قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
(١) سكان الإمبراطورية ولا شكَّ أن القارئ قد تاقَتْ نفسُه إِلى تعرُّف صِفات هؤلاء السكان وآرائهم ومُعْتَقَداتهم.
ولَمَّا كان ذلك يحتاج إلى سِفْرٍ بِعَيْنِه، فإِني أجتزئُ —في هذا الفصل— بذكْرِ أَهم ما يُحِبُّ القارئ أَن يعرفه من شَأْن سكان هذه الإِمبراطورية. أمَّا مُتوسِّط ارتفاعِ قاماتهم، فلا يكاد يزيد على سِتِّ أصابِعَ، وقد كانت نباتاتُهم وأشجارهم وحيوانهم مُناسِبةً ضآلَةَ أجسامهم، وصِغَر حُجومهم، فلم يكن يزيد ارتفاعُ الجيادِ والعجول على أربعِ أصابع أو خَمْسٍ، وكان متوسطُ ارتفاع الخِرْفان إصبعًا ونصف إصبع، وكان إوَزُّهم يكاد يشبه الشُّحْرورَ. أما حشرات هذه البلاد فقد كان من الْمُحال عليَّ أن أراها لدقتها.
على أن أبصار هؤلاء الأقزام كانت تتبيَّنُها بسهولة تامة، فقد وهبهم الله —سبحانَهُ— بَصَرًا حَدِيدًا يُمَكِّنهم من رؤية أدقِّ الأشياء التي لا نراها إلا بالْمِجْهَرِ.
وقد رأيت —ذات مرة— طاهِيًا ينتِف ريش قُبَّرَةٍ لا يزيد حجمها على حجم الذبابة، وأذكر أنني رأيت فتاة تُدخل خيطًا في سَمِّ الْخِياطِ (ثَقْبِ الْإِبْرَةِ) فلم أستطع أن أرى الخيط وَلا الإِبرة لدقتهما، بلْهَ سَمَّ الإبرة.
(٢) بعضُ عاداتِهم وكانوا يكتُبون ويقرءون في سُهولة، ولكن طريقتهم في الكتابة غاية في الغرابة، فهم لا يكتبون من اليسار إِلى اليمين كما يكتب أهل أورُوبا وأمريكا، ولا من اليمين إلى اليَسارِ كما يكتب العرب، ولا من أعْلَى إلى أسفلَ كما يكتب الصِّينيون، ولا من أسفل إلى أعلَى كما يكتب بعضُ الأمم، ولكنهم يَسْلُكون في كتابتهم مَسْلَكًا يخالف أساليب الناس جميعًا، فهم يكتبون سطورًا مُنحنية من إحدى زوايا الورق إِلى الزَّاوية الأخرى.
أمَّا أُسلوبهم في دَفْنِ مَوْتاهُم، فهو أسلوب عجيب حقًّا، فإنهم يضعون رُءوس موتاهم —في قبورهم— إلى أسفلَ، وأَرْجُلَهم إلى أعلَى، لأنهم يعتقدون أَن يوم البَعْثِ سيجيء بعد أحدَ عشرَ ألفَ قمرٍ، وحينئذ يبعث الله من في القبور، ويقلب الأرض فيجعل سافِلَها عالِيَها.
وَلمَّا كانوا يظنون أن الأرضَ منبسطةٌ ليست كُرَوِيَّة، رأَوْا أن يدفنوا موتاهم بهذه الطريقة، حتى إذا جاء يومُ البَعْثِ والنُّشُورِ وانقلبت الأرض —حينئذ— فأصبح عاليها سافِلَها، بُعِثَ مَوْتاهُم واقفين على أَقدامهم.
وكان العامَّةُ يؤمنون بهذه الْخرافَةِ إِيمانًا وثيقًا، ويرَوْنها من العقائد الدينية التي يجب على كل مُؤْمِنٍ أن يَدِينَ بها؛ وَيُكَفِّرون كل من يحاول أن يقنعهم بفساد هذه العقيدة، أو يُظهرَ لهم أَن دينهم براءٌ منها.
وكان عُلماؤهم وخاصَّتهم يعلمون فساد هذا الرأْي وخطأَه، ولكنهم لا يجرُءُون على إِذاعَةِ آرائهم هذه، حتى لا يؤذيَهم الشعبُ، ولا يثور عليهم.
(٣) عِقابُ الخائِنِ وأكثر قوانين هذه البلاد وعاداتهم غريب عنا، مُخالِفٌ لعاداتنا وقوانيننا كل المخالفة، ومن أعجب ما رأيته من قوانينهم صرامَتُهم في معاقبة الوُشاةِ والنمَّامين، فقد نصَّ القانون على أَن كل جريمة تُقْتَرَفُ ضد الدولة، يكون جزاؤها أقصَى العقوبة: وهو القتل —لا هَوادةَ في ذلك ولا رحمةَ— فإذا استطاع المتهم أن يبرِّئ نفسه من تُهمَته، قضت المحكمة بقتل من ألصق به هذه التُّهمَة، وإِعطاءِ البريء جميع أملاكه. فإِذا وَشَى صُعْلوكٌ فقير بإِنسان ثم ظهرت براءته.
