أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: أبهة الدولة في عصر هارون الرشيد الإثنين 08 يوليو 2024, 6:28 am | |
| ميزانية الدولة وقد عُثر على ميزانية للدولة العباسية مِن إيرادات ونفقات، شأن الميزانيات في هذا العهد، وإن كانت الميزانية التي عثرنا عليها ميزانية لعصرٍ بعْد عهْد الرشيد بقليل، نكتفي ببعضها، فمنها: ١٠٠٠ دينار في اليوم أرزاق أصحاب النوبة من بوابين ومماليك.
١٥٠٠ دينار في اليوم أرزاق الفرسان.
٦٠٠ دينار في اليوم أرزاق المختارين مِن الجند.
٣٣٣ دينارًا في اليوم نفقات المطابخ الخاصة والمخابز.
٤ دنانير في اليوم أرزاق السقايين بالقرب في القصر.
١٠٠ دينار في اليوم أرزاق الحشم مِن المستخدَمين لخزائن الكسوة والصناع والرفائين والمطربين.
٤٤ دينارًا في اليوم أرزاق الجلساء، وأكابر الملهين، ومَن يجري مجراهم.
٤٠٠ دينار في اليوم ثمَن علوفة للخيول في الاصطبلات.
٢٠ دينارًا في اليوم أرزاق مشايخ بني هاشم، والخطباء في المساجد.
٣٣ دينارًا في اليوم أرزاق لبني هاشم مِن العباسيين والطالبيِّين.
٤ دنانير في اليوم ثمَن النفط للنفاطات والمشاعل ومَن يخدمها.
٥٠ دينارًا في اليوم نفقات السجون.
١٥ دينارًا في اليوم نفقات البيمارستانات… إلخ.
وقد جُمعت النفقات كُلُّها فكانت جملتها ٦٩٧٤ دينارًا في اليوم، أَمَّا الدخل فكان مِن الصدقة، والزكاة، والجزية، والخراج، والمكوس، وأعشار السفن، وأخماس المعادن، والمراصد «الجمارك»، وغلات ضرْب النقود، وضرائب الصناعة… إلخ.
وكان فضلُ خليفةٍ على خليفة، وعهْد على عهْد في الموازنة بيْن الدخل والخرج، أَمَّا إذا اختلت الميزانية فقد اختلت شئون الدولة، ويكون ذلك مِن قِلة الدخل مع كثرة الخرج، أو مِن كثرة الدخل مع قلة الخرج، وضياع المصالح. ••• وكانت مراسيم التعيين في غاية من الروعة والبهاء؛ فكان مَن يُستوزَر يأتي إلى القصر بعْد أَنْ يصِلَه الكِتاب الرسمي يحمله إليه أميران مِن أمراء الدولة، وعند خروجه إلى باب الخليفة يُقَدِّمه الحاجب إليه، فيتحدث إليه قليلًا ثم يذهب إليه قليلًا، ثم يذهب إلى حجرة أخرى، فيلبس لباس التشريف، ثم يعود فيُقبِّل يد الخليفة، وينصرف إلى الديوان ممتطيًا فرسًا مطهمةً، وبين يديه كبار الموظفين والجيش والأمراء وموظفو البلاط، وعندما يصل إلى ديوانه يقرأ عليهم مرسوم التعيين.
مجلس الخليفة وكان مجلس الخليفة —ويُسَمَّى مجلس العزيز— يقابل الباب العالي في الدولة العثمانية، وكان مِن أهمِّ الدواوين: ديوان الخراج، وديوان الضِّياع السلطانية، أو كما نسميه اليوم ديوان الخاصة الملكية، وديوان الزمام، وهو ما يقابل اليوم مراقبة الحسابات، وديوان الجند، وديوان الموالي والغلمان، وديوان البريد، وديوان زمام النفقات، وديوان التوقيع، وديوان الأحداث والشرطة، وديوان العطاء، وديوان المظالم، وهو ديوان أعلى مِن المناصب القضائية؛ لأنه كان ينظر في المظالم التي يُتَّهم فيها الملوك أو الخلفاء أو الأمراء أو الولاة على العهد أو أولاد الخلفاء، أو نحو ذلك ممن لا يستطيع القاضي العادي أَنْ يُنْفِذ فيهم كلمته، فكان هذا الديوان يسمع الشكاوَى مِن هؤلاء الخاصة، ويستطيع بواسطة رياسة الخليفة أنْ يُنْفِذ كلمته.
