| فقه وأحكام الإمامة | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:08 | |
| أئمة على شفا جرف هارأحكام الإمامة
يحيى بن موسى الزهرانيإمام الجامع الكبير بتبوك (سابقاً)المقدمة: الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله غيره، ولا معبود سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً... وبعد: الإمامة وظيفة دينية مهمة تولاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنفسه، وتولاها خلفاؤه الراشدون من بعده. وفيها فضل عظيم، وأجر كبير، لمن وفق للقيام بها أحسن قيام، واجتهد في ذلك رجاء نفع المسلمين. ولهذا كان بعض الصحابة -رضي الله عنهم- أجمعين يقول للنبي -صلى الله عليه وسلم-: اجعلني إمام قومي..." [أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد]، لما يعلمون في ذلك من الفضيلة والأجر. وكلما توافرت مؤهلات الإمامة في شخص، كان أولى بالقيام بها ممن هو دونه، بل يتعين عليه القيام بها إذا لم يوجد غيره. وعلى فروع الوزارة في كل دولة ومنطقة اختيار الأفضل والتمسك به، وتسهيل السبل أمامه ليتولى إمامة المسلمين، لا سيما من كانت له يد طولى في ميدان الإمامة، فكم من ضال اهتدى، وكم من مفرط ندم، وكم من مذنب عاد إلى الله، كل ذلك بسبب أولئك الأئمَّة الذين يريدون وجه الله والدار الآخرة، ممن منحهم الله تعالى قراءة جيدة لكتابه سبحانه، وأصواتاً جذابة، تخشع لها القلوب، وتخبت لها الأفئدة، وتطمئن لها النفوس، أو بالكلمات والدروس العلمية المستمدة من الكتابين: القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة. فالإمامة شرف في الصلاة، وفضلها عظيم، ولها في الإسلام مكانة مهمة، لأن الإمام في الصلاة قدوة، والإمامة مرتبة شريفة، فهي سبق إلى الخير، وعون على الطاعة، وملازمة الجماعة، وبها تُعمر المساجد بالطاعة، وهي داخلة في عموم قوله تعالى: "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً" [الفرقان 74]. فالإمامة في الصلاة من الإمامة في الدين، ولا سيما إذا كان الإمام يبذل النصح والوعظ والتذكير لمن يحضر في المسجد، فإنه بذلك من الدعاة إلى الله تعالى، الذين يجمعون بين صالح القول والعمل، قال تعالى: "ومن أحسن ديناً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين" [فصلت 33]. فلا يرغب عن القيام بالإمامة إلا محروم، والعياذ بالله، ولا يمنع الأكفاء منها إلا مخذول ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومما يؤسف له، أن هناك الكثير من طلبة العلم الذين يرغبون عن الإمامة، ويزهدون فيها، ويتخلون عن القيام بها، إيثاراً للكسل، وقلة رغبة في الخير، وما هذا إلا تخذيل من الشيطان. فالذي ينبغي لطلبة العلم القيام بالإمامة بكل جد ونشاط، واحتساب للأجر عند الله تعالى، فإن طلبة العلم أولى الناس بالقيام بها وبغيرها من الأعمال الصالحة. فالإمامة في الصلاة مسؤولية كبرى، وكما أنها تحتاج إلى مؤهلات يجب توافرها في الإمام، أو يستحب تحليه بها، كذلك يجب أن يكون الإمام سليماً من صفات تمنعه من تسنم هذا المنصب أو تنقص أهليته له، وسيأتي بيان ذلك في طيات هذا الكتاب بإذن الله تعالى. فيجب على الإمام أن يراعي حق المأمومين وأحوالهم في الصلاة، ويراعي إتمام الصلاة وإتقانها، ويكون مقتدياً بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، عاملاً بوصاياه وأوامره. وعلى الإمام أن يواظب في الحضور إلى مسجده، وأن لا يتركه أو يتأخر عنه إلا بوكيل صالح مثله. وقد وسمت هذا المؤلف بذلك العنوان، لا لأن الموضوع يدور حول تخويف الأئمَّة فقط، بل من باب جذب القُراء أيضاً، فكان القصد هو استقطاب أكبر عدد ممكن من الأئمَّة لقراءة الموضوع، وإلا فأصل العنوان هو [أحكام الإمامة]، وقد جمعت فيه ما يُهم الإمام والمأموم، ما يُهم الرجل والمرأة، لأن الصلاة عماد الدين، وبها يقوم إسلام المرء، وإنه والله لمن المؤسف أن نجد أئمة ومأمومين لا يعرفون أهم المسائل في فقه الصلاة، التي تقوم عليها صحة الصلاة من عدمها، ومن أراد التحقق فليتأمل أحوال الأئمَّة والمأمومين في المساجد، وليلاحظ صلاة النساء في بيوتهن، لهي أمور عجيبة غريبة، وكأنهم لم يسمعوا بحكم من أحكام الصلاة، أوكأنهم لم يعرفوا أن هناك فقهاً للصلاة، وأحكاماً تخصها، فلذا عقدت العزم بعون من الله تعالى لكتابة ما تيسر لي من الأحكام الخاصة بالأئمة، وفي ثناياها أحكاماً خاصة بالصلاة، وفوائد عديدة مهمة ونفيسة، وأسأل الله تعالى الفائدة والنفع، فهذا هو المرجو وهو الثمرة المطلوبة، والله من وراء القصد، وهو سبحانه الكفيل بالتوفيق والتدبير. *** معنى الإمامة: الإمامة: مصدر أمَّ الناس: صار لهم إماماً يتبعونه في صلاته. أي: تقدم رجل المصلين ليقتدوا به في صلاتهم. والإمامة: رياسة المسلمين. *** معنى الإمام: كل من اقتُدي به وقُدِّم في الأمور، والنبي -صلى الله عليه وسلم- إمام الأئمة. وجمع إمام: أئمة. والإمام في الصلاة: من يتقدم المصلين ويتابعونه في حركات الصلاة. *** أحق الناس بالإمامة: لا شك أننا اليوم نعاني من مسألة الإمامة والأحق بها، فنظراً لبعد الكثير من الناس عن تعاليم الشريعة الغراء، انتشر بين الناس أن الأكبر سناً هو الذي يؤم الناس، ولو كان جاهلاً، ولا ريب أن ذلك خطأ، فلا يؤم الناس في أهم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي الصلاة، إلا من كان عالماً بالكتاب والسُّنَّة، يستطيع الخروج من أي مأزق يقع فيه في صلاته، خروجاً وفق أحكام الشرع المطهر، أما الجاهل فلا شك أنه لن يخرج، وإن خرج من مأزقه، زاد الطين بلة، وهذا واقع حقيقة. ذكر لي أحد الأخوة، أن إمامهم نسي التشهد الأول في الصلاة، فقام ولم يجلس نسياناً منه، فنبهه المصلون ولم يجلس، ولما أكمل الصلاة، انتظر الناس أن يسجد بهم للسهو قبل السلام، ولكنه لم يفعل بل سلم من الصلاة، ولما ذكروا له ذلك الخطأ والخلل الحاصل في الصلاة، قال: لا شيء في ذلك، فات محله، والصلاة صحيحة، وهذا الإمام غير محق فيما قال، بل الصلاة ناقصة، وغير صحيحة البتة، لأن سجود السهو شُرع من أجل جبر النقص الحاصل في الصلاة، ولهذا شرعه الله عز وجل لحكمة رقع الخلل الموجود في الصلاة، فلما لم يسجد ذلك الإمام للسهو كان يجب على المأمومين أن يسجدوا هم، فلما طال الفصل وخرج الناس من المسجد، وجب عليهم أن يعيدوا تلك الصلاة، لأنها غير صحيحة. المقصود أن الإمام يجب أن يكون على علم بأحكام الصلاة، بل يجب على كل المكلفين رجالاً ونساءً أن يلموا بأحكام أركان الإسلام الخمسة، لأنه لا يسعهم الجهل بها، فهم يعبدون الله تعالى، وخلقوا من أجل ذلك، قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات 56]، فلما كان الأصل من خلق الخلق هو عبادة الله وحده لا شريك، وجب على الناس جميعاً، أن يتعلموا كيف يعبدون ربهم، ولا يتأتى ذلك، إلا بمعرفة أحكام الكتاب والسُّنَّة، وأين الناس اليوم عن تلكم الأحكام؟ هم في واد، وأحكام الشريعة في واد آخر، أكثرهم لا يعرف من الصلاة إلا الحركات، نسأل الله السلامة والعافية. فالأحق بالإمامة ليس كبير السن، بل ما جاء في السُّنَّة من حديث أبي مسعود الأنصاري، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحق القوم بأن يؤمهم، أقرءوهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسُّنَّة، فإن كانوا في السُّنَّة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سناً" [أخرجه مسلم وغيره]. وهكذا نرى كبير السن جاء في المرحلة الأخيرة ممن يتولون الإمامة، وهذا إذا كان لا علم لديه، أما إن كان عالماً فلا شك أنه أحق بها من غيره، نظراً لعلمه، وضلوعه في الإسلام. فأولى الناس بالإمامة ما يلي: أولاً / الأقرأ الأفقه: وهو صاحب القرآن الأكثر حفظاً من غيره، فهو مقدم للإمامة على غيره ممن لا يحفظ مثل حفظه، ولو كان غيره أعلم منه، لحديث عمرو بن سلمة مرفوعاً:"... وليؤمكم أكثركم قرآناً" [أخرجه البخاري]، ولحديث أبي سعيد مرفوعاً: "إذا كانوا ثلاثة، فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم" [أخرجه مسلم]. هذا الحديث يدل على أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يُسلمون وهم كبار في السن، فيتفقهون قبل أن يقرءوا، ومن بعدهم يتعلمون القراءة صغاراً قبل أن يتفقهوا، فلم يكن فيهم قارئ إلا وهو فقيه [4/1153]. وإذا تساووا في القراءة، يعني كلهم يحفظون القرآن، أو يحفظون أجزاءً معينة، فيُقدم أتقنهم قراءة، وأضبطهم حفظاً، وأحسنهم صوتاً وترتيلاً. ثانياً / الأقرأ: وهو العالم بفقه الصلاة، بحيث يعلم شروطها، وأركانها، وواجباتها، وسننها، ومبطلاتها، ونحو ذلك. قال ابن حجر رحمه الله: "ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو من حيث يكون عارفاً بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة، فأما إذا كان جاهلاً بذلك فلا يُقدم اتفاقاً" [فتح الباري 2/222]. وخلاف العلماء مشهور فيما إذا وجد صاحب القرآن، والفقيه، فأيهما يُقدم؟ قال بعضهم: يٌقدم صاحب القرآن، لأن النص جاء به. وقال بعضهم: يُقدم الفقيه، إذا كان لديه من القرآن ما تصح به الصلاة، وذلك أن الفقيه يعلم ما يجب من القراءة في الصلاة، لأنه محصور، وما يقع فيها من الجواز غير محصور، وقد يعرض للمصلي ما يفسد صلاته وهو لا يعلم إذا لم يكن فقيهاً [شرح الطيبي 4/1152]. والصحيح: أن الأقرأ هو الذي يُقدم، إذا كان عارفاً بأحكام الصلاة. وهذا كله إذا لم يكن هناك إمام راتب، فإن وجد الإمام الراتب فهو أولى من غيره، وأحق بالصلاة في مسجده، ولو كان خلفه من أهل العلم والفضل، فهو أحق بالإمامة، لأنه هو المتعين من قبل الجهات المختصة. ثالثاً/ العالم فقه الصلاة: وهو الذي لديه علم بفقه الصلاة، بحيث يستطيع الخروج من أي مأزق فقهي ربما يقع له في صلاته، فلا شك أن ذلك أولى بالإمامة من غيره من عامة الناس. رابعاً / الأقدم هجرة: الهجرة انقطعت من بعد فتح مكة، هكذا قاله العلماء استناداً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" [متفق عليه]. قال الخطابي وغيره: "كانت الهجرة فرضاً في أول الإسلام على من أسلم، لقلة المسلمين بالمدينة، وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة، دخل الناس في دين الله أفواجاً، فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به، أو نزل به عدو [فتح الباري]. فالأقدم هجرة المقصود به الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم هاجروا من بلاد الشرك، إلى بلاد الإسلام وهي المدينة النبوية. لكن هناك هجرة إلى قيام الساعة كما ثبت ذلك في أحاديث أخرى، فالهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام قربة وطاعة لله تعالى، فيقدم السابق إليها، لسبقه إلى الطاعة [نيل الأوطار 3/167 وغيره من الكتب الأخرى]. قال الملا على القاري: "الهجرة منقطعة... والمعتبر اليوم الهجرة المعنوية، وهي الهجرة من المعاصي" [مرقاة المفاتيح 3/174]. ولكن الصحيح أن الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام باقية إلى قيام الساعة، إذ لا يخفى على كل إنسان أن دول الكفر اليوم كثيرة، وعلى كل من يسلم من أهلها ويخاف على دينه، أو لا يستطيع أن يظهر شعائر دينه، أو يخاف على نفسه الهلاك هناك، أو أن يُفتن في دينه، فيجب عليه أن يهاجر إلى بلاد الإسلام، فالهجرة باقية إلى قيام الساعة. المقصود بانقطاع الهجرة في الحديث: الهجرة من مكة، لأنها أصبحت دار إسلام، وبهذا تجتمع الأدلة والله أعلم. خامساً / الأكبر سناً: وهذا لا يكون إلا بعد أن يتساوى الناس في كل ما مضى من أحقيتهم بالإمامة، فيأتي بعد ذلك الأكبر سناً، وهذا واضح معلوم. وهناك خطأ ربما وقع فيه بعض الناس من الأسر، فإذا حضر وقت الصلاة قدموا والدهم أو جدهم أو كبيرهم ولو كان جاهلاً بأحكام فقه الصلاة، وهذا خلاف السُّنَّة، وخلاف الأولى، بل يجب عليهم أن يقدموا أقرأهم لكتاب الله، كما تم بيانه قبل قليل، ولا يكن في صدر الوالد أو الأخ الكبير حرج من ذلك، بل هذا هو أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى الجميع أن يتقبلوا أمره بصدور رحبة، وأعناق مشرئبة، قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء 65]. *** |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:10 | |
| قدوة الأئمة: قدوة الأئمَّة جميعاً هو حبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، بنفسي ومالي وأبي وأمي هو عليه الصلاة والسلام. فقد كان رحيماً رؤوفاً براً كريماً جواداً شجاعاً هيناً ليناً عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم. ولكن هل الأئمَّة اليوم يقتدون بقدوتهم؟ الجواب: لا، إلا من رحم ربك وعصم، وقليل ما هم، لم يعد هناك إمام يحب جماعة مسجده ويحبونه، بل العداء هو السائد اليوم، فما أكثر الشكاوى ضد الأئمَّة من سوء أخلاقهم، وسيئ تعاملهم، وتأخرهم، وغيابهم، فلم يعد هناك الإمام الذي يسمى إماماً حقاً، فجلهم وغالبيتهم، يسعون من أجل الحصول على المنفعة الدنيوية، أما تحصيل الأجر الأخروي فهذا بعيد جد بعيد. لا هم لأحدهم إلا آخر الشهر، يغيب أكثر الشهر، ثم ينتظر المكافأة نهاية الشهر، ولا وعظ، ولا كلمات، ولا إرشاد ولا توجيه، وحتى القراءة من كتاب حُرم أجرها، ومُنع ثوابها، بل يصلي ثم ينطلق ولم يلتفت إلى جماعته، بل ينطلق ووجه إلى القبلة، وربما سلَّم بعضهم في بيته، سبحان الله !! أي أئمة أولئك، أين القدوة؟ أين المثالية؟ أين الصبر والتحمل والجلد؟ كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وما سوء العلاقة بين الإمام وجماعته إلا نتاج عدم الفقه في الدين، وعدم اطلاع على سيرة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، وإلا لتغير الأمر برمته. وكثير من الأئمَّة لا يسمع حوار جماعته وتوجيههم ونصحهم له، بل يسيء إليهم، ويرى له عليهم منقبة ومنزلة عظيمة، وفيهم من هو أقرأ منه، وأعلم منه، ولكن كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" [أخرجه البخاري]. والواجب على الإمام أن يراعي أحوال جماعته من حيث إطالة الصلاة من عدمها، ويراعي حق الكبير والصغير، يكون هاشاً باشاً، كثير التبسم، لا تفارق الابتسامة محياة، يحترم الجميع، ويقدرهم ويجلهم، دائم النصح والتوجيه، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ويصبر على أذى الناس، ويتحمل صبيانهم وسفهاءهم، تكون له كلمت يومية، وتوجيهات إرشادية، للرجال والنساء، ويهتم بحلقات تحفيظ القرآن لأهل حيه، ويشترك في المسابقات العائلية الهادفة التي تعود بالنفع على الناس، وهكذا دأب الإمام، نشاطاً وهمة وعلواً، فهو كالغيث أينما حل نفع الله به. ويوجد من الأئمَّة اليوم من هذا حاله، ولكنهم قليلون جداً، فنسأل الله أن يكثر من أمثالهم، ويبارك في جهودهم، وأن يكفيهم شر شياطين الجن والإنس. *** فضل الإمامة: للإمامة فضل عظيم، وأجر كبير، لمن سألها رجاء ثوابها، مخلصاً في ذلك، لا يريد عرضاً من الدنيا. وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله هذا السؤال: عن الإمامة هل فعلها أفضل، أم تركها؟ فأجاب: بل يصلي بهم، وله أجر بذلك، كما جاء في الحديث: "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة: رجل أم قوماً وهم له راضون" [أخرجه أحمد، والترمذي، وهو حديث ضعيف] [مجموع الفتاوى 23/340].
ففضل الإمامة لا ينكره أحد البتة للأمور التالية: أولاً / الإمامة فضيلة وشرف: قال -صلى الله عليه وسلم-: "يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله" [أخرجه مسلم]، والأقرأ هو الأفضل، فالإمام دائماً يُنظر إليه على أنه أفضل الناس خلقاً، وديناً، وعلماً، وفضلاً وكفى بها مناقب للإمام إذا أحسنها وأتقنها، واتقى الله فيها، فالإمامة رفعة في الدنيا، وشرف في الآخرة، ولهذا لم يتولاها إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخلفاؤه من بعده، وأهل العلم والفضل في كل زمان، حتى وصلنا إلى هذا الزمان، ففقدت الإمامة مقصدها الشرعي، وأضحى الهدف منها هدف دنيوي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانياً / الإمام قدوة: لا أحد ينكر فضل الإمامة، وفضل الإمام، فهو المقتدى به في الصلاة وخارج الصلاة، فالناس ينظرون إليه نظرة احترام وتوقير وإجلال، فهو من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، ومن إجلال الله تعالى، إكرام حافظ القرآن غير الغالي فيه، أو الجافي عنه، فالناس ينظرون إليه على أنه قدوة لهم، وهو من يحل مشكلاتهم بعد الله عز وجل، فمسؤولية الإمام عظيمة وكبيرة. قال تعالى: "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً" [الفرقان 74]، فالمعنى: اجعلنا أئمة يُقتدى بنا في الخير، وقيل: اجعلنا هداة مهتدين، دعاة إلى الخير، وقيل: نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا [أحكام القرآن للجصاص 3/449، أحكام القرآن لابن العربي 3/346، الطبري 9/425، ابن كثير 4/616، القرطبي 14/81].
ثالثاً / دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- للأئمة بالإرشاد: وهو أول طرق الخير، فالإنسان إذا رشد في عمله فإنه إلى خير، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين" [أخرجه أبو داود وصححه الألباني 1/105].
رابعاً / الإمامة معينة على طلب العلم: كثير من الأئمَّة المخلصين الذين يرجون ثواب الله تعالى، تقدموا للإمامة، لا لأجلها هي، ولكن لأنها تعين بعد الله تعالى على طلب العلم الشرعي، وعلى حفظ كتاب الله تعالى، وتعين على المحافظة على الصلوات الخمس جماعة في بيوت الله تعالى، لا سيما ونحن في زمن فسد فيه كثير من الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وعلى طلبة العلم أن يحرصوا على طلب الإمامة، لدعوة الناس إلى الحق، وترك الباطل، فهي وظيفة دينية مهمة، تولاها قبلهم رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-، فينبغي على طلاب العلم أن يهبوا للقيام بها، ولا يتركونها لهمل الناس وسقطهم الذين لا هم إلا جمع المال، واللهث وراء مغريات الحياة الدنيا، فهنا لابد من إقفال الطريق عليهم، والحرص على إمامة المسلمين، وتعليمهم العلم الشرعي، لا كما نشاهده اليوم حتى من بعض طلاب العلم، وأصحاب الشهادات الشرعية، وكأنهم خرس بعد الصلاة، لا يأمرون ولا ينكرون، يصلون ويهربون، ليس هذا هو القصد من الإمامة، بل القصد أعظم وأشمل من ذلك بكثير، فهي أمانة يجب أن تؤدى على أكمل وجه وأحسنه، وعليهم ألا يخجلوا أو يتهيبوا ذلك الموقف فلهم في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسُّنَّة، وعليهم بقراءة سير السلف الصالح وكيف كانوا دعاة للخير، دعاة إلى الله تعالى، يعلمون الناس العلم المستمد من الكتاب والسُّنَّة. *** المفاضلة بين الإمامة والأذان: اختلف أهل العلم في أيهما أفضل: الإمامة أم الأذان؟ فقال بعضهم: أن الإمامة أفضل، وروي عن الإمام أحمد في قوله الآخر، أن الإمامة أفضل، لأن الإمامة تولاها النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، ووكلوا الأذان إلى غيرهم، وكذلك ما زال يتولاها أفاضل المسلمين علماً وعملاً، ولأن الإمامة يُعتبر لها من صفات الكمال أكثر مما يعتبر للأذان. أما بالنسبة لتولي النبي -صلى الله عليه وسلم- للإمامة وكذلك خلفاؤه من بعده، فذلك لضيق وقتهم، لأن الأذان يتطلب وقتاً من بدء الوضوء إلى الأذان ثم الانتظار والإقامة، ثم نهاية الصلاة، وتفقد المسجد وإغلاقه، فهذا وقت طويل لا يتسنى للحاكم انتظاره. ولهذا قال عمر -رضي الله عنه-: "لولا الخليفى -الخلافة- لأذَّنت". وقال آخرون: الأذان أفضل، لأن الأذان من أفضل الأعمال، فإن فيه ذكر الله على وجه الجهر، ويُفتح به أبواب السماء، وتهرب منه الشياطين، وتطمئن به القلوب، وهو إظهار لشعار الإسلام، وإعلام للناس بوقت الصلاة، ودعاء إليها، قال الإمام أحمد الأذان أحب إلي من الإمامة، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه، والمؤذن يُغفر له مد صوته. والقول الثاني أصح، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين" [أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وصححه الألباني في الترغيب والترهيب 1/215]، ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان، والمدعو له بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرُّشد، لأن المغفرة نهاية الخير، والرُّشد مبتدأ الخير، فإنه من لم يرشد، يكن غاوياً، والغاوي: المتبع للشهوات، المضيع للصلوات، ولأن الأذان له خصائص لا توجد في الإمامة.
منها: أنه يغفر له مد صوته. وأنه يستغفر له كل رطب ويابس. وأنه لا يسمع المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لا يجدوا ألا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه" [متفق عليه]، وعن معاوية، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة" [أخرجه مسلم]، وعن البراء بن عازب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤذن يُغفر له مَدَّ صوته، ويشهد له كل رطب و يابس، وله مثل أجر مَنْ صَلَّى معه" [حديث صحيح، أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود وابن خزيمة]، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أذن محتسباً سبع سنين، كتبت له براءة من النار" [أخرجه ابن ماجة]، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أذن اثنتي عشرة سُّنَّة، وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه كل مرة ستون حسُّنَّة، وبإقامته ثلاثون حسُّنَّة" [أخرجه ابن ماجة بسند ضعيف، وأخرجه الحاكم بسند صحيح، انظر الصحيحة 1/102]، ولم يجيء في فضل الإمامة مثل هذا الفضل، والقدر والشرف والأجر [انظر معونة أولي النهى 1/473 على سبيل المثال لا الحصر، وغيره من الكتب التي تتحدث في الموضوع]. ***
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:11 | |
| خطورة الإمامة: كثير من الناس لا يعرف خطورة الإمامة، والأثر السيئ المترتب على التفريط فيها، فيقدم أحدهم بكل بلاهة وسخافة، ليصلي بالناس، وهو لا يحفظ شيئاً من كتاب الله غير سورة أو سورتين، وخلفه من يحفظ القرآن كله أو جله، ومنهم من لا يجيد القراءة ولا التجويد، ويلحن في القراءة ويغير المعاني، ومنهم من يقرأ بالأناشيد والدحية والعرضة، ولقد رأيت ذلك من بعض العاميين الذين لا يحسنون القراءة، ومنهم من لا يحسن شيئاً من الفقه يساعده لو أخطأ، بل فيه من الجهل المركب ما الله به عليم، ومع ذلك تراه يترصد تأخر الإمام وإقامة المؤذن لينطلق إلى المحراب ليصلي بالناس. وقد ورد تخويف في ذلك الأمر، لأولئك الجهلة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الإمام ضامن..." يعني يضمن للناس صحة صلاتهم، فلا يتلاعب بها، وإذا وقع في خطأ وجب عليه أن يراعي أحكام الشرع فيه، فإن لم يفعل ذلك، فقد خان المأمومين خلفه، وأنقص من صلاتهم، وعليه وزر ذلك، وعليهم كفل منه، لأنهم أذنوا له بان يؤمهم في ركن عظيم من أركان الإسلام ألا وهو الصلاة. قال -صلى الله عليه وسلم-: "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم" [أخرجه البخاري وأحمد]، فالأئمة يصلون لأجل الناس، فإن أصابوا في الأركان والشروط والواجبات والسنن، فقد وقع الأجر للجميع، وإن أخطأ الإمام فقد وقع في الإثم واستحق العقاب، ولا شيء على من خلفه. وعن عقبة ابن عامر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أم الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم" [أخرجه أحمد وابن ماجة وأبو داود، وقال الألباني: حسن صحيح 1/115]. وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء فعليه ولا عليهم" [أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني 1/292]. *** جرأة الناس على الإمامة: مع أن المثل يقول: تقدم للسيوف، ولا تتقدم للصفوف، ومع أن الإمامة هي وظيفة الأنبياء والرسل، وكان يقوم بها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم خلفه من بعده عليها خلفاؤه الراشدون، وهي لا تزال في العلماء والصالحين، إلا أننا نرى اليوم عجباً عجاباً، عندما يتهافت عليها سقط الناس وسفهاؤهم وفسقتهم، من أهل المعاصي المعروفين بها، وأهل الفسق المشهورين به، كمن يتعامل بالربا، ومن يأكل الرشوة، ومن يزني، ومن يسكر، ويتعاطى المخدرات، ويشرب الدخان، ومن يحلق لحيته، ويجر ثوبه. وليحذر الناس من تقديم من ليس بأهل للإمامة، كحالق اللحية، ومسبل الثوب، لأن في صحة صلاتهم خلاف بين أهل العلم، فإذا لم تصح صلاته لنفسه، فمن باب أولى ألا تصح صلاة من خلفه، كما أن في تقديم أولئك الفساق من الناس، اعترافاً بما هم عليه من المنكر ورضىً به، وتقريراً لهم على ذلك، بل على الجماعة إذا لم يوجد بينهم من لا يصلح للإمامة إلا مثل أولئك العصاة، ألا يستعجلوا في إقامة الصلاة، بل ينتظرون حتى يأتي من تطمئن له النفس، أو يقدموا أحدهم ولو كان حفظه قليلاً، المهم ألا يُقدم أهل الفسق والمجاهرين به، فهذه عبادة، فيجب عليهم أن يتخيروا أفضلهم للقيام بأعبائها. وممن تجرأ على الإمامة، شباب في مقتبل العمر، منَّ الله عليهم بالتمسك، وحَفِظَ أحدهم جزء عم أو ما قاربه، وحفظ حديثاً، ثم يرى أنه بمنزلة لم يبلغها أبو بكر ولا عمر -رضي الله عنهما-، وتراه يتصدى للإمامة، ويتقدم الصفوف، ويتخطى الرقاب، للوصول إلى المحراب، ثم لا يُحسن قراءة، ولا حفظاً، ولم يشم رائحة العلم، ويتحدث بطلاقة، وانسيابية لم تُعهد إلا في مثل أهل هذا الزمان، كل ذلك جهلاً بخطورة الإمامة، وعظيم مسئوليتها.
