال: «أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة وقد حمل قثم بن العباس بين يديه، والفضل - ابن العباس - خلفه».
وكان الناس يعرفون هذا الخلق النبيل من رحمته -صلى الله عليه وسلم-، فكانوا يأتونه بأطفالهم ليدعو لهم بالبركة. فقد رُوي عن زوجه السيدة عائشة: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم ويحنّكهم».
* * *
وأردفت: هذه الرحمة الشديدة بالأطفال، لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يستأثر بها لنفسه، بل كان كثيراً ما يرغّب الناس بها، ويحثّهم على الإحسان إلى الأطفال والقيام على شؤونهم. فقد رُوي عنه أنه قال: «مَن وُلد له ثلاثة أولاد في الإسلام، فماتوا قبل أن يبلغوا الحِنث، أدخله الله عز وجل الجنة برحمته إياهم».
وكان يقول: «مَن عالَ جاريتين حتى تُدركا، دخلتُ الجنة أنا وهو كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى».
* * *
وكان -صلى الله عليه وسلم- يوصي الناس بالنفقة الدائمة على الأهل والعيال، ويرغِّب فيها ويقول: «أفضل دينار ينفقه الرجل، دينار ينفقه على عياله» قال أبو قلابة راوي الحديث: «وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال صغار، يُعفُّهم، أو ينفعهم الله به ويغنيهم».
ويقول: «دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينارٌ أنفقتَه في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين ودينارٌ أنفقتَه على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقتَه على أهلك».
* * *
وأردفت: ومِن سُـبُل الرحمة بالأولاد، العدل بينهم في العطية، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «اعدلوا بين أولادكم في العطية».
وحدَّث النعمان بن بشير قال: «أعطاني أبي عطيةً، فقالت عَمْرة بنت رواحة - أم النعمان وزوجة بشير - لا أرضى حتى تُشهد رسول الله. فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أعطيت ابني من عَمرة بنت رواحة عطيةً، فأمرتْني أن أُشهدك يا رسول الله. قال: أعطيتَ سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال: فرجع فردّ العطية»
* * *
قال الأب ستيفانو: قرأتُ مرةً عبارةً للمستشرق الأمريكي (سنكس) يقول فيها: «وقام محمد بحماية الأطفال وتحريم قتلهم خوفاً من إعالتهم» فما هو مستند (سنكس) في هذه العبارة، من النصوص الأصلية؟
قلت: مستنده موجود في آيات القرآن الكريم:
تقول الآية القرآنية: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ﴾.
وتقول الآية القرآنية: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾.
وتقول الآية القرآنية: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾.
وتقول الآية القرآنية: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
فتفكر الأب ستيفانو قليلاً ثم قال: إن ما علَّمه محمد في مدرسته عن الرحمة بالأطفال منذ حوالي /1400/ عام، هو ما صارت تتبناه وتدعيه لنفسها اليوم الحضارة الغربية المعاصرة... مع فارق جوهري، هو أن هذه غالباً ما حرَمت الأطفال من الحياة الأسرية الصحيحة، فجعلتهم ينشؤون ويتربّون على الأنانية... بينما استطاعت مدرسة محمد أن توفر لهم تلك البيئة الإنسانية التي توفرها الأسرة لأفرادها صغاراً وكباراً.
* * *
6- رحمته بالأقارب:
وأردف قائلاً: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته غير هذا من أبواب الرحمة؟.
قلت: لقد علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناسَ في مدرسته الرحمةَ بالأقارب، وسمّى القرابة (الرَّحِم) وسمّى الرحمة بالأقارب (صِلة الرحم) ومهما حدثتُك عن صلة الرحم كما علَّمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مدرسته، فلن أستطيع أن أوفيها حقها، لهذا سوف أحدثك بما يحضرني.
وأول ما يحضرني حديثه عن خَلْق الرحم (القرابة):
قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله خلق الخَلْق، حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة! قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فهوَ لكِ».
ثم كأن الله سبحانه بعدما خلق الرَّحم وسمَّاها، انتصر لها وجعلها في حمايته، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قال الله: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقتُ الرّحم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلْته، ومن قطعها بَتتُّه».
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «الرّحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله».
* * *
وأردفتُ: ولهذا كانت الرحمة بالأقارب هي الأحب إلى الله سبحانه - بعد الإيمان به - من بين جميع الأعمال المقرِّبة إليه. وكانت القسوة على الأقارب، هي الأبغض إلى الله سبحانه - بعد الإشراك به – من بين جميع الأعمال المبعِدة عنه.
فقد حدّث رجل من قبيلة خثعم قال: «أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في نفر من أصحابه، فقلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: نعم.
قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الإيمان بالله.
قلت: يا رسول الله،ثم مَه؟ قال: ثم صلة الرحم.
قلت: يا رسول الله،ثم مَه؟ قال: ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أبغض إلى الله؟ قال: الإشراك بالله.
قلت: يا رسول الله، ثم مَه؟ قال: ثم قطيعة الرحم.
قلت: يا رسول الله، ثم مَه؟ قال: ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف».
