ليلة الزفاف
ليلة الزفاف هي أوَّل ليلة في الحياة الزوجية وهي بدايتها، وقد جرت السُنة بالاحتفال بهذه المناسبة السعيدة إشهارًا للزواج وإظهارًا للفرح والابتهاج، وشُكرًا لله سبحانه وتعالى الذي أتمَّ على الزَّوجين نعمته وجمع شملهما بفضله ورحمته، ومن هنا فإنَّ حفل الزواج يجب أن يكون وفقًا لميزان الإسلام تُظلِّله آدابه، وذلك حرصًا على طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وابتغاءً للبركة، وإشفاقًا من عقوبة الله في اقتراف معصية فيه.
وحين أسبغ الله على العروسين هذه النعمة العظيمة كان جديرًا بهما وأهلهما شُكر الله تعالى، وشُكره يتمثَّل بالحرص التام على عدم وقوع ما لا يرضيه في هذه المناسبة من المخالفات التي ابتلي بها بعض من الناس في هذه الأزمنة، سواء كانت فيما يتعلَّق بالإعداد لتلك الليلة أو فيما يتعلّق بالعروس من لباسٍ أو زينةٍ ونحوهما.
وصيَّتي بهذه المناسبة الطيبة لكلِّ أم عروس أن تتَّقي الله في ليلة زفاف ابنتها، وأن تجتهد في مرضاة الله عزَّ وجلّ، فقد ربَّت ابنتها وتعبت وسهرت الليالي وعلَّمت، وها هي في هذه الليلة وعند آخر المطاف حيث الانتقال إلى بيت الزوجية، فيجب ألاَّ تودِّع ابنتها بما يُسخط الله من إسرافٍ في الحفل أو تبرُّجٍ أو فعلٍ أو قولٍ مُحرَّم، ولتتذكَّر الأم الفاضلة حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: «مَن كانت له ابنتان فأحسن تربيتهما والقيام عليهما كن له سِترًا من النار».
فلعلَّ الله أن يجعل هذه البنت سِترًا لك أيتها الأم عن النار، وذلك بفضله وكرمه أولاً، ثم بما قدَّمتيه لها من إحسان في صِغرها وعند كبرها وزواجها.
عزيزتي العـروس:
استقبلي أول ليلة في حياتك الزوجية بتقوى الله والحرص على رضاه لتنالي سعادة الدارين، أمَّا رضا الناس فغاية لا تُدرَك، وعليك بمجاهدة النفس والشيطان، واعلمي أنّ الإنسان المؤمن يُبتلَى في حال السراء وفي حالة الضراء، ففي حال السراء عليه بالشكر، وفي حال الضراء يلجأ إلى الصبر.
وليلة الزفاف نعمةٌ كبرى يبتلي اللهُ بها الشاكرين، يقول تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].
يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية:
"الله تعالى أوجد عباده في الدنيا وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالخير والشر وبالغنى والفقر والعزِّ والذُّلِّ والحياةِ والموتِ فتنةً منه تعالى: (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الكهف: 7] ومن يُفتتن عند مواقع الفتن.
وبعد..
فهناك أختي العروس الفاضلة أمورٌ ينبغي الحذر منها ومثالها:
1- الأخذ من شعر الحاجبين:
فلا يجوز أخذ شعر الحاجبين ولا التخفيف منها؛ لِما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لَعن النامصة والمتنمصة؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: «لعنَ الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمِّصات والمفلجات بالحسن المُغيِّرات خلق الله».. وقد بيَّن أهل العلم أنَّ أخذ الشعر من الحَاجِبَين يُعَدُّ من النمص.
2- رفع الشعر فوق الرأس:
حيث إنّ هذا العمل داخل عند أهل العلم في النهي والتحذير الذي جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ...» وفيه: «نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [رواه مسلم].
3- اللباس العاري أمام المدعوين:
ومثله الضيِّق أو الشفَّاف، فالواجب على المرأة سَتر بدنها وتقاطيع جسمها، فالتساهل في ذلك من أعظم أسباب الفساد ودواعي الفتنة، حتى لو كانت المرأة في محيطٍ نسائيّ .. ويدخل في هذا كشف العورة لِمن تقوم بالتجميل، وأخذ الشعر غير المرغوب فيه من الجسد في المحلات الخاصة بذلك للنساء.
4- الزفَّة التي يصحبها الغناء الماجن وآلات اللهو:
يقول تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) [لقمان: 6].
يقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى عن لهو الحديث: "يدخل في هذا كلُّ كلامٍ مُحرَّم وكلُّ لغوٍ وباطل وهذيان من الأقوال المُرغِّبة في الكفر والفسوق والعصيان ومِن، أقوال الرَّادين عن الحقِّ المُجَادلين بالباطل ليُدحضوا به الحقّ، ومن غيبةٍ ونميمةٍ وكذِبٍ وشتمٍ وسبٍّ، ومن غناء ومزامير شيطان.
5- وضع ما يمنع وُصول الماء إلى البشرة للزِّينة ثُم الصلاة فيه دون إزالته عند الوضوء:
مثل بعض الأصباغ من مناكير وغيرها، حيث يُشترط للوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى الجلد.
6- تأخير صلاة العشاء أو الفجر عن وقتهما.
***
السفر بعد الزواج
وبعد أن يتمَّ الزواج وتتمُّ الفرحة للزَّوجين نرى كثيرًا من المتزوجين يعزمون على السفر، وذلك لإدخال السرور والنـزهة في أول حياتهم الزوجية، فيا عزيزتي العروس: إن رأيت أنَّ وجهة السفر التي أرادها زوجك لبلاد خارج بلادنا -المملكة العربية السعودية- فليكن في حسبانك أنه لن يكون هناك حفاظٌ على تعاليم الدين الإسلامي بمثل ما هو في بلادنا، وربما تكونين وزوجك عرضة للفتن مِمَّا يكون سببًا في نقص الإيمان وإضعاف جانب التقوى، ويكفي من ذلك تعرُّض زوجك لفِتنة النظر، ولذا اجتهدي في تحويل وجهة السفر إلى داخل بلادنا الحبيبة المحافظة بفضل الله وما مَنَّ به علينا من نعمة الهداية: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].
وأمَّا إن كان سفركما إلى داخل بلادنا الحبيبة، المملكة العربية السعودية، كأن تكون إلى مكَّة والمدينة أو أحد مصائفنا الجميلة؛ فعليك حمد لله على هذه النعمة؛ فقد امتنَّ الله عليكما بِهذا، واختاركما لطاعته عزَّ وجل، وحفظكما بإذنه تعالى من الشيطان ومداخله.
ومما يَحسن أن يُوصَى به المسافر عند سفره:
• التقرُّب إلى الله بالأذكار والأدعية المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن ذلك الدعاء في بداية الرحلة وعند الركوب، حيث يشرع الدعاء الذي يقول فيه المسافر: «اللهم إنَّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى.. اللهم هَوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل» الحديث.
فاستحضار هذه الدعاء وتفهم معانيه والعمل على تطبيق مضمونه من أعظم أسباب السعادة والبركة والتوفيق في سفركما؛ حيث تسألان الله البرّ، و«البرّ» اسمٌ جامعٌ لكلِّ خير، وتسألانه التقوى.. ومن تحلَّى بالتقوى سرًّا وجهرًا فقد أكرمه الله بكرامة عظيمة.. ثم تسألانه تعالى من العمل ما يرضى، فإذا أحسنتما النية وصدقتما مع الله استجاب دعاءكما ووفَّقكما لكلِّ عملٍ يرضيه، وجنَّبكما ما يُسخطه بإذنه تعالى..
إلى آخر الدعوات في هذا الذكر.
كما أن عليكما عدم الغفلة عن سُنن السفر ومنها:
قصر الصلاة، الدعاء، التكبير عند صعود مرتفع، التسبيح عند النـزول، صلاة النافلة على الراحلة... وهكذا.
• ثم تذكَّري أختي الفاضلة عند تنقُّلاتك وخروجك من مقرِّ سكنك أنَّ من أهم ما يجب العناية به وتكون فيه تقوى الله جل وعلا هو حجابك الساتر والابتعاد عن الطيب والروائح العطرية عند مرورك بالقرب من الرجال.
ومن أهم ما تجب العناية به أيضًا:
• عند إعداد حقيبة السفر التي يبدأ تجهيزها قبل السفر بأيام هو كتاب الله، فهو أهمّ محتوياتها، ثم أضيفي إلى ذلك بعض الكتيبات والأشرطة النافعة والمناسبة لكما جميعًا، فستجدين في مثل هذا الرحلة وقتًا وفراغًا لقراءة ما هو مفيد، وسماع ما يعود عليكما بالنفع عند تنقلكما بالسيارة أحيانًا أو غير ذلك من الأوقات.
***