قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
موضوع: الزمرة الثالثة عشرة: قصص أذكياء السفراء الجمعة 18 أكتوبر 2024, 10:29 pm
الزمرة الثالثة عشرة: قصص أذكياء السفراء تقديم: السفير في العمل (الدبلوماسي) الذي يمثل الملك أو رئيس الدولة الذي يرسله لينوب عنه فيما يقوم به، وقد تكون مهمته طويلة أو قصيرة الأمد، وقد رصدت قصص ثلاثة علماء من أعلام المسلمين قاموا بمهمة السفارة، وقد أوتوا ذكاءً فذًّا، وعقلًا راجحًا، وكان في قصة كل منهم عبرة لمن اعتبر. *** القصة الخامسة ومائة سفارة الغزال إلى الأندلس الغزال هو أحمد بن المهدي الغزال، وقد قام برحلته إلى الأندلس في (15) ذي الحجة سنة 1179 هـ/ مايو 1766م بأمر من حاكم المغرب محمد بن عبد الله خليفة، وكان الهدف الأول لهذه الرحلة الاطلاع على أحوال الأسرى المغاربة وغير المغاربة الذين يرزحون تحت نير الأسر في إسبانيا. وقد تجول الغزال والوفد الذين معه في المدن الأندلسية واطلع على أحوال الأندلس بعد قرنين من احتلاله من قِبَل الصليبيين، وحدثنا عما مرّ به من مدن، منها: طريف، وصيدونة، ولابريجة، وإشبيلية، وقرمونة، وقرطبة، ومدريد، وقرطجنَّة، وغيرها. وقد حققت السفارة هدفها، فتم تبادل الأسرى بين المغرب وإسبانيا، ثم بعد ذلك بين الجزائر وإسبانيا. وقد حدثنا عن آثار الآباء، والأجداد المسلمين الذين سكنوا تلك الديار، وحدثنا عن بقايا مدنهم وقراهم، وآثار قصورهم وقبورهم، وبيوتهم ومزارعهم، وحدثنا عن بقايا المسلمين في تلك الديار، كما حدثنا عن أهل تلك الديار وعاداتهم وأخلاقهم وسلاحهم ومزارعهم. وأهم ما اعتنى بذكره الحديث عن المساجد والقصور الملكية والأسواق التي تركها المسلمون في تلك الديار. ومما حدثنا عنه في مدينة سبتة باب المسجد الذي كان للمسلمين، فقد أبقوا الباب على حاله، مكتوب على آجره فيه «بركة محمد -صلى الله عليه وسلم-»، وبداخل الباب خط مشرقي من عمل الجبَّاس متلاشٍ مكتوب فيه: «النعمة الشاملة، والعظمة الكاملة»، وقد بنوا بإزاء هذا المسجد كنيسة متصلة به، وحدثنا الغزال عن أبواب المدينة، وبأحد الأبواب أثر كرة خرقت الباب، أصلها من رمي المسلمين في عهد الملك إسماعيل، ولم يصلحوا هذا الخرق تذكرة لهم، وتربية لأولادهم على عداوة الإسلام، فكل من عقل من أولادهم ذهبوا به إلى تلك البوابة، وأشاروا إلى الخرق، وقالوا هذا من عمل المسلمين. وحدثنا الغزال عن مروره ومن معه بمدنية (طريفة) وعن أزقتها الضيقة التي هي من عمل المسلمين، لم يحدث فيها تغيير، وقد وجد قصبة المدينة على حالها التي تركها عليها المسلمون لم يحدث فيها تغيير. ووجد على باب تلك القصبة رخامة مكتوب عليها بخط كوفي حسن: «بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا، أمر عبد الله بن عبد الرحمن الداخل أمير المؤمنين...»