منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الاستشراق والدراسات القرآنية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الاستشراق والدراسات القرآنية Empty
مُساهمةموضوع: الاستشراق والدراسات القرآنية   الاستشراق والدراسات القرآنية Emptyالأربعاء 31 يوليو 2024, 7:46 pm

الاستشراق والدراسات القرآنية
إعداد : فريق موقع تفسير
ضيف الحوار: د. رغداء محمد أديب زيدان
الاستشراق والدراسات القرآنية Aleste10
يُشكِّل فهم طبيعة حقل الاستشراق وأسباب نشأته وبنائه المنهجي إحدى النقاط المركزية لفهم طبيعة اشتغاله على القرآن الكريم، وفي هذا الحوار مع د/ رغداء زيدان نلقي ضوءًا على حقل الاستشراق، وخصوصًا في تناوله للنصّ القرآني، ويتناول الجزء الأول من هذا الحوار الحديثَ حول حقل الاستشراق ونشأته، والتقليد الألماني كأحد أبرز تقاليد هذا الحقل، وطرائق تناوله للقرآن.

مقدمة:
  منذ عقودٍ أضحى الاستشراقُ ظاهرةً تخضع للتحليل العلمي وفق كثيرٍ من المقاربات والمداخل المنهجية، وتعدّدت المنظورات للتعريف الدقيق له وللأهداف والدوافع التي حكمت نشأته وتحكم حركته وتطوّره، هذا سواء أكان حديثنا عن دراسة الشرق والإسلام بصورة عامة، أو إذا حدّدنا حديثنا بجانب دراسة القرآن وعلومه ضمن هذا الحقل، ويُعَدّ فهم طبيعة هذا الحقل وأبعاد نشأته وتطوّره والبناء النظري والمنهجي له نقطةَ أساسٍ في محاولة فهم الملامح الخاصّة لمقاربته للقرآن.

في هذا الحوار مع الدكتورة/ رغداء زيدان -والتي خصصت رسالتها للدكتوراه لأحد أهم الكتب في الدراسات الغربية للقرآن وهو (تاريخ القرآن) لنولدكه- نتناول هذا الحقل؛ طبيعته والبناء المنهجي له، خصوصًا في دراسة القرآن، والتلقي العربي البحثي لنتاج هذا الحقل وأنماطه.

وقد جاء هذا الحوار على أربعة محاور:
المحور الأول: الاستشراق ودراسات القرآن.
المحور الثاني: الاستشراق الألماني.
المحور الثالث: كتاب (تاريخ القرآن) لتيودور نولدكه.
المحور الرابع: الاستشراق والدرس العربي المعاصر للقرآن.

وفي هذا الجزء الأول من الحوار نتناول المحورين: الأول والثاني؛ ففي المحور الأول: الاستشراق ودراسات القرآن؛ نتناول حقل الاستشراق والتحديد العلمي له ومناهج دراسته، ودوافع نشأته وتطوّره، كما نلقي الضوء على مسألة المناهج الخاصّة التي يستخدمها في قراءة القرآن ومدى كفاءتها.

ثم نخصّص حديثنا -في المحور الثاني- بأحد أهم التقاليد ضمن هذا الدّرس، والذي يُعَدّ من أعمدة الدراسة الغربية للقرآن؛ أي الاستشراق الألماني، فنتناول الفارق بينه وبين غيره من التقاليد، وإشكالات الترجمة لأهم نتاج هذا التقليد، وغيرها من القضايا.

نصّ الحوار
المحور الأول: الاستشراق ودراسات القرآن:
س1: للاستشراق مساحة اشتغال شديدة السّعة والتباين، ويمثّل مفهومه وبداياته بؤرة خلاف مشتهرة بين الدارسين، فلو تطلعوننا على شيء من ذلك؟

د/ رغداء زيدان:
 المطّلع على تاريخ الاستشراق وبدايات ظهوره -الذي يرجعه بعض الباحثين إلى بداية تعرّف الأوروبيين إلى الثقافة العربية الإسلامية في الأندلس، وذلك في القرن الثامن الميلادي (أحمد سمايلوفيتش/ فلسفة الاستشراق)، بينما يقول آخرون إنه لم يظهر رسميًّا إلا بعد قرار مجمع فيينّا الكنسي عام 1312م، القاضي بإنشاء عددٍ من كراسي اللغة العربية في عددٍ من الجامعات الأوروبية (علي بن إبراهيم النملة/ المستشرقون والتنصير)- يدركُ أن الاستشراق كظاهرة لا يمكن حصرها ضمن نطاق محدّد، بحيث نستطيع تحديد معناها ومجال اشتغالها بشكلٍ دقيق؛ ولهذا سنجد اختلافًا كبيرًا في تحديد المفهوم عند الباحثين، سواء كانوا غربيين أم عربًا، فبينما وجده باحثون غربيون علمًا غير واضح الحدود؛ كون مصطلح الشرق نفسه بحاجة لتحديد (رغم أن دراسة العرب والإسلام وما يتعلق بهما كانت ولا تزال أمرًا بالغ الأهمية في علم الاستشراق)، لكنهم اتفقوا على أنه علم واسع ومختلط بالعلوم الأخرى، ومرّ بأدوار مختلفة بدءًا بمعرفة لغة من لغات الشرق والتبحّر بآدابها، وصولًا إلى شمول الاستشراق كلّ ما يتعلق بمعارف الشرق؛ من لغة وآداب وتاريخ وآثار وفنّ وفلسفة ودين، وجعله بعضهم بابًا من أبواب تاريخ الروح الإنساني (م. أ، جويدي/ في علم الشرق وتاريخ العمران).

أمّا المفكّرون العرب فكانت نظرتهم مختلفة إليه؛ فمنهم من عدّه علمًا يختصّ بالاشتغال بالعقليات الشرقية، ومنهم من وجده مجرّد مهنة هدفها التبشير والتنصير وتسهيل مهمّة الاستعمار (حسين الهواري/ نحن والمستشرقون)، ومنهم من خصّه بالكتابة عن الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية إمّا بروح العداء أو بروح الإنصاف (مالك بن نبي/ إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث)، بينما جعله آخرون حركة علمية شملت المدنيات الشرقية: ما غبر منها وحضر، وما استقر منها وما اندثر (يوسف داغر/ مصادر الدراسة الأدبية).

لكنّ محاولة التعريف هذه للاستشراق تحوّلت منذ ظهور مقال أنور عبد الملك «الاستشراق في أزمة» الذي نُشر عام 1963 في مجلة ديوجين الفرنسية العدد 44، (ترجمَهُ: حسن قبيسي/ مجلة الفكر العربي، العدد 32، 1983)، وبعده ظهور كتاب إدوارد سعيد «الاستشراق» عام 1978، وما تبعه من ردود سواء بالتأييد أو الرفض والنقد، إلى محاولة لفهم ماهية الاستشراق وتحديد من هو المستشرق، أو بالأحرى أيّ نوع من البشر هو؟ ما دوافعه؟ ما اهتماماته؟ وما أهدافه؟... إلخ.

ولعلّ ما بيّنه سعيد من أنّ الاستشراق هو نمط فكري مبنيّ على تمييز وجودي ومعرفي بين الشرق والغرب، يؤسّس لثنائية متجذّرة بين الشرق والغرب، وهو أسلوب خطاب، تحكمت الإمبريالية والاستعمار من خلاله ببلاد الشرق. لا يمكن وفق وجهة نظري إنكاره، خاصّة ونحن نعيش آثار ذلك وتبعاته في بلادنا. 


