قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
الفصل الخامس أنواع الدراسات المستخدمة في علم الأوبئة
كاتب الموضوع
رسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: الفصل الخامس أنواع الدراسات المستخدمة في علم الأوبئة الأحد 22 سبتمبر 2024, 4:08 pm
الفصل الخامس أنواع الدراسات المستخدمة في علم الأوبئة الدراسات التجريبية والدراسات القائمة على الملاحظة
تنطبق مبادئ علم الأوبئة التي ذكرناها حتى الآن على كافة أنواع الدراسات، على الرغم من أن الأمثلة والمناقشة تركزت على الدراسات القائمة على الملاحظة، وهي تلك التي لا يتدخل الباحث فيها إلا بملاحظة الأفراد وتسجيل المعلومات عند نقطة زمنية معينة أو خلال فترة زمنية ما، الميزة الكبرى لهذه النوعية من الدراسات أنها يمكن أن تُجرى نظريًّا في جميع السياقات من أجل بحث أي ظاهرة متعلقة بالصحة، أما عيبها، فهو أن جميع المقارنات بين المعدلات والمخاطر في مجموعات مختلفة من الأفراد، مثل معدلات الإصابة بالالتهاب الشعبي المزمن بين أولئك المعرضين لملوثات الهواء في مدينة ما وغير المعرضين لها، يمكن أن تتأثر دومًا بعوامل مجهولة غير تلك الملوثات، إن التدابير المحكمة التي حددنا خطوطها العريضة بالفصول السابقة ضرورية في تلك المواقف المبنية على الملاحظة بهدف التوصل إلى استنتاجات حول الدور السببي المحتمل لعامل معين مثل تلوث الهواء في حالة مرض كالالتهاب الشُّعبي المزمن.
ربما صارت الحياة أبسط لو استطاع عالِم الأوبئة —مثلما هو الحال مع التجارب المعملية— تحديد أيُّ الأفراد سيخصَّص لهم استنشاق الهواء الملوث، وأيُّهم سيخصَّص لهم استنشاق الهواء غير الملوث على مدى عدة سنوات، مع التأكد مسبقًا من أن جميع المشاركين في التجربة متشابهون إلى حد كبير في جميع النواحي، فيما عدا تعرضهم لنوعين مختلفين من الهواء، أبسط وأضمن أداة لتحقيق هذا التشابه أن تُجرى عملية التخصيص بعشوائية تامة، عن طريق رمي عملة معدنية، لتحديد من سيستنشق هواءً ملوثًا أو غير ملوث، وتلعب عملية التعيين العشوائي دور «الضمانة» ضد جميع العوامل المعروفة، والأهم منها، غير المعروفة التي يمكنها أن تجعل المجموعتين مختلفتين إحداهما عن الأخرى، من الواضح أن هذه التجربة العشوائية، أو ما يطلق عليها «التجربة العشوائية المضبوطة»، غير ممكنة، سواء أكان ذلك لأسباب أخلاقية أو فنية، ومن هنا، جاء النطاق الأصغر حجمًا للدراسات التجريبية العشوائية (التي يطلق عليها أيضًا مصطلح عام وأقل دقة وهو «الدراسات التدخلية») فيما يختص بالدراسات القائمة على الملاحظة، وخاصةً عندما نكون بصدد بحث عامل ما، مثل الهواء الملوث، بسبب آثاره السلبية المحتملة على الصحة، يكمن الموضع الانتقائي في التجربة العشوائية في بحث العوامل التي من الممكن أن تكون لها تأثيرات مفيدة على الصحة، فالعقاقير الجديدة الواعدة يتم اختبارها باستمرار على مجتمع من المرضى المصابين بمجموعة هائلة متنوعة من الأمراض، بدءًا من جميع أنواع السرطان حتى أمراض القلب كاحتشاء عضلة القلب والذبحة الصدرية وأمراض الروماتيزم، علاوةً على تلك التجارب الخاصة بالعلاج، تُجرى تجارب عشوائية كبرى في المجتمعات غير المريضة من أجل اختبار عمليات تدخل وقائية، فبرامج الفحص من أجل التشخيص المبكر، وعلاج الحالات الخطيرة كسرطاني الثدي والقولون، تُطبق من خلال تجارب عشوائية على السكان، وتختبر اللقاحات الجديدة —كاللقاح ضد مرض الإيدز مثلًا— عادةً باستخدام تجارب عشوائية في مجتمعات سكانية كبيرة.
