ومِنْ قَولِ أبِي طَالِبٍ يَمْدَحُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-:

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ
        ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةُ للأَرَامِلِ

وهُوْ مِنْ قَصِيْدَةٍ لأَبِي طَالِبٍ قَالَهَا لَمَّا تَمَالأَتْ عليهِ قُريْشُ وَنَفَرُوا عنه وَأَوُّلُها:

وَلَمَّا رَأيتُ القَوْمَ لا وِدَّ عِنْدَهُمْ
        وَقَدْ قَطَعُوْا كُلَّ العُرَى وَالوَسَائِلِ

وَقَدْ جَاهَرُونا بالعَدَاوةِ والأَذَى
        وَقَد طَاوَعُوا أَمْرَ العَدُوِ المُزَائِل

صَبَرْتُ لهم نَفْسِي بسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ
        وَأَبْيَضَ غَضْبٍ مِن تُراثِ المَقَاوِل

وَأَحْضَرْتُ عِندَ البَيْتِ رَهْطِي وإِخْوَتِي
        وأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابِهِ بالوَصَائِلِ

أَعُوذُ بِرَبِ الناسِ مِن كُلِّ طَاعِنٍ
        عَلينَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٍّ بِبَاطِلِ

لَقَدْ عَلِمُوْا أَنَّ ابْنَنَا لا مُكَذَّبٌ
        لَدَيْنَا وَلاَ يَعْنَى بقَوْلِ الأَبَاطِلِ

كَذَبْتُم وَرَبِ العَرشِ نبذي مُحَمَّدًا
        وَلَمَّا نُطَاعِنْ عِنَدُ وَنُنَاضِلِ

ونُسْلِمُهُ حَتى نُصَرَّعَ دُوْنَهُ
        وَنَذْهلَ عن أَبْنَائِنَا والحَلاَئِلِ

وَيَنْهَضُ قَوْمٌ بالحديدِ إليْكُمُ
        نُهُوضَ الرَّوايَا تَحْتَ ذَاتِ الصَّلاصِلِ

وَيَنْهَضَ قَوْمٌ نَحْوَكُم غَيْرَ عُزَّلٍ
        بِبِيْضٍ حَدِيْثٍ عَهْدُهَا بالصَّيَاقِلِ

وَمَا تَرْكُ قَومٍ لا أبَالَكَ سّيِّدًا
        يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيْرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ

وأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بوَجْهِهِ
        ثِمَالُ اليَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ

يَلُوذُ به الهُلاَّكُ مِن آلِ هَاشِمٍ
        فَهُم عِندَهُ في رَحْمَةٍ وَفَواصِلِ

لَعَمْرِي لَقَدْ كُلِّفْتُ وِجْدًا بأحْمَدٍ
        وإخْوَتِهِ دَأْبَ المُحِبِ المُوَاصِلِ

فَمَنْ مِثْلُه في الناسِ أَيُّ مُؤَمَّلٍ
        إذَا قَاسَهُ الحُكَّامُ عِندَ التَّفَاضُلِ

حَلِيْمٌ رَشِيْدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِشٍ
        يُوَالِي إلهًا لَيْسَ عَنهُ بِغَافِلِ

ومِيزانُ حَقٍ مَا يَعُوْلُ شَعِيْرةً
        وَوَزَّانُ حَقٍ وَزْنُهُ غَيرُ عَائِلِ

فَوَاللهِ لَوْلاَ أَنْ أَجِيءَ بسْبَّةٍ
        تَجُرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي المَحَافِلِ

لَكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ
        مِنَ الدَّهْرِ جِدًا غَيْرَ قوْلِ التَّهَازُلِ

فَأَصْبَحَ فِيْنَا أَحْمَدٌ ذُو أَرُوْمةٍ
        تُقَصِّرُ عنها سَوْرَةُ المُتَطَاوِلِ

حَدبتُ بِنَفْسِيْ دُوْنَهُ وَحَمَيْتُهُ
        وَدَافَعْتُ عَنْهُ بالذُرَى والكَلاَكِلِ

فأيَّدَهُ رَبُّ العِبَاد بِنَصْرِهِ
        وَأَظْهَرَ دِيْنًا حَقُّهُ غَيْرُ باطِلِ

انْتَهَى