أمّا ما قاله مكسيم ردونسون عن كون الاستشراق نتج لضرورات علمية، فإنه لم يستطع إنكار ما قدّمه سعيد رغم أنه حصره في نطاق ما أسماه «الاستشراق التقليدي»، رافضًا أن يكون هو شخصيًّا مستشرقًا، بل قال إنه مستعرب يحب الاطلاع على الثقافة العربية والإسلامية (ردونسون/ جاذبية الإسلام).

س2: كثيرًا ما يتم الحديث -سواء مِن قِبَل مستشرقين أو من قِبَل بعض الكتّاب العرب- عن ظاهرة الاستشراق باعتبارها ظاهرة نشأت لدوافع موضوعية تتعلق بزيادة المعرفة بالإسلام. كيف ترون هذه النظرة ومدى دقّتها في تناول هذه النشأة؟



الاستشراق والدراسات القرآنية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الاستشراق والدراسات القرآنية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاستشراق والدراسات القرآنية   الاستشراق والدراسات القرآنية Emptyالأربعاء 31 يوليو 2024, 7:47 pm

د/ رغداء زيدان:
لا يخفى على باحث أن الاستشراق أول ما شبَّ وترعرع كان في كَنَفِ الكنيسة في القرن الثامن الميلادي كما أسلفنا بهدف دراسة «العدوّ»-إن صح التعبير-، لكن مع ذلك كان الإمبراطور شارلمان (742-814م) وحفيده شارل (823-877م) معجبَيْن بالحضارة العربية الإسلامية، وأرادا لبلادهما أن تنهض وتحذو حذو المسلمين في تقدّمهم وعلومهم، فأسّسَا المدارس المختلفة والمجامع العلمية لتعليم الأوروبيين العلوم العربية الإسلامية، وتبعهما البابا سلفستر الثاني (930-1003) الذي أمر بترجمة الآثار العقلية العربية في مختلف العلوم إلى اللغة اللاتينية.

 أمّا الحروب الصليبية فقد نبهت الغرب إلى الحضارة العربية والإسلامية، لكنها بالوقت نفسه زادت التعصّب الديني، فَرَاحَ الأوروبيون يتعلّمون العربية ويدرسون الإسلام، لا حبًّا في العرب والحضارة الإسلامية، وإنما رغبة في محاربتهما.

 ثم تغيّر الحال مع ظهور أول مطبعة عربية في إيطاليا سنة 1514م، مما دفع بحركة الاستشراق إلى مجالات أوسع وأكثر شمولًا، ولم يأتِ القرن الثامن عشر الميلادي إلا والاستشراق قد وطّد أركانه وحدّد معالمه، وقد أسهم في ازدهاره ضعفُ الدولة العثمانية، وسيطرةُ الاستعمار على الدول العربية.

وبهذا نلحظ أنّ الاستشراق لم ينشأ بغاية علمية بحتة، ولم تقتصر أهدافه على العلم فقط، فقد كان له أهداف دينية واقتصادية وسياسية وعلمية كذلك، كما أنه مرّ بمراحل وتطوّرات، جعلت أهدافه تتمايز بين مرحلة وأخرى، وبالتالي فإنّ نتاجه أيضًا يتمايز بين مرحلة وأخرى، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن كلّ مرحلة تركت آثارها على عموم الاستشراق، وأسهمت في بلورة ماهيته وتكوينه.

س3: من الأمور المركزيّة التي تُثار بطبيعة الحال عند تناول الاستشراق ودراسته للإسلام وللقرآن: قضية المنهج، ومدى قدرته على تناول ما يدرسه من ظواهر. من خلال خبرتكم؛ ما المنهجيات الرئيسة التي تُشَكّل البناءَ المنهجي للاستشراق في اشتغاله على القرآن؟ وما مقدار التطوّر فيها؟ وما مدى قدرتها على تحقيق معرفة علمية حقيقية بما تدرس؟

د/ رغداء زيدان:
أهم المنهجيات الرئيسة التي تشكّل البناء المنهجي للاستشراق في دراسته للقرآن ثلاثة مناهج أساسية، وهي:
 1-المنهج التاريخي: الذي يهتم بتحليل وتفسير الحوادث التاريخية كأساس لفهم المشاكل المعاصرة، ومحاولة التنبؤ بالمستقبل، غير أنّ المستشرقين طبّقوا هذا المنهج على الدراسات الإسلامية والقرآنية عبر ترتيب الوقائع التاريخية وتبويبها وتصنيفها، ثم الإخبار عنها والتعريف بها، لكن تصنيفهم للأحداث والشخصيات الإسلامية تم على أساس عقليتهم الغربية ومعاييرهم الحضارية، متغافلين عن خصائص المجتمعات العربية، وعاداتها وتقاليدها، والظروف البيئية والاجتماعية التي كانت تحكمها، فأثاروا الشكوك حول الوقائع التاريخية الثابتة، والروايات الصحيحة المرتبطة بتاريخ القرآن وعلومه، وشكّكوا بروايات جمعه وتبويبه وتبليغه، وادّعى كثير منهم أن النصّ القرآني نالته تعديلات بالزيادة والنقصان خاصّة في صورته المكتوبة.

بالإضافة إلى أنّ هذا المنهج التشكيكي دفعهم لعدم الاعتماد على ما دوّنه المسلمون والعمل على التشكيك بالمصادر الإسلامية، بالإضافة إلى أنّ المنهج الاستشراقي عمومًا منهج مادّي ينفي الجانب الروحي، ولا يؤمن إلا بالجوانب الملموسة، وهو لا يتناسب مع دراسة الظاهرة الدينيّة.

2- منهج دراسة العهدَيْن القديم والحديث وتطبيقه على دراسة القرآن: ويقوم هذا المنهج على التعامل مع النصّ القرآني باعتباره ظاهرة دينية تطوّرت داخل إطار العلوم الاجتماعية والإنسانية، فأوجدوا ما يعرف مجازًا بعلم نقد القرآن الكريم، فبحثوا في التأثّر المزعوم للقرآن بالإنجيل والتوراة، كما تحدّثوا عن نظريات التحريف والتبديل وتعدُّد المصادر وتاريخ النصّ، فعملوا على تطبيق نظرياتهم الخاصّة حول دراسة العهد القديم والجديد على القرآن الكريم، متجاهلين الاختلاف الكبير بين القرآن والكتاب المقدّس، فليس في القرآن «تاريخ للنصّ القرآني»، كون الوحي القرآني معروف البداية والنهاية، بعكس النصّ التوراتي الذي يمتد لثمانمائة عام ما بين بدء الوحي، حتى عملية التدوين.

وكان لهذا تأثير سلبي على الدراسات القرآنية عند المستشرقين، تمثّل بعدم تجاوز الاهتمام بتاريخ النصّ والبحث في مصادره إلى دراسة مضمون القرآن الكريم، وأفكاره، ومحتوياته الدينية والأخلاقية، ولم يتجاوز درسهم حدود المسألة التاريخية المرتبطة بما سماه المستشرقون «تاريخ الإسلام»، ودراسة نشأته، وتطوّره، ونادرًا ما نجد تحوّلًا استشراقيًّا من دراسة موضوعات النشأة والتطوّر إلى دراسة المضامين الدينية والأخلاقية للإسلام.