سؤال: السُّنَّة أن يُقدم صاحب القرآن للإمامة وهذا لا خلاف فيه، لكن السؤال ماذا لو تقدم رجل للصلاة بالناس وفي المسجد من هو أكثر منه حفظاً للقرآن؟ الجواب: لا يخفى أن التقدم على صاحب القرآن افتيات عليه، وتعد لحقه، لأنه أحق بالإمامة من غيره، ما لم يكن المتقدم إمام المسجد فهو أحق ولو كان خلفه من هو أحفظ منه وأعلم، لكن الحديث هنا لو تأخر الإمام، أو كان المسجد بلا إمام أصلاً، أو كان هناك مجموعة من الناس مجتمعون لسفر أو نزهة أو ما شابه ذلك، وحان وقت الصلاة، وتقدم أحدهم وفيهم من هو أفضل منه قرآناً، فالصحيح في المسألة أنه يُكره أن يتقدم أحد على من هو أحفظ منه، فإن فعل وتقدم فالصلاة صحيحة مع الكراهة، أي أنها ناقصة الأجر، لحديث: "إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال" [حديث ضعيف]. لكن لو لم يتقدم صاحب الحق وأسقطه جاز أن يتقدم غيره، وصحت الصلاة بلا كراهة [حاشية الروض لابن قاسم 2/306]. *** جهر الإمام بالنية: الجهر بالنية خفة في العقل، وسفه في الفهم، واستهتار بعظمة الله جل جلاله، إذ يقول سبحانه وتعالى: "قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض" [الحجرات]، فإذا كان الله عز وجل يعلم أنك لم تتوضأ إلا لصلاة معينة، فكيف تخبره في صلاته، وتقول: نويت أن أصلي فرض كذا، جهراً أو سراً، مع الإمام، أو كلاماً شبيهاً بذلك، أليس في هذا إشعاراً بأن الله عز وجل لا يعلم ما في القلوب، والله تعالى يقول: "والله يعلم ما تسرون وما تعلنون" [النحل 19]، وقد روى أن الصحابة قالوا يا رسول الله ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله هذه الآية: "وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان" [البقرة]، وفى الصحيح أنهم كانوا في سفر، وكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، بل تدعون سميعاً قريباً، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" [متفق عليه]. قال في كشاف القناع: "ويكره الجهر بالنية وتكرارها، قال الشيخ تقي الدين: اتفق الأئمَّة على أنه لا يُشرع الجهر بها وتكريرها، بل من اعتاد ذلك الأمر ينبغي تأديبه، وكذا بقية العبادات، وقال: الجاهر بها مستحق للتعزير بعد تعريفه، لا سيما إذا آذى به أو كرره، وقال: الجهر بلفظ النية منهي عنه عند الشافعي وسائر أئمة الإسلام، وفاعله مسيء، وإن اعتقده ديناً خرج من إجماع المسلمين، ويجب نهيه، ويعزل عن الإمامة إن لم ينته". قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "نية الطهارة من وضوء أو غسل أو تيمم، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والكفارات، وغير ذلك من العبادات، لا تفتقر إلى نطق اللسان -أي لا تحتاج إلى تلفظ بالنية- باتفاق أئمة الإسلام، بل النية محلها القلب دون اللسان باتفاقهم، فلو لفظ بلسانه غلطاً بخلاف ما نوى في قلبه، كان الاعتبار بما نوى لا بما لفظ، ولم يذكر أحد في ذلك خلافاً، إلا أن بعض متأخري أصحاب الشافعي رحمه الله، خرج وجهاً في ذلك، وغلطه فيه أئمة أصحابه، وكان سبب غلطه، أن الشافعي قال: إن الصلاة لا بد من النطق في أولها، وأراد الشافعي بذلك التكبير الواجب في أولها، فظن هذا الغالط، أن الشافعي أراد النطق بالنية، فغلَّطه أصحاب الشافعي جميعهم. ولكن تنازع العلماء هل يستحب التلفظ بالنية سراً أم لا؟ هذا فيه قولان معروفان للفقهاء: فقال طائفة من أصحاب أبى حنيفة والشافعي وأحمد: يستحب التلفظ بها، لكونه أوكد. وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهما: لا يستحب التلفظ بها، لأن ذلك بدعة لم تنقل عن رسول الله، ولا عن أصحابه، ولا أمر النبي أحداً من أمته أن يتلفظ بالنية، ولا علَّم ذلك أحداً من المسلمين، ولو كان هذا مشهوراً مشروعاً، لم يهمله النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، مع أن الأمة مبتلاة به كل يوم وليلة، وهذا القول أصح الأقوال، بل التلفظ بالنية نقص في العقل والدين، أما في الدين فلأنه بدعة، وأما في العقل فلأنه بمنزلة من يريد يأكل طعاماً فيقول: نويت بوضع يدي في هذا الإناء أني أريد أن آخذ منه لقمة، فأضعها في فمي، فامضغها، ثم أبلعها لأشبع، مثل القائل الذي يقول: نويت أصلى فريضة هذه الصلاة المفروضة علي حاضر الوقت، أربع ركعات في جماعة، أداء لله تعالى، فهذا كله حمق وجهل، وذلك أن النية بلاغ العلم، فمتى علم العبد ما يفعله كان قد نواه ضرورة، فلا يتصور مع وجود العلم بالعقل أن يفعل بلا نية، ولا يمكن مع عدم العلم أن تحصل نية [مجموع الفتاوى 22/230]. ولو فكر الإنسان بعقله قليلاً لتدبر الحقيقة، ووقف عليها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها، فهل يمكن للإنسان أن يعمل عملاً وهو لم ينوه بقلبه من قبل؟ لا، لا يمكن ذلك، فمثلاً إذا أردت أن تزور صديقاً لك، فهل تقول نويت أن أزور فلان، في بيته الواقع في الحي كذا، في الساعة كذا، بسيارتي أو على قدمي، ثم أعود من عنده في الساعة كذا، لو سمعك أحد وأنت تقول ما قلت لحسبك مجنون، فأنت عندما تزور فلان من الناس، قد بيت النية في قلبك مسبقاً لزيارته، فلا حاجة للجهر بالنية. وعندما تريد الذهاب إلى عملك، هل تنوي بلسانك أنك ستذهب إلى العمل، لا، إذن لا تتلفظ بالنية في العبادة فهي من باب أولى، لأنك عندما تسمع المؤذن يؤذن لصلاة الظهر مثلاً، فإنك على الفور تقوم وتتوضأ استعداداً لأداء صلاة الظهر، والله عز وجل يعلم أنك لم تتوضأ إلا لأداء تلك الصلاة التي توضأت من أجلها، فما الحاجة لأن تتلفظ بالنية. وما قيل في حق الإمام من عدم الجهر بالنية، فالمأموم من باب أولى، وكذلك المنفرد، ويدخل في ذلك الرجال والنساء. *** إمامة الزائر للمزور في بيته ومسجده وبلده: ربما زار أحدهم أخاً له، أو صديقاً، فصلوا لسبب ما في بيت المزار، فلا يجوز للزائر أن يتقدم على صاحب المنزل في الإمامة، لا من تلقاء نفسه، ولا لو قدمه أحد الحاضرين، لأن الرجل صاحب المنزل أحق بالإمامة من غيره، ولو كان غيره أعلم منه، وأقرأ منه. ولو جاء أحدهم إلى مسجد، وللمسجد إمام، فلا يجوز له أن يتقدم بين يدي الإمام، لأن الإمام أحق بإمامة مسجده من غيره. وكذلك لو زار أحدهم أناساً في قرية، فلا يجوز له أن يصلي بهم، بل يتقدم واحد منهم ليصلي بهم.
ويجمع ذلك كله هذه الأحاديث: قال -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه" [أخرجه مسلم]، وفي رواية لمسلم: "ولا يؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه". وعند أبي داود: "ولا يؤمن الرجل في بيته، ولا في سلطانه". وعنده أيضاً بإسناد كلهم ثقات: "لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم". وعن أبي عطية العقيلي قال: كان مالك بن الحويرث يأتينا إلى مصلانا يتحدث، فحضرت الصلاة يوماً، قال أبو عطية: فقلنا له: تقدم فصلِّه، قال لنا: قدموا رجلاً منكم يصلي بكم، وسأحدثكم لم لا أُصلي بكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من زار قوماً فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم" [أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي]. وقال هزيل بن شرحبيل: جاء ابن مسعود إلى مسجدنا، فأقيمت الصلاة، فقلنا له: تقدم، فقال: يتقدم إمامكم، فقلنا: إن إمامه ليس هاهنا، قال: يتقدم رجل منكم. قال أكثر العلماء: لا يتقدم الرجل على رجل في بيته ليصلي بهم، ولا على الإمام في مسجده، إلا إذا أذنوا بذلك، قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا كان الرجل في قريته، وداره، فهو في سلطانه، لا ينبغي لأحد أن يتقدمه إلا بإذنه. [فتح الباري لابن رجب الحنبلي 4/137]. قيل لعطاء: رجل مسافر، مرَّ بأهل ماء، فحضرت الصلاة فقدموه، ليس لهم إمام يؤمهم؟ قال: لا بأس بذلك" [أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 2/400]. قال الخطابي: "صاحب المنزل أولى بالإمامة في بيته إذا كان من القراءة والعلم بمحل يمكنه أن يقيم الصلاة" [معالم السنن 1/145]. قال فضيلة الشيخ / صالح الفوزان وفقه الله: "صاحب البيت، إذا كان يصلح للإمامة، لم يجز أن يتقدم عليه أحد في الإمامة إلا بإذنه. وقال: وإذا كان إمام المسجد قد ولاه السلطان، أو نائبه، أو اتفق على تقديمه أهل المسجد، فهو أحق، لأنها ولاية خاصة، ولأن التقدم عليه يسيء الظن به، وينفر عنه [، حاشية الروض لابن القاسم 2/302، الملخص الفقهي 1/218]. والصحيح في المسألة ما ذكره الخطابي رحمه الله، وما اختاره الشيخ صالح الفوزان وفقه الله، وذلك حتى لا تثار الفتن، ويصبح الأمر ميداناً يتسابق إليه الفساق وأهل البدع والمعاصي، وأهل الأهواء والسفهاء، فكان لابد من حزم الأمر، وقطع دابره، وقد قطع النزاع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، من أن أحداً لا يتقدم على الرجل في بيته، ولا سلطانه، ولا مسجده إلا بإذنه، والحمد لله رب العالمين. وقال سماحة العلامة الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله في شرحه على المنتقى: بعض الناس -صاحب المنزل أو الإمام- قد يأذن حياءً، فينبغي للزائر أن لا يعجل في التقدم، حتى يلح عليه صاحب السلطان ويشدد ويلزم [صلاة المؤمن 1/559].
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:12 | |
| مسألة: إذا تأخر الإمام الراتب عن مسجده، فما العمل؟ الجواب: يجب على الأئمَّة أن يحافظوا على الصلوات في أوقاتها، لأنهم قدوة لغيرهم من الناس، فهم أولى الناس بالمحافظة على الصلاة في وقتها، وعليهم ألا يتأخروا عنها بقدر استطاعتهم، مراعاة لحق الله تعالى، وحق عباده، فالأموال المترتبة على الإمامة في مقابل المحافظة على إمامة الناس، ومن أُعطي الأجر طولب بالعمل. وعلى الإمام أن يتبع الوقت المحدد بين الأذان والإقامة لكل الصلوات، ويراعي جماعة مسجده، فلا تأخر عنهم، ولا يزيد عن الوقت المحدد، بحيث لا يوقعهم في الإحراج، فإن منهم المريض، وذا الحاجة، والمسافر، وصاحب العمل، والعمال، وغير ذلك، فيجب عليه أن يراعي تلك الأمور، ويأخذها بعين الاعتبار. كذلك على الإمام أن يوكل من يؤم الناس في حال تأخره، ولا يترك الناس ينتظرون حضوره، فيقع في نفوسهم منه، وربما كرهوه، ثم لا يجوز له أن يؤمهم بعد ذلك، للنهي الوارد، والذي سيأتينا في نقطة قادمة إن شاء الله. فإذا تأخر الإمام عن موعد الصلاة المحدد، ولم يكن قد جعل وكيلاً، فعلى المؤذن أن يقيم الصلاة ولا ينتظره، لأنه فرط في الحضور المبكر للصلاة في وقتها المعتبر.
مسألة: إذا وصل الإمام متأخراً، ووجد آخر يصلي بالناس، فما العمل؟ الجواب: عليه أن يصلي مأموماً، لتفريطه بالأمانة التي ائتمنه الله عليها، وأتمنته عليها الدولة، ورُتب له الأجر في مقابل القيام بها على أحسن وجه وأكمله. لكن لو لم يصلي الإمام مأموماً بل أخَّر الإمام الآخر، وصلى هو بالناس، فالصلاة صحيحة، وعلى الآخر أن يتأخر ويرجع إلى الصف الأول، وقد تأخر النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة في السفر حين ذهب ليقضي حاجته، فجاء -صلى الله عليه وسلم- وعبد الرحمن بن عوف يصلي بالناس، فأراد عبد الرحمن أن يتأخر، فأشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستمر، وصلى مأموماً وراء عبد الرحمن بن عوف [أخرجه مسلم]، وتأخر عليه الصلاة والسلام مرة بالمدينة ليصلح بين بني عمرو بن عوف، ثم جاء وأبو بكر -رضي الله عنه- يصلي بالناس، فلما أحس به أبو بكر -رضي الله عنه-، تأخر إلى الصف، وتقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إماماً. لكن الأفضل ألا يتقدم الإمام الراتب حتى لا تقع خلخلة في الصفوف، واختلاف في القلوب، وعليه أن يصبر جراء تفريطه في الحضور المبكر، وعليه أن يصلي مأموماً، فهو ليس بأفضل من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد صلى مأموماً وفاتته ركعة أو ركعتان من الصلاة فقضاهما هو والمغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- [فتاوى اللجنة الدائمة 7/412، ومجموع فتاوى ومقالات 12/143]. فعلى ذلك يجوز للجماعة إذا تأخر إمامهم، أن يقدموا أحدهم للصلاة بهم.
فائدة: لا يجوز للجماعة أن يتقدموا على الوقت المعتبر للإقامة إلا بإذن الإمام، لأنه هو الأحق بالإمامة في مسجده المعين عليه شرعاً. وإن فعلوا ذلك، وأقاموا قبل وقتها ففي المسألة قولان: القول الأول: صلاتهم باطلة، وعليهم إعادتها، وهم آثمون. القول الثاني: صلاتهم صحيحة ناقصة الأجر، وهم آثمون. والراجح القول الثاني، وفي كلا الحالتين الأمر خطير، وكبير عند الله تعالى، والناس لا يريدون أن تبطل صلاتهم، ولا يرغبون في نقص أجورهم، ولا يحبون أن يأثموا، فعلى المؤذنين أن يراعوا ذلك، ويهتموا بأمر الأذان والإقامة في وقتهما المشروع، بحيث لا يشق ذلك على الناس، فينفروا من الصلاة. *** استخلاف الإمام: الاستخلاف هنا: يقصد به ما يعتري الإمام من مرض، أو حدث، أو نيسان طهارة ونحو ذلك. فربما حدث للإمام حدث أثناء صلاته، فالواجب عليه حيال ذلك، أن ينصرف من صلاته، ويحرم عليه أن يكملها، بل يستخلف غيره ممن وراءه، ليكمل الصلاة بالناس، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقبل صلاة بغير طهور" [أخرجه مسلم]، وقد ذكر كثير من أهل العلم أن صلاة المحدث كبيرة من كبائر الذنوب، نسأل الله العفو والعافية، فلا يجوز للإمام إذا أحدث أن يستمر في صلاته، بل يقطعها، ويستخلف واحداً من المصلين خلفه، ليكمل الصلاة بالناس. ولما طُعن الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو في الصلاة، استخلف عبد الرحمن بن عوف ليصلي بالناس. وأصاب على ابن أبي طالب -رضي الله عنه- رعاف وهو في صلاته، فأخذ بيد رجل فقدمه ثم انصرف. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: إن استخلف الإمام فقد استخلف عمر وعلي، وإن صلوا وحداناً، فقد طُعن معاوية وصلى الناس وحداناً من حيث طُعن حتى أتموا صلاتهم [نيل الأوطار 3/184]. ولو صلى الإمام بالناس ثم انتهى من صلاته وتذكر أنه على غير طهارة، فصلاته باطلة، وصلاة من خلفه صحيحة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم" [أخرجه البخاري]. وعلى ذلك فإذا حصل للإمام حدث أثناء الصلاة فله أن يستخلف من يصلي بالناس، فإن لم يستخلف، فللجماعة أن يقدموا أحدهم، أو يتقدم أحدهم ليصلي بهم، ولم أن يصلوا كل واحد بنفسه، وللإمام أن يشير إليه أن يبقوا حتى يتوضأ ويكمل بهم الصلاة، وفي هذه الحالة ينتظرونه حتى يتم ما عليه، ثم يسلم ويسلمون معه، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه" [متفق عليه]. وكذلك لو تقدم أحدهم ليكمل بهم الصلاة بعد خروج الإمام لعذر، وكان مسبوقاً، فإنه يفعل كما أشرنا إليه سابقاً، فيتم صلاته وينتظره الجماعة ليسلم بهم جميعاً. ولو انتظروا حتى يأتي الإمام ويستأنفون الصلاة من جديد أي يعيدونها من أولها فلا بأس بذلك، والعلم عند الله تعالى [مجموع فتاوى ومقالات سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله 12/132-142].
فائدة: إذا علم المأموم بحدث الإمام قبل الصلاة، ثم صلى خلف ذلك الإمام المحدث، فصلاة الإمام والمأموم غير صحيحة، ونقل الإجماع على ذلك النووي رحمه الله في المجموع [4/152]. والمأموم الذي يعلم بحدث إمامه ولم يخبره بذلك، فهو آثم وعاص لله تعالى، لتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فائدة: الصلاة بلا طهارة كبيرة من كبائر الذنوب، ومن فعل ذلك كان فاسقاً آثماً عاصياً لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، مرتكباً جرماً كبيراً، وذلك إن لم يكن مستحلاً لفعله ذاك، فإن كان مستحلاً له كفر وخرج من دين الإسلام والعياذ بالله، لتركه الطهارة اللازمة للصلاة، لأن الله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون" [المائدة 6]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" [متفق عليه]. ومن صلى بغير وضوء فقد ارتكب إثماً عظيماً، لاستهزائه بالصلاة، واستهتاره بربه تبارك وتعالى، الذي أمر عباده بالطهارة عند القيام لأداء الصلاة، فالطهارة شرط لصحة الصلاة. ولا يقبل منه إعادة لتعمده ترك الصلاة بلا وضوء متعمداً حتى خرج وقتها، ولم يعيدها في وقتها بالوضوء الشرعي. قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا تعمد الصلاة محدثاً، فهو كافر لتلاعبه واستهزائه بالدين. وقال جمهور أهل العلماء: إذا تعمد الصلاة محدثاً كان آثماً فاسقاً، ولا يكفر بذلك إن لم يستحله، فإن استحله كفر [المجموع للنووي 4/158]. فليتنبه لذلك الآباء والأمهات، والمعلمين والمعلمات، لتقديم النصح والتوجيه للأبناء والبنات، والطلاب والطالبات، وتحذيرهم من الصلاة بغير وضوء عمداً، فإن ذلك خطر عظيم، وشر كبير، لأن من استحله فقد كفر بالله تعالى، فالأمر ليس بالهين كما يعتقده بعض طلاب المدارس، وربما حتى بعض أولياء الأمور، بل الأمر عظيم وخطير، فيجب على جميع المكلفين التنبه له، وتقديم التوجيه المناسب لأبنائهم، وتخويفهم بالله عز وجل، وإن لمن المؤسف أن ترى طلاباً في المتوسط (الإعدادي) أو الثانوي وهم لا يصلون، أو يصلون بغير وضوء جهلاً منهم بأهمية الأمر، أو استهتاراً بأمر الطهارة، فليحذر أولئك الشباب من الطلاب والطالبات فالله لهم بالمرصاد، وإن عذاب الله شديد، فليتقوا الله تعالى، وليحذروا غضبه وسطوته ونقمته.
فائدة: ينبغي للإمام إذا حصل له عذر كسفر ومرض وانشغال، مما أشغله عن الحضور للمسجد وإمامة الناس، ينبغي ألا يترك المسجد بلا وكيل، بل عليه أن يوكل إماماً هو أهل للإمامة، وأن يخبر جماعة المسجد بأنه اختار فلان، فيأخذ رأي أهل الحل والعقد من جماعة مسجده، فربما أنهم لا يريدون من يوكله ولو كان حافظاً، فعليه أن يزيل الكراهية والمشاكل التي ربما تقع لو وكل وكيلاً لا يرغبه الناس، فلابد أن يكون الإمام فطناً لمثل هذه الأمور [حاشية الروض لابن قاسم 2/302]. *** |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:13 | |
| إمامة مَنْ يتعتع بالقراءة: أولاً ليعلم كل مسلم أن القرآن كلام الله عز وجل، أنزله على رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم-، بلسان عربي مبين، معرباً مصححاً واضحاً، لا التباس فيه، فعلى الإنسان أن يقرأ القرآن قراءة صحيحة سليمة من الأخطاء، ولا يستهتر بالأمر، لأن هذا كلام الله عز وجل، يجب أن يُقرأ كما أنزل، بلا تحريف ولا تبديل ولا نقص ولا زيادة، فالقرآن ليس من كلام البشر، بل هو كلام رب البشر، فمن قرأه على غير ما غير ما صحت به القراءة، وعلى غير ما جاء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فمعنى ذلك أنك حرفت كلام الله، وتحريف كلام الله محرم، فالواجب على المسلم أن يتأنى عند قراءة القرآن، ويتدبر آياته وعظاته، حتى لو وقف عند الكلمة خمس دقائق أو أكثر من ذلك، المهم أن يتهجا الكلمة ليقرأها صحيحة، هذا هو الواجب على كل مسلم ومسلمة حيال كتاب الله عز وجل. فإذا كان هذا في حق كل الناس، فمن يؤم الناس لهو أحق أن يقرأ القرآن قراءة صحيحة، لأن خلفه الجاهل، والصغير، والأمي، والنساء يسمعن من بيوتهن، فربما سمع أحدهم آية، أو سورة خاطئة، فأخذها على ما سمعها، فالإثم على الإمام، لأنه لم يكلف نفسه تعلم قراءة القرآن، ضمن حلقات التحفيظ أو غيرها من طرق التعلم الصحيحة لقراءة القرآن الكريم. وإن أصر وعاند وبقي على أخطائه، فيجب رفع أمره إلى الجهات المختصة لاستبداله بآخر أفضل منه حفظاً وقراءةً وإتقاناً. وهنا ثمة أمر مهم، وهو إذا كان الإمام لا يحسن قراءة الفاتحة، فإنه لا يجوز لأحد أن يصلي خلفه، ومن صلى خلفه فصلاته غير صحيحة، لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، وهذا الإمام لم يأت بهذا الركن، فالأمر خطير وعظيم، يجب على الناس جميعاً التعاون فيما بينهم لاختيار الإمام الأفضل للصلاة بهم. المقصود أن الإمام الذي يتعتع بالقرآن ولا يستطيع نطقه بسهولة، عليه أن يجتهد في تعلم كتاب الله تعالى، لأن الله عز وجل لم ينزل كتابه من أجل أن نعلقه في المنازل والسيارات، ونتباهى به، بل أنزله للقراءة والفهم والتدبر، لنعبد الله تعالى كما أمرنا، ولا يتسنى ذلك إلا بالعلم بكتاب الله وما فيه من أوامر ونواهي، وحلال وحرام. وقد ورد الحديث بالأجر لمن قرأ القرآن وهو يتتعتع فيه، لكن لا يكون المتعتع إماماً إذا وجد من هو أفضل منه وأحسن قراءة، وسلامة من الخطأ. ومن أهل العلم من قال تكره إمامة الفأفاء -يعني الذي يكرر الفاء– والتمتام -الذي يكرر التاء- أما بالنسبة للصلاة خلفه فهي جائزة، وكلما كان الإنسان أقرأ وأجود وأحفظ فهو أحق بالإمامة. أما إذا كانت القراءة تحيل المعنى وتغيره، فهذا لا يجوز له أن يبقى إماماً للناس، بل يُذكَّر بالله تعالى، ويُعلَّم، وعليه أن يقبل النصيحة وألا تكون الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه، فعليه أن يستقيل من الإمامة خوفاً من عقاب الله تعالى، ولا يبقى من أجل المال ووسخ الدنيا، وعليه أن يتذكر أن وراءه يوماً ثقيلاً. فمثل ذلك لا تصح إمامته، ولا تصح الصلاة خلفه. وأهم ما يُقرأ في الصلاة الفاتحة، لأنها ركن ولا تصح الصلاة بدونها، فمن كان يحيل المعنى في قراءتها، كمن يقرأ (إياكِ نعبد) بكسر الكاف، أو يقرأ (أنعمتُ) بضم التاء، أو (أنعمتِ) بكسر التاء، فهذا لحن يُحيل المعنى، فلا تجوز الصلاة خلفه حتى يتعلم، ويقيم الحروف كما هي في القرآن الكريم [مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 15/158، مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 12/96 وما بعدها]. *** إمامة الرجل بأهله: الواجب على الرجال أداء الصلوات الخمس في المساجد، لأن الله تعالى أمر بذلك، ولأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك أيضاً، لأدلة كثيرة ليس هذا هو موضع بسطها، لكن الأمر معلوم معروف، لا ينكره مسلم أبداً. لكن لو قُدِّر أن الرجل أصابه شيء ما، اضطره إلى الصلاة في بيته، فإنه يجوز له أن يؤم أهل بيته رجالاً ونساءً، إذا كان هو أقرأُهم لكتاب الله تعالى، فيصف خلفه الرجال ثم الأطفال ثم النساء، لحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- وفيه: "جئت فقمت عن يسار وإن كان الرجل وزوجته، فتصف المرأة خلفه ولا تقف بجانبه. وإن كان رجل وابنه وزوجته، فيصف الابن عن يمين أبيه، والأم خلفهما، كما في قصة أنس وأمه. وسيأتي مزيد بيان لهذه النقطة فيما يأتي إن شاء الله تعالى. *** خطأ الإمام في الصلاة: ربما يُخطئ الإمام أثناء قراءته في الصلاة، فيبدل آية مكان آية، وربما انتقل من سورة إلى أخرى للتشابه بينهما، وربما توقف نهائياً عن القراءة لنسيانه، فهنا إما أن يفتح عليه أحد الحاضرين، وإما أن لا يفتح عليه أحد. فإن فُتح عليه فالحمد لله، وإن لم يُفتح عليه فله حالة من اثنتين: إما أن ينتقل إلى سورة أخرى، وإما أن يركع. ولا يغضب الإمام عندما يخطئ وهو لا يعلم بالخطأ عندما يرد عليه من خلفه، بل عليه أن يعيد الآية فإن كانت صحيحة فبها ونعمت، وإن كان فيها خطأ فعليه أن يتقبل التصحيح بصدر رحب، لأن القرآن كذلك أنزل. فيبغي للمأموم أن يفتح على إمامه حال الخطأ والارتجاج، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إذا استطعمكم الإمام فأطعموه" [أخرجه ابن أبي شيبة، والدار قطني، والبيهقي وصححه ابن حجر].