أول لقاح ضد شلل الأطفال حتى منتصف القرن الماضي، كان شلل الأطفال مرضًا مُعديًا يصيب الجهاز العصبي ويحدث بشكل خاص في فصل الصيف على شكل موجات وبائية متباينة الشدة، كان المرض يصيب بوجه خاص الأطفال وصغار السن الذين قد لا تصيبهم سوى حمى عابرة أو يعانون من شلل رخو ممتد يصيب الأطراف مدى الحياة، أو يتوفون إذا هاجم الفيروس المسبب للمرض المراكزَ العصبية المتحكمة في عملية التنفس، وتم تحديد ثلاثة أنواع من ذلك الفيروس، أجريت بعض المحاولات على نطاق ضيق وإن لم يُكتب لها النجاح للتوصل إلى لقاحات، حتى ظهر لقاح واعد للغاية، في أوائل خمسينيات القرن العشرين يُعطى عن طريق الحقن العضلي، ابتكره د، يوناس سولك، الأستاذ بجامعة بيتسبيرج، وكان اللقاح يتكون من فيروس «ميت» فقد قدرته على إحداث المرض، لكنه يحتفظ بقدرته على تنشيط المناعة الوقائية بأجسام الأشخاص الذين يُحقنون به.
قبل التوصية بالإعطاء الجماعي للقاح، كان لا بد من دليل قوي على الفاعلية الحقيقية له، ولم يكن مجرد البدء في إعطاء اللقاح وملاحظة ما إذا كان معدل الإصابة بمرض شلل الأطفال في انخفاض أم لا خيارًا متاحًا؛ إذ إن معدل تكرار الإصابة بالمرض كان متباينًا للغاية من عام إلى آخر، وكان من المستحيل التمييز بين الانخفاض في معدل الإصابة الناتج عن اللقاح والتباين الذي يحدث من تلقاء نفسه، وكانت هناك مشكلة أخرى، ألا وهي صعوبة التشخيص الصحيح للحالات باعتبارها شلل أطفال، وليست مجرد «أنفلونزا» مثلًا، وهي حالات طفيفة عديدة كانت تمثل المصدر الرئيسي للانتشار عن طريق الاتصال المباشر بين الناس، فاتُّخِذ عندئذٍ قرار بتنفيذ تجربة وقائية فعلية على أطفال المدارس الابتدائية.
كان لا بد من التحديد العشوائي للأطفال الذين سيتلقون اللقاح وهؤلاء الذين لن يتلقوه من بين مجموعة أطفال تتراوح أعمارهم بين السادسة والتاسعة بعد الحصول على موافقة آبائهم من أجل المشاركة في الدراسة، اختير هؤلاء الأطفال من ٨٤ مقاطعة من ١١ ولاية أمريكية، كان من الضروري أن يكون عدد المشاركين هائلًا جدًّا، بحيث إنه حتى إذا حقق اللقاح وقاية بنسبة ٥٠٪ فقط، فإن الفارق في معدل الإصابة بالمرض بين المجموعة التي تلقت اللقاح والتي لم تتلقَّهُ يكون مرصودًا بدرجة عالية من الثقة، وكان يجب إعطاء جرعة واحدة من اللقاح ضد الأنواع الثلاثة للفيروس في بداية الدراسة، ثم جرعة ثانية بعدها بأسبوع، ثم ثالثة بعد مرور خمسة أسابيع، واشتمل العلاج بدون لقاح على ثلاث حقن لكن من مستحضر غير فعال مشابه تمامًا في مظهره للقاح؛ أي «عقار وهمي»، إذا أمكن استخدام العلاج الوهمي، فإنه يكون أفضل شكل من أشكال المقارنة مع علاج فعال؛ حيث إنه من المؤكد تمامًا أن مجرد تناول عقار غير فعال قد يحدث أثرًا، لكن قد يتساءل أحد إن كانت اللجان المعنية بالأخلاقيات يمكن أن تجيز