3- المنهج الفيلولوجي: ويهدف للبحث عن جذور النصّ وأصوله المتسلسلة، سواء في اللغة الواحدة أم في اللغات المتعددة. وتتداخل الفيلولوجيا مع مجموعة من العلوم؛ كعلم الأجناس (الأنثربولوجيا)، وعلم الصوتيات (الفونطيقا)، ومع مختلف العلوم التي تهتم بالتاريخ الإنساني. وكان المستشرقون يرون أن النصّ القرآني مكوّن من ألفاظ ومفردات، وإذا قاموا بإرجاعها إلى أصولها -مقارنة باللغات الساميّة- بعد وضع النصوص ضمن سياقها التاريخي، يمكن عندها فهم النصّ القرآني بأكبر قدرٍ ممكن من الوضوح حسب رأيهم، ويمكن بعدها وضع قاعدة واعتمادها لترتيبٍ زمنيّ لسور القرآن الكريم.

لكنّ المستشرقين طبّقوا المنهج الفيلولوجي بتعسّف على النصّ القرآني، ولم يراعوا طبائعه، ولا خصائصه الأسلوبية، ولا ما تنطوي عليه ألفاظُه من بلاغةٍ وتجلّيات رُوحية وارتباطات وأنساق في المعاني والمفاهيم، وهو ما أفقدهم القدرة على الفهم والمحافظة على المصطلحات القرآنية، فغيَّروا كثيرًا في معانيها وحمّلوها ما لا تحتمل.

هذه المناهج -ورغم التوسّع في استخدامها وتنوّع وتطوّر وتشعّب طرقها- لم تكن قادرة على مقاربة النصّ القرآني بشكلٍ صحيح، واليوم نجد من يتحدّث عن تاريخ القرآن باعتباره نصًّا شعائريًّا، يخصّ جماعة مسيحية أو يهودية سابقة للإسلام، أو يخصّ جماعة مسلمة أُولى. وهي نظرية تقوم على تمازج هذه المناهج الثلاثة، من خلال البحث عن تاريخ متخيَّل لتطوّر لغوي فيلولوجي لنصّ إنساني بشري نُزعت عنه القدسية، وتم الاكتفاء بدراسته كأيّ نصّ بشري آخر له متعلّقات تاريخية ومؤثّرات اجتماعية وألسنية وإنسانية متداخلة.

س4: جزء أساس من الانتقادات الموجّهة إلى الاستشراق ودراسته للإسلام هو الانطلاق الدائم من مُسبَقات ومعايير خاصّة، مصدرها مسيحي مرّة، وعلماني مرّة، كما يقول جعيط، وبعضها منغرس تمامًا في أساطير القرون الوسطى حول الإسلام وحول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا بالطبع يقطع الطريق على أيّ فهمٍ موضوعي لما يتم دراسته.

هل ترون أن هذا الانتقاد في محلّه؟ وإلى أيّ مدى يمكننا تعميمه؟ وهل لمستم وجود هذه المسبقات في اطلاعكم الواسع على هذا الحقل وفي اشتغالكم على الاستشراق الألماني وعلى نولدكه؟

د/ رغداء زيدان:
هذا النقد صحيح إلى حدٍّ بعيد برأيي، ومن خلال اشتغالي على نقد منهج نولدكه في كتابه (تاريخ القرآن) لمست هذا؛ فنولدكه في بحثه عن أصل القرآن، ومنذ الصفحة الأولى لكتابه (تاريخ القرآن)، وقع في سقطة علمية برأيي، أخذَتْه بعيدًا عن الطريق الذي يمكن أن يوصله إلى الحقيقة.

فالعالِم إذا نسي كونه باحثًا عن الحقيقة، واعتبر نفسه مالكًا لها؛ فإنه يلج بحثه لا ليكتشفها، بل ليدلّل على صواب رأيه هو فيها قبل أن يبدأ بالبحث، فيثبـّتها كقضية مسلّمة، ويمرّ ليبني عليها استنتاجاته التالية دون أن يخبرنا لماذا أو كيف توصّل إلى ما اعتبرَه حقيقة مسلّمة لا تحتاج إلى دليلٍ أو سبب، وهذا ما فعله نولدكه عندما قرّر منذ البداية أن محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- نبيّ، لكن ليس كالأنبياء، فهو لم يوحَ إليه، ولكنه الصوت الداخلي الذي أقضّ مضجعه -حسب رأي نولدكه-.

وعلى هذا المنوال يقرّر أنّ النبيّ -صلوات الله عليه- «تراءى له أنه مدفوع بقوة إلهية ليبلّغ مَن حوله من الناس تلك الفكرة على أنها حقيقة آتية من الله»، ويقول: إنّ أفضل ما في تعاليم محمد أخذه عن اليهود والمسيحيين، لذلك: فـ«إنّ محمدًا حمل طويلًا في وحدته ما تسلّمه من الغرباء، وجعله يتفاعل وتفكيره، ثم أعاد صياغته بحسب فكره، حتى أجبره أخيرًا الصوت الداخلي الحازم أن يبرز لبني قومه رغم الخطر والسخرية اللذَيْن تعرض لهما».

وهكذا لا يبدأ نولدكه بحثه بعرض النظريتين المحتملتين حول أصل القرآن، وهما: الوحي الإلهي، أو التأليف البشري، بل يبدأ مباشرةً بتقرير أن القرآن من عند النبيّ، ويبدأ بالبحث عن أدلة للبرهنة على بشرية القرآن، وكأنّ هذا حقيقةٌ ثابتة لا نزاع فيها ولا جدال، وإنما الجدال في تفاصيل هذه الحقيقة، أي: ما مصادر المعلومات التي اعتمدها محمد في تأليفه للقرآن؟ -حسب زعم نولدكه-.

وهذا الذي فعله نولدكه سار عليه معظمُ المستشرقين في تعاطيهم مع القرآن والنبوّة والوحي، على اختلاف بينهم في الأسلوب والتبريرات التي قدّموها أو النتائج التي وصلوا إليها وأثبتوها دون وجه حقّ.



الاستشراق والدراسات القرآنية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الاستشراق والدراسات القرآنية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاستشراق والدراسات القرآنية   الاستشراق والدراسات القرآنية Emptyالأربعاء 31 يوليو 2024, 7:48 pm

المحور الثاني: الاستشراق الألماني:
س5: الكثير يعطي للاستشراق الألماني موقعًا خاصًّا بالنسبة لغيره من المدارس الاستشراقية. هل ترون أنه بالفعل ثمة اختلافات عميقة بين المدارس الاستشراقية تجعلنا أمام تقاليد استشراقية مختلفة من حيث الموضوعات وطرُق الاشتغال؟ وما سبب هذه الاختلافات سواء من الناحية المعرفيّة أو السياسية؟

د/ رغداء زيدان:
تقسيم الاستشراق إلى مدارس تبعًا للجغرافية واجَهَ اعتراضًا؛ كونه يخالف النتائج المنطقية للبحث في الاستشراق ودراسة نتاج المستشرقين، فوجود الاختلاف بين المستشرقين ليس مردّه إلى الجغرافية واختلاف البيئات المكانية، بل يعود إلى التناوب والتراكم المعرفي، والخبرة في تسيير عجلة البحث الاستشراقي، فالمدارس الاستشراقية تكاد تكون متطابقة من حيث الاهتمامات والمنطلقات وطرق البحث ومناهج الدراسات، كما أنها مكملة بعضها لبعض.

وحقيقة فإنّ المدارس الاستشراقية تتشابه في الواقع بنتاجاتها ومناهجها، على الرغم من وجود اختلافات بينها، وذلك نتيجة الاختلاف الطبيعي بين الشعوب والأفراد.