فائدة مهمة: ينقسم الفتح إلى قسمين: الأول / الفتح الواجب: وهو الفتح فيما يبطل تعمده الصلاة، كما لو زاد ركعة في الصلاة، أو لحن لحناً يحيل المعنى في الفاتحة ونحو ذلك.
الثاني / الفتح المستحب: وهو ما يفوت كمالاً، كما لو نسي أن يقرأ سورة بعد الفاتحة، أو أخطأ خطئاً في قراءة سورة أو آيات. وهنا ينبغي التنبيه على من يفتح على الإمام، ليعلم أن الفتح على الإمام مستحب وليس بواجب إلا في الفاتحة فقط، لأنها ركن، لا تتم الصلاة إلا بها. عن المسور بن يزيد الأسدي قال: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصلاة، فترك شيئاً لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله! تركت آية كذا وكذا، قال: "فهلا أذكرتمونيها" [أخرجه ابن حبان، وحسنه الألباني في التعليقات الحسان 4/89]. وفي رواية أخرى: "شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في الصلاة، فتعايا في آية، فقال رجل: يا رسول الله! إنك تركت آية كذا؟ قال: "فهلا أذكرتنيها؟" قال: ظننت أنها نُسخت، قال: "فإنها لم تُنسخ" [أخرجه ابن حبان وهو حديث حسن، المصدر السابق]. وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة، فالتبس عليه، فلما فرغ قال لأُبي: "أشهدت معنا؟ " قال: نعم، قال: "فما منعك أن تفتحها علي؟" [أخرجه أبو داود وابن حبان وصححه الألباني، المصدر السابق]. وورد حديث يدل على عدم الفتح على الإمام، من حديث على ابن أبي طالب مرفوعاً: "يا علي لا تفتح على الإمام في الصلاة" [أخرجه أبو داود وهو حديث ضعيف، لا يناهض الأحاديث الصحيحة، أنظر هامش صحيح ابن حبان 6/15].
واختلف العلماء في حكم الفتح على الإمام إلى قولين: القول الأول / الجواز: وقال به: عثمان ابن عفان، وابن عمر -رضي الله عنهما-، وكذلك، هو قول: عطاء والحسن وابن سيرين، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
القول الثاني / الكراهة: وقال بهذا القول: ابن مسعود -رضي الله عنه-، والشعبي وسفيان الثوري، وأبو حنيفة. والصحيح أن الفتح على الإمام في الفاتحة واجب، وفي غيرها مستحب [حاشية الروض لابن قاسم 2/105، حاشية الروض للطيار ومن معه 2/363، حاشية ابن حبان 6/15، نيل الأوطار 2/328، عون المعبود 3/123، معالم السنن 1/186، المجموع 4/134، 136، مصنف عبد الرزاق 2/141]. وهناك من الأئمَّة من لو فتحت عليه لأصابته رهبة، وكثر غلطه، فهذا يُترك، وبعد الصلاة يُذكر بما غلط فيه.
فائدة: روى الإمام أحمد والنسائي عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الصبح فقرأ فيها (الروم) فأوهم -ارتج في القراءة يعني شك في بعض الآيات- فلما انصرف قال: "إنه يُلبس علينا القرآن، فإن أقواماً منكم يصلون معنا لا يُحسنون الوضوء، فمن شهد منكم الصلاة معنا، فليُحسن الوضوء" [وحسن إسناده ابن كثير في تفسيره 5/99، وقال: سند حسن، ومتن حسن، وفيه سر عجيب، ونبأ غريب، وهو أنه -صلى الله عليه وسلم- تأثر بنقصان وضوء مَنْ ائتمَّ به، فدل ذلك على أن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام، وحسن إسناده شعيب الأرنؤوط في تحقيق زاد المعاد 1/202، وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/315، وقال الزين في تحقيقه على المسند: إسناده صحيح، حديث رقم 15818، بينما ضعفه بعض أهل العلم بالحديث، انظر مسند الإمام أحمد طبعة الرسالة حديث رقم 15873].
سؤال: متى يفتح المأموم على الإمام؟ الجواب: يفتح المأموم على إمامه في الحالات التالية: 1- إذا أخطأ في سورة الفاتحة، لأنها ركن لا تتم الصلاة إلا بها. 2- إذا توقف في القراءة، ولم يستطع أن يُكمل. 3- إذا غير ترتيب القراءة بحيث يفسد المعنى أو الاعتقاد، كأن يخلط آية عذاب، بآية رحمة، كمن أبدل قول الله تعالى: "والكافرون هم الظالمون" بقوله: "والمؤمنون هم الظالمون" ونحو ذلك. وعموماً إذا كان الخطأ في الصلاة يحيل المعنى فالصلاة باطلة، صلاة الإمام ومن خلفه [فتاوى اللجنة الدائمة 7/386]. *** |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:14 | |
| تنكيس القرآن الكريم في الصلاة: يجب قراءة القرآن الكريم كما هو عليه اليوم، فهو من اتفاق الصحابة رضوان الله عليهم على مصحف عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، فترتيب السور اجتهاد من الصحابة -رضي الله عنه-م، أما ترتيب الآيات فهو وقف لله تعالى، هو سبحانه الذي أمر نبيه أن يجعل آية كذا بعد آية كذا، فهذا وقف لا يجوز لأحد أن يتعداه. وعلى ما تقدم فيحرم تنكيس آيات القرآن الكريم، ويكره تنكيس السور، فتنكيس السور كأن يقرأ سورة الناس ثم يقرأ بعدها سورة الإخلاص مثلاً، لأن الإخلاص قبل الناس، وعلى ذلك فسر. وأما تنكيس الآيات، فكأن يقرأ مثلاً خواتيم سورة البقرة في الركعة الأولى، ويقرأ في الركعة الثانية آية الكرسي مثلاً، وكلاهما في سورة واحدة، فهذا حرام، لأن فيه تبديل لترتيب الآيات الوقفية من الله تعالى. إذن يحرم تنكيس الآيات، ويكره تنكيس السور، وقيل لا بأس بتنكيس السور، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران في ركعة واحدة، فدل ذلك على الجواز. [توضيح الأحكام 2/55].
وهناك بيان أشمل مما ذكر حول تنكيس التلاوة: قراءة المتأخر قبل المتقدم من القرآن يسمى تنكيساً، وهو أقسام: تنكيس الحروف. تنكيس الكلمات. تنكيس الآيات. تنكيس السور. أمَّا تنكيس الحروف، فهو تقديم الحروف المتأخرة على المتقدمة في الكلمة الواحدة، فيقرأ -مثلاً- بدلاً من {رب}: "بر"! و"هذا لا شك في تحريمه، وأن الصلاة تبطل به؛ لأنه أخرج القرآن عن الوجه الذي تكلم الله به، كما أن الغالب أن المعنى يختلف اختلافاً كثيراً." أما تنكيس الكلمات، فهو أن يقدم الكلمة اللاحقة على التي قبلها، فيقرأ -مثلاً- بدلاً من: {قل هو الله أحد}: "أحد الله هو قل"! و "هذا أيضاً مُحَرَّمٌ بلا شك؛ لأنه إخراج لكلام الله عن الوجه الذي تكلم الله به". وأمَّا تنكيس الآيات، وهو قراءة الآية اللاحقة قبل الآية السابقة، فيقرأ: {من شر الوسواس الخناس} قبل: {إله الناس}! فقد قال عنه القاضي عياض رحمه الله: ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة بتوقيف من الله تعالى على ما هي عليه الآن في المصحف, وهكذا نقلته الأمة عن نبيها -صلى الله عليه وسلم- [شرح النووي 6 / 62، وكذا قال ابن العربي كما في الفتح 2 / 257]. وقال الشيخ ابن عثيمين: تنكيس الآيات أيضاً مُحَرَّمٌ على القول الراجح؛ لأن ترتيب الآيات توقيفي، ومعنى توقيفي: أنه بأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- [الشرح الممتع 3/110]. وهل تبطل الصلاة بتنكيس الآيات؟ تنكيس الآيات أمر محرم، وباطل شرعاً، وما بني على باطل فهو باطل، والقول بعدم صحة الصلاة قول قوي جداً [الموسوعة الفقهية 33/50]. فليحذر الأئمَّة ومن يصلون بالناس من نقصان أجر الصلاة أو بطلانها، فلا يتقدم للإمامة إلا من هو أهل لها، عارف بأحكامها وفقهها، وإلا فليترجل عن صهوة الجواد، ويتركه للفرسان. *** التبليغ خلف الإمام: لنا في ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوماً بأصحابه في مرضه، وكان صوته ضعيفاً، لا يسمعه كل المصلين، فكان الصديق -رضي الله عنه- يبلغ عنه. فمن هذا الحديث نقول أنه يجوز التبليغ خلف الإمام إذا دعت الحاجة، واقتضت الضرورة ذلك، كأن يكو المسجد كبيراً والناس في المؤخرة لا يسمعون فينبغي التبليغ حتى يسمع كل من في المسجد. لكن اليوم ومع التقدم التقني والفني، ووجود الأجهزة التي تنقل صوت الإمام للحي كله، فلا ينبغي التبليغ خلف الإمام البتة، حتى لا يشوش على الناس، فلا يدرون أيهما الإمام، بل يُكتفى بتكبير صوت الإمام عبر مكبرات الصوت. أمَّا في الحرمين الشريفين فالأمر يختلف، فمع وجود مكبرات الصوت، إلا أنه في بعض الأوقات، إن لم يكن كلها أو جلها، لا يصل صوت الإمام لكل أروقة المسجد الحرام، وقد عانيت ذلك مرة، فلولا تبليغ المؤذن لما استطعنا سماع صوت الإمام، فالحرمان الشريفان لهما وضعهما المختلف. أما بقية المساجد اليوم فحتى لو لم يكن هناك مكبرات صوت فلا حاجة للتبليغ لأن معظم المساجد صغيرة، وليست بالحجم الذي يحجب صوت الإمام حتى بدون مكبر، أما الجوامع الكبيرة فربما نقول بالجواز إذا أُطفأت الكهرباء مثلاً وكان صوت الإمام ضعيفاً، لمرض أو غيره [مجموع فتاوى ومقالات 12/154]. قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب التبليغ وراء الإمام، بل يكره إلا لحاجة، وقد ذهب طائفة من الفقهاء من أصحاب مالك وأحمد إلى بطلان صلاة المبلغ إذا لم يُحتج إليه" [مجموع الفتاوى 22/584]. *** سرعة الأئمَّة في الصلاة: من أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، الصلاة التي هي عمود الإسلام، ولا يكون العبد مسلماً إلا إذا أتى بها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر". ولأهمية الصلاة، وعظيم مكانتها في الإسلام، شرعها الله تعالى على الأمة في السماء السابعة، وورد ذكرها في القرآن الكريم في العديد من المواضع، وأوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على فراش الموت فقال: "الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم"، وهناك العديد من النصوص الشرعية الآمرة بها، ويكفي ما ذكرنا من خطورة تركها أو التهاون بشأنها. وزيادة في الاهتمام بالصلاة، وإقامتها على الوجه المطلوب، وعدم الانتقاص من أركانها أو شروطها أو واجباتها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي". ومع تلكم التوجيهات والأوامر بإقامة الصلاة على الوجه الشرعي، إلا أننا والله لنعجب أشد العجب، عندما نرى الأئمَّة في هذا الزمان، وقد أهملوا سُّنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وضربوا بأوامره عرض الحائط، في الإخلال بأمر الصلاة، حتى أصبحت كثير من سنن الصلاة غريبة على الناس، بل ميتة لا يعرفونها، كل ذلك بسبب الجهلة من الأئمة، الذين لا هم لأحدهم إلا آخر الشهر، ليتسلم مكافأته المالية، ونسي أن العلماء قد اختلفوا في أخذ الأجرة على الإمامة، فمنهم من حرمها، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً"، ومع ذلك تجد التنافس والحروب قائمة بين الأئمَّة للحصول على إمامة مسجد ما، ليس لأجل فائدة الناس، والاستعانة بالإمامة على الطاعة والازدياد من الخير، بل لأجل الراتب، فأقول ناصحاً لمن كان هذا دأبه، وتلك نيته: أنه لا يجوز لك أن تأخذ مسجداً لغرض دنيوي، فمن كانت تلك نيته فليس هناك خلاف في تحريم ذلك الراتب، لأنه استغل عملاً أُخروياً، وأراد به وسخ الدنيا، وجمع حطامها الزائل، بل يجب أن يكون الدافع هو الخير المحض، ولا بأس بعد ذلك من الاستفادة مما يأتي من الإمامة من أقذار الدنيا، لأن الله جل وعلا يقول: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا"، ولهذا لما أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- مالاً لعمر -رضي الله عنه- قال عمر: أعطه من هو أفضل مني -يعني من هو بحاجة أكثر مني- فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خذه وتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك" [أخرجه البخاري ومسلم]. فانتبهوا يا رعاكم الله لهذا الحديث ففيه من الفوائد شيئاً كثيراً، فليت شعري لو أن الأئمَّة درسوا هذا الحديث، وتفسير الآية التي سبقت، لصُرفت الهمم إلى الآخرة دون الدنيا، ولكن هيهاتَ هيهات، ولقد أخبرني أحد الأخوة، أنه حصل شجار بين إمامين، كل منهما يريد نفس المسجد، فقيل لهم صلوا بالناس ومن يختارونه يحصل على المسجد، وبعد صلاة عصر يوم من الأيام تشابك الاثنان بالأيدي ولولا لطف الله وتدخل أهل الخير لفض النزاع لحصل بينهما حرب داحس والغبراء، وسالت الدماء إلى الركب، ولكن الله سلم. بالله عليكم لو كان المراد والنية هو نفع الناس، وكان في كليهما خير، أيفعلان ما فعلاه؟ فأولئك يجب أن يؤدبا، ويمنعان من الإمامة نهائياً. وكثير من الأئمَّة يقول أنه يريد النفع للناس ولا يهتم بأمر المكافأة والراتب، ولو قيل له أن الدولة منعت المكافآت والرواتب، لرأينا أكثر من 99% من المساجد خاوية على عروشها، ولا نغالط الحقيقة، ولا نخالف الواقع، فهذا هو الواقع، وتلكم هي الحقيقة. المقصود من ذلك أن الكثرة الكاثرة من الأئمَّة اليوم يُخلون بأمر الصلاة، وينتقصونها، ولا يقيمونها حق إقامتها، بل السائد عليهم السرعة المفرطة، ووالله هذا حاصل وواقع، وأنا أتحدث عن وقائع وحقائق، لا عن منقولات تُنقل إلي أو سمعت بها، بل أنقل حقائق ولا بأس بأن أذكر ما سمعت من أخبار الثقات عن الأئمة. فأقول هناك أئمة لا يمكن أن تدرك معه ثلاث تسبيحات، لا في الركوع ولا في السجود، وهذه عادته، ولا يمكنك أن تقول بعد الرفع من الركوع إلا: ربنا لك الحمد، وربما لا تستطيع قول: اللهم ربنا ولك الحمد، لأن فيها زوائد عن سابقتها، ومن الأئمَّة من لا تستطيع أن تقرأ الفاتحة معه في الركعتين الأخريين من صلاة الظهر والعصر والعشاء، أمَّا صلاة الفجر فغالباً ما تكون من قصار السور من جزء عم، حتى يقبله الناس ويثنون على سرعته في الصلاة، وسمعت أناساً يقولون: سنصلي اليوم عند قدر الضغط (الكاتم) -ولا شك أن تلك غيبة- ولما سألتهم عن ذلك، ذكروا لي إماماً يخل بالصلاة ويسرع فيها سرعة فائقة، بحيث أن الناس تقيم الصلاة في المساجد الأخرى، وقد انتهى هو من صلاته، ومن الأئمَّة من تقام الصلاة وأنت خارج من بيتك، ويستحيل أن تدرك الركعة الأولى من الصلاة معه، للإفراط الزائد في السرعة، وإمام كسَّر ظهور المأمومين خلفه لكثرة حركات الكاراتيه التي يقوم بها أثناء الصلاة، وآخر كأنه في مضمار سباق الهجن هو ومن خلفه من المأمومين، أشبه بحركات الكاميرا السريعة، فما إن يركع الناس إلا وقد رفع من الركوع، وما إن يرفعوا إلا وقد سجد، ولا يرفعوا من السجود إلا وقد رفع منه، سبحان الله، أين الأمانة؟ أين المسؤولية؟ أين المراقبين من قبل وزارة الشؤون الإسلامية؟ أين الغيرة على سُّنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ أين النصح والإرشاد من قبل المصلين؟ أين أين أين؟ فالله الله أيها الأئمَّة بسُّنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنتم سفراء لها، وأنتم القدوة التي يُحتذى بها، ويُنظر إليها، فاتقوا الله تعالى في أنفسكم، ومن ولاكم الله الصلاة بهم، فأول ما تُسألون عنه يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر أعمالكم، وإن فسدت فسد سائر أعمالكم، ثم اتقوا الله في أولئك الناس الذين تصلون بهم، فإن أخطأتم وتجنبتم الصواب فعليكم وزر صلاتكم، ووزر صلاة من خلفكم، فاتقوا الله وأقيموا صلاتكم كما كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقيمها، وإياكم والتلاعب بأهم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين. ولقد ضاق الناس ضرعاً بأولئك الأئمة، الذين لا علم لهم بأحكام الصلاة وفقهها، فمنهم من كُتب فيه وشُكي، وأثمرت تلك الشكاوى إما في اعتداله، وإما بفصله، أو بنقله ولكن النقل ليس حلاً مجدياً مع أولئك المخلون، بل لا بد من تعليمهم وإلحاقهم دورات تدريبيه، تختص بأحكام الصلاة، ومراقبة المسيء منهم ومتابعته متابعة دقيقة، فإما أن يرجع إلى صوابه ويصلي بالناس كما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإما أن يُفصل من الإمامة، فهناك كثير من طلبة العلم الشرعي ينتظرون مثل تلك الفرص، لينشروا العلم بين الناس. فالمسؤول الأول هي فروع الوزارة في كل منطقة ومحافظة، باختيار الأنسب والأفضل والأعلم قبل غيره، وذلك بإعداد اختبارات تحريرية وشفوية لاختيار الكفء، ثم متابعة مراقبي المساجد للأئمة، ورصد صلاتهم، كيلا يحصل مثلما يحصل الآن من الإخلال والقصور بأمر الصلاة، ولا بد أن تمنع الواسطة والشفاعة السيئة، ولا بد أن تُشل يدها، فليس لها اليوم هاهنا مكان. ألا وإن مما شجع أولئك الحثالة من الأئمَّة على ما هم فيه من الخطأ، بعض جهلة الناس وعوامهم، والكسالى وضعاف الدين، وأهل الدنيا من التجار وغيرهم، بحيث يتجمعون حول إمام واحد أو أكثر في المنطقة، لأنه يسرع في الصلاة، ولا يقولون: يُخل بها ولا يتم أركانها وواجباتها، بل يقولون سرعة من غير إخلال، فينتفخ الإمام من تلكم المقالة والمدح المذموم، وينفخه الشيطان أيضاً فيتعاظم خطره على الناس، ويزداد شره وفتنته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:14 | |
| سؤال: ما حكم الصلاة خلف إمام يسرع في صلاته، ولا يطمئن فيها، ولا تخشع جوارح من خلفه؟ جواب: الإمام إذا كان يسرع في صلاته سرعة فائقة، بحيث لا يتمكن من خلفه من قول الذكر الواجب، أو أداء الركن اللازم، فهذا لا يُصلى خلفه، لا سيما إذا كان المأموم لا يمكنه الطمأنينة في الصلاة. بل يجب على المأمومين أن ينفردوا كل بصلاته، ويجب بذل النصيحة له، وحثه على الطمأنينة والخشوع لأنمها لُب الصلاة وأساسها، فإن تعلم ورجع عما هو عليه من الخطأ فبها، وإن تمادى في سرعته وجب رفع أمره إلى الجهات المختصة، ولكن هيهات هيهات أن تجد منصفاً اليوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فائدة مهمة: الطمأنينة والخشوع في الصلاة من أهم الأركان على الإطلاق، بل هما أهم ركن في الصلاة، إذ بدونهما لا تتم صلاة المرء. وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على ذلك، وتحذر من السرعة في الصلاة التي تؤدي إلى الإخلال بركن الطمأنينة الذي به تصح الصلاة أو تبطل. عن أبي مسعود البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود" [أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والدار قطني والبيهقي بإسناد صحيح، وصححه الألباني]. وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أسوأ الناس سرقة، الذي يسرق من صلاته " قالوا: يا رسول الله ! كيف يسرق من صلاته؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها، أو قال: "لا يقيم صلبه في الركوع والسجود" [أخرجه أحمد والطبراني وابن خزيمة والحاكم، وهو صحيح لغيره]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود" [أخرجه أحمد وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وهو حديث صحيح]. وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ينظر الله إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صلبه بين ركوعها وسجودها" [حديث صحيح أخرجه أحمد والضياء في المختارة والطبراني في الكبير بإسناد حسن]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرجل ليصلي ستين سُّنَّة وما تقبل له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود، ويتم السجود ولا يتم الركوع" [أخرجه القاسم الأصبهاني بسند حسن، انظر الصحيحة 6/حديث رقم 2535]. وعن أبي عبد الله الأشعري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده وهو يصلي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو مات هذا على حاله هذه، مات على غير ملة محمد -صلى الله عليه وسلم-" [حديث حسن أخرجه أحمد والطبراني في الكبير وأبو يعلى بإسناد حسن وابن خزيمة في صحيحه]. وجاء موقوفاً على بلال -رضي الله عنه-، أنه أبصر رجلاً لا يتم الركوع ولا السجود، فقال له: ما صليت، ولو متَّ مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً -صلى الله عليه وسلم-" [حديث صحيح أخرجه الطبراني والهيثمي]. ورأى حذيفة رجلاً لا يتم الركوع والسجود، فلما قضى صلاته، قال له حذيفة: ما صليت، ولو مُتَّ مُت على غير سُّنَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-" [أخرجه البخاري]. وعن أبي أمامة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترى فيها خاشعاً" [أخرجه الطبراني بإسناد حسن]. هذه النصوص الشرعية الصحيحة تدل على أهمية الطمأنينة في الصلاة، والخشوع في أركانها وواجباتها، والتحذير من عقوبة من فرط في ذلك والعياذ بالله، فعلى أهل الصلاة من أئمة ومأمومين ومنفردين رجالاً ونساءً أن يحرصوا على الطمأنينة في صلاتهم، وأن ينتبهوا لذلك الأمر، فالعبد واقف بين يدي مولاه سبحانه وتعالى، وافداً على ربه، فيجب عليه أن يقدر ذلك الموقف الرهيب، وتلك المقابلة العظيمة مع من خلقه ورزقه ووهبه الخير وطرقه. وعلى الأئمَّة خصوصاً أن يراعوا هذه الأمر وينشرونه بين الناس، ويعلمون به الجاهل، ويذكرون به الناسي، ليتناقله الناس من بيت إلى آخر، ومن جلسة لأخرى، كما يجب على الخطباء أن يعظوا به الناس على المنابر، فالخشوع أصبح أمراً غير مألوف عند أغلب الناس، كما مر بنا في حديث أبي أمامة السابق. *** تطويل الإمام القراءة: الإمامة أمانة ومسؤولية، يجب على الإمام القيام بها أحسن قيام، وأن يراعي أحوال الناس خلفه، وأن يتخذ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوة حسُّنَّة، ومثالاً طيباً يحتذي به، ويتبع سنته، ويقتفي أثره في أمر الإمامة. فلقد كان أرحم الناس بالناس، وكان يحث على التخفيف في الصلاة، وعدم المشقة على الناس فيها، وكان يصلي صلاة خفيفة في تمام، ولم يكن يطيل في القراءة بما يشق على من خلفه من الصحابة رضوان الله عليهم، بل كان يخفف، ويأمر بالتخفيف، ليس تخفيفاً مخلاً، كما يظنه الجهال من الناس اليوم، بل تخفيف في كمال وتمام، عن أنس -رضي الله عنه- قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم صلاة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان ليسمع بكاء الصبي، فيخفف مخافة أن تُفتن أمه" [متفق عليه]. فقد كانت قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- مجودة محسُّنَّة مرتلة مبينة، يقف على رؤوس الآيات، وكان يقرأ بقصار السور وأواسطها، وطوالها، فقد كان يصلي الظهر في الركعة الأولى بقدر سورة السجدة (30) آية، وفي الركعة الثانية على النصف من ذلك، حتى قال القائل: كان تقام الصلاة، ويذهب أحدنا إلى البقيع لقضاء حاجته، ويتوضأ ويدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- في الركعة الأولى مما يطيلها، فكانت قراءته -صلى الله عليه وسلم- لطيفة خفيفة على النفوس الشريفة ولو كانت طويلة، فالأرواح لا تشبع منها، والأشباح لا تقنع بها. وكان عليه الصلاة والسلام إذا أحداً قادم وهو راكع انتظره حتى يركع، من رحمته وشفقته بأمته، ومحبته لهم ومحبتهم له. وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه" [أخرجه البخاري]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم السقيم والضعيف والكبير (وفي لفظ: وذا الحاجة) وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء" [متفق عليه]. وعن قيس بن حازم قال: أخبرني أبو مسعود أن رجلاً قال: والله يا رسول الله ! إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في موعظة أشد غضباً منه يومئذ، ثم قال: "إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة" [متفق عليه]. التطويل أمر نسبي، فإذا كان الناس يرغبون في التطويل فلا بأس للإمام أن يطول، لا سيما إن كان حسن الصوت، جيد الحفظ والإتقان لكلام الله عز وجل، لكن هناك من الأئمَّة من صوته ليس بالحسن، ومع ذلك يثقل على من خلفه بالتطويل الممل، فالصوت له دور كبير من حيث التطويل من عدمه، فليراعي الأئمَّة ذلك، وليأخذوه بعين الاعتبار. وعلى الإمام أن يراعي حال المأمومين خلفه، فمنهم كبير السن الذي لا يستطيع الوقوف كثيراً، ومنهم المريض الذي ربما احتاج إلى دورة المياه بين الوقت والآخر، ومنهم صاحب العمل الذي يريد أن يذهب إلى عمله، ومنهم العامل، ومنهم المريض الذي لا يستطيع الوقوف طويلاً، ومنهم الكسالى الذين يجب على الإمام أن يراعي أحوال كسلهم، فلا ينفرهم من الصلاة، بل يرغبهم فيها، بالتخفيف الغير مخل، لأن التطويل الشاق ربما نفر الناس من الصلاة في ذلك المسجد، أو ربما نفر الناس من الصلاة في المساجد عموماً، فيبوء الإمام بالإثم قال تعالى: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" [البقرة 113]، المهم أن على الإمام أن يراعي حال من خلفه، وأن يحترم رغباتهم، ويلبي طلباتهم، ما لم يكن في ذلك مخالفة للشرع [وللفائدة راجع رسالتي: السرعة والطمأنينة في الصلاة، في موقع صيد الفوائد].
