في غربة الدين

إِلَى اللهِ نَشْكُوا غُربَةَ الدِّيْن والهُدَى
        وفُقْدَانَه مِنْ بَيْنِ مَنْ رَاحَ أَوْ غَدَا

فَعَادَ غَرِيْبَاً مِثْلَ مَا كَانَ قَدْ بَدَا
        عَلَى الدِّيْنِ فَلْيَبْكِي ذَوُوْ العِلْمِ والهُدَى

فقد طمست أعلامه في العوالم
حَوَى المَالَ أَنْذَالُ الوَرَى وَرَذَالُهُم
        وقَدْ عَمَّ في هَذَا الزمانِ ضَلاَلهُم

وَلاَ تَرتَضِي أَقْوَالَهم وفِعَالَهُمْ
        وَقَدْ صَارَ إِقْبَالُ الوَرَى واحْتِيَالُهم

على هَذِهِ الدُّنْيَا وَجَمْعِ الدَّرَاهِمِ
فَذُوْ المَالِ لا تَسْأَلْ أَخَصُّ خَدِيْنِهِم
        وَقَدْ نَفِقَ الجَهْلُ العَظِيْمُ بِحِيْنِهِم

بإِعْرَاضِهِمْ عَنْ دِيْنِهمْ وَمَدِيْنِهِم
        وإِصْلاَحِ دُنْيَاهُم بإِفْسَادِ دِيْنِهِم

وَتَحْصِيْل مَلْذُوْذَاتِهِم والمَطَاعِمِ
مُحِبُّوْنَ لِلدُّنْيَا مُحِبُوْنَ قَيْلَهَا
        وَلَوْ مُعْرِضًا عَنْ دِيْنِهِ وَلَهَا لَهَا

وَكُلُّهُمُ لاَ شَكَّ دَنْدَنَ حَوْلَهَا
        يُعَادُونَ فِيْهَا بَلْ يُوَالُوَن أَهْلَهَا

سَوَاءٌ لَدَيْهم ذُو التُقَى والجَرَائِمِ
إِلَى اللهِ في هَذَا الصَبَاحِ وفي المَسَا
        نَبُثُ الدُّعا فالْقَلْبُ لا شَكَّ قَدْ قَسَا

وَحُبُّ الوَرَى الدُّنْيَا فَفِي القَلْبِ قَدْ رَسيَ
        إِذَا انْتُقِصَ الإنْسَانُ مِنهَا بمَا عَسَى

يَكُونُ لَه ذُخْرَاً أَتى بالعَظَائِمِ
بَكَى واعْتَرَاهُ المَسُ مِنْ عُظْمِ مَا حَسَى
        وَخَرَّ صَريْعَا إذْ بَدَا النَّقْصُ وأفْلَسَا

وانْحَلَ جِسْمَاً نَاعِمَاً قَبْلُ مَا عَسَى
        وأبدَى أعاجِيْبًا مِن الحُزنِ والأسَى

على قِلَّةِ الأَنْصَارِ مِن كل حَازِمِ
وَنَادَى بصَوتٍ مزْعجٍ مُتَكَلِّمًا
        وبَاتَ حَزِيْنًا قَلْبُه مُتَكَلِّمًا

وَقَامَ عَلَى سَاقٍ لِحَرَّاهُ مُعْلِمًا
        ونَاحَ عَلَيْهَا آسِفَاً مُتَظَلِّمًا

وبَاتَ بمَا في صَدْرِهِ غَيْرَ كاتِمِ
فَذَا شَأَنُ أَهْلِ الغَيِ والجَهْلِ والرَّدَى
        إذَا انْتُقِصُوا الدُنْيَا أَصَارُوا الثَّرَى نَدَى

وَبَكَّوْا وأَبْكَوا كُلَّ مَن رَاحَ أَوْ غَدَا
        فإمَّا على الدّيْنِ الحَنِيْفَيّ والهُدَى

ومِلَّةِ إبرَاهِيْمَ ذَاتِ الدَّعَائِمِ
وَلَوْ قُطّعَتْ في كُلِّ أَرْكَانِها القُوَى
        وَلَوْ سَلكتْ كُلُّ الوَرَى سُبْلَ مَن غَوَى

أَوِ اتَّخَذَ المَخْلُوقُ مَعْبودَهُ الهَوَى
        فَلَيسَ عَلَيها والذِيْ فَلَقَ النَّوَى

مِن الناسِ مِنْ بَاكٍ وآسٍ ونَادِمِ
بُنُودٌ لَهَا فِيْمَا مَضَى بَيْنَنَا انْتَفَتْ
        وُكُلُّ مُحَامِيٍّ لَهَا مَالَ والتَفَتْ

وَمَحْبُوبُنَا مَنْ أَبْغَضَتْهُ وَمَنْ نَفَت
        وَقَدْ دَرَسَتْ منها المَعَالِمُ بَلْ عَفَتْ

