خطر الحشيش

ثمة خطرٌ داهم وداءٌ قاتل انتشر في أوساط المجتمع انتشارَ النار في الهشيم، أتلف الأموال، والأبدان والعقول، فرّق الأسر، وقوّضَ تلاحمَ المجتمع، حول البيوتَ إلى جحيم وشقاء يصطلي بناره الوالدانِ والزوجةُ والأولاد، يفوق خطرُه الحروب، ويقودُ إلى كثير من المعاصي والذنوب، الكلامُ عنه مؤلم، ولكن السكوتَ أشدُّ إيلاما.. إنه خطر المخدرات والمسكرات الذي لا يجادل أحدٌ في تحريمها وعظيمِ أضرارها، وعلى رأسها الخمرةُ التي حرمها الله جل وعلا في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَْنْصَابُ وَالأَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها أم الخبائث»، في حديث آخر: «اجتنبوا الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر» والمخدرات أشد ضررا وفتكا من الخمر.
 
عباد الله:
الكمياتُ المهولة والأرقامُ المفزعة التي تقعُ في أيدي الجمارك من الحبوب المخدرةِ والمسكرة توحي بمآسٍ كبرى وأدواءٍ عظمى تفتكُ بشبابنا ومجتمعنا، وإذا كانت هذه أرقامُ ما أمكن رصدُه فما بالُكم بما فات على الرقيب بسببِ الحيل الخرافيةِ التي يقومُ بها الشياطين الذين يروجون لهذه السموم.

ومع عظمِ خطر المخدرات عموما فإنني سأقصر حديثيَ اليومَ على نوع منها هو أكثرُها انتشارا على مستوى العالم كما تقول التقارير..

نوعٍ استسهله الشبابُ كثيرا بل والفتيات حتى عدَّه بعضُهم قرينا للدخانِ في أثره وتناولِه، مع اشتراكهما في الحرمةِ والضرر البالغ..

إنه نوع من المخدرات قد يتناولُه الشابُّ أو الفتاة من غير أن يشعر بذلك أهلوهم، لأن ضرره وأثرَه يظهرُ جليا بعد حين.. إنه الحشيش..

ذلك المخدرُ الذي رُوّجتِ الطرائفُ في أهله حتى خفَّ وقعُه في النفوس بل أحب بعضُ المغفلين أهلَه لِما نَسجَ الخيالُ من مواقفَ مضحكةٍ لهم.

الحشيش الذي لا أفتأُ إلا وتتصل عليّ زوجةٌ مسكينة تشكو تدخينَ زوجها للحشيش الذي اكتشفتْه بعد الزواج وأحيانا بعد إنجاب الأولاد.

إنه منتشرٌ في مجتمعنا بكل أسف ولذا وجب علينا التنبيهُ عليه وأخذُ الحيطةِ منه حتى لا يصبحَ معروفا لا يُنكر كما في بعض البلاد المجاورة.
 
إخوة الإسلام:
الحشيش نباتٌ يُستخلَصُ من قمة زهورِ نباتِ القِنَّب الهندي الذي تنتشر زراعته في مواطن كثيرة، وهو نبات خبيثٌ يريد متعاطيه أن يهربَ به عن واقعه الذي يعيشُه من قلق واكتئاب ومشاكلَ إلى عالم آخر، ويظنه الواقعون في شراكهِ رجولةً وعلاجا، وهو الداء والسفهُ والجنون بعينه.. لقد انتشر لسهولة الحصول عليه، وبسبب أصحابِ السوء الذين يزينون لجليسهم كلَّ خبيث، وفي خبايا الاستراحات والملاحق الغامضة أسرارٌ لهذا البلاء وأشكالِه.
 
عباد الله:
إن أضرار الحشيش كثيرةٌ ومآسيَهُ وفيرة كما هو الشأن في سائر المخدرات، فمن أضراره الدينيةِ تركُ الصلاة وثقلُ الطاعات، وحصدُ السيئات وإغضاب رب الأرض والسموات، وهو سبب لكراهية الصالحين وبغضِهم وعدمِ مجالستهم، والبعدِ عن مجالس الذكر ومواطن العبادة، وإلفِ المعاصي، ومصاحبةِ الأشرار وصداقتِهم ومودتهم.

وهو شرٌّ من الخمر التي لعن النبي صلى الله عليه وسلم شاربها وساقيَها، وعاصرَها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "إن الحشيشة حرام، يُحَدُّ متناولها كما يُحَدُّ شاربُ الخمر، وهي أخبثُ من الخمر، من جهة أنها تُفْسد العقلَ والمزاجَ، حتى يصير في الرجلِ تخنثٌ ودياثة، وغير ذلك من الفساد".