وهذه باقة عطرة من قراءة النبي الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في الصلوات الخمس، كي يقتدي بها الأئمَّة الذين في قلوبهم خشية من الله تعالى أو في نفوسهم تقوىً لله عز وجل: أولاً: صلاة الفجر: اتفق الفقها على مشروعية تطويل القراءة في صلاة الفجر فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بطوال المفصل الذي أوله (ق). عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ مَا أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّي بِهَا فِي الصُّبْحِ" [رواه النسائي وأحمد بسند صحيح]. وكان يقرأ بالواقعة في الركعتين [رواه أحمد وابن خزيمة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي]. وكان يقرأ بسورة ق ونحوها في الركعة الأولى [رواه مسلم والترمذي]، وكان يقرأ بالستين آية فأكثر [رواه البخاري ومسلم]. عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ" [أخرجه النسائي]، وكان يقرأ بسورة الروم [رواه النسائي وأحمد والبزار بسند جيد]، وأحياناً يقرأ بسورة يس [رواه أحمد بسند صحيح]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: "قَرَأَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِالْمُؤْمِنُونَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى ذِكْرِ عِيسَى أَصَابَتْهُ شَرْقَةٌ فَرَكَعَ، يَعْنِي سَعْلَةً" [رواه البخاري تعليقاً ومسلم]، وقرأ مرة بسورة الزلزلة في الركعتين حتى قال الراوي فلا أدري أنسي رسول الله أم قرأ ذلك عمداً. [رواه أبو داود والبيهقي بسند صحيح]، وقرأ مرة في السفر "قل أعوذ برب الفلق" و "قل أعوذ برب الناس" [رواه أبو داود وابن خزيمة وابن أبي شيبة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي]. وكان أحياناً يقرأ بقصار المفصل ك- "إذا الشمس كورت" [رواه مسلم وأبو داود]. عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ الْمِائَةِ إِلَى السِّتِّينَ، وَكَانَ يَنْصَرِفُ حِينَ يَنْصَرِفُ وَبَعْضُنَا يَعْرِفُ وَجْهَ بَعْضٍ" [أخرجه أحمد وغيره]. أما فجر الجمعة فالسُّنَّة الثابتة عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقرأ في الركعة الأولى بسورة السجدة كاملة, وفي الثانية بسورة الإنسان كاملة. [رواه البخاري ومسلم]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ألم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى" [أخرجه النسائي وابن ماجة وأحمد]. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:15 | |
| قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وكان -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الفجر بنحو ستين إلى مائة آية، وصلاها بسورة ق، وصلاها بالروم، وصلاها ب- "إذا الشمس كورت"، وصلاها بالزلزلة في الركعتين كليهما، وصلاها بالمعوذتين، وكان في السفر فصلى بالمؤمنين. وكان يصليها يوم الجمعة ب- "ألم تنزيل السجدة"، وسورة "هل أتى على الإنسان"، كاملتين، ولم يفعل ما يفعله كثير من الناس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين، أو قراءة السجدة وحدها في الركعتين، وهو خلاف السُّنَّة، وأما ما يظنه كثير من الجهال أن صبح يوم الجمعة فُضل بسجدة، فجهل عظيم [زاد المعاد 1/ 202-203]. وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، يقرأ في صلاة الفجر، بسورة (يوسف) و (النحل) و (هود) و (بني إسرائيل - الإسراء) ونحوها من السور، ولو كان تطويله -صلى الله عليه وسلم- منسوخاً لم يخف على خلفائه الراشدين، ويطلع عليه النقارون. وأمَّا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الفجر: (ق والقرآن المجيد) وكانت صلاته بعد تخفيفاً. فالمراد بقوله تخفيفاً: أي بعد الفجر، أي أنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها، وصلاته بعدها تخفيفاً. [جامع الفقه 2 / 53].
ثانياً: صلاة الظهر: كان -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين الأولين ب- (فاتحة الكتاب) و سورتين و يطول في الأولى ما لا يطيل في الثانية، عن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْمِعُ الْآيَةَ أَحْيَانًا" [رواه البخاري ومسلم]. وكان -صلى الله عليه وسلم- يطيل صلاة الظهر أحياناً حتى قال أَبِو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: لَقَدْ كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَأْتِي وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، مِمَّا يُطَوِّلُهَا" [رواه البخاري ومسلم]. وكان يقرأ في كل من الركعتين قدر ثلاثين آية. قدر قراءة (ألم تنزيل - السجدة). [رواه مسلم وأحمد]، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، أَوْ قَالَ: نِصْفَ ذَلِكَ، وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ" [أخرجه مسلم]. وكان يقرأ أحياناً ب- (السماء والطارق) و (والسماء ذات البروج)، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَنَحْوِهِمَا" [أخرجه النسائي]. وكان يقرأ ب- (سبح اسم ربك الأعلى)، وكان يقرأ ب- (والليل إذا يغشى) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَفِي الصُّبْحِ بِأَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ" [أخرجه النسائي]. وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي بِنَا الظُّهْرَ، فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ" [أخرجه ابن ماجة]. فرحم الله حال المسلمين اليوم إذا قرأ الإمام في صلاة الظهر بقصار السور تضجروا وغضبوا وزمجروا, مع أنهم في أعظم موقف وأجل مقابلة وأشرف بقعة, فهم وقوف بين يدي الملك الجبار الذي هو أرحم بعباده من الأم بطفلها, وهم في أجل مقابلة مع الواحد القهار الرؤوف الرحيم الذي يغفر الذنوب ويستر العيوب, وهم أيضاً ضيوف على رب العالمين في أشرف البقاع و أحبها إلى الله سبحانه ألا وهي المساجد. ولو دققنا النظر في المدة التي يقفها العبد بين يدي ربه في صلاته لما تجاوزت عشر إلى خمس عشرة دقيقة, مع أن الناس يقضون الساعات الطوال في اللهو واللعب والوقوف أمام البنوك وآلات الصرف الآلي, وأمام شبابيك الاشتراكات في الهاتف والكهرباء والمطاعم وغيرها يقفون إلى قرابة الساعة قلَّت أو كثُرت، هذا هو واقع الكثير من المسلمين, واقع مؤلم ولا حول ولا قوة إلا بالله, وإذا قرأ الإمام من أواسط المفصل أقاموا الدنيا ولم يقعدوها, ولا لوم على المأموم وخصوصاً من لاحظ له ولا نصيب من العلم, وإنما اللوم كله على أولئك الأئمَّة الذين عودوا الناس على السرعة في الصلاة, حتى أن بعضهم لا يقرأ في الركعتين الأولين بعد الفاتحة أي سورة تخفيفاً على الناس زعم, وهو والله في الحقيقة استخفافٌ بالصلاة وجهلاً بسُّنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك, وحباً في الدنيا وزخارفها مع أن وقت العبد كله لله تعالى ولهذا قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وقال تعالى: "فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً". فتأمل رحمك الله هاتان الآيتان وما تدلان عليه من أن جُل وقت المسلم يجب أن ينصب في خزانة العمل الصالح، وأعظم ذلك وأجله الصلاة لأنها الصلة بين العبد وربه, وهي قرة عيون المؤمنين كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "جعلت قرة عيني في الصلاة". ولأنها سبيل راحة المؤمن و متنفس كربته, ومزيلة همومه, بإذن الله تعالى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أرحنا بها يا بلال ", وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. فنشكو إلى الله ضعف حال المسلمين في هذا الزمان, والتفكك الذي ساد الأمة واستشرى في مجتمعاتها حتى أصبحت أمة ضعيفة بعد أن كانت رائدة الأمم والمسيطرة على مقود سيرها.
ثالثاً: صلاة العصر: كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يقرأ في الركعتين الأولين منها بنصف قراءة الركعتين الأولين من الظهر أي بقدر خمس عشرة آية. [رواه مسلم و أحمد]، وكان يسمع أصحابه الآية أحياناً. [رواه البخاري ومسلم]، وكان يقرأ بالسور التي يقرأ بها في صلاة الظهر أحياناً أخرى. عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَقَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُطِيلُ الْقِيَامَ وَيُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ" [أخرجه أحمد]. ولقد وجه أهل العلم توجيهاً للأئمة بأن يستغلوا الوقت بعد صلاة العصر في قراءة من كتاب، أو درس علمي ميسر سهل قصير، لأن الناس تصلي بعد أن أخذوا قسطاً من الراحة، فهم متهيئون لقبول كل ما يُقال، فينبغي على الأئمَّة العناية بهذا الشأن لما له من فوائد عظيمة، ولا سيما إن كان هناك عرض لبعض مشاكل الحي، وتذكيراً بالمحتاجين الذين يقطنونه، وربما لم ينتبه لهم من حولهم، فهذه مسؤولية تقع برمتها على عاتق الإمام.
رابعاً: صلاة المغرب: كان -صلى الله عليه وسلم- يقرأ فيها أحياناً بقصار المفصل. [رواه البخاري ومسلم]. فتدبر رحمك الله قول الراوي أحياناً وليس دائماً كما هو الحال اليوم عند جمع غفير من الأئمَّة إلا من وفقه الله للعمل بسُّنَّة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- في ذلك. لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ أحياناً بطوال المفصل وأوساطه فكان يقرأ تارة ب- " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله".[رواه ابن خزيمة والطبراني والمقدسي بسند صحيح]. وقرأ بالطور و المرسلات [رواه البخاري ومسلم]، وقرأ بالأعراف في الركعتين [رواه البخاري وغيره ]، وقرأ بالأنفال في الركعتين [رواه الطبراني في الكبير بسند صحيح]. عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ فِي مَرَضِهِ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ بِالْمُرْسَلَاتِ، قَالَتْ: فَمَا صَلَّاهَا بَعْدُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ" [أخرجه الترمذي قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، قَالَ الترمذي: وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقْرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِالسُّوَرِ الطِّوَالِ نَحْوَ الطُّورِ وَالْمُرْسَلَاتِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ أَسْتَحِبُّ أَنْ يُقْرَأَ بِهَذِهِ السُّوَرِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ]. قال ابن عبد البر رحمه الله: روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قرأ في المغرب ب- (أ ل-م-ص)، وأنه قرأ فيها ب- (الصافات) وأنه قرأ فيها ب- (حم الدخان)، وأنه قرأ فيها ب- (سبح اسم ربك الأعلى) وأنه قرأ فيها ب- (التين والزيتون) وأنه قرا فيها ب- (المعوذتين) وأنه قرأ فيها ب- (والمرسلات) وأنه قرأ فيها ب- (بقصار المفصل) -والمفصل من ق إلى آخر القرآن- قال ابن عبد البر: وكلها آثار صحاح مشهورة [التمهيد 3 / 114].
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما المداومة فيها على قراءة قصار المفصل دائماً، فهو فعل مروان بن الحكم، ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ، قَالَ: قُلْتُ: مَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ؟ قَالَ: الْأَعْرَافُ وَالْأُخْرَى الْأَنْعَامُ" [رواه البخاري دون تفسير الطوليين، وأخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح]، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في المغرب بسورة الأعراف فرقها في الركعتين [رواه النسائي بسند صحيح]، ثم قال ابن القيم رحمه الله: فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورة من قصار المفصل خلاف السُّنَّة، وهو فعل مروان بن الحكم [زاد المعاد 1 / 204].
خامساً: صلاة العشاء: كان يقرأ في الركعتين الأولين من أواسط المفصل. [رواه النسائي وأحمد بسند صحيح] وتارة ب- "إذا السماء انشقت" وكان يسجد بها. [رواه البخاري ومسلم والنسائي]. وقرأ مرة في سفر ب- "والتين والزيتون" في الركعة الأولى. [رواه البخاري ومسلم].
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على معاذ قراءته البقرة في بني عمرو بن عوف، بعدما مضى من الليل ما مضى، ولهذا قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفتان أنت يا معاذ" [أخرجه البخاري ومسلم]. فتعلق النقارون بهذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها. [جامع الفقه 2 / 52].
سادساً: صلاة الجمعة: الجمعة هي عيد المسلمين الأسبوعي، وهي الصلاة التي يجتمع لها الناس من كل مكان في البلد الواحد ممن تجب عليه، ولهذا شرعت لها خطبتان، يذكر الخطيب فيها الناس بأمور حياتهم، وما يكون نافعاً لهم عند ربهم، وكان هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في القراءة فيها أن يقرأ: الجمعة والمنافقون كاملتين، وسورة سبح والغاشية. [أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما]. وسُئلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ: مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْجُمُعَةِ، عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ فَقَالَ: "كَانَ يَقْرَأُ بِهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ" [أخرجه مسلم وغيره واللفظ لأبي داود]، وأما الاقتصار على أواخر سورتي الجمعة والمنافقون، فلم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس من هديه البتة، بل كان يحافظ على قراءتهما كاملتين. ومن قال أن قراءة أواخر السور وأوساطها في الصلاة ليس بمكروه، فهذا صحيح، أما في الجمعة فهو مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا فوز ولا رفعة إلا باتباع هديه -صلى الله عليه وسلم- في كل شؤون الحياة. وكذلك في الأعياد، كان يقرأ بسورتي ق و اقتربت الساعة كاملتين، أو يقرأ بسبح والغاشية، وكان ذلك هديه عليه الصلاة والسلام إلى أن لقي ربه تبارك وتعالى. [جامع الفقه 2 / 52-53]. فليت الأئمَّة يقتدون بنبي الهدى والرحمة -صلى الله عليه وسلم- في صلاتهم وقراءتهم، فلما احتجنا إلى كثير من البلبلة والشكاوى والدعاوى. وعلى الأئمَّة أن يبينوا للناس سُّنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، ويوضحوا لهم مقدار قراءته عليه الصلاة والسلام في جميع الصلوات، حتى تتبين السنن، وتختفي البدع، ولو أدى ذلك لغضب بعض الناس، فالسُّنَّة أهم أن تُبين وتُتبع، لأن فيها الخير والرحمة والفلاح والصلاح لأفراد والأمم، قال تعالى: "وإن تطيعوه تهتدوا" [النور 54]، وقال تعالى: "وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون" [آل عمران 132]، والآيات في ذلك كثيرة معلومة. ولربما تذمر بعض الكسالى عندما يقرأ الإمام سورتي السجدة والدهر في فجر الجمعة، وعلى الإمام في هذه الحالة أن يتلطف معهم، ويحسن صوته بالقراءة، ويحتوي الكسالى وأهل الأهواء من جماعة مسجده، ويبين لهم أن ذلك سُّنَّة، وأن في ذلك خير كثير، وأجر عظيم. قال سماحة العلامة الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى وأعلى درجته في المهديين: "السُّنَّة للإمام أن يقرأ في صلاة فجر يوم الجمعة سورتي السجدة في الركعة الأولى، وسورة هل أتي على الإنسان في الركعة الثانية، ولا يلتفت إلى قول من يعترض في ذلك، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بهما في صلاة الفجر يوم الجمعة، وهو أرحم الناس وأعلم الناس، وأشفقهم على الضعيف، وإذا ترك قراءتهما في الشهر أو في الشهرين مرة، ليعلم الناس أن قراءتهما غير واجبة، وأنه يجوز قراءة غيرهما فلا بأس" [مجموع فتاوى ومقالات 12/195]. ***
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:16 | |
| الأئمة والتزكيات: نظراً لفسق كثير من الناس وابتعادهم عن الطريق القويم، والمنهج الرباني والنبوي المستقيم، فقد ارتكبت الكبائر والجرائم والعظائم، وعصوا الناس ربهم، وانتهكوا حرماته، فنرى اليوم كثرة الزنا واللواط والرشوة والربا وغيرها من صور الفساد والفسق، وكثير من الناس اليوم أهملوا الصلاة أعظم أركان الإسلام، وعطلوا الحلال والحرام. فمن احتاج إلى الزواج ممن انحرفوا، طلب منه أهل الزوجة أن يأتي بتزكية من أحد الأئمة، ومن طلق زوجته لانحرافه وتركه صلاته، وأراد أن يراجعها، طلب منه أهل الزوجة أن يأتي بتزكية من أحد الأئمة، ومن أراد حضانة أطفاله نكاية بأمهم، طلب منه القاضي أن يحضر شهادة من أحد الأئمَّة تثبت أنه يصلي الفروض الخمسة في المسجد، وغير ذلك كثير. وأقول: أما التزكية، فليس لأحد أن يزكي أحداً أبداً، لأن الله عز وجل يقول: "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" [النجم 32]، ويقول تعالى: "ألم تر إلى الذين يزكون أنفسكم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلاً" [النساء 49]. وعن أبي بكرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يثني على رجل، فقال: "ويحك قطعت عنق صاحبك"، ثم قال: "إن كان أحدكم مادحاً لا محالة، فليقل أحسبه كذا، ولا أزكي على الله أحداً" [متفق عليه] وعن المقداد بن الأسود قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نحثوا في وجوه المداحين التراب" [متفق عليه]. وبما أنه لا تجوز التزكية، فلا يجوز لأي إمام كان أن يزكي أحداً من الناس ولا حتى نفسه هو. فكيف بمن يكتب شهادة فيها تزكية لشخص لا يعرفه، وليس من جماعة مسجده، شهادة يسأل عنها يوم القيامة، بأن فلان من أهل الصلاة، ويصلي معنا الصلوات الخمس، وهو كاذب فيما قال، فهذه مثلبة يؤخذ على الإمام يستحق بسببها الفصل، وعدم الثقة به بعد ذلك، إلا أن يتوب إلى الله تعالى. وربما لم يعلم الإمام أن شهادته تلك ربما جنت على كثير من الأسر، ودمرت الكثير من البيوت السعيدة، إذ يمكن بسببها أن يُفرق بين الأم وأولادها، وتقع البنت سجينة زوج لا يخاف الله تعالى، فتعيش نكدة تعيسة، بائسة يائسة، وغير ذلك كثير وكثير، فعلى الأئمَّة أن يتقوا الله تعالى فيما أُنيط بهم من أمانة، فلا يزكوا أحداً من الناس، ولا يشهدون إلا بما يعلمون أنه صدق وحقاً، فأمر الشهادة والثناء أمر عظيم، غفل عنه الناس اليوم، فيا أيها الإمام لا تشهد لأحد بأنه يصلي الصلوات الخمس معك، إلا لمن تعلم أنه ساكن في حيك، وتراه كل يوم وليلة في المسجد يؤدي الصلوات الخمس جماعة، ولا يكفي في ذلك شهر، بل الحول، وهناك من الناس من يبقى معك يصلي قرابة الشهر، لأجل مصلحة فما إن تعطيه المشهد إلا ونكص على عقبيه، وكم من الأئمَّة نعرفهم، لا يمكن أن يعطي أحداً تزكية ولو كان من كان، فلا تستحيي من الناس، وتترك رب الناس، وإياك أن تخجل من أجل ضغوط أقرب الأقربين لك، وتدمر أسراً، وتزيل سعادة كانت ترفرف على منازل، وتكون أنت أداة تدمير، ومعول هدم، بل أنت القدوة وأنت الأسوة، فاحذر كل الحذر أن تقع يوم القيامة في شر أعمالك. *** متى يحضر الإمام إلى المسجد: السُّنَّة الفعلية أن الإمام يحضر وقت إقامة الصلاة. قال فضيلة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: "ظاهر فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتأخر في بيته إلى وقت الإقامة، وهذا هو الأفضل في حق الإمام، إلا أن يكون في تقدمه مصلحة كتعليم علم ونحوه [مجموع فتاوى ورسائل 15/180]. *** إمام يكرهه جماعة المسجد: وردت النصوص الشرعية بتحذير الإمام من الصلاة بقوم يكرهونه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون" [أخرجه الترمذي وحسنه الألباني]. وعن عمرو بن الحارث بن المصطلق قال: كان يقال: "أشد الناس عذاباً يوم القيامة اثنان: امرأة عصت زوجها، وإمام قوم وهم له كارهون" [أخرجه الترمذي بإسناد صحيح]. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أم قوم وهم له كارهون..." [أخرجه ابن ماجة وحسن إسناده النووي رحمه الله في المجموع 4/172، وحسن إسناده العراقي في النيل 3/185]. فإذا كان الجماعة يكرهون الإمام لأمر في دينه مثل: ما فيه من الكذب أو الظلم أو الجهل أو البدعة، ونحو ذلك، ويحبون آخر أصلح منه في دينه من حيث الصدق والعلم وكمال الدين، فإنه لا يجوز لمن يكرهونه أن يؤمهم. وكذلك إذا كان بينه وبينهم عداوة أهل الأهواء والمذاهب، فلا ينبغ أن يؤمهم، لأن المقصود بالصلاة، الاجتماع والائتلاف، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" [حديث صحيح]. وكذلك لو كان يكرهونه لعداوة شخصية بينه وبينهم، فينبغي له أن يترك إمامتهم، وإن كانوا لا يخشعون وراءه لسرعته المخلة بالصلاة، أو لعدم علمه وعدم تعليمه الناس العلم الشرعي، أو كان صوته ليس حسناً بل يكرهه أكثر الناس لأجل ذلك، أو لسوء أخلاقه مع الناس، أو لتأخره عن مسجده، وكثرة غيابه، ورأى الناس أن يغير بغيره لعدم صلاحيته للإمامة، فالأفضل له أن يترك الإمامة خوفاً من الوعيد الشديد الوارد في الأحاديث النبوية الشريفة. أما إذا كانوا يكرهونه لأنه يقيم السُّنَّة، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، وابغضوه لذلك، فالإثم عليهم، وليس على الإمام كفل من ذلك. وعلى كل حال يجب على الإمام والمأموم أن يتقوا الله تعالى، ويخشوه ويخافوا عذابه، وعليهم أن يتعاونوا على البر والتقوى، وترك الشحناء والبغضاء تبعاً للأهواء والتعصبات القبلية وغيرها. وعلى الإمام أن يتق الله تعالى وينصح لجماعته، ويراعي حق المأمومين، ولا يشق عليهم، ويحترم شعورهم. كما يجب على المأمومين أن يراعوا حق الإمام، ويحترموه، ويقدروا شعوره، وإن كرهوا منه خلقاً أو أمراً أن يناصحوه سراً، فإن استجاب وإلا رفعوا أمره للجهات المختصة لاتخاذ ما تراه مناسباً حيال ذلك. وبعض الأئمَّة هداهم الله يجعل من نفسه سخرية للناس، ومظنة للكراهة، ويكون ذلك بلبسه القبيح، أو لأسلوبه في التحدث مع الآخرين حتى يستهجنوه، وبعضهم تراه يسب ويشتم حتى يكرهه الناس، وبعضهم يقرأ على الناس آيات معينات على طول أيام الأسبوع، مما يجعل الناس يملون منه، لا من كلام الله عز وجل، فينبغي على الإمام أن يراعي تلك الأحوال، وألا يوقع نفسه في مواطن التهم والريب والكراهة. قال الإمام أحمد وسفيان: "إذا كرهه واحد، أو اثنان، أو ثلاثة، فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم". قال الشيخ / محمد بن عثيمين رحمه الله: "إذا كانوا يكرهونه لكونه مخلاً بما تقتضيه الإمام من دين، أو معاملة، فإنه يكره أن يبقى إماماً لهم أو يحرم، وإذا كانوا يكرهونه لكونه آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، متفقداً لجماعته، وناصحاً لمن يحتاج إلى نصح، فليبق على إمامته والعاقبة للمتقين. وإن كانوا يكرهونه لا لهذا، ولا لهذا ولكن لكراهة شخصية، فالأولى أن يحاول جمع القلوب لإزالة هذه الكراهة، فإن لم يفد فليدع الإمامة". فعلى ما تقدم يحرم على الإمام أن يؤم قوماً يكرهونه، فإن فعل فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الحرام، وعليه أن يتق الله تعالى ويعلم أنما هذه الدنيا سويعات وأيام ثم تنقضي، فيا فوز من زحزح عن النار وأدخل الجنة، ويا ويل من باء بغضب من الله، فمأواه جهنم وبئس المصير، فلا تكن الدنيا أكبر الهم أيها الإمام، ولا تغتر بزخرف الدنيا وبهرجتها، ولا يغرنك حلم الله عليك، وإمهاله لك، ولا تركن إلى المال، فالمال زائل، والعمر يفنى، ولا يبقى إلا العمل الصالح، والذكر الحسن، فارغب بما عند الله، وازهد بما عند الناس، يحبك الله ويحبك الناس، وإياك أن تؤم قوماً وهم لك كارهون، ولو كرهوك في أي شيء، استناداً للأحاديث السابقة، فهي عامة دون مخصص، والأمر إليك فانظر ماذا ترى؟ [الملخص الفقهي 1/224، مجموع الفتاوى 23/373، مرقاة المفاتيح 3/178، نيل الأوطار 3/185، شرح الطيبي 4/1154، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 15/180، مجموع فتاوى الشيخ ابن باز للطيار 4/395]. *** المسافة بين الإمام والمأموم: ينبغي أن تكون المسافة بين الإمام والمأمومين بقدر المسافة بين الصفوف، لأن المقصود من الصلاة الاجتماع والألفة، ولا يحصل ذلك إذا اتسعت المسافة بين الإمام ومن خلفه. وإذا بعد الصف الأول عن الإمام، ربما لا يسمع من يفتح عليه حال خطئه. وكلما تقاربت الصفوف بعضها من بعض كان أفضل وأدعى للقوة والائتلاف، وأبعد عن الفرقة والاختلاف. *** إمامة المرأة: ينقسم الأمر إلى ثلاثة أقسام: الأول / إمامة المرأة للرجال: لا تجوز إمامة المرأة للرجل، لا في الفرض ولا في النفل، وهذا هو مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف، ومن صلى وراء امرأة وجب عليه أن يعيد تلك الصلاة التي صلاها خلفها، لأن المرأة ليست بأهل أن تكون قائدة للرجال، للآيات المانعة من ذلك، والآمرة المرأة أن تتخذ من بيتها مقراً لها ولأطفالها، لتربيتهم، والعناية بشؤون منزلها وزوجها، قال تعالى: "وقرن في بيوتكن"، وقال تعالى: "وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" [أخرجه البخاري]، فدلت هذه النصوص وغيرها على أن المرأة مأمورة بالستر والحجاب، والقرار في البيوت، وعدم الخروج منها إلا لحاجة ماسة لا يمكن أن يقوم بها غيرها، كشراء ملابسها الخاصة مثلاً، أما ما عدا ذلك، فلا تخرج من بيتها، بل بيتها سترها، كما أن المرأة ضعيفة لا تستطيع القيام بأعباء الرجال، والمرأة عورة وممنوعة من مخالطة الرجال، ولو اجتمع الرجال والنساء في مكان واحد، فانظر مدى الخراب والفساد الذي يحدث، كما أن القوامة للرجل لا للمرأة، ولهذا من حكمة الشارع الكريم، أن جعل خير صفوف النساء أخرها لبعدها عن صفوف الرجال، وكما أن صوت المرأة عورة، فربما طمع فيها من في قلبه مرض، بل من حكمة المولى جل وعلا أن أمر المرأة أن تصلي في بيتها لا في المساجد، وإن طلبت أن تصلي في المسجد فلا بأس إذا أمنت من الفتنة، أن تَفتِنَ أو تُفتَن، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء"، ومن المعلوم أن بعض نساء الصحابة كن يصلين مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجده صلاتي العشاء والفجر، حتى لا يراهن أحد، وكن ينصرفن قبل أن يقوم الرجال من أماكنهم، خشية الفتنة والاختلاط، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الصبح، فتنصرف نساء المؤمنات، متلفعات بمروطهن، لا يُعرفن، أو لا يعرفن بعضهن بعضا من الغلس" [أخرجه البخاري]. والإمامة في الصلاة من العبادات، والعبادات مبنية على التوقيف، والسُّنَّة العملية تدل على إمامة الرجل للرجال، وليس هناك دليلاً واحداً يدل على أن المرأة تؤم الرجال، فعُلم أن المرأة لا تصلح لإمامة الرجال كباراً كانوا أم صغاراً. فإذا كان هذا هو مقصود الشرع، فلا يجوز للمرأة أن تتولى زمام أمور الرجال، بل من تعدت واعتدت، وطلبت ذلك وجب تعزيرها بأشد العقوبات، لأنها تريد أن تسُن سُّنَّة سيئة، وتفتح على المسلمين باباً لم يعرفوه ولم يألفوه قبل ذلك، فلابد من تعزيز من أرادت ذلك أو سعت إليه، ولو كان التعزيز بقتلها، فإني أرى ذلك والعلم عند الله تعالى، حتى تكون عبرة للمعتبرات. قال سماحة العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: "لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل، ولا تصح صلاة الرجل خلفها، لأدلة كثيرة، وعليه أن يعيد الصلاة إن صلى خلفها" [مجموع فتاوى ومقالات 12/131، المجموع 4/151، المغني 3/32، مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 15/147، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 2/534، معرفة السنن والآثار 4/230]. روي عن أم ورقة بنت عبد الله بن نوفل الأنصارية، أنها استأذنت النبي -صلى الله عليه وسلم-، أن تتخذ في دارها مؤذناً، فأذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها، قال عبد الرحمن بن خلاد الراوي عنها: أنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً" [أخرجه أبو داود وحسنه الألباني 1/177، وضعفه جمع من أهل العلم، فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة]، وقد جاء عند ابن ماجة مرفوعاً: "لا تؤمن امرأةٌ رجلاً" [وهو ضعيف أيضاً]. وعلى فرض حجية حديث أم ورقة، فهو مما أشكل، عندما أذن لها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تتخذ لها مؤذناً، وكان مؤذنها شيخاً كبيراً، فدل الحديث على أنها كانت تؤم الرجال وليس النساء فقط.