اليوم حقن أطفال ثلاث مرات متتالية بمستحضر غير فعال أم لا، كانت التجربة من النوع «مزدوج التعمية» حيث لم يقتصر الأمر على جهل الأطفال (وذويهم) بما إن كانوا يتلقون لقاحًا فعليًّا أم مستحضرًا غير فعال، وإنما كان الأطباء أيضًا يجهلون أي علاج منهما يقدَّم لكل طفل، وبهذه الطريقة، لم يكونوا متأثرين على الإطلاق بمعرفة نوع العلاج عندما يكون عليهم تشخيص حالة إصابة بأنها إصابة بشلل الأطفال من عدمه، انضم إلى التجربة قرابة ٤٠٠ ألف طفل وافق آباؤهم على اشتراكهم بالدراسة (تلقى ٢٠٠٧٤٥ طفلًا اللقاح، بينما تلقى ٢٠١٢٢٩ طفلًا اللقاح الوهمي) من بين إجمالي ما يقرب من ٧٥٠ ألف طفل في المناطق التي أجريت فيها التجربة، لوحظ وجود ٨٢ حالة إصابة بشلل الأطفال من بين الأطفال الملقَّحين خلال ستة أشهر من التطعيم؛ أي بنسبة خطر بلغت ٤١ من كل ١٠٠ ألف طفل، وحوالي الضعف — أي ١٦٢ حالة — بين غير الملقحين، بنسبة خطر بلغت ٨١ لكل ١٠٠ ألف طفل، كان الفارق بين نسبتَيِ الخطر ٨١ − ٤١ = ٤٠ وهو رقم يفوق ما يمكن توقع حدوثه مصادفة لو لم يكن هناك اختلاف فعلي، ولوحظ انخفاض أقوى للشكل الأكثر خطورة من المرض (النوع الشللي)، بنسبة خطر بلغت ١٦ لكل ١٠٠ ألف طفل من المجموعة الملقحة و٥٧ لكل ١٠٠ ألف في المجموعة غير الملقحة، وهنا كان الاستنتاج مباشرًا بفارق أكبر كثيرًا مما هو الحال مع الدراسة القائمة على الملاحظة؛ لأن الأطفال المختارين للتلقيح أو أولئك الذين تلقَّوا لقاحًا وهميًّا اختيروا عشوائيًّا، كان من الضروري أن تكون المجموعتان متقاربتي الشبه في جميع النواحي فيما عدا الفارق في العلاج المقدم لكلٍّ منهما، وهو ما اعتُبِر بلا تردد سببًا لانخفاض معدل الإصابة في الأطفال الملقحين، أثبتت التجربة فاعلية اللقاح وكانت استهلالًا لبرامج التلقيح المنهجي على مستوى العالم أجمع، بل إن لقاح «سولك» يعد اليوم أفضل سبل الوقاية من مرض شلل الأطفال من حيث الأمان والفاعلية.
السمات الخمس الرئيسية للتجارب العشوائية المضبوطة (١) يكون «تصميم الدراسة» مبنيًّا دومًا على الانتقاء العشوائي، وهو عادةً ما يُطبق في أيامنا هذه بواسطة قوائم من الأرقام العشوائية المنتَجة بواسطة الكمبيوتر، ومن الممكن أن يقتصر الأمر على تحديد الأشخاص عشوائيًّا وتخصيصهم لتلقي علاجات مختلفة أو أن يضاف شرط إضافي، على سبيل المثال، في تجربة أجريت على لصقات النيكوتين التي تهدف للمساعدة في الإقلاع عن التدخين، حُدِّد عشوائيًّا الأفراد الذين سيستخدمون الأنواع المختلفة من اللصقات أو هؤلاء الذين سيستخدمون لصقات وهمية في إطار كل مركز مشارك في الدراسة، وبهذه الطريقة، صارت المقارنات الصحيحة بين سبل العلاج ممكنة، ليس فقط إجمالًا للبيانات المجمعة من جميع المراكز، وإنما كذلك في نطاق كلٍّ من المراكز التي توجد في البلاد المختلفة.