، وما بعده ممحو. وقد رأى الغزال في مدينة (خريز) على أحد أبوابها رخامة مكتوب عليها «بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد، الله الصمد». وحدثنا أنه التقى بمدينة (بلافرنكا وبلاصيوص) رجلًا «بلاشكو» وهو من الأعيان العدول عندهم، وقد أظهر من الميل إليهم ما غلب على ظنهم أنه مسلم، وكان يشير بإشارة خفية، ويكثر من الالتفات حال مخاطبته لهم، ولم يستطع التصريح بما في باطن الأمر، وجاءهم ببنت له، عليها أثر العربان، بعيدة عن الشبه بالروم خلقًا وخُلقًا. وحدثنا عن نساء المدينتين السابقتين ونساء مدينة (وطريرة)، وأن دماءهن دم العرب، وأخلاقهن مباينة لأخلاق العجم، وميلهم للمسلمين، واستدل على أسفهم عند تشييعهن يقطع أنهن من بقايا المسلمين في الأندلس، وقد طال عليهم العهد، وربوا في بحبوحة الكفر والعياذ بالله، ووجدوا الكثير من ألقابهم موجود في ديار المغرب؛ مثل: ابن بيدس (باديس)، وأولاد خويا، وراغون. وفي إشبيلية سكنوا داخل قصبة أحد ملوك الإسلام، وقيل إنها كانت للمعتمد بن عباد رحمه الله، وتحدث عن فخامة تلك المساكن، وتعدد قبابها، والغرف والمقاعد والمنارة، والزينة المصنوعة بالخطوط في الجدران وقد أطال في وصف تلك الدار التي سكنوها، وبديع صنعها، وفخامة بنيانها، وما فيها من الزينة والمسامير الذهبية، والمنارات البلورية، وهي كلها من عمل المسلمين، وليس لها نظير بالأندلس ولا غيرها. وتحدث عن المسجد الجامع الأعظم في إشبيلية، وتحدث عن اتساعه وأبوابه، ومناراته، وما حلي به من الذهب المرصع باليواقيت، والأشجار التي بصحن الجامع. وحدثنا الغزال عن أشجار النارنج في صحن منزل في مدينة (الراملة) من بقايا غرس المسلمين. وعندما أشرف الغزال ومن معه على مدينة قرطبة امتلأ قلبه وقلوب أصحابه أسفًا على المجد الغابر الذي كان للمسلمين في هذه المدينة، فهي مدينة عظيمة هائلة، شيَّدها المسلمون على شفير الوادي الجامع لأودية الأندلس، وبشرقها جبل غير شاهق معمور بالزياتين والأجنة التي لا حصر لها، وقد شاهدوا المدينة من ربوة عالية، فوجدوا المسجد الجامع أعلى مبانيها، وهو من أعظم مساجد الدنيا في الطول والعرض والعلو الفادح، وعندما مرّوا في المسجد ودخلوه خُيِّل إليهم أن حيطان المسجد وسواريه تسلم عليهم، وتهش لهم، مع شدة ما وجدوه من الأسف، قال: «حتى صرنا نخاطب الجماد، ونعانق كل سارية، ونقبل سور المسجد وجدرانه». وحدثنا عن محراب المسجد، وأنه كان باقٍ على حاله، لم يحدث فيه تغيير، وقد صنع له الكفار شباك من نحاس بحيث لا يدخله أحد، وقد اشتملت قوائم المحراب على آيات من القرآن، وكذلك بناءاته، وذكر بعض الآيات التي لا تزال موجودة، زين بها المحراب وجدران المسجد. وحدثنا الغزال أنه زار في مدينة طليطلة مسجدها، وديار أكابر المسلمين فيها، كديار القضاة والوزراء والقواد، ووصل إلى مقابل المسلمين في تلك الديار، وذكر لنا النصوص القرآنية المكتوبة في لوحات معلقة على سواري مشرفة على المقبرة، وذكر لنا أن المدينة يوم زارها لم تزل باقية على حالها إلا ما أحدثوه في مساجدها من التصاوير، والنواقيس. وحدثنا الغزال عن مدينة (شتينية) مبنية بقنة جبل، وقصبتها لها اثنا عشر برجاً من عمل المسلمين، وللمدينة سور في غاية الإتقان محيط بها، لم يستطيعوا دخولها لكثرة المطر، وعدم إمكان الصعود إليها بالكداش، لكونها بقنة الجبل. ووجدوا أهل مدينة (إيلشي) بهم ميل للمسلمين بالقلب والقالب، الظاهر دال على الباطن، ولا شك أن فيهم عرقًا عريقًا في الإسلام، حيث كان أسلافهم على الدين القويم، فهم يستأنسون بذلك، ويقرون بأن الدين الإسلامي أشرف الأديان، وأن المسلمين على الحق، ومن سواهم على الباطل، ومن جهر بذلك فلا