والجواب على ذلك: أنه جاء في رواية الدار قطني: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها"، وهذه الزيادة يجب قبولها، فهي تبين ما سبق من الحديث [المغني 3/32]. ويبقى إشكال اتخاذها مؤذناً، وكان مؤذنها شيخاً كبيراً، فلربما كان يؤذن لها ثم يخرج للصلاة مع الناس. وربما كان يؤذن لها، ثم يصلي لوحده لكبر سنه، فإنه يُعذر عن حضور صلاة الجماعة في المسجد مع الرجال، إذا كان كبر سِنِّهِ لا يسمح له بحضور الجماعة في المساجد. قال ابن قدامه رحمه الله: "ولو قُدِّر ثبوت ذلك لأم ورقة، لكان خاصاً لها، بدليل أنه لا يُشرع لغيرها من النساء أذان ولا إقامة، فتختص بالإمامة، لاختصاصها بالأذان والإقامة [المغني 3/34].
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:17 | |
| ومن شروط الإمامة ما يلي: 1- الإسلام. 2- البلوغ. 3- العقل، ولا شك أن رجحان عقل الرجل أكمل من المرأة، لما جاء في الحديث: "ناقصات عقل ودين". 4- الذكورة: وهذا الشرط هو المقصود من ذكر الشروط، فقد اتفق الفقهاء على أنه يشترط لإمامة الرجال، أن يكون الإمام ذكراً، فلا تصح إمامة المرأة للرجال، لما ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أخروهن من حيث أخرهن الله" [أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، وصححه ابن حجر في الفتح]، ولا شك أن الأمر بتأخيرهن نهي عن الصلاة خلفهن، ولأن في إمامتها افتتاناً بها . 5- القدرة على القراءة، والمرأة ممنوعة من رفع صوتها بالقراءة بحضرة الرجال الأجانب، يعني غير المحارم، وطبيعة المرأة الحياء، فهي تستحيي غالباً من رفع صوتها أمام محارمها، فكيف ستصلي بالناس، إلا مَنْ تجرَّدت من الحياء، والحياء شُعبة من الإيمان. 6- السلامة من الأعذار: والمرأة لا تخلو من الحيض والنفاس والاستحاضة، فكل تلك موانع من إمامتها لمن هو أكمل منها وأفضل، وهم الرجال، قال تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض"، وقال تعالى: "للذكر مثل حظ الأنثيين"، فهذه الأدلة وغيرها تدل على فضل الرجل على المرأة، فلا يتقدم الفاضل على المفضول، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ناقصات عقل ودين"، فكيف يُقدم ناقص العقل والدين على مَنْ هو أرجح منه في العقل والدين وهم الرجال. 7- القدرة على توفية أركان الصلاة، ولا أراه شرطاً لازماً، لأن المرأة يمكن أن تتم أركان الصلاة، وهذا واجب على المصلي ذكراً كان أم أنثى. 8- السلامة من فقد شرط من شروط الصلاة. 9- النية [الموسوعة الفقهية 6/204]. والمرأة ممنوعة من الصلاة بالرجال، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بَيَّنَ أن المرأة تقطع صلاة الرجل إذا مَرَّتْ بين يديه، كما بَيَّنَ -صلى الله عليه وسلم- أن موقف المرأة خلف الرجال، وكيف يُقتدى بإمام خلف المأمومين، لهذا محض الخطأ، ومجانبة الصواب، ومخالفة العقل السليم [المحلى لابن حزم 4/141]. وعلى ذلك، فإن كل من صلوا من الرجال خلف المرأة التي صلت بهم الجمعة في الولايات المتحدة الأمريكية المحاربة الأولى للإسلام وأهله، فصلاتهم باطلة، ويجب عليهم إعادتها، ولقد أنكر علماء الإسلام قاطبة تلك الفعلة الشنعاء، والجريمة النكراء، مبينين خطأ من ارتكبها ومن دعا إليها. أمَّا صلاتها هي -الإمامة- فصحيحة لنفسها، وكذلك تصح صلاة النساء اللاتي صلين وراءها. وأجمع المسلمون على أن صلاة المرأة في بيتها خير لها من الصلاة في المسجد، ابتعاداً عن الفتنة، وتغليباً لجانب السلامة، وحسماً لمادة الشر، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "وبيوتهن خير لهن". قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما مُنعت نساء بني إسرائيل" [متفق عليه]. والأصل منع المرأة من حضور محافل الرجال، سواءً في الأسواق أو المساجد أو غيرها، لكن إذا طلبت المرأة أن تحضر الصلاة والعلم الشرعي متحجبة متعففة غير متزينة ولا متعطرة فلا بأس للزوج أو الولي أن يأذن لها لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات" [أخرجه أبو داود وأحمد]، ومعنى تفلات: غير متطيبات، ويحلق بذلك ما كان في معنى الطيب كحسن اللباس، وإظهار الحلي، فإن فعلت ذلك وجب منعها من حضور المساجد لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة أصابت بخوراً، فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة" [أخرجه مسلم]. ولتعلم كل امرأة أن حق زوجها في بيتها واجب، وحضورها للصلاة في المسجد من باب المباح، وليس من باب المستحب، بل من باب المباح، فلا يُقدم المباح على الواجب أبداً. فكل ذلك يدل على أن المرأة ممنوعة من الصلاة في المسجد، فكيف تقوم بإمامة الرجال، بل من العلماء من منعها أن تؤم النساء أصلاً، وهذا واضح في كتب أهل العلم، فالمالكية يرون عدم جواز إمامة المرأة مطلقاً ولو لمثلها - من النساء - في فرض أو نفل، وكذلك الحنفية [الموسوعة الفقهية 6/204، المخلص الفقهي 1/210، معرفة السنن والآثار 4/230، الإفصاح 2/42]. ولم يؤثر منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وحتى يومنا هذا أن المرأة أمَّت الرجال لا في صلاة الفريضة ولا في النافلة، ولم ينقل ذلك أحد، فدل على أن إمامة المرأة للرجال خلاف الحكمة الإلهية، والفطرة البشرية السليمة. وهنا أشير إلى كلام العلماء رحمهم الله تعالى في أن قراءة المرأة للقرآن الكريم بصوت مرتفع وبجانبها رجال أجانب فيه فتنة، والفتنة لا تجوز، كما أن صوت المرأة عورة كما قرره بعض العلماء، ولا سيما إذا تكسرت به، ولا شك أن من يسمع صوت المرأة بالقراءة لربما فُتن بها، ولهذا لابد من سد باب الشر حسماً لمادة الحرام. وبهذه المناسبة أُنكر على بعض القنوات الفضائية التي تبث برامج لقراءة القرآن الكريم، وتصحيح التلاوة على الهواء مباشرة، ويُستقبل فيها أصوات النساء وهن يقرأن القرآن الكريم، بأصوات جذابة وفاتنة، فعليهم أن يتقوا الله تعالى في نساء المسلمين، والحفاظ على أعراضهن، وألا يجعلوهن عرضة للامتهان، والتفنن بالأصوات، فلم يُعهد هذا الأمر لا في عهد النبوة ولا في العصور المفضلة، حتى جاء هذا العصر بما فيه من الفتن والمحن، وكثرة التعالم والمتعالمين، حتى أصبح في الموضوع الواحد عدة فتاوى لا يُعرف أصحابها، كلٌ يدلوا بدلوه، فالله المستعان وعليه التكلان. ويكفينا شرفاً تخريج الحافظات لكتاب الله تعالى، ولا حاجة لنا في سماع أصواتهن، بل يُكتفى بسماع مزامير آل داود من قبل حُفاظ كتاب عز وجل من الرجال، الذين ملئوا أرجاء المعمورة، فكفى بهم قُراءً وحفظة، وهم المعنيون بالقراءة للصلاة بالناس وليس النساء، فليتنبه لذلك أهل القنوات.
الثاني / إمامة المرأة للنساء: بالنسبة لإمامة النساء للنساء مثلها، هذا أمر لا بأس به، لكن الجماعة ليست واجبة بالنسبة لهن، بل من باب الجواز، وإذا أمَّتِ المرأة نساءً مثلها فإنها تقف في وسطهن، وإذا كانت واحدة وقفت عن يمين من تؤمها [فتاوى اللجنة الدائمة 7/390]. وجاء أن عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- أمتا نساءً في البيت، فقامتا في وسطهن. عن ريطة الحنفية قالت: "أمتنا عائشة فقامت بينهن في الصلاة المكتوبة" [أخرجه عبد الرزاق والدار قطني بإسناد حسن 2/388]. وعن حجيرة بنت حصين قالت: "أمتنا أم سلمة في صلاة العصر، فقامت بيننا" [المصدر السابق].
الثالث / إمامة المرأة للأطفال: لا تجوز صلاة الأطفال المميزين خلف المرأة، لأن المرأة لا تؤم الرجال مطلقاً، كما تم بيانه قبل قليل. قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "لا يجوز أن تكون المرأة إماماً للرجل سواءً كان صغيراً أم كبيراً، وبناء على ذلك فإنه إذا أرادت المرأة أن تصلي جماعة في بيتها، فإنها تجعل الصبي إماماً لها، وتصلي خلفه، لأن إمامة الصبي جائزة حتى في الفريضة، فقد ثبت من حديث عمرو بن سلمة الجرمي أنه قال: قال أبي: جئت من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً - لأن أباه كان وافداً من الوفود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- سُّنَّة تسع من الهجرة، وكان أول قومه إسلاماً - فقال: جئتكم من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً، وقال: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً"، قال: فنظروا فلم يجدوا أكثر مني قرآناً فقدموني، وأنا ابن ست أو سبع سنين،..." [أخرجه البخاري]، وهذا الحديث دليل على أن إمامة الصبي في الفريضة جائزة" [مجموع فتاوى ورسائل 15/146]. قال الشافعي رحمه الله تعالى: لو صلت المرأة برجال ونساء وصبيان ذكور، فصلاة النساء مجزية، وصلاة الرجال والصبيان غير مجزية [الأوسط لابن المنذر 4/162]. *** إمامة الرجل أباه: يجوز للرجل أن يؤم أباه إذا كان الرجل أقرأ من أبيه، وأفقه وأعلم بأحكام الصلاة، فعن ثابت البناني قال: كنت مع أنس بن مالك -رضي الله عنه- وخرج من أرضه يريد البصرة، وبينها وبين البصرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ، فحضرت الصلاة فقدم ابناً له يقال له: أبو بكر، فصلى بنا صلاة الفجر، فقرأ بسورة تبارك، فلما انصرف قال له: طولت علينا". وكان الزبير يصلي خلف ابنه عبد الله [أخرجها عبد الرزاق 2/397]. وقيل: لا يؤم الرجل أباه ولا أخاه الأكبر، لكن الصحيح أنه يجوز له أن يؤمهم، لا سيما إن كان أقرأهم لكتاب الله تعالى، ولما في قصة عمرو بن سلمة التي سبقت. فصلاة الابن بأبيه جائزة إذا كان أقرأ وأعلم من أبيه، وبهذا القول قال: أبو بكر الصديق، والزبير بن العوام، وعبد الله بن الزبير، وأبو أسيد الأنصاري وابنه المنذر -رضي الله عنهم- أجمعين. وإلى هذا القول ذهب جماهير العلماء، ومنهم المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بحدث عمرو بن سلمة عندما أم قومه وفيهم أبوه [فقه أنس بن مالك 1/339]. قال أبو داود: قلت لأحمد بن حنبل -رحمه الله- يؤم الرجل أباه؟ قال: من الناس من يتوقى ذلك إجلالاً لأبيه، ثم قال: إذا كان أقرؤهم فأرجو، يعني لا بأس به [مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود 63، فتح الباري لابن رجب 4/134، الأوسط لابن المنذر 4/162]. والصحيح جواز صلاة الرجل بأبيه أو أخيه الأكبر إذا كان أكثرهم قرآناً. *** طلب الإمامة وأخذ الأجرة: ينبغي لمن طلب الإمامة أن يكون مخلصاً لله تعالى، راغباً فيما عنده سبحانه، صادقاً فيما أقدم عليه من طلب الإمامة، قصده نفع المسلمين، بما أعطاه الله من العلم الشرعي، وحث المسلمين على إقامة شعيرة الصلاة التي فرط فيها كثير من المسلمين اليوم. وعلى الإمام أن يحذر أن تكون نيته في طلب الإمامة، الركون للدنيا والرغبة فيها، فلا يستفيد منه المسلمون شيئاً، بل قصده الحصول على المال، ثم يهمل المسجد، فبدل أن يكون مدرسة وجامعة يتخرج منها شباب الحي حفظة لكتاب الله، ولسُّنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويتميز أهل الحي بالعلم الشرعي المستمد من الكتابين، لا بل تكون العداوة بين الإمام وأهل المسجد هي السمة السائدة، ويكون الجهل الطبق هو العلامة الواضحة، فهذا الإمام يجب أن يترك الإمامة لمن أحق بها، وأجدر بالحصول عليها من الأئمَّة النشطاء النجباء، الذين لا يريدون علواً في الأرض، ولا وجاهة ولا دنيا، ولا يركنون إليها، بل مرادهم نفع الناس، ونشر الخير فيما بينهم. والواقع اليوم يدل على أن الكثرة من الأئمَّة لا هم إلا الحصول على المكافأة، دون الالتفات إلى ما ينفع الناس، بل ترى الإمام يصلي ثم يمسك الباب، ومنهم والله من يسلم من الصلاة ولا يلتفت إلى المأمومين بل يخرج ووجه إلى القبلة مخالفاً بذلك سُّنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وربما قرأ في الشهر سطراً أو سطرين من كتاب، وربما رأى المنكر ظاهراً، فلا ينكر ولا يأمر، لأن النية ليست خالصة لوجه الله تعالى، بل يشوبها شائبة حب الدنيا والرضى بالمقام فيها. فمن كانت نيته سيئة، وقصده قبيحاً، فليتق الله تعالى، وليخلص النية، ومن كان همه جمع المال من وراء الإمامة، ولم ينفع الناس فليترك الإمامة للكفء، ومن كانت سمة العداء بينه وبين جماعة مسجده، فيجب أن يترك الإمامة خوفاً من عقوبة الله تعالى، والله من وراء القصد. أما أخذ الأجرة لمن كانت همته عالية، ونيته سليمة، فلا بأس بأخذ الأجر المترتب على الإمامة، لأنه من بيت مال المسلمين، والإمام الأعظم للمسلمين، يعطي الناس ما يعينهم على القيام بالمصالح العامة، وبعض الأئمَّة إن لم يُعط أجراً لم يستلم إمامة المسجد، فما يأخذه الأئمَّة من أجرة على إمامتهم هو من قبيل التشجيع لهم على تولي زمام الإمامة ونفع الناس، فيكون نفعهم متعدياً لا قاصراً على أنفسهم، فلابد من نفع الناس باتخاذ الإمامة، وينبغي أن يضع الإمام نُصب عينيه هذه القاعدة: من أُعطي الأجر طالبه الله بالعمل [الموسوعة الفقهية 6/215، فتاوى اللجنة الدائمة 7/415]. ومن طلب من الناس أن يعطوه أجراً على الإمامة فلا يجوز لهم أن يعطوه، ولا يجوز له أن يأخذ على إمامته أجراً، لأنها من الأعمال الفاضلة التي يتقرب بها صاحبها إلى الله تعالى، فيطلب الأجر من الله ولا يطلبه من البشر، سئل الإمام أحمد عن إمام يقول لا أصلي بكم رمضان إلا بكذا وكذا، فقال: "أسأل الله العافية، ومن يصلي خلف هذا". أما العطاء من بيت مال المسلمين فلا بأس به، لأنه عطاء بلا طلب، وهو من باب سد الثغرات بين المسلمين [إتحاف المسلمين 1/336].
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:18 | |
| مما سبق يتبين لنا أن موضوع الأجر على الصلاة ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يطلب الإمام أجراً على إمامته، فهذا لا يجوز أن يُمكن من الإمامة، لأن الأصل فيها أنها أمر خيري يُطلب به ثواب الآخرة، لا ثواب الدنيا، قال تعالى: "مَن كان يُريدُ حرث الآخرة نزد له في حرثه ومَن كان يُريدُ حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب" [الشورى 20]. القسم الثاني: أن يُعطى من بيت مال المسلمين، فهذا جائز لا شك فيه، لأن فيه مصلحة للمسلمين من القيام بالصلاة بهم، وتفريغ نفسه هذا الوقت لذلك الأمر العظيم، وهو أمانة الصلاة. *** إمامة الصبي: هناك أناس جهلوا حكم الشريعة الغراء في جواز صلاة الصبي بالرجال، لا لشيء إلا لأنهم لم يتعلموا أحكام الصلاة من الكتاب والسُّنَّة، فلهذا ربما أنكروا على الصبي أن يصلي بالرجال ولو كان أكثرهم حفظاً لكتاب الله، ولا شك أن ذلك خطأ، بل الصواب جواز إمام الصبي إذا كان أقرأهم لكتاب الله تعالى، وقد سبق حديث عمرو بن سلمة لما أمَّ قومه وكان ابن ست أو سبع سنين، وكان ذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكره، فدل ذلك على صحة الصلاة خلف الصبي المميز وهو من بلغ سبع سنين فأكثر. ولا حجة البتة مع من منع الصلاة خلف الصبي. فالصواب أن صلاة الصبي تصح في الفرض والنفل، إذا قدمه قومه وكان أكثرهم قرآناً، وقد بلغ سبع سنين، وقد كانت صلاة عمر بن سلمة بقومه وهو ابن سبع سنين في وقت وجود الوحي وتنزله على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلو كانت الصلاة باطلة وكان عملهم ذلك منكراً، لأنكره الله تعالى، وكل الذين قدَّموا عمرو بن سلمة من الصحابة، ولم يكن منهم مخالف لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدل ذلك على الجواز وصحة الصلاة. *** إمامة الأعمى: إذا كان الأعمى من أهل العلم والفضل، وهو أقرأ الناس فلا خلاف في صحة إمامته، بل الأصل الجواز، ويدل على ذلك حديث أنس -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى [أخرجه أبو داود وأحمد بإسناد حسن]. وعن محمود بن الربيع، أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى [أخرجه البخاري]. وكان ابن عباس يؤم الناس وهو أعمى، وكذلك قتادة وجابر -رضي الله عنهم- أجمعين. ولم يختلف أهل العلم في جواز إمامة الأعمى بغيره من البُصراء، لأن فقد حاسة النظر لا يُخل بشيء من أفعال الصلاة ولا شروطها، فأشبه فقد حاسة الشم. وسئل عطاء رحمه الله عن الأعمى أيؤم الناس؟ فقال: ما له إذا كان أفقههم، فقال إنسان لعطاء: إلا أن يخطئ القبلة؟ قال عطاء: فإن أخطأ فليعدلوه، فليؤمهم إذا كان أفقههم. وقد صليتُ خلف سماحتي الشيخين / عبد العزيز بن باز رحمه الله، وعبد العزيز آل الشيخ وفقه الله، في الجامع الكبير بالرياض مرتين، وكان أحد طلابهما يعدلهما نحو القبلة، وكلاهما لا يُبصر، فلو كانت إمامة الأعمى لا تجوز لما تقدما [المغني 3/26، نيل الأوطار 3/169، المحلى 4/136، المصنف لعبد الرزاق، فتاوى اللجنة الدائمة 7/386، سبل السلام 3/99]. *** إمامة الرجل للنساء: يجوز للرجل أن يؤم النساء، سواءً كن محارم له أم لا، وهذا قول جمهور أهل العلم، فعلى ذلك يمكن أن نقسم الموضوع إلى قسمين: الأول / إمامة المحارم: أن يؤم الرجل أمه أو أخته أو زوجته ونحو ذلك من المحارم، فهذا لا خلاف في جوازه، لأنه يباح له الخلوة بها في غير الصلاة، فجاز له أن يؤمها في الصلاة.