* * *
وأردفت: ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعلِّم الناس أن ثواب الآخرة ودخول الجنة منوط بصلة الرحم، أي (برحمة الأقارب)، فقد قال: «لا يدخل الجنة قاطع رحم» ، أي من يقسو على أقاربه.
وروي أنه قال له رجل: أخبرني بعمل يدخلني الجنة. قال: «تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم». فمن أخلَّ بواحد من هذه الأربعة لم يضمن دخول الجنة.
ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعلِّم الناس أن عقوبة قاطع الرحم تُعَجَّل له في الدنيا قبل الآخرة، فقد قال: «ما من ذنْبٍ أجدر أن يُعجِّل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدَّخر له في الآخرة - من العقوبة - من البغي، وقطيعة الرحم».
ويعلِّمهم، أنه كما تُعَجَّل العقوبة في الدنيا لمن يقسو على أقاربه، فكذلك يُعجَّل الثواب في الدنيا لمن يرحم أقاربه. قال: « ليس شيء أُطيعَ اللهُ فيه، أعجل ثواباً من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم ».
وكان -صلى الله عليه وسلم- يعطي الناس مثلاً من الثواب المعجّل في الدنيا لمن يرحم الأقارب، فيقول: «صلة الرحم، وحسن الخُلُق، وحُسن الجوار، يزِدنَ في الأعمار ويَعمُرنَ الديار».
* * *
وأردفتُ: ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- كان يعلِّم الناس أن من أراد أن يفوز بضِعف ثواب ما يتصدق به، أن يقصد بصدقته الأقارب أولاً من ذوي الحاجة. فقد قال: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة».
وحدّثتْ زينب، زوجةُ الصحابي عبد الله بن مسعود - وكان فقيراً - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «تصدَّقنَ يا معشر النساء ولو من حُليِّكُن - في صحيح البخاري: وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها - قالت: فرجعتُ إلى عبد الله فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد - أي فقير - وإن رسول الله قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يُجزىء عني وإلا صرفتها إلى غيركم. قالت: فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنتِ. قالت: فانطلقتُ، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حاجتي حاجتها.قالت: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أُلقيت عليه المهابة. قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: ائتِ رسول الله فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك: أتجزىء الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجريهما؟ ولا تخبره من نحن.
قالت: فدخل بلال على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،فسأله. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة».
وروى أنس بن مالك قال: «كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل. وكان أحب أمواله إليه (بيرحاء) - هي قطعة أرض زراعية - وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب.
قال أنس: فلما أُنـزلت هذه الآية: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ قام أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ وإن أحبّ أموالي إلي (بيرحاء) وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بَخٍ،ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلتَ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعلُ يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه».
وهنا بادر الأب ستيفانو قائلاً بإعجاب: كم هو جميل تعليم محمد! وكم هو جميلٌ فعلُ أبي طلحة!.
* * *
قلت: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكتفي بتعليم الناس فضل الصدقة على الأقارب، بل كان يعلِّمهم أن الإنفاق حتى على الأهل الأَدْنَين الذين تجب على المسلم إعالتُهم، له فضلُ وثوابُ الصدقة أيضاً. فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها - أي يقصد بها الثواب من الله - كانت له صدقة».
وسألتْه مرةً زوجته السيدة أم سلمة - وكانت لها أبناء من زوجها السابق المتوفى - فقالت: يا رسول الله، هل لي أجر من بني أبي سلمة، أُنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هم بنيَّ؟ فقال: «نعم، لك أجر ما أنفقتِ عليهم».
* * *
وأردفتُ: أمَّا إن حلَّ الجفاء مكان المودة بين الأقارب، وحلّت القطيعة مكان التواصل، فهنا امتحان رحمة المسلم بأقربائه، وهنا يظهر فضل واصل الرحم على قاطعها، وهنا يُخبأ الجزاء الأوفى لواصل الرحم. قال -صلى الله عليه وسلم-: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قُطعت رحمه وصلها».
ويتضح معنى هذا الحديث جلياً بالحديث التالي: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني - أي أرحمهم ويقسون علي - وأُحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي. فقال: لئن كنتَ كما قلتَ، فكأنما تُسفُّهم المَل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمتَ على ذلك».
وهكذا علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس أن الله سبحانه دائماً مع الإنسان الرحيم بأقاربه المجافين له، وأن من الخير لهذا الإنسان إن وجد أقرباءه هؤلاء بحاجة إلى الصدقة، أن ينفق صدقته عليهم، رحمة بهم وتأليفاً لهم. قال -صلى الله عليه وسلم-: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح - أي القريب المجافي -».
* * *
وأردفت: ولأجل هذه المرتبة الفضلى للرحمة بالأقارب، كان -صلى الله عليه وسلم- يحث المسلمين جميعاً عليها ويقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيصلْ رحمه».
ويقول: «من أحبّ - وفي رواية من سرّه - أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره، فلْيصلْ رحمه».
ويقول: «تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر».
* * *
قال الأب ستيفانو: وهل لهذه الأحاديث النبوية ما تتوافق معه من الآيات القرآنية؟
قلت: أجل، تقول الآية القرآنية التي تحذِّر من قطع الأرحام والقسوة على الأقارب: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾. وتقول الآية القرآنية التي تحذر من قطع الأرحام والقسوة على الأقارب وتقرنها بالفساد في الأرض: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ{22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ ، وتقول الآية القرآنية: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى﴾.