(٢) اختيار «المجتمع محل البحث» أمر حاسم فيما يتعلق بتعميم الاستنتاجات التي توصلت إليها التجربة، ففي تجربة لاصقات النيكوتين، اختير متطوعون كانت لهم محاولتان سابقتان أو أكثر من المحاولات غير الناجحة للإقلاع عن التدخين وكانوا على وشك الذهاب لأحد الأطباء للحصول على استشارته في هذا الشأن، الاستنتاج الختامي الذي توصلت إليه التجربة —وهو أن اللصقات تزيد بشكل فعال احتمال الإقلاع عن التدخين— لم يكن لينطبق بالضرورة على أناس أقل دافعية للإقلاع عن التدخين، علاوةً على ذلك، فإن أنواع العلاج التي تبين أنها تتمتع بالفاعلية والأمان لدى البالغين ربما لا يكون لها الفاعلية والأمان نفسهما مع المسنين أو الأطفال، وكمبدأ عام، فإن أي علاج (وليكن دواءً مثلًا) موصوف لعلاج مرض معين يجب ألا يوصف إلا لأفراد مشابهين تمامًا لأولئك الذين خضعوا للتجربة التي بينت فاعليته، ويجب مقاومة الضغوط التي لا تهدأ من جانب صناعة الدواء من أجل التوسع في استخدام دواء ما في حالات مرضية أخرى إلى أن يتبين بالدليل القاطع أنه ناجح في علاج تلك الأمراض كذلك، ولكي تقدم التجربة معلومات ذات فائدة، يجب أن تشرك عددًا كافيًا من الأفراد، ويمكن حساب ذلك العدد «الكافي» في مرحلة التخطيط بناءً على حجم الفارق بين أنواع العلاج الذي يرغب الباحث في رصدها بدرجة مرتفعة من الثقة، فإذا كنا مهتمين برصد تأثير كبير جدًّا فحسب —مثال ذلك القضاء التام على مرض ما بواسطة أحد اللقاحات— فإن عددًا قليلًا نسبيًّا من الأفراد سوف يكون ملائمًا؛ لأنه إذا وُجد هذا التأثير الهائل، فمن المرجح أنه سيظهر في كل الأحوال، أما إذا كان الباحث على النقيض من ذلك راغبًا في بيان أن لقاحًا جديدًا أرخص سعرًا وأيسر في إعطائه لا يختلف (أو يختلف بدرجة طفيفة) في فاعليته عن أفضل لقاح متوافر حتى الآن، فإن الباحث هنا في حاجة إلى عدد هائل من الأفراد حتى يستبعد احتمال تدني مستوى اللقاح الجديد، ولو بقدر طفيف وإن كان مؤثرًا إحصائيًّا، عن مستوى اللقاح القديم.
(٣) يمكن أن تكون «المعالجة» بسيطة مثل دواء أو لقاح، أو أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير مثل التدخل بتعديل نظام غذائي معتاد، وقد بينت إحدى التجارب العشوائية الحديثة في هذا الميدان أن إنقاص كم السعرات التي يحصل عليها الفرد في الطعام يمكنه إنقاص الوزن لدى الأفراد المتطوعين الذين يحافظون على معدل شبه ثابت من النشاط البدني، والمثير للانتباه أنها بينت كذلك أن تركيب النظام الغذائي لم يكن هو المهم، سواء كان عالي أو منخفض المحتوى الدهني (في إطار حدود معقولة)، أو البروتيني، أو السكري، ما دام الغذاء منخفض المحتوى من السعرات، إلا أن المحافظة على النظام الغذائي في إطار التجربة كان معناها ضمنًا التواصل المتكرر مع الأفراد وإخضاعهم لرقابة صارمة، وهو أمر ربما لا يمكن تكراره بسهولة مع المجتمع، فبصفة أساسية، لا يكون هناك مبرر لإجراء تجربة عشوائية إلا عندما يكون هناك غموض أصيل في تأثير علاج ما مقارنةً بعلاج وهمي أو علاج آخر ثابت الفاعلية، ويجسد هذا الغموض حالة «توازن» بين نوعي العلاج.
(٤) عادةً ما يجري تقييم عدة «استجابات» أو «نقاط نهاية» للعلاج بهدف قياس الآثار المنتظرة أو الآثار السلبية المحتملة لذلك العلاج، ويمكن قياس معدل الإصابة باحتشاء عضلة القلب في تجربة ما تختبر عقارًا يهدف إلى الوقاية منه، غير أنه سوف تُراقب كذلك أي أمور شاذة مراقبة متأنية؛ إذ إنه من الممكن أن تشير إلى أثر سلبي للدواء، وأفضل أداة لتجنب جميع التأثيرات المقصودة وغير المقصودة عند ملاحظة وتسجيل نقاط النهاية هي جهل كلٍّ من الأفراد والأطباء بالعلاجات المقدمة، ربما لا يكون هذا الأمر ممكنًا دائمًا، مثلما يحدث عندما تكون العلاجات عبارة عن أنظمة غذائية متباينة التركيب.
(٥) يجري «تحليل البيانات» التي تم جمعها خلال الدراسة عند نهايتها حسبما هو مخطط لها، ولكن كثيرًا ما يكون في الإمكان إجراء بعض التحليلات الوسيطة لمراقبة ما يحدث: إذا ظهرت مؤشرات مبكرة دالة على وجود ميزة واضحة لأحد العلاجات، فإنه قد يصبح من غير الأخلاقي الاستمرار في تقديم علاجات أخرى أو ذات مستوى أقل، وإذا ظهرت علامات دالة على وجود آثار سلبية خطيرة، فقد يصبح من الضروري إيقاف التجربة، نظرًا لتلك الاعتبارات الدقيقة، عادةً ما تتم عمليات تحليل وسيطة من قبل لجنة لمراقبة التجربة تكون مستقلة عن الباحثين المسئولين عن إجراء الدراسة، وكثيرًا ما يحتاج أي نوع من عمليات التحليل إلى أن يضع في الحسبان مسألة أن نسبة من المشاركين في التجربة سوف تتخلى عن العلاج المخصص لها خلال مسار التجربة، الأرجح أن تلك الحالات لا تحدث بالمصادفة وإنما بسبب، مثلًا، أن بعض الأفراد يكتشفون أن اتباع نظام غذائي معين أمر مرهق للغاية، أو لمجرد أنه لا يستهويهم، وفي تلك الظروف، فإن المقارنة بين آثار مختلف الأنظمة الغذائية على معدلات الإصابة بمرض السكر، مثلًا، بين أولئك الذين التزموا بنظامهم الغذائي طيلة فترة التجربة؛ لن تعكس الواقع، وهناك تحليل أكثر واقعية، يسمى «قصد العلاج»، يقارن بين معدلات الإصابة بالسكر لدى مجموعات من الناس حُدِّدت لكلٍّ منهم من البداية أنظمة غذائية معينة، بصرف النظر عما إذا كان البعض منهم من كل مجموعة سيترك الدراسة أم لا، الواقع أن إجمالي تأثير نظام غذائي معين حسبما يفترض، إن كان مفيدًا، على مجتمع سكاني بأسره سوف يكون نتيجة الجمع بين آثار وقعت على من اتبعوه للنهاية وأي آثار أخرى في أوساط أولئك الذين بدءوا باتباعه ثم تحولوا بعد ذلك لأنظمة غذائية أخرى.
التجارب العشوائية وغير العشوائيةقب التجارب العشوائية أداة نفيسة في الأبحاث الطبية والوبائية، ويمكن النظر إليها من زاويتين مختلفتين اختلافًا طفيفًا، فمن زاوية، هي أداة لاختبار مدى فاعلية علاج ما، وقبل حقبة التجارب العشوائية المضبوطة، التي بشرت بها التجربة البريطانية الخاصة باستخدام عقار الستربتوميسين في علاج الدرن الرئوي عام ١٩٤٨م، كان الدليل على الآثار الإيجابية والسلبية لعلاج ما يقوم في الأساس على تراكم الخبرة الإكلينيكية المدعومة بالمعرفة من علم وظائف الأعضاء، وعلم الأمراض، في علم الأوبئة، كان الدليل —مثلًا— على مدى فاعلية لقاح ما مبنيًّا على دراسات قائمة على الملاحظة، مقارنةً بالتجارب العشوائية، تعد تلك الوسائل أكثر بطئًا وإرهاقًا؛ حيث إنها تتطلب تراكمًا هائلًا للنتائج المتناغمة الآتية من عمليات الملاحظة الإكلينيكية أو الوبائية قبل أن يصير في الإمكان التوصل إلى أي استنتاجات قائمة على أساس سليم، وهي أقل حساسية؛ لأن الآثار الطفيفة وإن كانت ذات أهمية طبية —ولتكن مثلًا انخفاضًا بنسبة تتراوح بين ٥ و١٠٪ في معدل الإصابة بالمرض— لا يمكن إقرارها بأي قدر من الثقة، ومن ثم، فإن التجربة العشوائية صارت المعيار المقبول بصفة عامة لاختبار أنواع العلاج المختلفة، سواء الوقائية أو العلاجية.