الثاني / إمامة غير المحارم: أمَّا صلاة الرجل بامرأة أجنبية عنه فلا تجوز إذا كان هناك خلوة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم" [متفق عليه]، والنصوص في ذلك كثيرة. ويجوز للرجل أن يؤم امرأة ليس محرماً لها إذا كان ذلك في مسجد، وفي غير خلوة، وكون المسجد مُفتَّح الأبواب، فهنا لا بأس بذلك، لانتفاء الخلوة والريبة. أمَّا إذا خاف الإمام الفتنة على نفسه، فهنا يجب عليه ألا يصلي بالنساء لأجنبيات، لأن ما كان ذريعة للحرام فهو حرام [المجموع 4/173، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ / ابن عثيمين 15/208]. كما يجوز للرجل أن يؤم النساء الأجنبيات الأكثر من واحدة، لانتفاء الخلوة. أمَّا في المساجد فلا شك أن ذلك جائز، ما لم تُخش الفتنة من الطرفين، فإن خُشيت فلا يجوز. *** إمامة المفضول للفاضل: السُّنَّة أن يتولى الإمامة الفاضل الأحق بها من حيث القراءة والفقه والعلم والتقوى والورع، هذا هو المفترض أن يتولى الإمامة، ولا بأس بأن يؤم المفضول الفاضل، لا سيما إذا كان هو إمام المسجد، أو صاحب المنزل. فلقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مأموماً مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، ومأموماً خلف عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، ولا شك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضل منهما، بل أفضل من وطأت رجلاه هذه الأرض. فدل ذلك على جواز إمامة المفضول لمن هو أفضل منه. عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العَصْبِة موضعاً بقباء قبل مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآناً" [أخرجه البخاري]. ولا شك أن من خلفه كأبي بكر وعمر -رضي الله عنهم- أجمعين، أفضل من سالم -رضي الله عنه-، لأنهم أعلم منه، وأقدم إسلاماً وأكبر سناً، ولولا جواز إمامة المفضول بالفاضل لما تقدم سالم وصلى بهم. *** إمامة المسافر بالمقيم: يجوز للمسافر أن يؤم المقيم، فمثلاً رجل سافر من مكة إلى المدينة النبوية، وهو في الطريق بين المدينتين، وجبت إحدى الصلوات، فصلى ثم التحق به مقيمون من أهل تلك المنطقة، فإنه يجوز لهم أن يأتموا به، ولو قدَّمُوه وصلى بهم، جاز ذلك أيضاً، فيصلي الرباعية ركعتين قصراً لأنه مسافر، وهم يتمون ما عليهم من الركعتين المتبقيتين، فيسلم المسافر ويتم المقيم ما بقي عليه من صلاته. ويشهد لذلك حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: ما سافر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفراً إلا صلى ركعتين حتى يرجع، وأنه أقام بمكة زمن الفتح ثمان عشرة ليلة يصلي بالناس ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم يقول: "يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين، فإن قومٌ سُفْرٌ" [أخرجه أحمد وأبو داود، وحسنه الترمذي لشواهده]. وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم قال: "يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سُفْر" [أخرجه مالك في الموطأ بإسناد رجاله ثقات]. فتلك الآثار تدل على جواز صلاة المسافر بالمقيم، وهو أمر مجمع عليه [نيل الأوطار 3/175، الإجماع لابن المنذر 47، الإجماع لابن عبد البر 91، معرفة السنن والآثار 4/220، مصنف عبد الرزاق 2/540، مجموع فتاوى ومقالات للشيخ / ابن باز رحمه الله 12/259 وما بعدها]. *** إمامة المقيم بالمسافر: يجوز للمسافر أن يأتم بالمقيم، لكن في هذه الحالة يجب على المسافر أن يُتم الصلاة الرباعية ولا يقصرها، فيصلي الظهر والعصر والعشاء أربعاً تامة، سواءً كان مسبوقاً أم مدركاً للصلاة من أولها، بل ولو أدرك الإمام في التشهد الأخير وجلس معه، فإنه يلزمه أن يتم الصلاة كاملة كما صلاها الإمام المقيم، لحديث ابن عباس لما سئل عن المسافر يصلي خلف الإمام المقيم أربعاً، ويصلي مع أصحابه -المسافرون- ركعتين، فقال: "هكذا السُّنَّة" [أخرجه مسلم وأحمد]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه" [متفق عليه] [مجموعة فتاوى ومقالات 12/259 وما بعدها، فتاوى اللجنة الدائمة 7/418]. *** إمامة صاحب السلس: ويدخل في ذلك كل من حدثه دائماً، فتصح صلاة صاحب السلس لنفسه، ما لم يحدث، فإن أحدث وتيقن الحدث خرج من الصلاة، وتوضأ وأعاد الصلاة من أولها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا فسا أحدكم في الصلاة، فينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة" [أخرجه أهل السنن بإسناد حسن]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقبل صلاة أحدكم إذا احدث حتى يتوضأ" [متفق عليه]. ومن كان حدثه دائماً لا ينقطع، فإن يتوضأ لدخول وقت الصلاة، ويصلي ولو خرج منه شيء لأنه اتقى الله ما استطاع، قال -صلى الله عليه وسلم- للمستحاضة: "ثم توضئي لوقت كل صلاة". أما صحة صلاة من خلفه ففيها نزاع بين أهل العلم، والأصح أنها جائزة، لكن ينبغي أن يبحثوا عن إمام سليم. والأحوط أن لا يكون إماماً خروجاً من خلاف العلماء. قال ابن قدامه رحمه الله: "ولا يصح ائتمام الصحيح - السليم - بمن به سلس البول [المغني 3/66، المجموع 4/160، فتاوى اللجنة الدائمة 7/392، مجموع فتاوى الشيخ / ابن باز 4/455، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ / ابن عثيمين 15/154]. ***
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:19 | |
| إمامة المقعد أو الجالس لغيره: إذا كان المقعد كالمشلول والكبير ونحوهما هو أقرأ القوم، فلا بأس بإمامته، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" [متفق عليه]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما ثقل صلى بالناس وهو جالس لا يقدر على القيام [أخرجه مسلم]، وقال عليه الصلاة والسلام: "وإذا صلى -الإمام- جالساً، فصلوا جلوساً أجمعون" [متفق عليه]. ومن قال أنه لا يصلى خلف الجالس إلا إمام الحي فقط، فعليه أن يأتي بالدليل، فإن قال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالناس جالساً وهو إمام الحي، فصحيح، لكن لا يدل ذلك على التفريق بين إمام الحي وغيره، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" [متفق عليه]. وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً بأصحابه قاعداً وهم قيام، فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا. وإذا صلى الإمام قائماً من أول الصلاة ثم اعتل فجلس وصلى جالساً، ففي هذه الحالة يصلي من خلفه وقوفاً، كما حصل للنبي -صلى الله عليه وسلم- عندما صلى بهم أبو بكر -رضي الله عنه-، ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فجلس عن يسار أبي بكر، وأتم الصلاة بهم، هو جالس وهم قيام [، شرح السُّنَّة 3/419، نيل الأوطار 3/178، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ / ابن عثيمين 15/149]. *** إمامة المتيمم للمتوضئ: وهذه الصورة جائزة بلا خلاف، لأن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- صلى بأصحابه متيمماً، وبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم ينكره [أخرجه البخاري تعليقاً، وأبو داود وغيرهما وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود]. وفي لفظ آخر للحديث: "فغسل مغابنه وتوضأ" ولم يقل تيمم، قال البيهقي: يمكن الجمع بين الروايات بأنه توضأ ثم تيمم عن الباقي. وقال النووي: وهو المتعين. قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز صلاة المتيمم بالمتوضئين". وصلى ابن عباس -رضي الله عنهما- بأصحابه وهو متيمم وفيهم عمار بن ياسر -رضي الله عنه- وعنهم أجمعين فلم ينكروا عليه ذلك. قال ابن قدامة: "ويصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم، لا أعلم فيه خلافاً". والمتيمم العاجز عن الوضوء بالماء لأي سبب يُعتبر متطهر طهارة كاملة، بإذن الشرع المطهر، قال تعالى: "فإن لم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً"، فالمتيمم أشبه المتوضئ بطهارته، فيجوز له أن يؤم غيره من المتوضئين [المجموع 4/160، المغني 3/66، فتح الباري 1/589]. *** إمامة المفترض للمتنفل: وهذه الصورة جائزة، ولا خلاف فيها، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا رجل يتصدق على هذا"، فهذا رجل دخل المسجد بعد انتهاء القوم من الصلاة، فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا رجل يتصدَّق على هذا فيُصلي معه" [أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد والدارمي]، يعني يصلي معه ليحصل على أجر الجماعة، فقام أبو بكر -رضي الله عنه- فصلى مع الرجل، وهذا دليل على صحة صلاة المتنفل وراء المفترض، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، ويحصل لهما أجر الجماعة، ففضل الله واسع، وعطاؤه لا حد له، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء [سبل السلام 3/72، المغني 3/68، المجموع 4/167، معرفة السنن والآثار 4/150، توضيح الأحكام 2/251].
فائدة مهمة: قال ابن حزم: "إنه لم يأت قط، قرآن، ولا سُّنَّة، ولا إجماع، ولا قياس يوجب اتفاق نية الإمام والمأموم" [المحلى 4/145]. وهذه قاعدة جليلة القدر، وصححها أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ولله الحمد، وعلى ذلك، فيصح اقتداء القائم بالجالس، والمفترض بالمتنفل، والمتوضئ بالمتيمم وهكذا، وهذا من فضل الله على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ولا يعلمون. *** إمامة المتنفل للمفترض: اختلف العلماء في هذه المسألة بين مجيز ومانع، والصحيح جواز صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، لحديث جابر بن عبد الله، " أن معاذ بن جبل، كان يصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العشاء، ثم يرجع إلى قومه، فيصلي لهم العشاء، وهي له نافلة" [متفق عليه [، وأخرجه الترمذي أيضاً بلفظ مشابه وقال حديث حسن صحيح. والحديث فيه دلالة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، وهو قول جمهور أهل العلم. ودأب الناس على هذا حتى وقتنا الحاضر، فنرى الناس يصلون العشاء في رمضان خلف الإمام وهو يصلي التراويح، وهي له نافلة، ولهم فريضة، لأن الإمام أدى فرضه قبل ذلك ومن معه من المصلين، فيجوز أن يأتم به من يأتي متأخراً. واستدل المانعون بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" [متفق عليه]، وقالوا: أن الحديث يدل على أن الاقتداء بالإمام في جميع الصلاة، وما تعلق بها من فعل ونية، وقوله: "لا تختلفوا عليه " عام في الفعل والنية. وأجاب المجيزون على هذا الحديث، بأن قوله: "لا تختلفوا عليه"، في الفعل فقط، بدليل إكمال الحديث حيث قال: "فإذا ركع فاركعوا...". والصحيح من أقوال أهل العلم أن اختلاف نية الإمام والمأموم لا أثر لها في صحة الصلاة، وعلى ذلك فصلاة المفترض خلف المتنفل صحيحة [شرح السُّنَّة 3/434، جامع الأصول 5/21، الإفصاح 2/48، سبل السلام 3/72، نيل الأوطار 3/176، الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية 65، المحلى 4/144، فتاوى اللجنة الدائمة 7/401]. *** إمامة المسبوق: إذا كان المأموم مسبوقاً، بأن جاء إلى المسجد وقد فاته أكثر من ركعة، وبعد سلام الإمام قام ليكمل ما عليه، وأثناء قيامه جاء آخر فدخل معه بقصد الحصول على فضل صلاة الجماعة، فنقول: يجوز له ذلك، ولا بأس باختلاف نية الإمام والمأموم، فالاختلاف لا يؤثر على صحة الصلاة. وعلى الإمام أن ينوي الإمامة. وعلى العموم فهذه المسألة من المسائل التي لم يرد فيها نص، فهي مسألة اجتهادية، والعلم عند الله تعالى. [مجموع فتاوى الشيخ / ابن باز 4/445، فتاوى اللجنة الدائمة 7/395]. *** إمامة من يؤدي صلاة حاضرة بمن يؤدي صلاة فائتة: وصورة ذلك: أن يصلي الإمام العصر مثلاً، ويصلي المأموم وراءه صلاة الظهر التي فاتته ولم يتذكرها إلا وهو داخل المسجد قبل الصلاة، في هذه الحالة تجوز هذه الصورة، ولا بأس باختلاف النية بين الإمام والمأموم. فيصلي مع الإمام صلاة الظهر لنفسه، وعصراً للإمام ومن خلفه، ثم يقوم بعد سلام الإمام، ويقيم لصلاة العصر فيصليها. وإن صلى وحده الصلاة الفائتة، ثم سلم ولحق بالإمام للصلاة الحاضرة فلا بأس، والأولى أولى، لفضل الجماعة التي ربما تفوته. وهنا لا يُقدم العصر على الظهر، فلا يصلي مع الإمام بنية العصر، ثم يصلي الظهر، لأن الصلوات مرتبة، وترتيبها من الله تعالى، فلا يتجاوز هذا الترتيب. ومن صور هذه المسألة: أن يأتي من لم يصلي المغرب إلى المسجد والناس يصلون العشاء، فإما أن يصلي معهم العشاء بنية المغرب، فإذا قام الإمام للركعة الرابعة يجلس هو ولا يقوم بل ينتظر الإمام حتى يُتم الصلاة ويسلم مع إمامه، ثم يقوم بعد ذلك ويصلي العشاء، لأن الترتيب معتبر هنا. وإما أن يصلي المغرب لوحده، ثم يقوم بعد ذلك ويلحق بالإمام فيما تبقى من الصلاة، كي يدرك أجر الجماعة. وكذلك لو صلى مع أناس يقصرون الصلاة، فإنه إذا سلم الإمام من ركعتين، يقوم هو ويأتي بركعة واحدة، وبذلك تمت صلاته. ولا يسقط الترتيب إلا في حالة ما إذا خاف فوات وقت الحاضرة. ومثال ذلك: رجل لم يصلي العشاء، ولم يتذكر إلا قبل طلوع الشمس، فالصحيح أنه يبدأ بالعشاء، قبل الفجر مراعاة للترتيب، لكن في هذه الحالة، إذا صلى العشاء قبل الفجر، فاتته الصلاتين، فهنا يجوز له أن يبدأ بوقت الحاضرة وهي الفجر حتى لا يخرج وقتها، ثم يصلي بعدها العشاء.
فائدة مهمة: رجل نسي صلاة الظهر، وتذكر ذلك وهو يصلي العصر، فهل يكمل صلاة العصر، أم يقلب النية إلى الظهر؟ اختلف أهل العلم في هذه المسألة: فمنهم من قال: يصلي الظهر على أنها نافلة، وبعد سلام الإمام يصلي الظهر، ثم العصر. ومنهم من قال: يصلي معهم بنية العصر، وبعد سلام الإمام يقوم فيصلي الظهر، لأنه معذور بالنسيان. وقال أعضاء اللجنة الدائمة: إذا دخل مع الجماعة وهم يصلون العصر، وصلى معهم العصر بنيتها، وتذكر أثناء الصلاة أنه لم يصلي الظهر، فعليه أن يقطع الصلاة، وينوي صلاة الظهر، ويصلي معهم ظهراً لا عصراً، وبعد الانتهاء من صلاة الظهر، يقيم ويصلي العصر مع من حضر متأخراً عنها، أو يصلي منفرداً لوحده إن لم يجد جماعة يصلي معهم [مجموع فتاوى الشيخ / ابن باز رحمه الله 4/438، فتاوى اللجنة الدائمة 7/403، مجموع فتاوى ومقالات الشيخ / ابن عثيمين 15/174]. والقول الثاني أقرب للصواب، فيصلي العصر معهم لأنه دخلها بنية، والفريضة إذا شرع فيها الإنسان لزمه إتمامها إلا لعذر شرعي، قال تعالى: "ولا تبطلوا أعمالكم" [محمد 33] ثم بعد ذلك يصلي الظهر. ***
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:20 | |
| إمامة من يؤدي صلاة فائتة بمن يؤدي صلاة حاضرة: وهذه الصورة مثل سابقتها في الجواز، فيجوز لمن يصلي فائتة الظهر وقت العصر، أن يكون إماماً لمن لم يصلي العصر حاضرة. لأنه جاز أن يصلي المفترض وراء المتنفل، فمن باب أولى أن يجوز لمن يصلي فائتة أن يكون إماماً لمن يصلي حاضرة، والعلم عند الله تعالى [المحلى 4/144].
فائدة مهمة: حالات قلب النية ثلاثة: الأولى / من معين إلى معين: وهذا لا يجوز، كمن قلب الظهر أو الوتر إلى العصر أو الراتبة. الثانية / من معين إلى مطلق: وهذا يجوز، كمن قلب الظهر أو الراتبة مثلاً إلى نفل مطلق. الثالثة / من مطلق إلى معين: وهذا لا يجوز، كمن قلب النفل المطلق إلى ظهر أو راتبة، لأنه لابد من تحديد نية تلك الصلاة المعينة. *** إمامة الكافر: إمامة الكافر لا تخلو من أمرين: الأول: أن يعلم المأموم كفره: فإن علم كفر الإمام فلا تصح إمامته بالاتفاق، ولا تصح الصلاة خلفه، لأنه ليس من أهل الصلاة. الثاني: أن يجهل كفره: فقيل: لا تصح إمامته، وبالتالي يعيد المأموم، وقيل: لا تلزم المأموم الإعادة بعد انتهاء الصلاة، لأنه لم يعلم بكفر إمامه إلا بعد الصلاة ، والله عز وجل لم يكلف أحداً أن يصلي صلاة فرض مرتين، ومادام أنه صلى الصلاة وانقضت ولم يعلم بكفر إمامه إلا بعد الصلاة، فالصلاة صحيحة، لظن المأموم أن الإمام مسلم. والأرجح والأحوط أن يعيد المأموم صلاته، لأن الإمام ليس من أهل الصلاة، فصلاته باطلة، وكذلك صلاة من خلفه.
سؤال: ربما يرد تساؤل، كيف يصلي الكافر إماماً؟ الجواب: الكفر ربما لا يكون ظاهراً، بل باطناً كالمنافقين، فإن كفرهم باطناً لا يظهرونه للناس، فربما صلى من ظاهره الإسلام وهو يبطن الكفر، وفيهم من يعرف نفاقه وكفره، فمن عرف كفره بطلت صلاته، ويكون الكفر نفاقاً، أو استهزاءً بالدين وأهله، أو ساحراً، أو داعياً إلى ضلالة مكفرة، أو نحو ذلك، وما أكثر نواقض الإسلام اليوم. [حاشية الروض للطيار 3/188، المجموع 4/147]. *** إمامة الفاسق: الفسق لغة: الخروج. شرعاً: الخروج من شيء إلى شيء، وهنا بمعنى: الخروج من طاعة الله إلى معصيته. فإذا كان الفسق هو الخروج عن تعاليم الشريعة الإسلامية، ومعصية الله ورسوله، فمن هذا المنطلق نستنتج أن: مسبل الثوب فاسق، وحالق اللحية فاسق، وشارب الدخان فاسق، ومتعاطي المخدرات والمسكرات والخمور فاسق، والسارق فاسق، وآكل الربا فاسق، وآخذ الرشوة ومعطيها فاسق، والزاني واللوطي فاسق... إلخ. وتلكم الأنواع من الفسق تختلف، فمنها ما هو مخفي غير ظاهر، ومنها ما هو معلن مُجاهِرٌ به صاحبه، حق عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين" [متفق عليه]، معنى الحديث: أن من جاهر بالمعصية كحالق اللحية، وشارب الدخان، ومسبل الثوب، فليس معافىً من عقاب الله تعالى. قال الله تعالى: "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب عظيم"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى" [متفق عليه]. فإذا كان كل أولئك فساق وخارجين عن طاعة ربهم إلى معصيته، فهم على خطر عظيم. وصلاتهم إذا لم تنههم عن الفحشاء والمنكر الذي هم عليه، فعليهم أن يُراجعوا أنفسهم، فلربما كانت صلاتهم غير صحيحة، وبالتالي مردودة عليهم، فالأمر ليس بالهين، بل خطير جد خطير، إذ ليس للعبد من عمله أعظم من صلاته، لأنها أول ما يحاسب عليه من أعماله يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. قال تعالى: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" [العنكبوت 45]، وعن عمران بن حصين وابن عباس -رضي الله عنهم- مرفوعاً: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده من الله إلا بعداً" [قال العراقي: حديث مرسل بإسناد صحيح]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن فلاناً يصلي، فإذا أصبح سرق"، قال: "سينهاه ما تقول - يعني ستنهاه صلاته عن السرقة -" [حديث صحيح أخرجه أحمد والبزار]. قال أبو العالية: إن الصلاة فيها ثلاث خلال، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة: الإخلاص، والخشية، وذكر الله. فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله يأمره وينهاه. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله [تفسير ابن كثير 5/59، تفسير الطبري 10/144].
وقد اختلف أهل العلم في إمامة الفاسق لغيره: فمنهم من قال: لا تصح إمامته ولا الصلاة خلفه، وهو قول الإمام أحمد ومالك رحمهما الله تعالى. ومنهم من قال: تصح صلاته وتصح الصلاة خلفه، لأن فسقه لم يخرجه من شريعة الإسلام، لأنه لم يأت في فسقه ما ينقله من الإسلام إلى الكفر، فلذلك فصلاته صحيحة لنفسه، صحيحة لغيره، وهو قول الإمام أبو حنيفة والشافعي، وهذا القول هو القول الراجح في المسألة، وهو قول جمهور العلماء كما نقله النووي رحمه الله تعالى، والشوكاني رحمه الله. واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها: أن ابن عمر -رضي الله عنهما- صلى خلف الحجاج وهو رجل فاسق [أخرجه البخاري]. وصلى خلف المختار بن أبي عبيد وكان متهماً بالسحر والشعوذة. وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة" [أخرجه مسلم]. وصلى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- خلف مروان صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة [أخرجه مسلم]. قال فضيلة الشيخ / صالح الفوزان وفقه الله: "لا يجوز أن يولى الفاسق إمامة الصلاة، والفاسق هو من خرج عن حد الاستقامة بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب التي هي دون الشرك. فلا يجوز تولية إمامة الصلاة لفاسق، لأن الفاسق لا يقبل خبره، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" [الحجرات 6]، فلا يؤمَن على شرائط الصلاة وأحكامها، ولأنه يكون قدوة سيئة لغيره، ففي توليته مفاسد. فالصلاة خلف الفاسق منهي عنها، ولا يجوز تقديمه مع القدرة على ذلك، فيحرم على المسؤولين تنصيب الفاسق إماماً للصلوات، لأنهم مأمورون بمراعاة المصالح، فلا يجوز لهم أن يوقعوا الناس في صلاة مكروهة، بل قد اختلف العلماء في صحة الصلاة خلف الفاسق، ومن كان كذلك، وجب تجنيب الناس من الوقوع فيه. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا تصح الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع والفسقة، مع القدرة على الصلاة خلف غيرهم.
فائدة: إمامة الفاسق إما أن تكون في الجمعة والعيد، وإما أن تكون في غيرهما. فإن كانت في غير الجمعة فقد ذكرنا أن الراجح هو جواز الصلاة خلفهم إذا لم تتيسر خلف غيرهم. وأما إن كانت الصلاة خلفهم في الجمعة والعيد، فقد قال ابن قدامة رحمه الله: ونرى صحة الحج والجهاد ماضياً مع طاعة كل إمام براً كان أو فاجراً، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة. وقال ابن حزم في الملل: وذهبت طائفة الصحابة كلهم دون خلاف من أحد منهم، وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من أحد منهم، وجمهور أصحاب الحديث، وهو قول: أحمد والشافعي وأبي حنيفة وداود وغيرهم إلى جواز الصلاة خلف الفاسق الجمعة وغيرها، وبهذا نقول. [حاشية الروض للطيار ومن معه 3/185 وما بعدها، الملخص الفقهي 1/220، مراتب الإجماع 52، الاختيارات الفقهية 107، الإفصاح 2/46، المجموع 4/150، المغني 3/17 وما بعدها، نيل الأوطار 3/171، توضيح الأحكام 2/264، 286، شرح السُّنَّة 3/403، فتح الباري 2/245، مجموع فتاوى الشيخ / ابن باز رحمه الله 4/122 وما بعدها، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ / ابن عثيمين 15/131 وما بعدها، الفتح الرباني 5/222].