وبالنسبة للاستشراق الألماني فقد تميّز بميزات، أهمها:
1- أنه لا يخضع لغايات استعمارية أو تبشيرية كالاستشراق في بريطانيا وفرنسا مثلًا، فاهتم الاستشراق الألماني بالدراسات الشرقية القديمة والآثار والفنون والآداب، وهي دراسات تخلو غالبًا من الأغراض السياسية.

2- لم تتصف الدراسات الألمانية بالرّوح العدائية للإسلام أو العرب، بل كان بين المستشرقين الألمان معجبون بالإسلام واللغة العربية (جوته كمثال أو آنا ماري شميل)، بينما وُجد في مدارس استشراقية أخرى مستشرقون كان عداؤهم واضحًا للإسلام.

3- كان هناك دعمٌ ماليّ للأبحاث، مع وجود معاهد خاصّة، وتعاون العلماء الألمان في إنجاز أبحاث استغرق إتمامها سنين طويلة، منها مثلًا كتاب نولدكه عن «تاريخ القرآن» الذي أنجزه عدّة مستشرقين، واستمر العمل عليه سنوات طويلة.

4- اهتمّ الألمان كذلك بدراسة النصّ القرآني عبر الفيلولوجيا، التي تهتم بجذور النصّ وأصوله المتسلسلة.

5- تركّز اهتمام الألمان على نشر المخطوطات القديمة وفهرستها، والاهتمام بمعاجم اللغة والدراسات القرآنية، وكان لهم إنتاجٌ كبيرٌ كان مثالًا سار عليه باحثون كُثُر من مدارس استشراقية بل وإسلامية وعربية أيضًا.

هذه المميزات التي امتازت بها المدرسة الألمانية للاستشراق، أعطتها مكانة كبيرة ومهمّة في العالم.

س6: هناك معضلات في ساحة الدرس العربي تواجه حُسن المتابعة والاطلاع على حصاد الاستشراق الألماني؛ أوّلها بالطبع معضلة اللغة وقلّة المتقنين لهذه اللغة، فضلًا عن غلبة الفيلولوجي على منهجيات هذا الاستشراق. كيف يمكن برأيكم مجاوزة هذا الأمر؟

د/ رغداء زيدان:
نحتاج لمراكز متخصّصة في هذا المجال، تساعد الباحثين على التعرّف إلى تلك النتاجات والأبحاث عبر ترجمتها ودرْسها وتأمين البيئة المناسبة للباحثين والمختصّين وتوفير الدراسات والكتب اللازمة، بالإضافة لعقد المؤتمرات واللقاءات المشتركة مع الباحثين الغربيين خاصّة الألمان منهم لاهتمامهم وجهودهم في هذا المجال، ومشاركة الآراء والتواصل الثقافي البيني سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي، فالجهد الشخصي الذي يبذله الباحثون العرب والمسلمون يبقى قاصرًا على المتابعة الجيدة والكافية. لكن للأسف حتى الآن لا يوجد مراكز كافية ولا خطة عملية لتجاوز هذا النقص.

س7: لا شك أن للاستشراق أثره وإن لم تترجم كلّ كتبه لعموم الدارسين، لكنه يترك أثره على كثير من الباحثين العرب المطّلعين عليه، ويُؤثّر بشكلٍ أو بآخر على ساحة الدرس العربي للقرآن وعلومه. من وجهة نظركم، ما أهم القضايا الفكرية والمنهجية التي أثّر بها الاستشراق على الدارسين العرب للقرآن وعلومه؟

د/ رغداء زيدان:
أدّى اهتمام المستشرقين بالقرآن وعلومه إلى نشر مجموعة كبيرة من المخطوطات والكتب وترجمات القرآن؛ مما كان له تأثيره الكبير على الحركة الفكرية الإسلامية، وكذلك كان له أثر في توجيه الاهتمام نحو مباحث جديدة في علوم القرآن، فاهتمت الدراسات الاستشراقية بالقرآن وعلومه، وقدّم المستشرقون أبحاثهم حول النصّ القرآني والوحي والقراءات والرسم القرآني والمكي والمدني وترتيب القرآن وتفسيره... وغيرها من العلوم القرآنية، كما قاموا بترجمة القرآن إلى اللغات الأوروبية المختلفة، وعملوا على نشر المخطوطات الخاصّة بعلوم القرآن، وحقّقوها وفهرسوها ونظّموها، وعملوا على وضع المعاجم المتنوّعة التي تخصّ القرآن.

وأظنّ أن أهم القضايا التي أثّر بها الاستشراق على الدارسين العرب للقرآن الكريم وعلومه يمكن تلخيصها بما يأتي:
1- قضية تدوين القرآن وجمعه وترتيب سوره حسب النزول.
2- قضية فهارس ألفاظ القرآن وموضوعاته.
3- شبهات المستشرقين فيما يخصّ الوحي والنبوّة.
4- قضايا دراسة النصّ القرآني باعتباره نصًّا تاريخيًّا عاكسًا للثقافة والبيئة التي وُجد فيها.
5- قضايا متنوّعة تختصّ بعلوم القرآن وتصنيفاتها.
6- ترجمات القرآن وتفسيراته.

فالجهد الاستشراقي في دراسة القرآن الكريم وعلومه أثار الاهتمام ووجّه الباحثين للردّ على طروحات المستشرقين، وأيضًا فتح عيونهم على بحث مواضيع أخرى تخصّ الدرس القرآني.



الاستشراق والدراسات القرآنية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الاستشراق والدراسات القرآنية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاستشراق والدراسات القرآنية   الاستشراق والدراسات القرآنية Emptyالأربعاء 31 يوليو 2024, 7:48 pm

في هذا الجزء من هذا الحوار تلقي الدكتورة/ رغداء زيدان الضوءَ على أحد أهم الكتب حول القرآن ضمن التقليد الألماني وضمن حقل الاستشراق بعامة، وهو كتاب (تاريخ القرآن) لنولدكه، كما تتناول قضية التلقي العربي للنتاج الغربي حول القرآن، وإمكان الاستفادة والمثاقفة معه، وسبل اصطناع علاقة قويمة مع هذا النتاج.

مقدمة:
  بعد أن تناولنا في الجزء الأول من هذا الحوار حقل الاستشراق، والتحديد العلمي الدقيق له، ومناهج مقاربته، والبناء المنهجي له خصوصًا في دراسة القرآن، وكذلك التقليد الألماني كأحد أهم التقاليد ضمن الدراسات الغربيّة للقرآن[1]، ينتقل الحديث في هذا الجزء الثاني والأخير إلى تناول أحد أهم النتاجات الغربيّة حول القرآن، وهو كتاب «تاريخ القرآن» للمستشرق الألماني نولدكه، حيث يدور الحديث مع الدكتورة/ رغداء زيدان في هذا المحور حول أهمية هذا الكتاب ضمن الدرس الاستشراقي، ومدى تأثيره ومرجعيته ضمن هذه الدراسات الغربية للقرآن منذ صدوره وإلى الآن، ثم يدور الحديث في المحور الأخير من هذا الحوار؛ الاستشراق والدرس العربي المعاصر، حول طبيعة التلقي العربي للنتاج الغربي حول القرآن، وإشكالات هذا التلقي وإمكانات المثاقفة والاستفادة، والعلاقة القويمة المفترض اصطناعها مع هذا النتاج.