يستتاب، ويحكم عليه بالقتل. ولما اقترب الغزال ومن معه من مدينة (قرطجنة) برز لملاقاتهم جماعة من المسلمين رجال ونساء وصبيان، ولهم ضجيج، يعلنون بكلمة الإخلاص، ثمّ يتبعونها بقولهم: «الله ينصر ولد سيدي رسول الله، سيد محمد بن عبد الله»، فسلموا عليهم، ورحبوا بهم، وسألوهم عن حالهم، فإذا هم مسرحون، وحكمهم حكم الأسير، لا يستطيعون الخروج من البلاد إلا إذا أدوا ما أوجبه النصارى على المسرَّح، وهؤلاء قوم ضعفاء، لا معين لهم ولا ناصر. وذكر الغزال أنه وجد في بعض البلاد بقايا من المسلمين، منهم امرأة مملوكة، والتقى بها، فكانت تقول: «إني لا أريد إلا دين حبيبي محمد -صلى الله عليه وسلم-»، وقد حررها الغزال مما ألم بها». هذا قليل من كثير مما حكاه الغزال في رحلته قبل (240) عامًا إلى الفردوس الذي سكنه المسلمون قرابة خمسمائة عام، فعصفت به رياح النصارى عندما تفرق المسلمون أيدي سبأ، فقاتل الله الفُرْقة كيف ضيعتنا في الماضي، وها هي تعصف بنا في الحاضر. * * *
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
موضوع: رد: الزمرة الثالثة عشرة: قصص أذكياء السفراء الجمعة 18 أكتوبر 2024, 10:30 pm
القصة المائة وستة سفارة الباقلاني إلى ملك الروم في القسطنطينية أرسل الخليفة عضد الدولة أبا بكر الباقلاني سفيرًا عنه إلى ملك الروم، ليظهر به رفعة الإسلام، ويغض من النصرانية، وتهيأ للخروج، قال له وزير الدولة: «أأخذت الطالِع لخروجك؟»، فسأله أبو بكر، فلما فسّر مراده، قال: لا أقول بهذا، لأن السعد والنحس والخير والشرّ بيد الله! ليس للكواكب هاهنا مثقال ذرة من القدرة؛ وإنما وضعت كتب النجوم، ليتمعّش بها الجاهلون من العامة؛ ولا حقيقة لها». فقال الوزير: «أحضروا إليَّ ابن الصوفي!»، وقد كان له تقدُّم في هذا الباب، فلما حضره، دعاه الوزير إلى مناظرة القاضي، ليصحح ما أبطله بزعمه، فقال ابن الصوفي: «ليست المناظرة من شأني، ولا أنا قائم بها، وإنما أحفظ علم النجوم، وأنا أقول: إذا كان من النجوم كذا، يكون كذا! وأما تعليله، فهو من أهل المنطق وأهل الكلام».
وجرت له في ذلك الوجهِ بالقسطنطينية بين يدي ملكها، مع بطارقته ونبلاء ملته، مناظرات ومحاورات: 1- منها أن الملك قال له: «هذا الذي تدعونه في معجزات نبيكم من انشقاق القمر، كيف هو عندكم؟»، قلت: «هو صحيح عندنا، وانشقّ القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! حتى رأى الناس ذلك، وإنما رآه الحضور ومن اتفق نظره له في تلك الحال». فقال الملك: «وكيف لم يره جميع الناس؟» قلت: «لأن الناس لم يكونوا على أهبة ووعد لشقوقه وحضوره»، فقال: «وهذا القمر بينكم وبينه نسبة وقرابة لأي شيء لم تعرفه الروم وغيرها من سائر الناس، وإنما رأيتموه أنتم خاصة؟». قلت: «فهذا المائدة بينكم وبينها نسبة؛ وأنتم رأيتموها دون اليهود، والمجوس، والبراهمة، وأهل الإلحاد، وخاصة يونان جيرانكم؛ فإنهم كلهم منكرون لهذا الشأن!». فتحير الملك وقال في كلامه: «سبحان الله!» وأمر بإحضار فلان القسيس ليكلّمني، وقال: «نحن لا نطيقة» فلم أشعر إذ جاؤوا برجل كالدب أشقر الشعر؛ فقعد، وحُكيت له المسألة؛ فقال: «الذي قال المسلم لازم، وما أعرف له جوابًا، إلا الذي ذكره». فقلت له: «أتقول: إن الكسوف إذا كان، أيراه جميع أهل الأرض، أم يراه أهل الإقليم الذي في محاذاته؟»