فائدة مهمة: مع اختلاف العلماء في صحة إمامة الفاسق، وصحة صلاة من خلفه، فلم يختلف أهل العلم على أن الصلاة خلفه مكروهة، فلذلك ينبغي على كل مسلم أن يتحرَّى لصحة صلاته الإمام المتتبع للسُّنَّة، المتمسك بها، والمهتدي بهدي كتاب الله تعالى. ونحن اليوم نرى اعتداء كثير من الفساق وجرأتهم على الصلاة بالناس في حال تأخر الإمام، فيجب على أهل الخير، وأصحاب الحل والعقد في مساجد الأحياء أن يأخذوا على أيدي أولئك الفسقة وأن لا يقدموهم للصلاة بالناس. حدثني أحد الأخوة، أن إمام أحد المساجد تأخر عن أحد الفروض، فتقدم رجل يتعاطى الربا ليصلي بالناس بكل جرأة، فلما تقدم للمحراب، جره صاحبنا وقال له: لا يجوز أن تصلي بنا لأنك تأكل الربا، فتأخر الرجل عن الإمامة بكل ذل ومهانة، لأنه معترف بفسقه، مقر بجرمه، وقدموا أحد المتمسكين - الملتزمين - فصلى بهم، فشكرنا للرجل جرأته على قول الحق، ونهيه عن المنكر، فجزاه الله خير الجزاء، وكثر من أمثاله. وهكذا نُريد من الرجال الأحرار ألا تأخذهم في قول الحق لومة لائم، فيجب أن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، ويتعاونون فيما بينهم على البر والتقوى. نحن اليوم بحاجة ماسة لرجال يتمسكون بسُّنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويتشبثون بتعاليم الشريعة السمحة، فيقدمون أهل الخير والفضل والعلم لتسنم مكانة الإمامة، ويؤخرون من ليس أهلاً لها، ولو فعلنا ذلك فربما قضينا على منكرات كثيرة، وربما ارتدع أصحاب الفسق والفجور، وعادوا إلى الله تعالى، وتركوا ما هم عليه من المعاصي، وانتهاك الحرمات.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:20 | |
| فائدة نفيسة: قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة الطحاوية: "ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم" انتهى. قال شارح العقيدة الطحاوية ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم براً كان أو فاجراً، وإن عمل بالكبائر، والجهاد واجب عليكم، مع كل أمير براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر" [أخرجه الدار قطني وأبو داود وهو حديث ضعيف]، وفي صحيح البخاري، أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، وكذا أنس بن مالك، وكان الحجاج فاسقاً ظالماً، وفي صحيحه أيضاً، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وأن أخطأوا فلكم وعليهم"، وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلوا خلف من قال لا إله إلا الله، وصلوا على من مات من أهل لا إله إلا الله" [أخرجه الدار قطني من طرق وضعفها، وهو حديث ضعيف]. اعلم رحمك الله وإيانا: أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقاً باتفاق الأئمة، وليس من شرط الائتمام، أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف المستور الحال، ولو صلى خلف مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه، كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة، ونحو ذلك، فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر، فهو مبتدع عند أكثر العلماء، والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمَّة الفجار ولا يعيدون، كما كان عبد الله بن عمر يصلي خلف الحجاج بن يوسف، وكذلك أنس -رضي الله عنه-، كما تقدم، وكذلك عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعاً ثم قال: أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة، وفي الصحيح أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لما حُصِرَ صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان: إنك إمام عامة، وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة، فقال: يا ابن أخي ! إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا احسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم" [أخرجه البخاري]. والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب. ومن ذلك أن من أظهر بدعة وفجوراً، لا يترتب إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزيز حتى يتوب، فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره، أثر ذلك في إنكار المنكر، حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه، كان في ذلك مصلحة شرعية، ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة. وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة، فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة -رضي الله عنهم-. وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور، ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية، فهنا لا يترك الصلاة خلفه، بل الصلاة خلفه أفضل، فإذا أمكن الإنسان أن لا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة، وجب عليه ذلك، لكن إذا ولاه غيره، ولم يمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهر من المنكر، فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، بحسن الإمكان، فتفويت الجمع والجماعات أعظم فساداً من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر، لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجوراً، فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة. وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر، وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء: منهم من قال يعيد، ومنهم من قال: لا يعيد، وموضع بسط ذلك في كتب الفروع [شرح العقيدة الطحاوية 373 تحقيق الألباني رحمه الله، المغني 3/22، المحلى 4/138، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ / ابن عثيمين 15/131 وما بعدها، فتاوى اللجنة الدائمة 7/348]. وجُلُّ ما ذكره المؤلف رحمه الله يخص الصلاة خلف الإمام الأعظم وهو الحاكم أو أمير البلاد، لأن الحكام قديماً هم أئمة الصلاة، فلذلك كان كلامه رحمه الله يخص هذا الأمر، وكذلك تطرق إلى الإمامة الخاصة وهي إمامة الصلاة فقط. فعلى المسلم أن يتيقن أن ما ذكره المؤلف هو مذهب أهل السُّنَّة والجماعة في الصلاة خلف المبتدع والفاسق، نسأل الله السلامة من البدع والفسوق. *** إمامة المبتدع: الله جل وعلا أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وأسبغ علينا من فضائله وبركاته ونعمه وخيراته، فله الحمد وله الشكر أولاً وآخراً، فهو سبحانه المحمود على كل حال. قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" [المائدة 3]، هذه الآية تقتضي أن الله تعالى بلا شك ما قبض رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد أن بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وعلم الأمة كل شيء تحتاج إليه، وبين لهم طرق الخير ورغبهم فيها، وأوضح لهم سبل الشر وحذرهم منها، فبين للناس كل شيء يحتاجونه من أمر الدين، في العبادات والمعاملات. قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن لم يكن نبي قبلي، إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم" [أخرجه مسلم]. فمادام أن الدين كامل، ومحفوظ من رب العالمين، فواجب على الناس جميعاً الاتباع وترك الابتداع، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، (وكل ضلالة في النار)" [أخرجه مسلم، وما بين القوسين أخرجه النسائي بإسناد صحيح، انظر صحيح سنن النسائي حديث رقم 1487]. قال تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" [الأنعام153]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي، وسُّنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة" [أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه الألباني]. هذا هو الطريق الأمثل، والصراط الأقوم، الذي يجب على كل مسلم أن يتبعه ويتمسك به، ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه -رضي الله عنهم-، والتابعين لهم بإحسان، وتبعهم على ذلك الأئمَّة الأربعة وأتباعهم إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة، وما عدا ذلك فهو طريق محفوف بالمخاطر، لبعده عن التوجيهات النبوية. وكل طريق حاد صاحبه عن منهج النبوة، فهو نهج مُبتَدع، يجب الحذر منه، والابتعاد عنه، فهو سبيل ممهد إلى جهنم والعياذ بالله. لذا كانت البدعة أحب إلى الشيطان من المعاصي، ومن كبائر الذنوب، لأن المعاصي يمكن التوبة منها، فيمكن أن يعرف صاحبها بأنه مذنب، ويأمل التوبة، وربما وفق لها. أما المبتدع فإن الشيطان يحسن له بدعته، ويبين له أن من خالفه فهو ضال، وأن من كان على غير طريقته فهو باطل، وأن الحق بجانبه. فهذه البدع ليست من الدين في شيء، ولم يمت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بين لأمته كل ما تحتاج إلى في دينها ودنياها، قال أبو ذر -رضي الله عنه-: "لقد تركنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً". فعلى المسلم أن يحذر البدع ومن يدعوا إليها، وعلى كل مسلم أن يسعى لسؤال أهل العلم المعروفين بعلمهم الشرعي المتبع للكتاب والسُّنَّة، يسألونهم عما أشكل عليهم من الأمور الحادثة في الدين، حتى لا تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون، وأمثلة ذلك كثيرة، منها: المولد النبوي، والاحتفال برأس السُّنَّة. ومن هنا لابد من تعريف البدعة. البدعة لغة: الأمر الحادث، وما ابتدع في الدين بعد الكمال. البدعة اصطلاحاً: الأمر المخالف للسُّنَّة [المطلع 334، الموسوعة الفقهية 8/21، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية 1/361]. فالمبتدع إما أن تكون بدعته مكفرة أو غير مكفرة. فإن كانت بدعته مكفرة، كمن يدعو النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يُشفي مريضه، أو يرد ضالته، أو يدعو البدوي، أو الجيلاني، وكذلك من يقول: يا سيدي الحسين أو يا سيدي فلان، أو غيرهم من الأموات، ويطلب المدد منهم، وكذلك من يستغيث بالجن أو الملائكة، ومن يدعو الجمادات كالأصنام، فهو كافر، والكافر لا يجوز أن يكون إماماً للمسلمين، فصلاته غير صحيحة، وإمامته غير صحيحة، وصلاة من خلفه كذلك. أما إن كانت بدعته غير مكفرة، كمن يحضر الموالد، لكنه لا يأتي بأنواع الشرك كالاستغاثة بغير الله، أو دعاء غير الله، فهذا مبتدع ضال، يجب أن يُعلم ويوجه إلى الخير، ويُحذر من الشرك، لأنه على خطر إن لم يتدارك نفسه. فهذا صلاته صحيحه لنفسه، صحيحة لمن صلى خلفه، إن لم يوجد غيره في البلد، فإن وجد غيره فالصلاة خلف المبتدع مكروهة، وعلى ذلك يجب على المسلم أن يحتاط لصحة صلاته الإمام الصالح المتتبع لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، غير الغالي فيها. الحاصل: أن الصلاة خلف العاصي والمبتدع بدعة لا تخرجه عن الإسلام، والفاسق فسقاً لا يخرجه عن الإسلام، أن الصلاة خلفهم صحيحة، وهو قول جمهور أهل العلم. أما الكافر فلا تصح الصلاة خلفه لأن فقد أهم شرط من شروط صحة الصلاة وهو الإسلام.
فائدة نفيسة: طلب الاستغاثة والدعاء من الحي الذي يقدر على ذلك لا بأس بها، كمن يستغيث بمسؤول أن يأخذ حقه ممن ظلمه، يعني يذهب إلى المسؤول ويشرح له قضيته لينصره على من ظلمه، ويأخذ حقه منه، فلا بأس بذلك، لقول الله عز وجل: "فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه" [القصص 15]. وكذلك يجوز أن يوصي غيره بالدعاء له، لا سيما إن كان العبد الداعي صالحاً خيراً، يتبع الكتاب والسُّنَّة، ولا يحيد عنهما، فلا بأس بالدعاء لغيره، وأمثلة ذلك كثيرة، كما في حديث عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- لما مات النبي -صلى الله عليه وسلم-، ذهب إلى العباس -رضي الله عنه-، ليستقي به، فدعا لهم العباس بالسقيا أي بإنزال المطر منة من الله تعالى على خلقه. *** إمامة الأمي (الجاهل) بالمتعلم: الأمي لغة: نسبة إلى أمة العرب، لأن أكثرهم أميون. وقيل: هو الباقي على أصل ولادة أمه، لم يقرأ ولم يكتب. الأمي اصطلاحاً: من لا يحفظ الفاتحة، أو يدغم فيها ما لا يُدغم، أو يبدل حرفاً بغيره، أو يُلحن لحناً يحيل المعنى. والأمي إذا لم يحفظ الفاتحة فعليه أن يجتهد في حفظها وجوباً، وله أن يقرأ بعض الآيات التي يحفظها، أو يذكر الله تعالى بالتسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، ويكفيه ذلك، حتى يتعلم الفاتحة لأنها ركن لا تتم الصلاة إلا بها، ومن لم يتعلم الفاتحة فصلاته باطلة لنفسه ولغيره. ومن صلى وراء الأمي فصلاته غير صحيحة، لأن الإمام يتحمل عن المأموم قراءة الفاتحة كما قرره بعض الفقهاء، والصحيح غير ذلك، فعلى المأموم أن يتحرى الإمام الصالح للإمامة. وكذلك الأرت: وهو من يبدل الراء ياءً. والألثغ: هو من يبدل الراء غيناً أو السين تاءً. وكل من أخرج حرفاً من مخرج حرف آخر، أو أبدل حرفاً بغيره، فكل أولئك لا تصح إمامتهم إلا بمن هو مثلهم، أمَّا عن صحة صلاتهم، فصلاتهم صحيحة، وإمامتهم غير صحيحة. وقيل: يستثنى من ذلك من أبدل حرف (الضاد) (ظاءً)، كمن يقرأ: غير المغضوب عليهم، فيقول: غير المغظوب عليهم، أو يقرأ: الضالين، الظالين، فهذا تصح إمامته إذا لم يتعمد ذلك، ولم يستطع تعديل الخطأ. أمَّا إذا عرف الفرق بين الحرفين، وتعمد القراءة بإبدال الحرفين فلا تصح إمامته، كما يفعل ذلك بعض الأئمَّة اليوم، وبالتالي لا تصح الصلاة خلفهم لتعمدهم الخطأ المحيل للمعنى. قال ابن قدامة رحمه الله: وقيل في من قرأ: "ولا الضالين"، بالظاء: لا تصح صلاته، لأنه يحيل المعنى، يقال: ظل يفعل كذا، إذا فعله نهاراً، فحكمه حكم الألثغ. والأقرب: الصحة، لتشابه المخرجين، لأن الحرفين في السمع وأحدهما من جنس الآخر، وكل منهما يخرج من طرف اللسان. فكل أولئك لا تصح صلاة من خلفهم إلا إذا كانوا مثلهم أميون، أو بهم من القراءة ما يحيل المعنى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن كان عالماً بطلت صلاته، لأنه متلاعب في صلاته، وإن كان جاهلاً لم تبطل على أحد الوجهين. ويستغرب المسلم كيف يولى من لا يحسن القراءة، أو يبدل حرفاً مكان آخر، أو يخرجه من غير مخرجه، أو يقرأ المغضوب، والضالين، بالظاء، ولا يخفى كلام أهل العلم في المسألة من حيث صحة الصلاة من عدمها، فكيف يولى أولئك إمامة الناس، وفيهم من هو أفضل منهم، سلامة في النطق، وإخراجاً للحروف من مخارجها الطبيعية، فهلا يتنبه المسؤولون لذلك. قال أبو حنيفة رحمه الله: تبطل صلاة الأمي إذا كان إماماً، والقارئ خلفه، وعلل ذلك، بأن الإمام ترك فرض القراءة مع القدرة عليها - أي أنه يستطيع أن يتعلم الفاتحة، وترك تعلمها فلا تصح صلاته لتركة ركناً من أركان الصلاة - فتفسد صلاته، والقارئ خلفه كذلك لا تصح صلاته، لأنه اقتدى بمن لم تصح صلاته، ولأن الإمام يتحمل القراءة عن المأموم. وقال الإمام أحمد ومالك رحمهما الله تعالى: تبطل صلاة القارئ وحده، لأنه ائتم بمن لا يصح الائتمام به، أما صلاة الأمي فصحيحة، لأنه لا يلزمه القراءة عمن خلفه لقوله تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة 286]، ومن لا تجب عليه القراءة عن نفسه، فعن غيره أولى. وعلل المالكية أيضاً بحديث: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، وهذا ينفي إمامة الأمي. وقال الشافعي رحمه الله في الجديد: لا تصح صلاة المأموم، دون الإمام، وصحح هذا القول النووي رحمه الله. ورأي جمهور أهل العلم، أنه لا يصح الاقتداء بالأمي، أو الأرت، أو الألثغ، إلا بمثله. قال فضيلة الشيخ / صالح الفوزان وفقه الله: "فلا تصح إمامة الأمي إلا بأمي مثله، لتساويهما، إذا كانوا عاجزين عن إصلاحه، فإن قَدِرَ الأمي على الإصلاح لقراءته، لم تصح صلاته ولا صلاة من خلفه، لأنه ترك ركناً مع القدرة عليه [نيل الأوطار 3/182، حاشية الروض للطيار 3/206، الإفصاح 2/43، المجموع 4/164، المغني 3/32، مجموع الفتاوى 22/444، معرفة السنن والآثار 4/164، الملخص الفقهي 1/223، الشرح الممتع 4/245-250، مجموع فتاوى ومقالات الشيخ / ابن باز رحمه الله 12/95، مجموع فتاوى الشيخ / ابن باز 4/393]. ***
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:21 | |
| تمطيط الأئمة: من الأئمَّة من يمطط في الكلمة بحيث يسأم من خلفه من كثرة التمطيط وطول الكلمة، فأكثر الحركات ست، وبعضهم يمد الكلمة أكثر من عشر حركات، فمثلاً عند قوله: سمع الله لمن حمده، س--م--ع ال-ل-ه ل-م-ن ح--م---ده، ويرفع الناس من الركوع وهو لم ينتهي بعد من كلمته، فيوقع الناس في حرج من صلاتهم، لأنه بذلك سبقوه إلى الركن الذي بعده، وهو لم ينته من التمطيط والتمغيط، وكأنه يمشي بالبطيء. وعند السلام، يسلم ويبقى في التسليم عن اليمين وعن الشمال ربما ما زاد عن عشرين ثانية، ويمد كلمة الله في التسليمة الثانية إلى أن ينقطع نفسه: ال--ل--ه، ويسلم الناس كلهم قبله، وينتهي الناس من التسليم، وربما شرعوا في الأذكار وهو في تمطيطه، ولم ينتهي من تسليمه. فينبغي لهؤلاء الأئمَّة أن يراعوا صلاتهم وصلاة من خلفهم، فلا يوقعوا الناس في الخطأ من مسابقة أو تأخير، فربما فسدت الصلاة، أو نقص أجرها. ومن الأئمَّة من إذا قرأ تمنيت أنك لم تصلي خلفه من طول قراءته بسبب التمطيط، فإذا قرأ الإخلاص أو العصر أو الكوثر، وكأنما قرأ سورة من طوال المفصل، من كثرة التمطيط في القراءة، حتى يخرج الناس وجلهم إن لم نقل كلهم يتحدثون عن ذلك التمطيط في القراءة. فلا نقول للأئمة أسرعوا في قراءتكم، ولا نقول لهم رتلوها، بل كونوا وسطاً بين ذلك، وهي قراءة التدوير، فهي وسط بين الترتيل والحدر، وعليكم بمراجعة كتب التجويد في ذلك. ومن الأئمَّة من يخطئ حتى في التكبير فيقول: الله كِبَّر، وهذا لا ريب خطأ واضح جلي ربما أبطل الصلاة، فبدَّل: الله أكبر، بكِبَّر، ومنهم من يقول: الله أكب، ويقطع الراء، ويبتلعها في بطنه، وهذا أيضاً خطأ ربما ابطل الصلاة. ومنهم من يمطط كلمة: الله أكبر، فيمد فيها ما ليس بمد، حتى تصل إلى سبعة أو ثمانية حركات. ومنهم من يمد أخر كلمة إلى ما شاء الله له أن يمد فمثلاً: أولئك هم الفاسقون، ووقف عليها، قال: أولئك هم الفاسقون، يمدها مداً عجيباً غريباً، يتأذى منها جماعة المسجد، ويدرك خطأها من ليس بأهل الحفظ والتجويد، فما بالك بمن كان أهلاً لذلك. وإذا أردت أن تكتشف أخطاء الأئمة، فتعال في رمضان واسمع التلاوات، فمنهم من يقرأ آيات ليست في القرآن، ولا أدري من أين أتى بها، فنحن لم نسمعها، وإذا فتحت عليه غضب وزمجر، وربما طلب منك الخروج من المسجد، لأنك تُغلطه وهو يقرأ من المصحف، كتاب الله بين يديه ويقرؤه بخلاف ما أنزل، ولا يتعلم ولا يطلب أحداً يصحح خطأه، فكيف يكون أولئك أئمة يُقتدى بهم، ويُصلى خلفهم. وكلما تتبعت المساجد وجدت العجب العجاب. فأولئك الأئمَّة لابد أن يتدربوا على أيدي المهرة من معلمي كتاب الله تعالى وحفظته، ومجوديه حتى تخرج لنا أئمة بحق. وعلى فروع وزارة الشؤون الإسلامية تدارك هذه الأخطاء بإقامة دورات تدريبية للأئمة ضعاف الحفظ، والذين لا يحسنون قراءة كتاب الله تعالى. *** الصلاة داخل المحراب: يُسمى المحراب بالطاق، فإذا سمعت كلمة الطاق فهي المحراب، وهذا تجده كثيراً في كلام العلماء القدامى. فإذا صلى الإمام وهو داخل المحراب، مستتراً عن المأمومين لم يجز ذلك، لأنه محجوباً عنهم، بل الواجب عليه أن يظهر ليراه الناس فيقتدون به، فيصلي خارج المحراب، ما لم يكن هناك زحام شديد، وكثرة للمصلين، فهنا يدخل داخل المحراب ويظهر جزء منه ليراه من خلفه، فيأتم بهم من خلفهم وهكذا. وأجاز بعض العلماء الصلاة داخل المحراب، ومنهم من استحب ذلك. لكن الأفضل للإمام إذا لا يراه الناس داخل المحراب ألا يدخله، والعلم عند الله تعالى [مصنف عبد الرزاق 2/412، حاشية الروض لابن قاسم 2/351]. *** الإمامة من المصحف: المفترض أن يكون الأصل في طلب الإمامة، نفع الناس، والمحافظة على أوقات الصلاة، وزيادة الحفظ لمن لم يحفظ كتاب الله تعالى، وأن تكون الإمامة حافزاً للإمام على طلب العلم الشرعي، لأنه عُرضة لأسئلة المصلين خلفه. لكن الواقع اليوم غير ذلك تماماً إلا من رحم ربي وعصم، وإلا فالغالبية من الأئمَّة هداهم الله، لا يتقدم بل ربما تأخر في الحفظ وطلب العلم، بل التمسك بالمسجد من أجل المُرتَّب -المكافأة- هو الأصل في ذلك كله، وهذا لا ريب أنه خطأ وخروج عن جادة الصواب. ثم يأتيك أحدهم ويقول: هل يجوز أن أقرأ من المصحف في صلاة التراويح، أو حتى صلاة الفريضة؟ والجواب: لماذا لم تكلف نفسك حفظ كتاب الله عز وجل، الذي أنزل من أجل ذلك؟ ويأتيك الجواب: بأن مشاغل الدنيا كثيرة، وأنه لا يستطيع الحفظ، وكل ذلك هراء لا أساس له من الصحة، فلقد رأينا شيوخاً طعنوا في السن، وبالصبر والمثابرة والجلد وحسن النية والصدق مع الله تعالى، حفظوا القرآن الكريم كاملاً، هذه هي الهمم والعزائم، وليست همم بعض الأئمَّة التي لا تتعدى نهاية الشهر، فالكل ينتظر ذلك بشغف، وأعرف أئمة عندما يتأخر الراتب -المكافأة- عن موعده بدءوا يتوافدون على مقر فرع وزارة الشؤون الإسلامية، مستفسرين وغاضبين، سبحان الله العظيم، لو كانت النية خالصة لما ذهبوا، ولكن نسأل الله العفو والعافية. ولدينا أئمة نعرفهم بسيماهم لم يتقدموا في الحفظ شبراً، بل نسوا شيئاً كثيراً مما حفظوا، وهل تدري كم يحفظ أكثرهم؟ يحفظون جزءً أو جزأين من القرآن الكريم، وإذا بلغ بأحدهم الحفظ مبلغه، حفظ ثلاثة أجزاء، يكررها مراراً وتكراراً، وكأنه لم ينزل من القرآن إلا ما حفظه.
وعودة إلى موضوعنا، وهو: هل يجوز للإمام أن يقرأ القرآن من المصحف في صلاة الفريضة والنافلة، أم أن لكل منهما حكماً يخصه؟ الجواب: اختلف أهل العلم في هذه المسألة ما بين مجيز ومانع، والقول الصواب، أن الأمر في صلاة النافلة واسع، فيجوز للإمام أن يقرأ من المصحف بلا كراهة في قيام الليل، أو التراويح مثلاً، فقد ثبت أن ذكوان مولى عائشة -رضي الله عنها- كان يؤمها في صلاة التراويح من المصحف. وهناك من أهل العلم من منع القراءة من المصحف في كل صلاة، بل منهم من حرمها، وألحق الإثم بمن فعل ذلك، لما في فتح المصحف وتقليب النظر فيه من شغل عن الصلاة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الصلاة لشغلاً"، لأن العبد مشغول في صلاته بالخشوع والطمأنينة، والالتجاء إلى الله تعالى والتعلق به سبحانه، وكونه يقلب المصحف وينظر فيه، فهذا مخالف لموضع النظر إلى محل السجود، وفيه كثرة الحركة المنافية للخشوع الذي هو ركن من أركان الصلاة، وهو المأمور به المصلي، كما أن التعود على القراءة من المصحف تجعل المصلي يعجز عن حفظ أي آية من كتاب الله تعالى، فيخسر بذلك الحسنات والدرجات العلى من الجنة، فيتكاسل ويتوانى في حفظ كتاب الله تعالى، وهذا مشاهد اليوم، فما إن يأتي رمضان حتى ترى الأئمَّة يتهافتون على المكتبات لشراء المصاحف المجزأة، للقراءة بها في شهر رمضان، شهر القرآن، فيفتحون المصاحف ويتنافسون في القراءة والتطويل، بلا خشوع ولا تدبر، بل ما أكثر الأخطاء عندهم، لأنهم لا يعرفون القرآن إلا في رمضان، وبئس قوم هذا دأبهم، وتلك طريقتهم. قال إبراهيم ابن أدهم: كانوا يكرهون أن يؤم الرجل وهو يقرأ في المصحف. ومن العلماء من منع ذلك خشية التشبه بأهل الكتاب الذين كانوا يقرأون من كتبهم، ولهذا قال الأعمش: كره إبراهيم أن يؤم الرجل في المصحف، كراهة أن يتشبهوا بأهل الكتاب. وقال الحسن البصري فيمن يقرأ من المصحف: هكذا تفعل النصارى، ولقد كره ذلك جمع من أهل العلم منهم سعيد بن المسيب -رحمة الله على الجميع-. ومن العلماء من قال ببطلان صلاة الإمام والمأموم الذي يقرأ إمامه من المصحف في صلاة الفريضة أو النافلة كابن حزم رحمه الله تعالى. وأجاز بعض العلماء القراءة من المصحف في صلاة النافلة فقط، وقالوا ببطلان صلاة من قرأ من المصحف في صلاة الفريضة وهو قول مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم من السلف رحمهم الله جميعاً. ومن العلماء من أجاز القراءة من المصحف في الصلاة إذا لم يوجد إمام حافظ، ومن العلماء من صرح بجواز القراءة من المصحف، في النافلة والفريضة. وأقول: ربما كان الأمر في النافلة فيه تسهيل وتيسير، للآثار الواردة عن بعض السلف في ذلك كما سبق بيانه. أمَّا في الفريضة فلا، لأنه لم يثبت ذلك عن سلف الأمة وخلفها، اللهم إلا أن لا يوجد قارئ وحافظ لكتاب الله تعالى، فهنا ربما يُقالُ بالجواز للضرورة. وقال بعض العلماء بجواز القراءة من المصحف في الفريضة، إذا لم يكن الإمام حافظاً، وهذا القول ربما أدى إلى تكاسل الكثير من الأئمة، وتخاذلهم، وتركهم حفظ كتاب الله تعالى مستعيضين بالقراءة من المصحف عن حفظ ما بين دفتيه، ولهذا يرى الجمهور منع القراءة من المصحف في النافلة والفريضة، وهذا القول أقرب للصواب، حتى يشتغل الأئمَّة بحفظ كتاب الله عز وجل، إذ كيف يؤم الناس إمام وخلفه من هو أحفظ منه، فعلى الأئمَّة عموماً أن يجاهدوا أنفسهم، ويشغلوا أوقات فراغهم وما أكثرها بحفظ كتاب الله تعالى أو ما تيسر منه كحفظ خمسة أجزاء على الأقل، ثم يشتغلوا بحفظ الباقي ليصلوا بالناس ويسمعوهم القرآن كله، فيستفيد منهم الحافظ بتثبيت حفظه، والجاهل بتعلم القراءة الصحيحة، وربما شجع ذلك المتكاسلين من الناس عن حفظ القرآن الكريم اقتداءً بأئمتهم، ولقد رأيت هذا الأمر ولمسته عن كثب. [مصنف ابن أبي شيبة 2/124، 125، المحلى 4/144، فتح الباري 2/239، عمدة القاري 4/314، مصنف عبد الرزاق 2/419، مجموع فتاوى الشيخ / ابن باز رحمه الله 4/388، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ / ابن عثيمين رحمه الله 15/183، فتاوى اللجنة الدائمة 7/203].