ومن الزاوية الأخرى، تعد التجربة العشوائية بمنزلة الاختبار الأساسي لعلاقة السببية، فاستبعاد سبب مفترض لمرض ما في تجربة عشوائية هو خير دليل على أن السبب المحتمل هو سبب المرض بالفعل، ومن الممكن أن يكون هذا الاختبار ممكنًا أحيانًا، على سبيل المثال، لم يكن من الممكن إدخال برنامج تلقيح ضد فيروس الالتهاب الكبدي «ب» على الفور لكافة المواليد الجدد في جامبيا، وتحول هذا الظرف غير المواتي إلى ميزة حقيقية عن طريق انتقاء الأطفال الذين سيلقَّحون أولًا بشكل عشوائي؛ مما يسمح بإجراء مقارنة صحيحة بينهم وبين الأطفال غير الملقحين المولودين في العام نفسه (وبحلول العام الرابع، طالت عملية التلقيح جميع المواليد الجدد في البلاد)، لا بد أن الانخفاض المتوقع في نسبة الإصابة بسرطان الكبد بين الأطفال الملقحين عند وصولهم لسن البلوغ سوف يقدم دليلًا أكيدًا على أن فيروس الالتهاب الكبدي «ب» لا يسبب الالتهاب الكبدي وحسب —وهي حقيقة مؤكدة— وإنما سرطان الكبد أيضًا، وهو أكثر أنواع السرطان انتشارًا في العديد من بلدان أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
فيما يتعلق بالكثير من التعرُّضات التي أظهرت التجارب المعملية والدراسات القائمة على الملاحظة بوضوح أنها ضارة، لا يكون الاستبعاد المخطط العشوائي للتعرض أمرًا ممكنًا أو أخلاقيًّا، لكن يجب أن يوضع برنامج مراقبة لمراقبة مسار المرض في أعقاب «التجربة الطبيعية» التي يُستبعد فيها (بأي سبيل كان) التعرُّض، على سبيل المثال، أقلع عن التدخين عدد كبير من الأطباء في الدراسة التي أجراها ريتشارد دول وأوستن برادفورد هيل التي ذكرناها بالفصل الرابع، وبالفعل في خلال السنوات الخمس الأولى التي تلت الإقلاع عن التدخين، هبط معدل الإصابة بسرطان الرئة بنسبة تقترب من الثلث، مقدمًا دليلًا إضافيًّا وقويًّا يؤيد الدور السببي لتدخين التبغ.
عند فحص المعدل الإجمالي للبقاء على قيد الحياة، أظهرت تجربة الأطباء البريطانيين (انظر شكل ٥-١) أنه كلما عجَّل المدخن بالتوقف عن التدخين، أمكن له أن يتوقع عمرًا لا يقل عن عمر من لم يدخن مطلقًا طيلة حياته، بعبارة أوضح، أفضل خيار ألا تدخِّن من الأساس، أما ثاني أفضل خيار فهو أن تقلع عنه مبكرًا، بل وأيضًا أن تتوقف متأخرًا كي تجني على الأقل بعض الفوائد السريعة.