، قال: «لا يراه إلا من كان في محاذاته»، قلت: «فما أنكرت من انشقاق القمر، إذا كان في ناحية لا يراه إلا أهل تلك الناحية، ومن تأهّب للنظر له، فأما من أعرض عنه أو كان في الأمكنة التي لا يُرى القمر منها، فلا يراه!». فقال: «هو كما قلت! ما يدفعك عنه دافع! وإنما الكلام في الرواة الذين نقلوا، وأما الطعن في غير هذا الوجه، فليس بصحيح!». فقال الملك: «وكيف يطعن في النقلة؟«، فقال النصراني: «تنبيه هذا من الآيات: إذا صحّ وجه أن ينقله الجمّ الغفير، حتى يتصل بنا العلم به؛ ولو كان كذلك، لوقع لنا العلم الضروري به، فلما لم يقع، دلّ على أن الخبر مفتعل باطل»، فالتفت الملك إليَّ، وقال: «الجواب؟»، قلت: «يلزمه في نزول المائدة ما لزمني في انشقاق القمر؛ ويقال له: لو كان نزول المائدة صحيحًا لوجب أن ينقله العدد الكثير، فلو نقله العدد الكثير، فلا يبقى يهودي ولا نصراني إلا ويعلم هذا بالضرورة؛ ولما لم يعلموا ذلك بالضرورة، دل على أن الخبر كذب!»، فبهت النصراني والملك ومن ضمه المجلس وانفصل المجلس على هذا.
2- قال القاضي: سألني الملك في مجلس آخر، فقال: «ما تقولون في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام؟!»، قلت: «روح الله، وكلمته، وعبده، ونبيه، ورسوله، كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: {كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]، وتلوت عليه النص فقال: «يا مسلم! تقولون: المسيح عبد؟» فقلت: «نعم؟ كذا نقول وبه ندين!»، قال: «ولا تقولون إنه ابن الله؟»، قلت: «معاذ الله! {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون: 91] الآيتين، {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} [الإسراء: 40]، فإذا جعلتم المسيح ابن الله، فمن كان أبوه، وأخوه، وجده وخاله، وعمه؟»، وعددت عليه الأقارب. فتحير، وقال: «يا مسلم! العبد يخلُقُ ويُحْيِي ويُمِيت، ويبرئ الأكمه والأبرص؟»، فقلت : «لا يقدر العبد على ذلك، وإنما ذلك كله من فضل الله تعالى!» قال: «وكيف يكون المسيح عبد الله، وخلقًا من خلقه، وقد أتى بهذه الآيات، وفعل ذلك كله؟». قلت :«معاذ الله! ما أحيا المسيح الموتى، ولا أبرأ الأكمه والأبرص!»، فتحيّر، وقلَّ صبره، وقال: «يا مسلم، تنكر هذا، مع اشتهاره في الخلق، وأخذ الناس له بالقبول!»، فقلت: «ما قال أحد من أهل الفقه والمعرفة: إن الأنبياء يفعلون المعجزات من ذاتهم؛ وإنما هو شيء يفعله الله تعالى على أيديهم، تصديقًا لهم، يجري مجرى الشهادة!»، فقال: «قد حضر عندي جماعة من أولي دينكم والمشهورين فيكم، وقالوا إن ذلك في كتابكم»، فقلت: «في كتابنا أن ذلك كله بإذن الله تعالى!»، وتلوت عليه منصوص القرآن في المسيح {بِإِذْنِي} [المائدة: 110]، وقلت: إنما فعل المسيح ذلك كله بالله وحده لا شريك له، لا من ذات المسيح، ولو كان المسيح يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص من ذاته وقوّته، لجاز أن يقال إن موسى فلق البحر، وأخرج يده بيضاء من غير سوء من ذاته! وليس معجزات الأنبياء - عليهم السلام - من ذاتهم دون إرادة الخالق! فلما لم يجز هذا، لم يجز أن تسند المعجزات التي ظهرت على يد المسيح، للمسيح!».