نصّ الحوار
المحور الثالث: كتاب تاريخ القرآن لنولدكه:
س1: لكم اهتمام خاصّ بكتاب نولدكه «تاريخ القرآن»، فقد كانت رسالتكم للدكتوراه حوله؛ فنريد أولًا أن نسألكم عن سبب توجهكم لهذا الكتاب تحديدًا بالدراسة على صعوبته المعروفة لدى الباحثين؟

د/ رغداء زيدان:

لم أهتم بالردّ على ما جاء في كتاب نولدكه، بل انصبّ اهتمامي على دراسة منهجه الذي اتّبعه في ذلك الكتاب؛ وذلك لأنّ كثيرًا من الباحثين يعدّون تيودور نولدكه شيخ المستشرقين الألمان، وقد أسّس في كتابه: «تاريخ القرآن» مدرسة استشراقية أصبحت عمدةً ومنطلقًا للدراسات القرآنية في أوروبا، وعلى هذا فهو يؤسّس -بما قدّمه من آراء وتقريرات فيها كثير من التجاوزات والأخطاء- عمدةً لكثير من الدراسات الأخرى التالية عن القرآن الكريم.

كما أنّ كثيرًا من الباحثين العرب عدُّوا منهج نولدكه مثالًا يُحتذى، وراحوا «يبشِّرون» بمنهج وافٍ لدراسة النصّ القرآني، يعتمد على أدوات نولدكه البحثية، وراحوا يعملون وفقها ليلبسوا بحوثهم لباسًا علميًّا برّاقًا يعتمد على سمعة نولدكه وشهرته التي نالها، هذه الشهرة التي جعلت كثيرًا من أصحاب «النوايا الحسنة» يعدّونه مُنْصِفًا وصديقًا للإسلام ومعجَبًا بنبيّه ولغته العربية.

وحقيقة ليس الاهتمام بدراسة منهج نولدكه في «تاريخ القرآن» نابعًا فقط من كونه عمدة في الدراسات القرآنية الاستشراقية، بل هو أيضًا مثال نموذجي لمناهج المستشرقين في دراساتهم الإسلامية والقرآنية، وكذلك للمنهج الغربي في البحث العلمي الذي يعدّه الباحثون قدوةً ومثالًا للدراسة، ولهذا فإنّ بيان قصور منهج نولدكه البحثي سيؤسّس لتطوير منهج بحثي خاصّ بالدراسات القرآنية، يقوم على أسس صحيحة بعيدة عن التقريرات المسبقة، التي تتناول القرآن على أنه نصّ بشري يمكن البحث عن أصوله التاريخية.

كما أن لنقد منهج نولدكه ضرورة علمية وأخلاقية كذلك، فإذا كانت ضرورته العلمية تتمثّل في كونه أساسًا لمناهج الدراسات القرآنية رغم كلّ أخطائه وقصوره، فإنّ ضرورته الأخلاقية تتمثّل في عدم سكوتنا كباحثين منصفين -قبل أن نكون مسلمين مؤمنين- على الأخطاء المنهجية التي ارتكبها نولدكه، التي عميتْ عنها أو تعامتْ عنها أبصارُ وأفهامُ الباحثين، الذين راحوا يمجّدون ذلك المنهج، ويدبجون له المدائح دون أن يكلّفوا أنفسهم عناء النظر في مطابقته لأبسط قواعد المنهج العلمي الموضوعي؛ لذلك كان من المهم بيان فساد هذا المنهج وعدم نزاهته، وبالتالي بُعده عن العلمية والموضوعية.

س2: كتاب نولدكه تأخرت ترجمته لفترة طويلة، بالإضافة لما ذكرنا من صعوبة اللغة وصعوبة المنهج الفيلولوجي؛ فهل هناك أسباب أخرى أدّت إلى تأخّر ترجمة هذا الكتاب؟ وما تقييمكم لما صدر من ترجمات عربية له؟

د/ رغداء زيدان:
ربما يكون من أسباب تأخّر ترجمة الكتاب -بالإضافة لِما ذُكر- عدم وجود جهة تتبنى إخراج تلك الترجمة وتحمُّل تكلفتها، وذُكر أن الشيخ أمين الخولي كان قد عزم على ترجمة الكتاب إلى العربية منذ الستينيات من القرن العشرين، وبعضهم قال إن ترجمة جزئه الأول كانت مكتملة إلّا أن الشيخ الخولي تردّد في نشر الكتاب خوفًا من الاعتراضات عليه، ولم يكمل العمل على ترجمة باقي الكتاب.

أو كما تعلمون فإنّ الطبعة الأولى من الكتاب ظهرت سنة 2004م، والثانية سنة 2007م، بترجمة جورج تامر بالتعاون مع عبلة معلوف وخير الدين عبد الهادي ونقولا أبو مراد، ودعمت نشره مؤسسة كونراد أدناور الألمانية كنوع من أنواع دعم الحوار بين الثقافات، ووصف رئيسها الكتاب بأنه «مثَل بارز من أمثلة التعاون العلمي الألماني»، وعندما نُشر الكتاب في لبنان أولًا تم منعه بطلب من المراجع الدينية لاحتوائه على مغالطات بحقّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- والقرآن، ثم انتشر منعه في باقي البلدان العربية، والجدير بالذِّكر أن الدكتور محمد رضا الدقيقي الذي قدّم دراسة مهمّة عن الكتاب[2] اضطر للترجمة لعدم وجود ترجمة منشورة للكتاب أثناء إعداد بحثه، لكنه ترجم قسمًا منه، وذكر عند نشر بحثه سنة 2008 أنه لم يتمكن من الاطلاع على ترجمة تامر بسبب المنع.

وعمومًا فالترجمة الموجودة لتامر اليوم ترجمة جيدة، وفيها جهد واضح، وكذلك فإن عمل الدكتور الدقيقي يستحقّ التقدير والاهتمام أيضًا.

س3: كثير من الباحثين في الاستشراق يعطون لهذا الكتاب أهميةً خاصّةً بين كتب الاستشراق المشتغل بالقرآن، ويعدّونه الكتاب العمدة في هذا الباب، وأنتم لكم اشتغال معمّق بالكتاب ومرتكزاته وقضاياه الرئيسة؛ فهل تشاركونهم هذا الاحتفاء بالكتاب؟ أو بمعنى آخر: ما هو الموقع من الأهمية الذي تعطونه لكتاب نولدكه؟



الاستشراق والدراسات القرآنية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الاستشراق والدراسات القرآنية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاستشراق والدراسات القرآنية   الاستشراق والدراسات القرآنية Emptyالأربعاء 31 يوليو 2024, 7:49 pm

د/ رغداء زيدان:
كتاب نولدكه مهمّ بالطبع، لكن أهميته عندي تنبع من كونه يقدّم مثالًا حيًّا على دراسات المستشرقين للقرآن، كما أنه يساعد على تتبع الأثر الاستشراقي النولدكي في دراسات الباحثين الغربيين وكذلك العرب والمسلمين عن القرآن الكريم، فغولدتسيهر يصف نولدكه بـقوله: «زعيمنا الكبير»، ووصف كتابه «تاريخ القرآن» بأنه «أصيل بكر»، (انظر: التفسير الإسلامي لغولدتسهير، ترجمة: عبد الحليم النجار)، وكان يستشهد به، ويعدّه من مراجعه المعتمدة الموثوقة.

وكذلك وصف رودي بارت هذا الكتاب بأنه أساس في هذا الفرع العلمي، وكان يقول: إنّ «على من يريد الاشتغال علميًّا بالقرآن على أيّ نحوٍ أن يعتمد على كتاب نولدكه: تاريخ القرآن» (بارت/ الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، ترجمة: مصطفى ماهر).