وَلَمَ يَبْقَ إلاَّ الاسم بَيْنَ العَوَالِمِ
وَقَدْ ظَهَرَتْ تِلْكَ الفَوَاحِشُ والجَفَا
        ولا شَكَّ في فِعْلِ اللَّواطِ مَعَ الزِنَى

وَقَلْبِي إِذًا مِمَّا بَدَى مَسَّهُ الضَّنَى
        فَلاَ آمِرٌ بالعُرْفِ يُعْرَفُ بَيْنَنَا

ولا زَاجِرٍ عن مُعْضلاتِ الجَرَائِمِ
بِحَارُ المَعَاصِيْ قَدْ طَمَى الآنَ لُجُهَا
        ومُتَّسِعُ بَيْنَ البَرِيَّةِ ثَجُّهَا

وَقَد لاَحَ مِن فَوقِ البَسِيْطَةِ فَجُّهَا
        ومِلَّةُ إبراهيمَ غُوْدِرَ نَهْجُهَا

عَفَاءً وأَضْحَتْ طَامِسَات المَعَالِمِ
نَوَاظِرُنَا كَلَّتْ وأَنْوَارُهَا طَفَتْ
        وأَلْسُنُنَا عن بَحْثِ مِنْهَاجِهَا حَفَتْ

مَنَاهِجُهَا واللهِ مِن بَيْنِنَا عَفَتْ
        وَقَدْ عُدِمّتْ فَيْنَا وَكَيفَ وقَدْ سَفتْ

عَليهَا السَوافِيْ مِن جَمِيعِ الأقالِمِ
تَظُنُونَ أنَّ الدِّيْنَ لَبَيْكَ في الفَلاَ
        وفِعْلُ صَلاةٍ والسُكُوتُ عَن المَلاَ

وسَالِمْ وخَالِطْ مَن لِذَا الدِّيْنِ قَدْ قَلاَ
        وما الدِّيْنُ إلاَّ الحُبُ والبُغْضُ والوَلاَ

كَذَاكَ البَرَا مِنْ كُلِ غَاوٍ وَآثِمِ
فَأَفْرَادُنَا ظَنُّوْا النَّجَا في التَّنَسُكِ
        وغَالِبُنَا مِنْهَاجُهُم في التَسّلُّكِ

ومِلَّةُ إبْرَاهِيْمَ مِن خَيْرِ مَسلَكِ
        وَلَيْسَ لَهَا مِن سَالِكٍ مُتَمَسِّكِ

بِدين النَّبِي الأَبْطَحِي بنِ هَاشِمِ
فَلَسْنَا نَرَى مَا حَلَ في الدينِ وانمْحَتْ
        بهِ المِلَّةُ السَّمْحَاءُ إحدىَ القَواصِمِ

عَسَى تَوبةٌ تَمْحُو ذُنُوْبًا لِمُرْتَجِي
        عَسَى نَظْرَةٌ تَسْلُكْ بِنَا خَيرَ مَنْهَجِ

عَسَى وَعَسَى مِن نَفْحَةٍ عَلَّهَا تَجِي
        فَنَأْسَي عَلَى التَقْصِيْرِ مِنَّا وَنَلْتَجِي

إلى الله في مَحْو الذُنُوْب العَظَائِمِ
فَكُلُ الوَرَى في كَثْرَةِ المالِ نَافَسَتْ
        وَرَانَتْ ذُنُوْبٌ في القُلُوبِ وقَدْ رَسَتْ

وفي النَهْيِ عَن كُلِّ المَعَاصِي تَنَاعَسَتْ
        فَنَشْكُوا إلى اللهِ القُلوبَ التِي قَسَتْ

وَرانَ عَلَيْها كَسْبُ تِلكَ المآثِمِ
نُرَاعِيْ أَخَا الدُنْيَا فَذَاكَ هُوَ الأَخُ
        ولو كانَ في كُلِّ المَعَاصِي مُلَطخُ

ألَسْنَا بأوْضَارِ الخَطَا نَتَضَمَّخُ
        ألَسْنَا إذا مَا جَاءنَا مُتَضّمِّخُ

بأَوْضَارِ أَهْل الشِرْكِ مِن كُلِ ظَالِمِ
أَتَيْنَاهُ نَسْعَى مِن هُنَاك وَمِن هُنَا
        وفي عَصْرِنَا بَعْضٌ يُرَدُ وَلَو عَنَى

أَتَيْنَا سِرَاعًا والرِّضَى عَنْه حثنَا
        نَهُشُّ إليْهِم بالتَّحِيَّةِ والثَّنَا

ونَهْرَعُ في إكْرَامِهِم بالوَلاَئِمِ
إذَا يُرْتَضَى في الدِينِ هَلْ مِن مُعْلِّم
        أفِقْ أيُها المَغْبُونُ هَلْ مِن تَنَدُمٍ

أَيَرْضَى بِهذَا كُلُّ أَبْسَلَ ضَيْغَمٍٍ
        وَقَد بَريَ المَعْصُومُ مِن كُلِّ مُسْلِمٍ

يُقِيْمِ بِدَارِ الكُفْر غَيرَ مُصَارِمِ
ولا مُنْكِرٍ أَقْوَالَهم يَا ذَوي الهُدى
        ولا مُبْغِضٍ أَفْعَالَ مَن ضَلَّ واعْتَدَى

ولا آمرٍ بالعُرْفِ مِن بَيْنِهِم غَدَا
        ولا مُظهِرٍ لِلدِّيْنِ بَيْنَ ذَوِي الرَّدَى

فَهَلْ كَانَ مِنَّا هَجْرُ أَهْلِ الجَرَائِمِ
وَهَلْ كَانَ في ذَاتِ المُهَيْمِنِ وُدُّنَا
        وهَلْ نَحْنُ قَاتَلْنَا الذِي عَنْهُ صَدَّنَا

وَهَلْ نَحْنُ أَبْعَدَنَا غَدَا والذي دَنَا
        ولكِنَّمَا العَقْلُ المَعِيْشِيُ عِنْدَنَا

مُسَالَمَةُ العَاصِيْنَ مِنَ كُلِّ آثِمِ
أَيَا وَحْشَةً مِن بَيْنِ تِلْكَ المَنَازِلِ
        ويَا وَصْمَةً لِلدِيْنِ مِنْ كُلِّ نَازِلِ

تَكَلَّمَتْ الأَوْبَاشُ وَسْطَ المَحَافِلِ
        فَيَا مِحْنَةَ الإِسلامِ مِن كُلِّ جَاهِلِ

ويا قِلَّةَ الأنْصَارِ مِن كُلِ عَالِمِ
فَنَفْسَكَ فاحْزِمْهَا إِذَا كُنْتَ حَازِمًا
        ومِن بَابِه لا تَلْتَفِتْ كُنْ مُلازِمًا

وَصَبْرٌ فَرَبُ العَرْشِ لِلشِّرْكِ هَازِمًا
        وهَذَا أَوَانُ الصَّبْرِ إِنْ كُنْتَ حَازِمًا

على الدِّيْنِ فاصْبِرْ صَبْرَ أهْل عَزَائِمِ
ومُدَّ يَدًا للهِ كُلَّ عَشِيَّةٍ
وسَلْ رَبَّكَ التَّثْبيْتَ في كُلِّ لَحْظَةِ

على مِلَّة الإِسْلاَمِ أَزْكَى البَرِيَةِ
        فَمَنْ يَتَمَسَّك بالحَنِفِيْةِ الَّتِي

أَتَتْنَا عَنِ المَعْصُومِ صَفْوَةِ آدَمِ
وعُضُّ عَلَيهَا بالنَّواجِذِ إِذْ غَدَا
        وحِيْدًا مِنَ الخِلاَّنِ مَا ثَّم مُسْعِدًا

عَلَى قِلَّةِ الأَنْصَارِ أَصْبَحَ وَاحِدًا
        لَهُ أَجْرُ خَمْسِيْنَ امرأً مِن ذَوِي الهُدى

مِن الصَّحْبِ أَصْحَابِ النَّبِيَ الأَكَارِمِ
وكُنْ عَن حَرَامٍ في المآكِلِ سَاغِبًا
        ولا تَمْشِ مِنْ بَيْنِ العِبَادِ مُشَاغِبًا

ومُدَّ يَدًا نَحْوَ المُهَيْمِنِ طَالِبًا
        ونُحْ وابْكِ واسَتَنْصِرْ بَرَبِّكَ رَاغِبًا

إليه فإنَّ اللهَ أَرْحَمُ رَاحِمِ
لَيَنْصُرَ هَذَا الدِّيْنِ مِن بَعْدَمَا عَفَتْ
        مَعَالِمُهُ في الأَرْضِ بَيْنَ العَوَالِمِ

وأن يَكْبُتَ الأَعْدَا وَيَفْنَوا بغِلِّهِمْ
        ويَخْذُلَ أَعْدَاءَ الهُدَى بأقَلِّهِمِ

مِن المُؤْمِنِيْنَ الصالحينَ وخِلِّهِمْ
        وصَلِّ عَلَى المَعْصُومِ والآلِ كُلِّهِمْ

وأَصْحَابِهِ أَهْلِ التُقَى والمكَارِمِ
بِعَدِّ ومِيْضِ البَرقِ والرَّمْلِ والحَصَى
        وما انْهَلَّ وَدْقٌ مِن خِلاَلِ الغَمَائِمِ

انْتَهَى