شكل ٥-١: الإقلاع عن التدخين في أي سن يطيل عمرك.1
إن الدراسات القائمة على الملاحظة والدراسات العشوائية الخاضعة للتصميم والتنفيذ والتحليل الجيد أداتان تكمل كلٌّ منهما الأخرى في علم الأوبئة وتسهمان في تقدم المعرفة حتى إذا خرجت منهما نتائج متضاربة، مثلما يوضح مثال تناول الخضراوات والإصابة بالسرطان، فمنذ ثلاثين عامًا مضت، كانت دراسات عديدة قائمة على الملاحظة قد أشارت بالفعل إلى أن تناول الخضراوات، وهي أحد مصادر فيتامين «أ»، وزيادة مستويات فيتامين «أ» في الدم عن المتوسط يقللان من خطر الإصابة بالسرطان، كانت هناك بعض الأدلة الواردة من التجارب المعملية التي تبين أن فيتامين «أ» والمركبات المشتقة منه داخل الجسم يمكنها أن تثبط عملية انقسام الخلايا الطبيعية وتحولها إلى خلايا سرطانية، وبهدف الاختبار المباشر للفرض السببي بأن فيتامين «أ» يمنع وقوع السرطان، أجريت تجربة عشوائية مضبوطة على أكثر من ٨٠٠٠ مدخن بالغ (معرضين على وجه الخصوص لخطر الإصابة بسرطان الرئة) في فنلندا لمقارنة علاج وهمي بعلاج يقدَّم فيه البيتا-كاروتين، وهي المادة الأولية التي تتحول بعد ذلك إلى فيتامين «أ»، وتوجد في الخضراوات والفواكه صفراء اللون، وقد جاءت النتائج بما يخالف الآمال، وكان من الضروري إيقاف التجربة نظرًا لظهور ارتفاع مفاجئ في نسبة الإصابة بسرطان الرئة لدى الرجال الذين تلقوا البيتا-كاروتين، وكان معنى ذلك أن البيتا-كاروتين التي قُدِّمت في جرعات التجربة، وكان معدلها أعلى كثيرًا مما هو موجود في الغذاء الطبيعي، كان لها أثر سلبي وليس مفيدًا، وكان من الممكن لهذا أن يعني أيضًا أنه في الدراسات القائمة على الملاحظة السابقة، لم يكن فيتامين «أ» هو المسئول عن انخفاض خطر الإصابة بالسرطان، وإنما كان ببساطة مؤشرًا دالًّا على وجود مواد أخرى في الخضراوات قادرة على تثبيط نمو السرطان، وحتى في يومنا هذا، يبدو الدور الوقائي للخضراوات مقبولًا، مع أنه لم يثبت بعد بصورة قاطعة، في حين أنه من ناحية أخرى يقدم لنا مثال البيتا-كاروتين تحذيرًا صريحًا ينبهنا إلى أن الاستخدام غير الحذر للمكملات الغذائية من الفيتامينات ربما يؤدي إلى آثار ضارة بالصحة بدلًا من تحقيق الفائدة لها.
من حيث المبدأ، تعد التجارب العشوائية المضبوطة أداة أفضل من الدراسات القائمة على الملاحظة، وهي مفضلة عليها كلما كان إجراؤها ممكنًا، غير أنه من الممكن أن يكون إجراؤها مصحوبًا بمشكلات عند التطبيق الفعلي، فمن الممكن أن يكون من الأيسر نسبيًّا أن نختبر عقارًا جديدًا لعلاج ارتفاع ضغط الدم على مرضى محجوزين بالمستشفيات باستخدام تجربة عشوائية، غير أن تفسير أهمية نتائجها لدى الأطباء والمرضى مقارنةً بتلك التي تم التوصل إليها في تجربة عشوائية أخرى تختبر عقارًا مختلفًا من الممكن أن يصطدم ببعض الصعوبات، فمن المحتمل أن تكون التجربة الأولى قد أجريت على مرضى مصابين بارتفاع ضغط الدم منذ فترة زمنية أطول من أولئك الذين أجريت عليهم التجربة الثانية، ومن المحتمل أيضًا أن تكون إحدى التجربتين قد استعانت بعقار وهمي كضابط، في حين استعانت التجربة الأخرى بعقار آخر مضاد لارتفاع ضغط الدم، وهكذا، يحدث عادةً أن تكون التجارب صحيحة بالنسبة لطرق البحث المتبعة فيها وهي تتناول المسألة نفسها، وهي علاج ارتفاع ضغط الدم في مثالنا، ولكن بطرق مختلفة أدت إلى تعقيد التفسير الإجمالي للنتائج ومن ثم مهمة الأطباء في اختيار علاج لمرضاهم.