وعندما صدرت الطبعة الأولى من الترجمة العربية لكتاب نولدكه «تاريخ القرآن» جاء في التقديم: «نضع في تصرف القارئ العربي كتاب تاريخ القرآن، وهو أهم وأوسع ما صدر في القرن العشرين من كتب باللغة الألمانية، تتناول القرآن الكريم بأسْرِه بالبحث» (المقدمة بقلم جورج تامر).

وقد اعتمدت المقالات الأساسية عن القرآن الكريم في دائرة المعارف البريطانية، ودائرة المعارف الإسلامية، ودائرة معارف بوردا الفرنسية على التعريف بالقرآن وفقًا لمنهج نولدكه الساعي إلى البحث عمّا يسمى بمصادر القرآن، وهو هدف استشراقي يسعى إلى وضع تاريخٍ للقرآن، كما تم وضع تاريخ للتوراة، ولبقية أسفار العهد القديم.

فالكتاب حاز شهرة كبيرة، وأسّس لمدرسة علمية خاصّة في علم الاستشراق، فيما يخصّ دراسة القرآن، وقد أثنى عليه الباحثون العرب تأثرًا بهذا الإعجاب الذي لاقاه الكتاب من المستشرقين الغربيين، وراحوا يكيلون له المديح، رغم أن صلة معظمهم به كانت عن طريق دراسات المستعربين باللغتين الإنكليزية والفرنسية، حيث كانوا ينقلون عن المستشرقين دون رجوعهم إلى الكتاب بأصله الألماني.

س4: تعرض كتاب «تاريخ القرآن» لنولدكه لعملية تنقيح واسعة؛ فلو تطلعوننا عليها إجمالًا، وكذلك المرتكزات الرئيسة الفكرية والمنهجية للكتاب، وهل برأيكم هذه المرتكزات ما زالت حاضرة على ساحة الدرس الغربي للقرآن، أم بعضها قد خضع لمراجعة فكرية ومنهجية؟

د/ رغداء زيدان:
كتاب «تاريخ القرآن» أصله بحثٌ نال به نولدكه الدكتوراه، وكان عنوانه: «حول نشوء وتركيب السور القرآنية»، ثم أجرى عليه تعديلًا وتنقيحًا، ونشر ترجمة ألمانية للدراسة المنقحة تحت عنوان: «تاريخ القرآن»، وعندما طلب من نولدكه إصدار طبعة ثانية من الكتاب اقترح على تلميذه شفاللي القيام بمراجعة العمل ونشره من جديد، وقرّر شفاللي القيام بتعديلات جذرية على الكتاب وأضاف مقاطع كبيرة عليه، كما اشتغل على قسم ثان من الكتاب، وشرع في القسم الثالث الذي اعتنى بمسودته أوغست فيشر، ثم تولى برجشتراسر إنجاز جزأين من القسم الثالث من الكتاب، ليتولى تلميذه أوتو بريتسل إكمال العمل بعد وفاة برجشتراسر، وخرج الجزء الأخير من القسم الثالث للكتاب للنور سنة 1938م، أيْ: بعد وفاة نولدكه بثماني سنوات.

كان القسم الأول من الكتاب عن «أصل القرآن الكريم»، وقد عالجه شفاللي فترك بعض أبحاثه على ما كانت عليه، وعدّل بعضها. أمّا القسم الثاني فكان عن «جمع القرآن»، وقد أصلح فيه شفاللي إصلاحًا شاملًا، وأضاف إليه تعليقًا تاريخيًّا وثائقيًّا عن المصادر الإسلامية والبحث المسيحي الحديث، وتركه كمسودة، قام فيشر بإضافة بعض التصحيحات عليها ثم طبعها. وبالنسبة للقسم الثالث الذي يتحدّث عن «تاريخ النصّ القرآني»، فقد عمل كلّ من برجشتراسر وبريتسل على إصلاح نصّ نولدكه إصلاحًا شاملًا، وأضافا ثماني لوحات لمخطوطات قرآنية.

قام الكتاب على مرتكزات أساسية في معالجته، فقد اعتمد المنهج الفيلولوجي، الذي يبحث عن أصل الألفاظ، ودون اهتمام بنسقها أو بنية النصّ أو قوامه، وكذلك استخدم المنهج التاريخي الذي حاول من خلاله البحث عما أسماه مصادر القرآن، والتي أرجعها إلى التأثير اليهودي، كما استخدم منهج نقد الكتاب المقدّس في تعامله مع القرآن للبحث في ظروف تدوينه وجمعه.

درس نولدكه وشفاللي أصل القرآن عن طريق اهتمامهما بنبوّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وطرائق تلقّيه الوحي، وبدايات رسالته، كما تحدثا عن أمّية النبيّ والوسائل التي كُتب فيها القرآن، وفي البحث حول جمعِ القرآن تم التعامل مع الوحي حفظًا وتدوينًا، وتم بحث مسألة جمع القرآن أيام عثمان، في إبراز لشكوك كثيرة حول عديد من التفاصيل؛ مع الإطالة في المقارنة بين آيات القرآن وأحداث السيرة.

وفي البحث عن تاريخ نصّ القرآن، تم الاشتغال على القراءات القرآنية في محاولة لإثبات أنّ النصَّ الحاليَّ من القرآن إنما هو نصٌّ مشدَّبٌ ومجموعٌ من عشرات النصوص الأخرى.

ومن الأمور المعرفية التي قدّمها الكتابُ تصنيفَه للمراحل الثلاث للسُّوَر المكيّة، كما قدّم ترتيبًا للسُور القرآنية اعتمادًا على الموضوعات وليس استنادًا لأسباب النزول المعروفة.

بعض هذه المرتكزات التي قامت عليها دراسة نولدكه ما زالت حاضرة، خاصّة ما يتعلق ببشرية القرآن والبحث في تاريخيته، وبعضها تَراجع لصالح مرتكزات أخرى كالبحث الفيلولوجي لألفاظ القرآن، الذي تَراجع لصالح التعامل مع القرآن كنصّ شعائري متلوّ.

س5: لا شك أن اشتغالكم على هذا الكتاب كوَّن لديكم تصورًا عن المساحات الخاصّة التي تحتاج لاشتغال بحثيّ حولها من قِبَل الدارسين العرب والمسلمين، سواء في الكتاب نفسه أو فيما يتعلّق بالاستشراق الألماني في العموم؛ لذا نودّ لو تلقون لنا الضوء على أهم هذه المساحات التي تحتاج لاشتغال من الباحثين في ظنكم؟

د/ رغداء زيدان:
برأيي أنّ أهم المساحات اليوم التي تحتاج لاشتغال هي العمل على تطوير مناهج بحث تهتم بالدراسات القرآنية، فالضرورة تدفعنا لوضع أسس وقواعد لتوليد مناهج بحثية في الدراسات القرآنية، تكون قادرة على تحقيق الغاية منها، وهي الوصول إلى نتائج موضوعية صحيحة حول القرآن الكريم، أمّا لماذا نحتاج لمثل هذه المناهج فلأنّ:
1- القرآن كتاب للعالمين يصلح لكلّ زمان ومكان، وكان على مرّ العصور الأساس المولِّد لكثير من العلوم؛ فمنه استنبط العلماء علم الفقه وأصوله، وعلم الكلام وعلوم اللغة وعلم الأخلاق والتصوّف والزهد والمعاملات والنظم الاجتماعية والسياسية...إلخ، ومع ما أصاب المسلمين من ضعف وخَوَر وخمول خلال العقود الماضية، تبرز الحاجة الماسة لتطوير مناهج البحث في الدراسات القرآنية لتستطيع مواكبة تلك المتغيرات واحتوائها، وتقديم الحلول لمشكلات كثيرة تعصف في المجتمع العربي والإسلامي وبنيته خاصة وبالعالم عامة، فالعلوم الإسلامية ليست نتاج مفكّر أو فيلسوف تأمَّل ما حوله ثم دوّن تجربته واستنتاجاته، بل هي وليدة مهمّة أساسية كلّف اللهُ بها عباده المؤمنين، وبيّنها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وهي عبادة الله تعالى، وعمارة الأرض التي استخلف الله فيها الإنسان، وتبليغ رسالة العدل والإحسان والخير للعالم كلّه.