وقد كان الرشيد —ومِن بَعدِهِ المأمون— يرأسان هذه المجالس، وكانوا يُفردون يومًا خاصًّا للنظر في أقوال المتظلمين، ويقولون: إنَّ أوَّل مَن فَعَل ذلك عبْد المَلِك بْن مروان في الدولة الأموية، ثم عُمَر بْن عبْد العزيز، ثم وقف العمل إلى أَن استقرت الدولة العباسية وَرَأَسَهُ المهدي، ثم الهادي، ثم الرشيد، ثم المأمون.
واستمر العمل به إلى زمن المهتدي بالله، ثم عَهِدَ الخلفاء النظر في المظالم إلى قاضي القضاة، أو إلى بعض عظماء الدولة، وكان يُعرَف أنَّ المأمون كان يجلس للمظالم يوم الأحد مِن كُل أسبوع، ولسنا نعلم أيَّ يوم كان يجلس الرشيد فيه للقضاء في هذه المظالم.
دار الضرب وكانت هناك دارٌ تُسمى دار الضرب، تُضرب فيها النقود… أُنشِئت في بغداد، والقاهرة، ودمشق، والبصرة، وكان على دور الضرب هذه ضريبةٌ على ما يُضرب فيها من النقود، مقدارها درهم عن كُل مائة درهم، وربما اختلفت الضريبة باختلاف المُدُن، وتجَمَّع مِنْ ذلك دخْل كبير للدولة، أما مقدار ما كان يُضرب فلَمْ نَعْرفه بالضبط، غيْر أننا رأينا بعض المؤرخين يقول: إنَّ دار الضرب في الأندلس على عهْد بني مروان كانت تَضْرِب مائتي ألف دينار في السَّنة.
وكانت صناعة الضرب هذه صناعة ساذجة بدائية… قالب مِنْ حديد تنقش فيه الكلمات التي يراد ضربها على النقود مقلوبة، يسيحون الذهب والفضة بمقدار، ويصبونها في هذه القوالب، ويطرقونها بمطرقة ثقيلة، ويسمون هذه الحديدة «السكة»، وهناك عمال كثيرون في هذه الدار… من وازن وضارب، ونحو ذلك.
القضاء ولكل ديوان اختصاصاته، بعضها إداري وبعضها قضائي، كديوان القضايا، وكان على جانب عظيم من الأهمية، وكانت كل القضايا لغير المسلمين تُوكَل إلى رؤساء ديانتهم، أما المسلمون فكان يَفصل بينهم القضاء، وكان في كُلِّ حاضرة قاضٍ يتبعه قضاة في النواحي التابعة للمدينة، وكان قاضي بغداد يسمى قاضي القضاة، وهو في الواقع رئيس قضاة المملكة الإسلامية كلِّها، أَمَّا القضايا الخاصة بيْن الناس فتُعهد إلى صاحب ديوان المظالم كَما ذكَرْنا، وأحيانًا يرأس الجلسة الخليفةُ نفْسه، وينوب عنه في غيابه أحد كبار الموظفين، وأعضاؤها: قاضي القضاة، والحاجب، وكبار رؤساء الدواوين، وكان من العادة المألوفة ألَّا تُقبل شهادة كُل شاهد، وإنما يُختار جماعة مِنْ حسني السيرة، أو على الأقل مستوري الحالة يُسَمَّون عادةً بالعدول، ولا تُقْبل الشهادة إلا منهم، فمن أراد أَنْ يُثْبِت حادثةً حدثت تَحرَّى أَنْ تؤدَّى أمامهم، وكانت على العموم محاكم بدائية لم تُنَظَّم تنظيمًا تامًّا إلا في عهد نور الدين محمود زنكي.