3- وذكر ابن حيان عمن حدّثه أن الطاغية وعد القاضي أبا بكر بالاجتماع معه في محفل من محافل النصرانية، ليومٍ سَمَّاه، فحضر أبو بكر، وقد احتفل المجلس، وبُولِغ في زينتِه، فأدناه الملك، وألطف سؤاله، وأجلسه على كرسي دون سريره بقليل، والملك في أبَّهته؛ وخاصته ورجال مملكته على مراتبهم، وجاء البطرك، قيِّم ديانتهم، آخر الناس، وحوله أتباعه يتلون الأناجيل، ويبخرون بالعود الرطب، في زيّ حسن، فلما توسّط المجلس، قام الملك ورجاله، تعظيمًا له؛ فقضوا حقه، ومسحوا أعطافه، وأجلسه الملك إلى جنبه. وأقبل على القاضي أبي بكر؛ فقال له: «يا فقيه! البطرك قيِّم الديانة، وولي النِّحلة!»، فسلّم القاضي عليه أحفل سلام، وسأله أحفى سؤال، وقال له: «كيف الأهل والولد؟»، فعظُم قوله هذا عليه، وعلى جميعهم وطبقوا على وجوههم، وأنكروا قول أبي بكر عليه. فقال: «يا هؤلاء! تستعظمون لهذا الإنسان اتخاذ الصاحبة والولد، وتربون به عن ذلك، ولا ستعظمونه لربكم -عز وجهه- فتضيفون إليه ذلك سُدّة لهذا الرأي! ما أبين غلطه!». فسقط في أيديهم، ولم يردوا جوابًا، وتداخلتهم له هيبة عظيمة، وانكسروا، ثم قال الملك للبطرك: «ما ترى في أمر هذا الرجل؟»، قال: «تقضي حاجته، وتُلاطف صاحبه، وتُخرج هذا العراقي عن بلدك من يومك إن قدرت؛ وإلا لم تأمن الفتنة على النصرانية منه!»، ففعل الملك ذلك، وأحسن جواب عضد الدولة وهداياه، وعجَّل تسريح الرسول، وبعث معه عدة من أسرى المسلمين، ووكل به من جنده من يحفظه حتى يصل إلى مأمنه. قال غيره: وكان سير القاضي إلى ملك الروم سنة نيف وثمانين وثلاثمائة؛ [تاريخ قضاة الأندلس: ص 37]. * * *
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
موضوع: رد: الزمرة الثالثة عشرة: قصص أذكياء السفراء الجمعة 18 أكتوبر 2024, 10:30 pm
القصة السابعة ومائة سفارة الشعبي إلى ملك الروم وحكى الشعبي: عمرو بن شراحيل قال: أنفذني عبد الملك بن مروان إلى ملك الروم، فلما وصلت جعل لا يسألني إلا أجبت، وكانت الرسل لا تطيل عنده، فحبسني أيامًا كثيرة، حتى استحببت خروجي، فلما أردت الانصراف قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ فقلت: لا، ولكنني رجل من العرب في الجملة، فهمس بشيء، فرفعت إلي رقعة، وقال: إذا أديت الرسائل إلى صاحبك، فأوصل إليه هذه الرقعة. قال: فأديت الرسالة عند وصولي إلى عبد الملك، ونسيت الرقعة، فلما صرت في بعض الدار أريد الخروج تذكرتها، فرجعت فأوصلتها إليه، فقرأها، وقال لي: أقال لك شيئًا قبل أن يدفعها إليك؟ قلت: نعم، قال لي: من أهل بيت المملكة أنت؟ قلت: لا، ولكني من العرب في الجملة، ثم خرجت من عنده، فلما بلغت الباب رُددت، قال لي: أتدري ما في الرقعة؟ قلت: لا قال: فاقرأها، فقرأتها، فإذا فيها عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملكوا غيره، فقلت: والله لو علمت ما حملتها، وإنما قال هذا لأنه لم يرك، قال: أفتدري لِمَ كتبها؟ قلت: لا قال: حسدني عليك، وأراد أن يغريَني بقتلك، فتأدى ذلك إلى ملك الروم، وقال: ما أردت إلا ما قال؛ [مرآة الجنان: 1/ 171]. * * *