2- ضرورة تخليص تراث الإسلام من النظرة الاستشراقية التجزيئية، التي اشتغلت بمضامين النصّ، وشرّحته شرائح متعدّدة ومتباينة منفصلة، فرّغته من محتواه ومدلولاته، وعملت على تجزئته وتذريته، وتجاهلت جهود العلماء السابقين الذين قدّموا مناهج مهمّة وأساسية وبنائية في دراسة القرآن وعلومه. وبدل أن يستوعب الباحثون العرب والمسلمون نتاج سابقيهم من علماء الإسلام، لاستخلاص الآليات والوسائل التي تساعدهم على فهمٍ تكاملي للتراث العلمي الإسلامي، يمكّنهم من متابعة البحث وتطويره وتوليد العلوم اللازمة المحققة لمقاصد الشريعة، المعبّرة عن ثقافتنا وخصائصنا؛ راحوا يقلدون، ويجترّون ما يقدمه المستشرقون من مباحث انتخبوها، منفصلة عن سياقها؛ لتحقيق أهدافهم الاستشراقية من جهة، أو تلك المتوافقة بشكلٍ أو بآخر مع منظومتهم الفكرية ومرجعياتهم الإدراكية من جهة أخرى. وهو ما أدّى إلى اضمحلال علوم وتوقُّف أخرى كان من الممكن أن تقدّم للبشرية خيرًا كثيرًا.



الاستشراق والدراسات القرآنية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الاستشراق والدراسات القرآنية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الاستشراق والدراسات القرآنية   الاستشراق والدراسات القرآنية Emptyالأربعاء 31 يوليو 2024, 7:49 pm

المحور الرابع: الاستشراق والدرس العربي المعاصر:
س6: دومًا ما نرى فجوة بين الدرس العربي المعاصر للقرآن وعلومه والدرس الاستشراقي، حتى يغيب أحيانًا عن الدرس العربي مجرد الوعي بهذا الدرس ومرتكزاته الفكرية والمنهجية؛ كيف تشخّصون هذا الإشكال وسبب هذه الفجوة؟

د/ رغداء زيدان:
أظنّ أن سبب ذلك يعود إلى حالة الانبهار المعرفي والاستلاب الفكري الذي نعاني منه كشعوب ضعيفة مقابل التفوّق الغربي بعلومه ومناهجه ومنتجاته؛ ولهذا نرى كثيرًا من المفكرين اليوم يتأثرون بالدرس الاستشراقي ويتبنون مخرجاته دون تمحيص أو نظر أو وعي لمرتكزاته الفكرية والمنهجية، فمثلًا كان من تجلّيات مدرسة نولدكه في العالم العربي والإسلامي مدرسة (الأمناء)، التي أنشأها أمين الخولي سنة 1943م.

وحاول الخولي من خلالها إيجاد منهج جديد في تحليل النصّ القرآني، فجعل المستوى الفني في النصّ القرآني المقصد الأول في الدرس، ودعا إلى اعتماد المنهج الأدبي في تفسير القرآن، والنظر إلى القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر، وأثرها الأدبي الأعظم. وكان يرى أن دراسة النصّ القرآني ينبغي أن تتناول الظروف العامة التي أحاطت بالنصّ، مع تحليل النصّ بالنظر إلى مفرداته وتتبع أصولها ومعانيها في العصر الذي نزل فيه القرآن، والقيام باستقراء تلك المعاني، بمختلف استعمالاتها في القرآن.

واقترح تفسير القرآن تفسيرًا موضوعيًّا جديدًا، لا يعتمد على تفسير السور والأجزاء، وكلّ هذا يمكن عَدُّه تطبيقًا لطريقة نولدكه في تتبع أصل المفردات القرآنية والبحث في الظروف التاريخية والبيئية المحيطة. ويظهر تأثّر الخولي بمدرسة نولدكه التي اهتمت باللفظ والترتيب الزمني للقرآن.

فإذا كان نولدكه يهدف من عمله بيان مصادر القرآن، كما زعم؛ فإن الخولي أعلن أنه يهدف إلى فهم تفسير القرآن، وبيان إعجازه، وتلمُّس الجمال الفني والأدبي فيه.

ومع ذلك فإنه وضع قواعد لم يستطع هو نفسه الالتزام والإحاطة بها؛ لذلك لم يترك نتاجًا تفسيرًا علميًّا شاملًا لنظريته في قراءة النصّ القرآني، وكلّ ما تركه من دراسات قليلة أظهرت الفارق بين الواقع الذي قدّمه والمثال الذي دعا إليه.

س7: تُمَثِّل استفادة الباحث المسلم من الدرس الاستشراقي خاصّة حول القرآن وعلومه إحدى الإشكاليات، ويقع الباحث العربي بين معضلتين؛ إمّا الارتهان الكامل لهذا الدرس ومرتكزاته من جهة، وإمّا الاستبعاد لإمكان أيّ استفادة من هذا الدرس في الجهة المقابلة. في وجهة نظركم ما العلاقة القويمة المفترض إجراؤها مع هذا الدرس؟

د/ رغداء زيدان:
أظنّ أنّ العلاقة القويمة ستركّز على ما يمكن الاستفادة منه من الدرس الاستشراقي بعيدًا عن الاستلاب الفكري أو الرفض الكلي المسبق، والتعامل معه تعاملًا علميًّا جادًّا، يفتح مجالات جديدة لتأكيد فكرةٍ أو الردّ على شبهة أو مناقشة رأي وتفنيده، فالقرآن علّمنا أن كنوزه لا تفنى، وأنه محفوظ بحفظ الله، وأنه هدى ونور، محرك للعقل والفكر والوجدان، يستحثّ الإنسان دائمًا على البحث، ويتحدّاه بإعجازٍ ملفتٍ دائمٍ لا ينقطع.

س8: يلاحظ بعضهم أن الدرس العربي للنتاج الغربي يدور على الاشتباك مع المساحات الجزئية ولمّا ينتقل للمثاقفة المنهجية مع مرتكزات الدرس الغربي؛ كيف ترون هذه الملاحظة؟ وكيف يمكن تحقيق هذا الانتقال؟ وما أثره على إثراء الدرس العربي؟

د/ رغداء زيدان:
أتفق مع هذه الملاحظة، وإن كانت بعض الدراسات قد اشتغلت على المرتكزات المنهجية للدرس الغربي؛ مثل كتابات أنور عبد الملك أو إدوارد سعيد أو محمود شاكر أو محمد البهي، لكننا اليوم بحاجة لدراسات أكثر عمقًا وتحليلًا، تستطيع الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المعاصرة، سواء ما يتعلق بأسئلة العولمة والحداثة الفكرية، أو تلك التي نتجت عن المتغيرات الدولية وظروف الواقع في بلادنا، والتي دفعت للمطالبة بالتجديد فيما يخصّ الدرس الإسلامي وإعادة قراءة النصّ القرآني، وهي مطالبات أوقعتنا في فخ ازدراء ما عندنا ومحاولة إنطاق النصّ بما ليس فيه ليتناسب مع النموذج الفكري الغربي المفروض؛ لذلك لا ننفي ضرورة العمل على البحث الجاد وعدم تجاهل متطلبات العصر، لكن مع الحذر من الانسياق وراء استلاب معرفي لا ينتبه لمخاطر ولا مثالب التفاعل الذي يقوم به.