بل إن هناك مجالًا أكثر اتساعًا لهذه المشكلة ينشأ في حالة التجارب التدخلية مثل برنامج فحص في مجتمع كبير معافًى — وهي أكثر تعقيدًا وأكثر اعتمادًا على الظروف من مجرد تقديم عقار ما للمرضى، فهناك تجربتان تختبران قيمة اختبار المستضد النوعي للبروستاتا، الذي هو مؤشر مبكر لاحتمال الإصابة بسرطان بروستاتا، أدتا مؤخرًا إلى نتائج مختلفة، فالتجربة التي أجريت في الولايات المتحدة أظهرت عدم وجود فارق في معدل الوفيات بسبب سرطان البروستاتا بين الرجال الذين خضعوا لبرنامج الفحص الموجَّه مقارنةً بالرجال الذين لم يخضعوا للفحص (المجموعة الضابطة)، ومن بين تفسيرات تلك النتيجة المخيبة للآمال أنه ربما خضعت نسبة كبيرة من أعضاء المجموعة الضابطة لهذا الاختبار بشكل عارض من قبل، ومن ثم، فإن أي فارق بين المجموعة التي خضعت للفحص والأخرى الضابطة ربما يكون قد تضاءل إلى حد أنه لم يعد قابلًا للرصد، أما التجربة التي أجريت في أوروبا، فالواقع أنها بينت حدوث انخفاض في معدل الوفيات بنسبة ٢٠٪، إلا أن هذه النتيجة يجب أن توزن مقابل حقيقة تقول إن من بين اﻟ ١٦٪ من الرجال الذين أجري لهم الاختبار وجاءت نتيجته إيجابية، كان ثلاثة من بين أربعة منهم لا يعانون من السرطان بعد أخذ عينة حيوية منهم، وهو إجراء ليس سارًّا كثيرًا ولا هو خالٍ تمامًا من المضاعفات كالعدوى أو النزيف، ولا يزال الجدل محتدمًا حول مسألة الأثر النافع المحتمل للفحص بالخضوع لاختبار المستضد النوعي للبروستاتا لمقاومة سرطان البروستاتا.
في سياق اختبار عقار أو لقاح، تكون التجربة العشوائية المضبوطة هي «المرحلة الثالثة» في الدراسات التجريبية التي تقارن بين العقار أو اللقاح وبين علاج مرجعي (سواء أكان عقارًا وهميًّا أم عقارًا آخر)، وتسبق تلك المرحلة «المرحلة الأولى» و«المرحلة الثانية»، ففي تجارب «المرحلة الأولى»، عادةً ما تُستكشف درجة أمان العقار عن طريق تقديم جرعات صغيرة ولكن متزايدة لعدد محدود من الأفراد المتطوعين؛ وتُجمع بيانات عن امتصاص العقار وتوزيعه بالجسم وكذا عملية إخراجه، وبمجرد تحديد نطاق آمن للجرعات، تأتي تجارب «المرحلة الثانية» لتقدم معلومات مبدئية عما إذا كان للعقار بعض الآثار المفيدة المنتظرة أم لا، ومن جديد، تتم دراسة عدد محدود من الأفراد من خلال استجابات يتم الحصول عليها سريعًا: على سبيل المثال، في مجال السرطان، يعطي تقليص كتلة الورم إشارة بوجود شيء من الفاعلية للعقار، إلا أن أكبر الآثار ذات الصلة، وهو الذي سيتم بحثه في تجربة المرحلة الثالثة، سيكون هو طول العمر المتوقع للمريض، تسمح تلك التجارب بتقييم «فاعلية» أي علاج في ظل ظروف تجريبية نموذجية، إلا أنه عند تطبيق العلاج نفسه في الممارسات الطبية اليومية، فإن مردوده الفعلي، أو «تأثيره»، لن يتوقف فقط على مفعوله العلاجي، وإنما سيتوقف كذلك على مدى دقة الأطباء في تحديد المرضى المحتاجين له، وعلى التزام هؤلاء المرضى به، وعلى ما إذا كانوا سيعودون من تلقاء أنفسهم لعلاجات أخرى أم لا، وعلى عوامل أخرى متنوعة تتعلق بظروف الحياة. ======================================= هوامش: (1) From R، Doll et al., ‘Mortality in relation to smoking: 50 years’ observations on male British doctors’, BMJ, 2004: (328) 1519, with permission of BMJ Publishing Ltd.
الفصل الخامس أنواع الدراسات المستخدمة في علم الأوبئة