فائدة: متابعة المأموم للإمام من المصحف. نرى بعض المصلين في صلاة التراويح والتهجد، يمسكون المصاحف ويتابعون الأئمة، ولا ريب أن هذا الفعل خطأ، وربما انقص أجر الصلاة، وربما أبطلها، لأن الإنسان عندما ينشغل بمتابعة الإمام من المصحف، يفوت عليه أمور كثيرة، متعلقة بصحة الصلاة من عدمها، بل منهم من لا يدري ماذا قرأ الإمام، وبعضهم يسرح وتذهب به الوساوس، فقد يقع الإمام في خطأ، ولا يفتح عليه صاحب المصحف، بل يمكن أن يركع الإمام وصاحبنا مشغول بمتابعة الخواطر، ومنهم من يخطئ الإمام في قراءة صحيحة، فتلتبس عليه الآيات من كثرة النظر. وعليه فلا يجوز لأحد أن يتابع الإمام من المصحف إلا من وكَّلَهُ الإمام بذلك، أو من كان يريد أن يتعلم القراءة الصحيحة بنية مخلصة صادقة، وليس مجرد متابعة أخطاء الإمام ليتتبع عثراته وأخطائه، ليتسلى بها بين أقرانه وأصدقائه، أو ينتقصه ويهضم حقه، فتتبع عثرات الناس حرام. المقصود أنه إذا احتاج المأموم لحمل المصحف لحاجة متعلقة بأمر الصلاة فلا بأس بذلك، أما سواه فلا يجوز له حمل المصحف، بل ربما نقص أجر الصلاة أو بطلت، بسبب كثرة الحركة الغير ضرورية. ***
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:22 | |
| حالات وقوف المأموم مع الإمام: ينقسم الموضوع إلى عدة أقسام: الأول / المأموم الواحد: يقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، ولا ينبغي للمأموم أن يقف عن يسار الإمام، لحديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي، فأقامني عن يمينه" [متفق عليه]، ورد الحديث بألفاظ أخرى. وروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: دخلت على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بالهاجرة، فوجدته يسبح -يصلي- فقمت وراءه، فقربني فجعلني حذاءه عن يمينه، فلما جاء يرفأ -مولى لعمر- تأخرت، فصففنا وراءه" [أخرجه مالك بسند صحيح].
وفي الحديث والأثر فوائد: 1- جواز صلاة الليل النافلة جماعة. 2- أن المأموم الواحد يقوم على يمين الإمام. 3- جواز العمل اليسير في الصلاة المصلحة فيها. 4- صحة إمامة البالغ بالصبي ولو كان وحده. 5- صحة مصافة الصبي وحده مع البالغ. 6- لا يجوز أن يتقدم المأموم على الإمام في الوقوف في الصف، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أدار ابن عباس من خلفه، وكان إدارته بين يديه أيسر وأسهل، فدل ذلك على عدم جواز تقدم المأموم على الإمام . 7- أن الإمام لا يتقدم على المأموم الواحد ولو شيئاً يسيراً، بل يقف مساوياً له، يلزق منكبه بمكنبه [شرح السُّنَّة 3/384، فتح الباري 2/247، مرقاة المفاتيح 3/164]. وإذا وقف المأموم الواحد عن يسار الإمام، خالف السُّنَّة، وتعدَّى الأفضل، وفاته الأجر لمخالفته سُّنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أمَّا صلاته فصحيحة على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإلا فمن العلماء من قال ببطلان صلاة من صلى عن يسار الإمام لوحده مع خلو يمين الإمام. ولكن الصحيح الجواز مع الكراهة، لأن ابن عباس لما كبر ووقف عن يسار النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يأمره بالإعادة، فدل ذلك على صحة الصلاة، ولو لم يكن كذلك، لأمره بإعادة تكبيرة الإحرام، التي هي ركن من أركان الصلاة، وقد أتى بها في غير محلها، ولما لم يأمره بالإعادة عُلم صحة الصلاة [المجموع 4/184، 186]. لكن لا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك بعدما علم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أدار ابن عباس عن يمينه، إذ يسار الإمام ليس بموقف للمأموم الواحد مع خلو يمينه، فليتنبه أهل الصلاة لذلك. قال الشوكاني رحمه الله: موقف الواحد عن يمين الإمام، وقد ذهب الأكثر إلى أن ذلك واجب. والصحيح أن ذلك ليس بواجب بل مستحب، إذ لو كان واجباً لَبَيَّنَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس لما أداره عن يمينه، وفِعْلُ النبي -صلى الله عليه وسلم- المجرد لا يدل على الوجوب، بل على الاستحباب، لأنه لو دل على الوجوب لأمر ابن عباس بعدم العودة لمثل ذلك، كما فعل مع أبي بكرة -رضي الله عنه- حين ركع قبل أن يدخل في الصف فقال له: "زادك الله حرصاً ولا تعد" [أخرجه البخاري] [نيل الأوطار 3/187، المغني 3/51، الشرح الممتع 4/265، 267، الإفصاح 2/54]. وإذا كان مع الإمام جماعة، وجاء رجل فصف عن يسار الإمام، ففيه احتمال بأن تصح صلاته، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى عن يسار أبي بكر -رضي الله عنه-، وقيل: كان أبو بكر هو الإمام. واحتمال أن لا تصح الصلاة، لأن اليسار ليس بموقف للمأموم، والصحيح أن ذلك جائز مع الكراهة، ولا ينبغي لأحد تعمده، إذ لا يخفى أن الكراهة تنقص أجر الصلاة. ما ثبت في حق الرجل، يثبت في حق المرأة من حيث وقوف المرأة مع المرأة في الصلاة، فالمرأة مع المرأة الواحدة تقف عن يمينها، لا عن يسارها أو خلفها، فإنها لا تصح كما في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وعلى الصحيح أنها تصح.
سؤال: لو كان هناك رجل وامرأة فأين تقف المرأة بالنسبة للرجل في الصلاة؟ جواب: السُّنَّة أن المرأة تقف خلف الرجل، وإن وقفت بجانبه عن يمينه، أو صلت مع الرجال في صف واحد، فاختلف العلماء في ذلك إلى قولين: القول الأول / صحة صلاتها، وصلاة من معها: وهو قول جمهور أهل العلم، وهو الأقرب للصواب، وذلك لعدم وجود المبطل، ولأن الأصل صحة الصلاة إلا بدليل يثبت غير ذلك، ولا ودليل هنا. القول الثاني / إذا صلت المرأة مع الرجل وقد نوى إمامتها، وهي خلفه، فتفسد صلاة من بجنبها عن اليمين واليسار، ومن خلفها مباشرة [حاشية الروض للطيار 3/230].
الثاني / المأمومين الاثنين فأكثر: إذا كان مع الإمام مأمومان فقط، فمحلهما خلف الإمام، هذه هي سُّنَّة الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، لحديث جابر -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي فجئت فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذ بأيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفه" [أخرجه مسلم]. وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- موقوفاً عليه، أنه أقام لصلاة الظهر ليصلي ومعه الأسود بن يزيد، وعلقمة، فقاما خلفه، فأخذ بيديهما فأقامهما عن يمينه وعن يساره، فكانوا صفاً واحداً، ثم قال: "هكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع إذا كانوا ثلاثة" [أخرجه مسلم]. ولاشك أن في ظاهر الحديثين تعارض بين، والصحيح أن حديث ابن مسعود قيل هو: منسوخ، وقيل: أنه لضيق المكان كما قاله إبراهيم النخعي، وقيل: أنه لبيان الجواز، ولو لم يكن كذلك، فهو معارض لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفعله عليه الصلاة والسلام مقدم على فعل غيره من الناس، لأنه معصوم من الخطأ، وغيره ليس كذلك. قال الشوكاني رحمه الله: في هذه الروايات دليل على أن موقف الرجلين مع الإمام في الصلاة خلفه، وبه قال: على ابن أبي طالب، وعمر وابنه، وجابر بن زيد، والحسن، وعطاء، وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وجماعة من فقهاء الكوفة، قال ابن سيد الناس: وليس ذلك شرطاً عند أحد منهم، ولكن الخلاف في الأولى والأحسن. وهذا الحكم يعم الاثنين وأكثر، إذا كانوا مع الإمام، فإنهم يصلون خلفه، وهذا هو رأي جمهور العلماء [نيل الأوطار 3/187، حاشية الروض للطيار 3/221].
الثالث / وقوف الإمام وسط الصف: موقف الإمام وسط الصف في الإمام، وليس وسط المأمومين ويكون الجميع في صف واحد، بل يتقدم الإمام عن المأمومين خلفه بقدر صف، هذه هي سُّنَّة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-. وهذا موقف الإمام منذ زمن النبوة وعصر صدر الإسلام وحتى يومنا هذا، ولم نر لذلك مخالف أبداً. قال -صلى الله عليه وسلم-: "وسطوا الإمام وسدوا الخلل" [أخرجه أبو داود، وهو حديث ضعيف، والشطر الثاني منه صحيح]، وعلى هذا الحديث العمل عند أهل العلم، بان يكون الإمام وسطاً في المساجد، كما هي المحاريب اليوم، فالمحراب لا يكون إلا وسط المسجد، وكذلك الإمام يكون وسط المصلين متقدماً عنهم بقدر صف.
ويكون الإمام وسط الصف مساوياً للمأمومين في حالتين: الأولى / إمامة النساء: فإنها تقف وسط النساء مساوية لهن، ودليل ذلك أن عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- إذا أمتا النساء، وقفتا في صفهن، وهذا فعل صحابية، وفعلها مقبول ما لم يخالف نصاً، فإن خالف نصاً فالحجة في النص، أو يخالف قول صحابي آخر، فإن خالف قول صحابي آخر، طُلب الترجيح بينهما. الثانية / إمام العُراة: فإمام العراة يقف بينهم وجوباً، إلا إذا كانوا عمياً جميعاً، أو في مكان مظلم، فإنه يصلي بهم أمامهم [الشرح الممتع 4/275].
الرابع / وقوف الإمام وسط الصفوف: ربما يحصل للإمام عذر في الصلاة، فيخرج من غير استخلاف، فهنا يقع الناس في حرج شديد، ماذا يصنعون في الصلاة؟ والصحيح أنه يتقدم أحد الموجودين فيكمل بهم الصلاة، أو يصلي كل واحد لنفسه. وما أود قوله في هذه المسألة أنه ربما صلى بالناس رجل بين الصفوف، فإذا لم يتقدم أحد ليصلي بالناس وهو قريب من المحراب، ربما صلى من هو بعيد بين الصفوف، ولا سيما صلاة الجمعة.
فصلاة الإمام بين الصفوف هل هي جائزة أم لا؟ الجواب: الخامس / من سبق إلى مكان فهو أحق به: يخطئ بعض الأئمَّة خاصة، وبعض الناس عامة من تأخير الأطفال من الصف الأول إلى الصف الثاني أو الأخير إذا سبقوا إلى ما لم يسبق إليه أحد، وقد جاءت الأدلة والنصوص الشرعية بمخالفة ذلك الأمر. قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سبق إلى ما لم يُسبق إليه مسلم فهو له" [أخرجه أبو داود]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه" [أخرجه البخاري ومسلم]. من تلكم النصوص يتبين لنا أنه إذا أتى الناس إلى المسجد دفعة واحدة، فهنا يُقدم الرجال، ثم الأطفال، ثم النساء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" [أخرجه مسلم]. هذا ترغيب من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل العلم والفضل والدين والعقل أن يسبقوا إلى الصف الأول، لما فيه من الأجر العظيم عند الله تعالى، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" [متفق عليه]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول" [أخرجه ]. فيجب على العلماء وطلاب العلم وأهل الفضل أن يحافظوا على الصف الأول، مستبقين إليه ومسابقين، لما ورد فيه من الثواب الجزيل، ونلاحظ في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليلني" وهذا حث وطلب، ولم يقل: "لا يليني" لأنه لو قال ذلك، لاستبعدنا كل صغير عن الصف الأول حتى ولو سبق إليه، ولكن لما لم يقل ذلك، عُلم أن من سبق إلى مكان فهو أحق به. ولهذا لا يجوز تأخير الأطفال المميزين إذا سبقوا إلى الصف الأول من أجل تفسير خاطئ للحديث. ولقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل الفضل والعلم من التأخر عن الصلاة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله" [أخرجه مسلم]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار" [أخرجه أبو داود وصححه الألباني 1/200]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها" [أخرجه مسلم]. من هذا يتبين أن على الرجال أن يسعوا مبكرين ليحظوا بمكرمة الله تعالى للمسابقين إلى الصف الأول، وليحذروا من عقوبة التأخر عنه، وعن الصفوف الأولى.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: فقه وأحكام الإمامة السبت 16 نوفمبر - 22:23 | |
| أمَّا تأخير الصبيان عن أماكنهم التي سبقوا إليها ففي ذلك محاذير: أولها: تنفيرهم من الصلاة. ثانيها: كراهيتهم لمن زجرهم عن ذلك. ثالثها: عمل تشويش مشاغبة داخل المسجد إذا أُخروا عن الصف الأول إلى صف مستقل بهم. فعلى ذلك لا ينبغي تأخير الأطفال عن الصف الأول إذا سبقوا إليه، بل ولو جاءوا متأخرين فالأفضل أن يوضع كل رجل بين اثنين من الأطفال، حتى يمتنع لعبهم، ويقتدوا بمن هو بجانبهم من الرجال، فيتعلموا منه الصلاة الصحيحة، والخشوع في الصلاة، أما أن يُجعلوا في صف مستقل بهم، فلا شك أنه سيحصل بهم فوضى عارمة، ربما أذهبت خشوع الجميع في المسجد، وربما آذى بعضهم بعضا، فتكون نتائج لا تحمد عقباها.
السادس / وقوف المرأة الواحدة مع المرأة: سبق بيان ذلك، وأن المرأة كالرجل في الاصطفاف في الصلاة، فإذا كانت واحدة تكون عن يمين الإمامة، وإذا كانوا أكثر من ذلك فليسوا كالرجال، بل تصف النساء صفاً وتكون إمامتهن وسطهن، بعكس الرجال، فإن الإمام يتقدم على المأمومين.
السابع / العراة مع الإمام العاري: أيضاً سبق بيان ذلك، وأن العراة إما أن يكونوا مبصرين أو غير مبصرين، فإن كانوا مبصرين كان إمامهم وسطهم، وإن كانوا عمياً تقدم عليهم إمامهم، وإذا كان هناك مكان مظلم، تقدم إمامهم أيضاً.
الثامن / الرجال والنساء والأطفال: سبق الحديث عن ذلك، وأن السُّنَّة أن يُقدم الرجال ثم الصبيان ثم النساء، وقلنا أيضاً: أن من سبق إلى مكان فهو أحق به، فإذا سبق الأطفال إلى الصف الأول قبل الرجال، فهم أحق به من الرجال، لأن الرجال لم يأتمروا بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحظ على الصف الأول. فإذا ما جاء الرجال والأطفال والنساء دفعة واحدة إلى المسجد، كما يحصل للمسافرين، أو في رمضان في صلاة التهجد، فغن الناس غالباً يأتون مجموعات مع بعضهم البعض، فهنا يُقدم الرجال ثم الأطفال ثم النساء، لكن إذا لم تؤمن فتنة الأطفال وهو المشاهد اليوم، فالأفضل وضع كل رجل بين صبيين، ثم تصف النساء.
التاسع / وقوف المأموم أمام (قُدَّام) الإمام: اختلف العلماء في مسألة تقدم المأموم على الإمام إلى ثلاثة أقوال: القول الأول / لا تصح: وهو قول جمهور أهل العلم، ودليلهم في ذلك، أنه لم يُنقل ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأيضاً لتأخيره جابراً وجباراً. القول الثاني: تصح مطلقاً مع الكراهة، وتزول الكراهة مع العذر: وهو قول الإمام مالك رحمه الله، وعلل المالكية ذلك، بأن التقدم لا يمنع الاقتداء. القول الثالث: تصح مع العذر، ولا تصح مع عدم العذر: وهو قول الإمام أحمد رحمه الله، واختاره ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. قال شيخ الإسلام رحمه الله: وذلك لأن ترك التقدم على الإمام غايته أن يكون واجباً من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر وإن كانت واجبة في أصل الصلاة. فالواجب في الجماعة أولى بالسقوط، ولهذا يسقط عن المصلي ما يعجز عنه، من القيام والقراءة واللباس والطهارة وغير ذلك [مجموع الفتاوى 23/404، حاشية الروض للطيار 3/223]. *** قيام المأمومين إلى الصلاة: اختلف أهل العلم في هذه المسألة، وهي: متى يقوم المأموم لأداء الصلاة إذا أقيمت، أقول: اختلف العلماء إلى عدة أقوال: الأول: إذا رأوا الإمام. الثاني: إذا بدأ المؤذن بالإقامة. الثالث: إذا قال المؤذن: حي على الصلاة. الرابع: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. الخامس: إذا انتهى المؤذن من الإقامة. وكل ذلك جائز، والأفضل إذا كان الإمام يدخل من الأمام، فلا يقوم المأموم حتى يرى الإمام، فإن رآه قام للصلاة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" [أخرجه البخاري ومسلم]. قال ابن حجر رحمه الله: "لا تقوموا" نهي عن القيام، وقوله: "حتى تروني" تسويغ للقيام عند الرؤية، وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة [فتح الباري 2/157]. أمَّا القول الثاني فقد ورد عن الإمام أحمد أنه قال: لا يقوم حين يبدأ المؤذن بالإقامة، لأنه بذلك يتشبه بالشيطان، فالشيطان إذا سمع الإقامة ولى وله ضراط. المقصود أن كل ما ذُكر صحيح، فلا ينبغي التشديد ومخالفة الناس وبغضهم من أجل أمر فيه سعة وفسحة، وهو محل اجتهاد. قال الإمام مالك رحمه الله في الموطأ: لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود، إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف. وذهب الأكثرون إلى أنهم إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة. *** الصلاة خلف الإمام عبر وسائل البث الإعلامي: لا يجوز الاقتداء بالإمام عبر شاشات التلفاز، وعبر الأثير في الإذاعة، وذلك لانقطاع الصفوف بين الإمام والمأموم، وبَّعد المسافة التي إذا انقطع معها التيار الكهربي لما سمع المأموم قراءة إمامه ولا تكبيره. *** ارتفاع مكان الإمام عن المأموم: لا بأس بارتفاع الإمام شيئاً يسيراً كشبر مثلاً، ويجوز أن يرتفع الإمام أكثر من ذلك إذا دعت الحاجة ومعه بعض المأمومين، ويجوز للمأموم أن يرتفع أكثر من إمامه، لأدلة في ذلك. *** الاقتداء بالإمام داخل المسجد وخارجه: إذا كان المأموم يرى إمامه، أو يرى بعض الصفوف فيجوز الاقتداء بالإمام ولو فصل بين الصفوف شوارع أو نهر مادام أن المأموم يسمع صوت الإمام، أو يرى بعض المأمومين أمامه ممن يقتدون بالإمام، لورود النصوص الشرعية بجواز ذلك، ولما أفتى به كثير من أهل العلم في المسألة. *** أقسام الأئمَّة والمأمومين في الصلاة: هذا العنوان بوب له ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى بعنوان: "مراتب الناس في الصلاة"، وبما أن الحديث عن الإمامة وأحكامها، فحري بنا أن نطرح الموضوع للفائدة واتخاذ الحذر من التفريط في أمانة الصلاة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والناس في الصلاة على مراتب خمسة: أحدها: مرتبة الظالم لنفسه، المفرط، وهو الذي انتقص من وضوئها، ومواقيتها، وحدودها، وأركانها، فهذا معاقب. الثاني: من يحافظ على مواقيتها، وحدودها، وأركانها الظاهرة، ووضوئها، لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار، محاسب. الثالث: من حافظ على حدودها، وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه، لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد، فهذا مُكَفَّرٌ عنه. الرابع: من إذا قام إلى الصلاة، أكمل حقوقها، وأركانها، وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها، لئلا يضيع شيئاً منها، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها، وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصلاة، وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها، فهذا مُثاب. الخامس: من إذا قام إلى الصلاة، قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل، ناظراً بقلبه إليه، مراقباً له، ممتلئاً من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطرات، وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل، قرير العين به، فهذا مقرب من ربه لأن له نصيباً ممن جُعلت قرة عينه في الصلاة، فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا، قرت عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة، وقرت عينه أيضاً به في الدنيا، ومن قرت عينه بالله، قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تعالى، تقطعت نفسه على الدنيا حسرات [صحيح الوابل الصيب 49]. *** تآلف الإمام والمؤذن: يجب أن تكون الألفة والمحبة ورابط الأخوة هي الصفة الدائمة بين الإمام المؤذن، لا سيما ونحن في عصر فشت فيه المنكرات، وانتكست فيه الأخلاق الحميدة، واتسعت رقعة الفساد، وكثر صيادو المستنقعات والمراحيض، وآكلو الجيف، فيجب على الإمام والمؤذن سد هذا الباب، وقفله بأقفال سد الذريعة، حتى لا يدخل عليهم منه صاحب غيبة، أو نميمة، أو جاهل، أو حاسد، أو ناقم، أو ظالم، حتى يموتوا بغيظهم. فبعض الناس يأتي للمؤذن ويقوله له: قل للإمام أنه أخطأ في كذا وكذا، أو لماذا لم يفعل ذلك الأمر، أو يطيل بنا، أو يقصر الصلاة، وهكذا دواليك، نصيحة من باب الفضيحة، حتى يبين أن الإمام جاهل بحكم شرعي، أو بقراءة معينة، أو فعل من جنس الصلاة، أو نحو ذلك، فينبغي على المؤذن والحالة هذه، أن يُحيله إن كان صادقاً فيما يقوله إلى الإمام، لأنه صاحب الشأن وليس المؤذن، ولكن كما قلت الأمر من قبيل نشر الفضائح، وتوسيع رقعة الخلل، وتشويه السمعة، لغرض في نفس الرجل، ودخل في ذلك جملة من الكبائر كالغيبة، وسب الناس، وإظهار معايبهم، إلى غير ذلك من الكبائر التي يعاقب صاحبها بالنار والعياذ بالله. فعلى كل من الإمام والمؤذن أن لا يجعلوا آذانهم كمكبرات الصوت، يسمعون كل رائحة وغادية، بل من أراد أن ينصح للإمام يتوجه له، ومن أراد أن ينصح المؤذن يتجه إليه، أما صاحبا المسجد، فعليهما أن يقوما بالنصيحة والتوجيه والإرشاد لأولئك الناس الذين عصوا الله ورسوله، ويخوفونهم من عذاب الله تعالى. ولو احتاج الأمر أن يُذكر كل باسمه فلا أرى مانعاً من ذلك، إذا رأى الجميع أن في ذلك مصلحة من تردع المغرضين، وتُعيد الحاقدين. وكم من مشاكل تحصل اليوم بين المؤذن والإمام لأسباب تافهة، لا يُقدر لها قدر، ولا يُقام لها وزن، لأمور دنيوية، بالإمكان حلها، أو التغاضي عنها، ولكن الشيطان له مداخل وله أساليب في اللعب على الناس، والتلاعب بعقولهم، فمنهم من اقتفى أثره وسار معه، ومنهم من صد عنه، فكل مشكلة لابد لها من حل، ولو تكاتفت الجهود، وخلصت النيات فلن تحصل بإذن الله مفسدة بين الناس بعضهم البعض، وأخص الإمام والمؤذن، لأن الحديث عنهما. وفي المقابل كم وجدنا من إمام ومؤذن أكثر من الاخوة الأشقاء، لما يعرفانه من فضل الحب في الله تعالى، وأن المتحابين على منابر من نور يوم القيامة على يمين الرحمن، وكذلك هم من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فأين الأئمَّة والمؤذنين عن تلكم الحقائق؟ *** هيئات الأئمة: نرى كثيراً من الأئمَّة في هيئات وألبسة رثة وقديمة وبالية، وشمغ وغتر مخرَّقة أو طويلة تصل إلى نصف الفخذ، وألبسة أخرى غير مكوية، وبعضهم يأتي من حينه من بر أو سفر أو من مكان بعيد أو قريب تشم رائحة العرق والكراهة تفوح من جسده، وليس ذلك من باب الزهد، بل من باب عدم المبالاة أولاً، ومن باب البخل ثانياً، هذا ديدن كثير من الأئمة، وبعضهم ثوبه ضيقاً، وشماغه لها أكثر من عدة أشهر تحولت من اللون الأبيض إلى اللون الأصفر والبني ثم الأسود، لأنه لم يتعاهدها بالغسيل والكي، حقيقة هيئات يُرثى لها، وأشكال يُبكى لأجلها، فرفقاً بأنفسكم أيها الأئمة، فأنتم القدوات، وأنتم الأسوة، لقد جعلتم من أنفسكم أضحوكة بين الناس، وتسلية تلوكها الألسن، فادرءوا عن أنفسكم الغيبة والتعرض لأعراضكم، وكونوا خير مثال يُحتذى به، اصرف على نفسك مما منَّ الله به عليك من مكافأة المسجد، ولا تبخل ولا تعجز، فالبخل ليس منك ولست منه. وعلى النقيض من ذلك فهناك من الأئمَّة من إذا رأيته أصابتك الهيبة، وأخذتك الرهبة من شدة النظافة، وكثرة الأناقة، شماغ أحدث موديل، ومشلح جميل، وثوب مكوي، ورائحة عطر زكية نفاثة تملأ أركان مسجده، فلا تجد منه إلا ريحاً طيبة، مقتدياً بسُّنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- في هيئته وملبسه، تراه دائماً بسواكه، مرتدياً شراباً في رجله زيادة في الجمال والنظافة، إذا رأيته تمثلت قول الله عز وجل: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد"، وتتمثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله جميل يحب الجمال" [أخرجه مسلم]. هكذا نُريد الأئمَّة أن يكونوا خير قدوة، وأفضل أسوة، لأنه يصلي خلفهم العالم وطالب العلم والجاهل، يصلي خلفهم الكبير والصغير، بل ربما كره بعضهم الإمامة لما يراه من إمامه من قذارة ووساخة في اللبس والهيئة، وبعض الناس يكره إمام مسجده لتلك الأسباب، فيأخذ منه موقفاً، ولا يصلي خلفه إلا ما ندر من الصلوات، وهذا أمر مشاهد ملموس، لا أقوله تخرصاً ورجماً بالغيب، بل حقيقة يعرفها كثير من الناس ممن ابتلوا بمثل أولئك الأئمة، حتى إن أحدهم إذا تقدم لواسطة أو شفاعة، أو طلب مساعدة لمسجده، لا يُعطيه أحد، لإهماله في نفسه، فمن أهمل نفسه، فهو لما سواها أهمل، فالله المستعان وعليه التكلان. هذا ما تيسَّر لي كتابته في الموضوع، وإلا فالعزم على أن يكون الكتاب أكبر من ذلك بمرات، ولكن لضيق الوقت، وكثرة الأشغال والأعباء، فأكتفي بما ذكرت، والله أسأل أن يوفق الجميع لما فيه رضاه، وأن يعفو عن الزلل والخطأ، ويصفح عن الذنب سهواً وعمداً، فهو سبحانه أهل التقوى وأهل المغفرة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه يحيى بن موسى الزهراني إمام الجامع الكبير بتبوك (سابقاً)
|
|
| |
| فقه وأحكام الإمامة | |
|