وقال أيضا: "فهذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها، الموجبةُ لسخط الله وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين، المعرضةُ صاحبِها لعقوبة الله; إذا كانت كما يقوله الضالون من أنها تجمع الهمة وتدعو إلى العبادة، فإنها مشتملة على ضرر في دين المرء وعقله وخلقه وطبعه أضعاف ما فيها من خير؛ ولا خير فيها."

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "الحشيشة أخبث من الخمر وأشد".

وقال أيضا: "إن الخمر في النجاسة بمنزلة البول، والحشيشة بمنزلة الغائط".
 
عباد الله:
ومن أضرار الحشيش الصحيةِ أنه سبب للهلوسة وذهابِ التركيز، والسرطانِ، والضعفِ الجنسي، وأمراضِ القلب، وتلف خلايا الدماغ التي تؤدي إلى الجنون بل والموت أيضا، وهو سبب لتشوهات المواليد كما هو واقعُ الحال..

ومن أضراره الاجتماعية العزلةُ والانطواءُ، وتبدلُ الطبائعِ إلى الأسوأ، والسفهُ في التصرف وفسادُ التدبير فلا يكونُ أهلا للاعتماد عليه في بيته ولا عمله.

والحشيش سبب لفقدانِ الأمانة والتفريطِ فيما يجب حفظُه ورعايته؛ فلا يؤمَنُ المحشِّش على مصلحة عامة، ولا على أموالٍ ولا على عمل، ولا يؤمن حتى على محارمه وأسرته لأن إنسانيته في انحدار.

ومن أضراره: أنه يجعل متعاطيه عالةً على المجتمع، يضر ولا ينفع، وهو منبوذ من كل قريب حتى من والديه و زوجته وأولاده. وكم فرق الحشيش بين زوجين وهدم بيوتا قائمة مستقرة..

وهو باب إلى الهيروين والكوكايين والحبوب المهلوسة وغيرها من صنوف المخدرات. وهو سبب لانتشار الجرائم، وارتكاب الفواحش وضياع الأسر، وانحراف الناشئة، ونزول العقوبات والفتن والبلايا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} أسأل الله أن يعصمنا والمسلمين من كل سوء أقول ما تسمعون.
 
وأمَّا أضرار الحشيش المادية فظاهرة لا تحتاج إلى بيان فهو متلف للأموال،وللصحة التي يضطر معها لبذل أموال طائلة لعلاج آثاره وتبعاته. فهل يمكن لعاقل بعد بيان الحكم الشرعي ومعرفة هذه الأضرار كلها أن يستسلم لشيطانه وهواه ويقدم على تعاطي هذا البلاء وأمثاله.

قال الحسَن البصري -رحمه الله-: "لو كان العقلُ يشترى، لتغالَى الناس في ثَمَنِه، فالعجبُ ممن يشتري بمالِه ما يفسده!".
 
عباد الله:
إن تعاطي هذه الأدواء من مسكرات ومفتِّرات ومنها الدخان والحشيش ابتلاء لا نجاح فيه إلا بالتخلص منها بالاستعانة بالله تعالى، ثم بالعزيمة القوية، والإرادة الجازمة، والتوبة الصادقة إلى غافر الذنب وقابل التوب، إلى القائل جل جلاله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} إلى من نادى عباده فقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.

فتب إلى الله تعالى أيها المبتلى بهذه السموم، واعلم أن الله يفرح بتوبتك، وكذلك والداك وزوجتُك وكلُّ مجتمعك، والخطأُ واردٌ ولكن خيرَ الخطائين التوابون.
 
أيها المبتلى أحسن بتوبتك إلى نفسك وإلى أسرتك ومجتمعك..

واعلم أن الله إذا علم منك إخلاصا وصدق نية فإنه سيعينك على ذلك..

فبادر بالتوبة قبل أن تندم في يوم لا ينفع فيه الندم.

أيها المبتلى وإذا احتجت إلى معاونة على الإقلاع عن هذا الداء ونظائره، فدونك المراكزَ التي أعدتها الدولة لتوجيه المدمنين وعلاجهم، وفيها من الأطباء المؤهلين ما يجعلك تنجح في مسعاك بإذن الله تعالى..

فاقبل نصح الناصحين وانخلع من هوى النفس الأمارة بالسوء، ومن رغبات شياطين الإنس فإنهم هم الذين أوقعوك فيما أنت فيه الآن وسيوقعونك غدًا فيما هو أعظمُ في عذاب شديد بسبب عصيانك للجبار ذي البطش الشديد.

أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يكفي شبابنا ونساءنا ومجتمعنا والمسلمين عامة غوائل هذه الحرب المنظمة على العقول ولأبدان والأديان إنه سميع مجيب.
----------------------------------
الكاتب: الشيخ مقبل بن حمد المقبل