الزراعة والصناعة وعُني في عهْد الخلفاء العباسيين بالزراعة، وخاصةً في الولاية التي بين دجلة والفرات؛ فامتدت شبكة من القنوات في الترعة لا تزال آثارها المطمورة باقيةً إلى اليوم، والترع الكبيرة تمخر فيها السفن الكبيرة، هذا القسم الذي بين دجلة والفرات هو الذي يسمى سواد العراق لكثرة خصبه، وعنوا عنايةً كبيرةً بفحص المواد المعدنية، واستخراج الحديد والرصاص والفضة من فارس وخراسان، كما استخرجوا الزمرد من تبريز، والملح والكبريت من شمالي فارس، والقير والنفط من كورجيا، ومِن ثَم أنشأوا إدارةً للمناجم، ووَلَّوا عليها مديرين أكْفاء.
كما كانوا يشجعون الصناعات: كصنع الصابون والزجاج، وشِيدت لهما مصانع في بغداد وسامرا، واشتهرت مصر وسمرقند وبغداد بصنع الورق، وأُتِيَ إلى بغداد بطائفة مِن مهَرة هذه الصناعة، وأُسِّست مصانع للتطريز، وتفوقوا في صناعة الحرير والأطلس والأنسجة الحريرية والسجاجية الفاخرة، وقد اشتهرت الكوفة بكوفياتها الحريرية، وغيرها.
واشتهرت صناعة العباءات النفيسة من حرير الخز، وعلى الجملة اشتهرت كُلُّ مدينة بصناعة، وَعُلِّقت المصابيح البلورية في المساجد ومساكن الأغنياء، وكانت مزدانة بالنقوش الجميلة والآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، وكانت تُصنع هذه المصابيح على أشكال مختلفة، وتباع إما للاستعمال أو للزينة، وقد بقيت منها بقية أثرية إلى اليوم، ويصف لنا بشَّار —الأعمى— كأسًا عليها صورة كسرى بقلنسوته، ورُسم حد للخمر الصرف، ورُسم حد آخر للماء الممزوج به.
ازدهار التجارة وازدهرت التجارة في عهد هارون الرشيد، وكانت أول الأمر في يد اليهود والنصارى، ثم انتقلت إلى المسلمين، وقد كثرت أسواقها، واتسعت مناحيها، حتى وصلت إلى الصين، وهم يَتَّجِرون في الحرير، والأحجار الكريمة، والأقمشة المزخرفة، والزجاج الملون، ونحو ذلك.
وكانوا ينقلون بضائعهم على قوافل متعددة تُسلِّم كلُّ قافلةٍ ما بَعْدها كمراحل البريد.
وقد هَمَّ الرشيد بحفر قناة السويس قبْل ديلسبس بألف عام، وامتدت تجارتهم شرقًا إلى إندونيسيا، وغربًا إلى مراكش وإسبانيا، ويدل على ازدهار التجارة في عهد الرشيد وخلفائه كثرة الدخل الذي كان يُجبى من الأقطار الإسلامية.
الجيش واشتهرت الدولة العباسية بمهندسين يشيدون العمارات الفخمة، وبعضهم اختص ببناء الحصون، وبعضهم أَلَّف الكتب في الهندسة الحربية؛ كالتعبئة وطرق الاستيلاء على الحصون، وتشييد القلاع والفروسية والحصار، وصفات الخيول وأنواع الخيالة، وكان النظام السائد هو نظام الإقطاع، وهو جمع قطيعة، وسميت أماكن كثيرة بقطيعة فلان، وكان مرتب الجندي مائة درهم شهريًّا —وَزِيدَ بعْد ذلك في العصر العباسي— وهذا للجندي الراجل، أَمَّا الفارس فكان مرتبه ضعف ذلك، عدا ما يمنحه الخليفة للجنود في المناسبات المختلفة.
واشتهر نظام في الجيش يسمى نظام الموالي؛ فكان لكل خليفة جيش ينتمي إليه، وكان مِنْ مقتضى هذا النظام تَعَلُّق الجنود بمولاهم والاعتزاز به والتحصن به.
وكان هناك ديوان يسمى ديوان العرض ملحَقًا بديوان الحرب، من وظيفته استعراض الجند، ومعرفة كفايتهم.
ولذلك نجد أناسًا كثيرين يُلَقَّبون بالعارض، وكان لكل مرفق من مرافق الدولة مفتش يسمى بالمشرف، وكان مفتش الري والزراعة يسمى مفتش الأقرحة، ومن وظيفة هؤلاء المفتشين التفتيش، كُلٌّ في دائرة اختصاصه، ورفع التقارير عنها إلى الخليفة. ================================ |
|