* * *
7- رحمته بالأصحاب:
قال الأب ستيفانو: ثم ماذا علَّم محمد الناسَ في مدرسته من أبواب الرحمة؟
قلت: لقد علَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس في مدرسته الرحمةَ بالأصحاب، فقال: «خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه».
وكان -صلى الله عليه وسلم- دائماً يعطي من نفسه المثال الأمثل ليبين للناس فضل الرحمة بالأصحاب في حفظ الصحبة، لأن الرحمة إذا ارتحلت من بين الأصحاب، تبعتها المودَّة، وإذا ارتحلت المودَّة من بين الأصحاب، حلّ مكانها الجفاء، وإذا حلّ الجفاء بين الأصحاب، ماتت الصحبة، وتفكك المجتمع، وصار يكيد بعضه بعضاً.
ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يغتنم المناسبات ليُظهر لأصحابه رحمته بهم. وكان من أقرب أصحابه إليه جماعة الأنصار، الذين هاجر إليهم من مكة إلى المدينة، وتعاهد معهم على السراء والضراء، وأكنَّ لهم كل الحب والمودَّة، وعامَلهم بكل رحمة، حتى قال: «ألا إن الناس دثاري والأنصار شعاري ، لو سلك الناس وادياً، وسلكتْ الأنصار شِعباً لاتّبعتُ شِعب الأنصار ولولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار».
وكان يوصي بهم أمراء المسلمين ويقول: « من وَلِيَ أمْرَ الأنصار فليُحسن إلى محسنهم وليتجاوز عن مُسيئهم، ومن أفزعهم فقد أفزع هذا الذي بين هاتين، وأشار إلى نفسه». بل كان يوصي بهم المسلمين جميعاً ويقول: « استوصوا بالأنصار خيراً، اقبلوا من مُحسنهم، وتجاوزوا عن مُسيئهم ».
وكان يدعو المسلمين إلى محبتهم فيقول: «لا يبغض الأنصارَ رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر».
* * *
وأردفت: وكان من أقرب أصحابه إليه جماعة المهاجرين، وهم المسلمون الأوائل الذين تركوا أرضهم وديارهم وأموالهم وخرجوا مهاجرين من مكة فراراً بدينهم الذي اعتنقوه وتمسكوا به عن صدق وإيمان، بعدما لاقوا من إيذاء وعذاب المشركين ما لاقوا.. فكانت أوضاعهم الشغلَ الشاغلَ للنبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى تمكن من توطينهم في المدينة بعدما آخى بينهم وبين الأنصار، وصار الفريقان بعد هذه المؤاخاة فريقاً واحداً يؤْثِر بعضهم بعضاً في كل خير.
وقد ظهرت الرحمة المتبادلة بين هاتين الجماعتين وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-، في مواطن كثيرة.. لعل من أجملها وقعاً في النفس، ما رواه الصحابي الأنصاري أنس بن مالك عندما تحدث عن غزوة الخندق، التي هاجم فيها المشركون المدينة، فتحصن المسلمون داخلها , وحفروا حولها خندقاً منع دخول المشركين إليها. وقد شارك النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في حفر ذلك الخندق.
قال أنس: «إن أصحاب النبي كانوا يقولون وهم يحفرون الخندق:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللهم إن الخير خير الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة»، وأُتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، -يومذاك- بخبز شعير عليه إهالة سنخة، فأكل الجميع منها».
هكذا كان -صلى الله عليه وسلم- يعلِّم الناس التراحم بين الأصحاب.. يشاركهم الشدة.. فيكون كأحدهم، يجهد كما يجهدون، ويأكل مما يأكلون.
* * *
وأردفت: وكان -صلى الله عليه وسلم- يتوجه إلى الناس دائماً يأمرهم برحمة أصحابه ويقول: «أحسنوا إلى أصحابي».
ويقول: «احفظوني في أصحابي».
ويقول: «إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا». أي أمسكوا عن الكلام فيهم.
وبلغه أن رجلاً شتم أحد أصحابه، فقال: «لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه».
أما صاحبه الأكبر أبو بكر الصديق، فذاك الذي لا يصل رجل إلى منـزلته عنده، حتى أنه قال: «لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكنْ أُخوّة الإسلام ومودَّته - وفي رواية: ولكن أخي وصاحبي-».
* * *
وأردفت: وهذا كله مرجعه إلى الآية القرآنية التي تقول: ﴿مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً﴾.
قال الأب ستيفانو: ما أحوجنا اليوم إلى رعاية الصحبة كما رعاها محمد.
قلت: لماذا؟
قال: لأن الحياة المادية التي نحياها اليوم، قضت على ما كان يسمى الصحبة والرحمة بالأصحاب... وبات الإنسان لا يرضى لنفسه صاحباً سوى المال... ولأجله صار يضحي بالرفاق والأصحاب.. فأيّ قسوة هذه؟! إذا قابلناها بما علّمه محمد!.
* * *