س9: من خلال اطلاعكم؛ ما المساحات التي ترون أنها في حاجة لتكثيف الاشتغال حولها؟ وما المشاريع البحثية التي تستأهل النهوض بها في سياق بداية مثاقفة حقيقة مع الدرس الاستشراقي؟

د/ رغداء زيدان:
برأيي أهم مساحة تحتاج لتكثيف الاشتغال حولها هي التي تختصّ بالمناهج، فبدون مناهج صحيحة لن نصل لدراسات قرآنية صحيحة، ومناهج الدرس الاستشراقي لا تراعي خصائص القرآن ولا خصوصيته، ولا تتعامل معه على أنه وحي من الله، وتغلب عليها الجوانب المادية؛ لذلك فإنّ نتاجاتها وطريقة تعاطيها مع القرآن تحتاج لإعادة تقييم وتقويم.

لكن يغلب اليوم على الباحثين العرب إمّا التماهي مع منتجات الدرس الاستشراقي ومحاولة تقليدها عبر تبني مقولاتها أو البناء على تلك المقولات ومحاولة إعادة قراءة النصّ القرآني وفقها، أو الاشتغال بنقد تلك المنتجات والردّ عليها وتفنيدها، دون الانتباه لقضايا المنهج ومثالبه أو البحث عن المنهج العلمي اللازم للدرس القرآني الصحيح، فالقرآن وهو المعجزة الخالدة على مرّ الأزمان ما زال يقدم لنا الكثير، وما زال يحتاج منا للكثير من الاشتغال لاستخراج كنوزه والاهتداء به.

س10: يستدرك بعضهم عدم فعالية أقسام الاستشراق في الكليات والجامعات العربية وأنها لم تنتج اشتغالًا بحثيًّا مميزًا حتى الآن؛ ما تقييمكم لهذا الأمر ولِواقع هذه الأقسام بصورة عامة؟

د/ رغداء زيدان:
للأسف هذا التوصيف صحيح في كثير من الحالات، والسبب لا يخصّ هذه الجامعات والكليات والأقسام فقط، بل يخصّ قضايا البحث العلمي في كلياتنا وجامعاتنا على اختلاف اختصاصاتها، وضعفها التنظيمي والبرامجي والمناهجي والتعليمي؛ ولذلك أسباب كثيرة، على رأسها عدم الاهتمام الجادّ بالبحث العلمي، وعدم تقديم المتطلبات المادية والمعنوية اللازمة لذلك، بالإضافة إلى ندرة المختصين الجادّين القادرين على تبنّي وإدارة مشاريع بحثية مفيدة.

س11: ذكَر بعض المستشرقين أنه يودّ لو عرف وجهة نظر الباحثين المسلمين في النتاج الذي يقدّمه الاستشراق. في رأيكم ما أسباب هذه الفجوة؟ وكيف يمكن تجسيرها؟ وهل يمكن أن يكون لها انعكاسات حسنة على الدرس الاستشراقي؟

د/ رغداء زيدان:
السبب الأساس برأيي هو حال البحث العلمي المتردّي في بلادنا عمومًا، وعدم وجود مراكز علمية متخصّصة تساعد الباحث وتهيئ له البيئة العلمية المناسبة التي يستطيع الاطلاع من خلالها على آخر النتاجات الاستشراقية، وكذلك عدم وجود جهات تسهّل التواصل مع الباحثين، وإقامة اللقاءات والمؤتمرات المتخصّصة التي تجمع الباحثين وتسمح لهم بتبادل الآراء.

وقد ذكر عبد الرحمن بدوي أن ما قام به المستشرقون من إلغاء مؤتمر المستشرقين وتغيير اسمه ليصبح «المؤتمر العالمي للعلوم الإنسانية دراسات آسيا وشمال أفريقيا»؛ بحجة تصحيح المجال العلمي الذي تخوضه تلك المؤتمرات =كان نوعًا من المؤامرة، هدفَت لتطويق نتائج تلك المؤتمرات التي تُظْهِر أهمية الدراسات الإسلامية وغنى التراث الإسلامي، وهو ما أدى إلى تناثر الجهود المبذولة في المجال وغياب التواصل الفعّال بين الباحثين المهتمين بالاستشراق من مختلف البلدان.

س12: بالنسبة للباحث العربي وهو المنوط به أن يكون أساس هذا الانتقال. في ظنّكم ما التكوين الذي يجب أن يكون عليه الباحث المتخصّص في مجال الاستشراق حتى يستطيع إنجاز هذه المهمّة؟

د/ رغداء زيدان:
باختصار يجب أن يكتسب الدارس والمتخصّص في مجال الاستشراق مجموعة من المعارف الأساسية فيما يخصّ ظروف نشوء الاستشراق وأهدافه ومجالاته وأعلامه ومناهجه ونتاجاته، بالإضافة لقدرته على فهم العقلية الاستشراقية ونماذج التفكير الغربي وتطوراتها والتي أثّرت على الاستشراق وتعامله مع القرآن. كما أن الدارس للاستشراق يجب أن يُولِي تعلُّم اللغات الشرقية أهمية خاصّة وعلى رأسها اللغة العربية؛ بسبب ارتكاز الدين الإسلامي بصورة كاملة على القرآن الكريم الذي أُنزل ودُوّن باللغة العربية.

وكذلك يجب أن يكون عند الباحث القدرة على التنقل والاطلاع على المخطوطات والمكتبات في الدول المختلفة، كما يجب أن يكون قادرًا على التواصل المعرفي مع الباحثين المهتمين بالدرس الاستشراقي في الشرق والغرب على حدّ سواء، من أجل الاستفادة من النتاجات المختلفة وتقويمها وتقييمها، ومن أجل تكامل الجهود منعًا لهدرها أو تمحورها حول ذاتها. وقبل كلّ ذلك يجب أن يتعلم الباحث أخلاقيات البحث العلمي وقِـيَمه، وأن يدرب نفسه على التحكّم بتحيزاته وأيديولوجياته ومسبقاته ومسلّماته، حتى يكون بحثه أقرب للصواب، بعيدًا عن الأهواء والسطحية.

==============================
[1] يمكن الاطلاع على الجزء الأول من الحوار، على هذا الرابط: tafsir.net/interview/34.
[2] هذه الدراسة بعنوان: (كتاب تاريخ القرآن للمستشرق الألماني تيودور نولدكه؛ ترجمة وقراءة نقدية)، وقد صدرت مؤخرًا عن دار النوادر في ثلاثة أجزاء؛ الجزء الأول: الوحي إلى محمد بين الإنكار والتفسير النفسي.
الجزء الثاني: الوحي إلى محمد هل هو صوتٌ داخلي؟
الجزء الثالث: النبي محمد والمرجعية هل ثمة تحوّل؟.

---------------------------------
https://tafsir.net/interview/34/al-astshraq-waldrasat-al-qr-aanyt-1-2



الاستشراق والدراسات القرآنية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الاستشراق والدراسات القرآنية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الاستـشـــــراق والاستـغــــــراب :: كتابات استشراق واستغراب-
انتقل الى: