أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الفصل الثامن رسم خرائط الصحة والمرض الإثنين 23 سبتمبر 2024, 12:19 am | |
| |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل الثامن رسم خرائط الصحة والمرض الإثنين 23 سبتمبر 2024, 12:20 am | |
| الدراسات الارتباطية ومغالطاتها ربما كانت خارطة انتشار الإصابة بالأزمات القلبية في أنحاء قارة أوروبا (شكل ٨-٢) تشير —ضمن أمور أخرى— إلى فرض أن توزيع المرض مرتبط ببعض الأغذية، وهو احتمال يمكن استكشافه عن طريق الربط بين معدلات الإصابة بالأزمات القلبية في كل بلد أوروبي (أو حتى في نطاق المناطق الأصغر حجمًا) وبين متوسط استهلاك الفرد لأطعمة متعددة، يمكن جمع هذين الرقمين بسهولة من الإحصائيات المنشورة؛ ما يجعل الإجراء سريعًا وبسيطًا، لو أن لدينا بلدين فقط: أحدهما صاحب معدل استهلاك مرتفع للألبان مثلًا، والآخر صاحب معدل استهلاك منخفض لها؛ فإن باستطاعتنا أن نحسب ببساطة، كما تعلمنا من الفصل الرابع، نسبة المعدلات، إن النسبة التي تختلف عن واحد صحيح (الذي معناه تَساوي المعدلين) سوف يكون معناها (لو كانت ذات دلالة إحصائية) وجود تلازُم أو ارتباط بين حدوث الأزمات القلبية واستهلاك اللبن؛ ومن حسن الحظ، أن أسلوب دراسة ارتباطهما مجرد امتداد لنسبة المعدلات، فإذا وُجِد بالفعل أن هناك ارتباطًا، فعلينا أن نكون حذرين كي لا نستدل من ذلك على أن تناول اللبن عامل محدد في الإصابة بالأزمات القلبية؛ إذ ليس علينا فقط أن نضع في اعتبارنا احتمال وجود عناصر مشوشة وانحيازات عند تأويل الارتباطات بصفة عامة، وإنما الارتباط هنا، ويسمى «الارتباط الإيكولوجي»، يكون على مستوى الوحدات الجغرافية —أي البلدان— وليس على مستوى الأفراد، مثلما هو الحال في دراسات الحالة المضبوطة ودراسات الأتراب، ففي تلك الدراسات، يقاس استهلاك اللبن والحالة الصحية (مع وجود أزمة قلبية أو بدونها) ويكون معلومًا على مستوى كل فرد، في حين أنه في الدراسة الارتباطية يكون كل المعلوم هو المعدل الخاص بكل بلد مع متوسط استهلاك اللبن (المأخوذ، على سبيل المثال، من أرقام المبيعات)، لا أحد يعلم إن كان الأفراد الذين أصيبوا بأزمات قلبية في نطاق كل بلد هم أولئك الأكثر استهلاكًا للَّبن من غيرهم أم لا، ومن الممكن أن يكون الارتباط الملاحظ زائفًا، فالاعتقاد خطأً أن هذا الارتباط حقيقي من الممكن أن يؤدي إلى مغالطة إيكولوجية، كما نسمع كثيرًا، ومثلما يعرف علماء الأوبئة تمامًا، على النقيض مما يتردد كثيرًا أيضًا، إن «الارتباط ليس علاقة سببية».
غير أن الأمور أكثر تعقيدًا من ذلك؛ إذ إن هناك مغالطة عكسية من الممكن أن تنشأ، تخيل منطقتين إحداهما خالية من المدخنين، في حين يدخن الجميع في المنطقة الأخرى المقدار نفسه من التبغ اعتبارًا من سن الخامسة عشرة، لا بد أن الأخيرة سوف تتصف بمعدل أعلى كثيرًا من الإصابة بسرطان الرئة يفوق ما لدى الأولى، غير أن إحدى الدراسات التي تقيس عادات التدخين لدى كل فرد من الممكن ألا تكون قادرة على اكتشاف أي فارق في خطر سرطان الرئة المرتبط بالتدخين في كل منطقة منهما، وحدها المقارنة بين المنطقتين هي التي قد تكشف عن أن التدخين في تلك الظروف عامل محدد للإصابة بسرطان الرئة، ولكن على مستوى المجتمع السكاني (المنطقة) فحسب، إن الاكتفاء بالبحث على مستوى الفرد وحسب ربما يقود إلى «مغالطة فردية»، كل ما قيل عن الوحدات الجغرافية ينطبق كذلك على الوحدات الزمنية؛ على سبيل المثال، الارتباطات بين تركيزات ملوثات الهواء خلال أسابيع متعاقبة ومعدلات دخول المرضى المستشفيات للعلاج من أمراض تنفسية خلال الأسابيع نفسها.
الدراسات المستعرَضة يمكن جمع معلومات تفصيلية عن الصحة من خلال دراسات مسحيَّة خاصة لعينات من مجتمع سكاني، وفيها تُطرح أسئلة عن الصحة أو يُجرى فحص طبي، أو كلاهما، مثلما يحدث في استطلاعات الرأي التي تجرى بصورة صحيحة، يمكن الحصول على عينات معبرة بأن نقوم في البداية بتقسيم المجتمع السكاني إلى مجموعات فرعية مستخدمين معايير رئيسية، عادةً ما تكون الجنس، والعمر، ومحل الإقامة، ثم استخلاص عدد الأفراد الذين ستشملهم الدراسة عشوائيًّا من بين كل مجموعة فرعية أو «طبقة»، إن جميع البيانات التي يتم جمعها تشير، مثلما هو الحال في عمليات التعداد السكاني، إلى نقطة زمنية ثابتة (تاريخ معين) حتى إذا كانت المدة الفعلية تمتد عدة أيام أو أسابيع، ومن الممكن أن تتكرر الدراسات المسحية دوريًّا لمتابعة اتجاهات الصحة، وهناك دراسة مسحية دورية كبيرة، وهي الدراسة المسحية الأمريكية الوطنية لفحص الصحة والتغذية، أجريت تلك الدراسة لأول مرة في الفترة بين عامي ١٩٧١–١٩٧٥م، على عينة عشوائية منتقاة من جميع أنحاء الولايات المتحدة من أكثر من ٣٠ ألف فرد، وشملت إجراء مقابلة انصب التركيز فيها على النظام الغذائي وإجراء فحص طبي، وتكررت الدراسة في الفترة من ١٩٧٦–١٩٨٠م، وفي الفترة بين عامي ١٩٩٧-١٩٩٨م، ومنذ عام ١٩٩٩م، تحولت إلى دراسة مسحية تُجرى مرة كل عامين، وتشمل عددًا كبيرًا ومتباينًا من المقابلات والفحوص الطبية، وصنوفًا من الاختبارات المعملية.
مع أن التوثيق التفصيلي لصحة مجتمع ما وللتغيرات التي تطرأ عليها بمرور الزمن أمر مهم، فإن تلك الدراسات المسحية عادةً ما تكون أقل نفعًا كأدوات للبحث عن أسباب الأمراض، على سبيل المثال، من الممكن الحصول على قياسات ضغط الدم ورسم القلب الكهربائي أثناء الدراسة البحثية، وربما يمكن اكتشاف أن هناك اختلالين ظهرا في رسم القلب يكونان أكثر تكرارًا لدى أصحاب ضغط الدم المرتفع منهما لدى أصحاب الضغط الطبيعي، إلا أنه مع تقييم كلٍّ من رسم القلب وضغط الدم في الوقت نفسه، يستحيل الجزم بأي من الاختلالين كان هو البادئ بالظهور ومن الممكن أن يكون هو السبب، المباشر أو غير المباشر، في حدوث الآخر، الواقع أنهما ربما يكونان قد بدآ في الوقت نفسه تقريبًا نتيجة لعامل آخر مشترك، مثل تدخين التبغ، تعاني جميع الدراسات المسحية التي تجمع البيانات مرةً واحدة وحسب عند نقطة زمنية ثابتة (الدراسات المستعرضة) من هذا القصور، والدراسات المسحية التي تُجرى على المجتمعات السكانية نفسها وتكرَّر في تواريخ مختلفة ولكن على عينة مختلفة من الأفراد، مثلما هو الحال في أغلب الأحوال، لا تخلو من هذا القصور.
عبء الأمراض هناك حقل ألغام آخر، ضروري لترسيخ أولويات الصحة العامة، وهو تحديد عبء الأمراض المختلفة نتيجة لعوامل متباينة في منطقة أو أمة معينة أو حتى على مستوى العالم، قد يبدأ هذا الأمر في أبسط صوره، بسؤال يُطرح مرارًا وتكرارًا من نوعية: ما النسبة المئوية، مثلًا، لجميع أنواع السرطان التي تحدث نتيجة للبيئة؟ هناك ثلاث مشكلات رئيسية تحول دون تقديم إجابة شافية: أولاها أن تعريف كلمة بيئة من الممكن أن يغطي جميع العوامل التي تقع خارج جسم الإنسان (أشعة الشمس، الملوثات بالهواء والمياه، دخان التبغ، الأطعمة … إلخ) أو ربما كان مقصورًا على بعضٍ منها، مثل الملوثات الموجودة في محل الإقامة والعمل؛ وسوف تتباين النسب المئوية تبعًا لذلك التعريف، المشكلة الثانية هي أنه من البديهي أن تتوقف تلك النسب المئوية على عدد الأفراد الذين يتعرضون للمكونات المختلفة للبيئة؛ فإذا كان كثيرون منهم من المدخنين، فإن النسبة المئوية لحالات الإصابة بالسرطان الناتجة عن البيئة، وعن الدخان بالتحديد، تكون مرتفعة؛ وإذا كان عدد المدخنين قليلًا، فستكون تلك النسبة منخفضة، ربما كان من الأسهل نسبيًّا حساب عدد من يدخنون (ومقدار تدخين كلٍّ منهم)، غير أن هناك عادةً قدرًا أكبر من عدم اليقين يتعلق بعدد المعرضين، على سبيل المثال، لملوثات الهواء المسرطنة؛ وبالنسبة لهذين العاملين، تتباين أعداد الأفراد المعرضين لهما من مكان إلى آخر، وتخفي النسب المئوية المحسوبة للبلدان الكبرى أو للقارات أو للعالم أجمع تلك التباينات الأساسية، علاوة على الشك في تقييم أعداد المعرضين.
أخيرًا، حتى النسب المئوية الدقيقة الخاصة بمكان واحد (مثلًا، بلدة ما) تحمل سمة محيرة، وهي أنها لا يمكن حساب مجموعها؛ إذ يمكن أن يتخطى إجماليها نسبة ١٠٠٪؛ أي يكون أكثر من إجمالي عدد حالات السرطان! في واقع الأمر، لو أننا كنا نعلم جميع أسباب السرطان على وجه اليقين —وهو وضع نحن أبعد ما نكون عنه في الوقت الراهن— لكان هناك الكثير من الحساب المزدوج؛ حيث إن العديد من أنواع السرطان يحدث نتيجة لنشاط مشترك لسببين أو أكثر من الأسباب الوراثية والبيئية، وكما رأينا من قبل في الفصل الخامس، يزيد التعرض المهني لمادة الأسبستوس وتدخين التبغ كلٌّ على حدة من خطر الإصابة بسرطان الرئة، غير أن اجتماعهما معًا يعمل على مضاعفة الخطر المحدق بالعمال المعرضين لمادة الأسبستوس من المدخنين، من الصحيح أن نعزو نسبة مئوية ما من حالات الإصابة بالسرطان إلى هذا النشاط المشترك، ولتكن مثلًا ٥٪ من إجمالي حالات الإصابة بسرطان الرئة، مرة للتعرض لمادة الأسبستوس ومرة للتدخين (لأنه بدون أيٍّ من هذين العاملين، لم تكن تلك السرطانات لتحدث)، غير أنه ليس من الصواب أن نحسب مجموع النسب المئوية المقابلة، ٥٪ + ٥٪، إذ إنها تشير إلى حالات السرطان نفسها.
مع وجود كل تلك التحفظات، لا عجب في أننا لا نستطيع اليوم أن نكون أكثر دقة من القول إنه على نطاق العالم الواسع بأسره هناك ما يقرب من ثلث حالات الإصابة بالسرطان يمكن أن نعزوها إلى عوامل بيئية، تدخين التبغ مسئول عما لا يقل عن ٢٠٪ من الحالات، والمشروبات الكحولية مسئولة عن نحو ٥٪، والعوامل المعدية مسئولة عما لا يقل عن ١٠٪، مع وجود نسب مئوية أعلى في البلدان النامية، والمواد المسرطنة المهنية والبيئية مسئولة عن نسب تتراوح بين أقل من ١٪ حتى نحو ١٠٪.
تلك النسب المئوية تعبير مبسط عن التأثير الفعلي لأحد العوامل على صحة مجتمع سكاني ما، وربما كانت النسبة المئوية نفسها انعكاسًا لتأثيرات مختلفة الحدة، وذلك اعتمادًا على ما إذا كانت أنواع السرطان تصيب صغار أم كبار السن، أو ما إذا كانت قابلة للعلاج بنجاح (وأسلوب ومدة علاجها) أم لا، تؤخذ تلك العناصر في الحسبان في التحليلات المعقدة، التي قد تطورت خلال العقدين الأخيرين، لما يطلق عليه «عبء المرض» على مستوى المجتمعات السكانية محليًّا، ووطنيًّا، وعالميًّا، كثيرًا ما تكون نتائج تحليلات عبء المرض في صورة عدد «سنوات العمر المضبوطة حسب الإعاقة» الضائعة نتيجة لسبب ما، فالسنة الواحدة من تلك السنوات تقابل ضياع سنة واحدة من سنوات العمر الخالية من الإعاقة؛ ومن ثم فإن وحدة القياس هذه تُدخل في حسبانها كلًّا من ضياع سنوات العمر، بسبب الوفاة، وفقدان جودة الحياة، بسبب الإعاقة. ================================= هوامش (1) From A، Brigham, Treatise on Epidemic Cholera (Public Health Agency of Canada, 1832). (2) From J، Muller-Nordhorn et al., ‘An update on regional variation in cardiovascular mortality in Europe’, European Heart Journal (OUP), 2008: (29) 1316–26. (3) From Canada Communicable Disease Report, ‘Outbreak of mumps’, Montreal, October 1998 to March 1999, with a particular focus on a school، CCDR 2000; 26-08: 69–71 (p، 70). (4) From C، Fraser et al., ‘Pandemic potential of a strain of influenza A (H1N1): Early findings’, Science 2009: (324) 1557–61، Reprinted with permission from the American Association for the Advancement of Science. (5) From M، Marmot and P، Elliott (eds.), Coronary Heart Disease Epidemiology: From Aetiology to Public Health, 2nd edn، (Oxford: Oxford University Press, 2005), p، 4. |
|