لم يكتف الإمبراطور بتبرئة البريء، وقتل الواشي الْمُسيء، بل يمنح البريء شيئًا من أملاكه الخاصة يُعَوِّضُ عليه ما لَحِقه من عَنَتِ السجن، وما أصابه من ضرر التُّهمَة.
أما جريمة الغِشِّ فهي —عندهم— أشد فظاعة من جريمة السرقة، وعقابها صارم كعقاب خيانة الدولة —سَواءً بِسَواءٍ— فِكلاهما جزاؤه القتل.
وإنما شدَّدوا النَّكِيرَ على الْمُدَلِّسِ الغاشِّ لأنهم رأَوْا أن من اليسير على كل إِنسان —إذا كان يَقِظًا حازِمًا— أن يَصُونَ أمواله وأَملاكه عَن أَن تمتد إليها أَيْدي اللصوص، ولا كذلك الشأن في المدلِّس، فإن حيلته وأَساليب مكره تخدع الطاهرَ القلبِ.
وقوانين هذه البلاد تشجِّع على النزاهة والأمانة، وتحارب فسادَ الذِّمَّةِ بكل وسيلة صارِمَةٍ، وهم في ذلك أَبعدُ نظرًا من كل من عَدَاهم من الأمم التي تتهاون في القِصاصِ ومعاقبة المجرمين.
على أَنهم لا يقتصرون على معاقبة الْمُسيء، بل يتخَطَّوْن ذلك إِلى مُكافأة المحسن —تشجيعًا على إحسانه، وإغراءً لغيره بتَقليده— فإذا أَثبت إنسان أَنه أَخلص لبلاده، ولم يخالفْ قانونَها ثلاثةً وسبعين قَمَرًا، منحته الحكومة شيئًا من الامتياز —على حَسَبِ مكانته ودرجته وأَصله— وكافأَته بالمال، ولقبته بلقب «الرَّجُلِ الشَّرْعِيِّ»، وهو من أَلقاب الشرف الرفيعة عندهم، وهو وَقْفٌ على من يُمْنَحُهُ في حياته، ولا ينتقل إلى أَبنائه بعد موته.
وهم إنما يفعلون ذلك لِاعْتِقادهم أن القانونَ لا يَكْمُلُ إلَّا إذا أضاف إلى معاقبة المسيء إثابَةَ المحسن، فكما تعاقب الحكومة كل من يجرُؤ على مخالفة قانونها، يجدُر بها —إِلى ذلك— أن تُثِيبَ كل من يأخذ نفسه باتِّباع القانون بدقة وإِخلاص.
وهم يتمثَّلون العدالة في تمثالٍ ذي سِتِّ أعْيُنٍ: اثنتان من أمام، واثنتان من خلفٍ، وواحدة من الجانب الأيمن، وأخرى من الجانب الأيسر —يَعْنُون بذلك تمثيل الْحِرْصِ الشديد— وفي يمين ذلك التمثال كيسٌ مملوء ذهبًا، وفي يساره سيفٌ مُغْمَدٌ، رَمْزًا إلى المكافأة والقِصاصِ، وإنما لم يَسُلُّوا السيف من غِمده رمزًا إلى إيثار الْحُسنَى والعفو.
وهم —إِذا اختاروا مُوَظَّفي الحكومة— يُؤْثِرون ذوي الأمانة والاستقامة والأخلاق الفاضلة على ذوي المواهب والعبقريات.
ولمَّا كانوا يعتقدون أن الحكومةَ ضروريةٌ جدًّا للجنس البشريِّ اعتقدوا أن الله قد سَّهلَ إدارة شئونها العامة ويسَّرَها تيسيرًا، ولم يشأ أن يجعلها من الأمور العويصة الغامضة التي لا يُتْقِنُها إلا ذَوو المواهبِ النادرة والعَبْقَرِيَّات الفَذَّة، بل جعلها هَيِّنَةً ميسورة يستطيع أن يؤدِّيَها كل إنسانٍ فاضِل يَحْرِص على النَّزاهة والاستقامة والعدل، ويجمع —إلى هذه المزايا— قليلًا من الدُّرْبَةِ واليقَظة وحب الوطن، والقيام بما عليه من فروض وواجبات.
وهم يؤمنون إيمانًا صادِقًا بأن الْخُلُقَ الفاضل وحده هو سِرُّ النجاحِ، وأن إِنسانًا —بالغًا ما بلغ من المواهب العقلية النادرة والذكاء الخارِقِ والألْمَعِيَّةِ— لن ينفع بلاده إذا فقد حُسْنَ الخلُقِ ويقَظة الضمير، بل إِنهم لَيَرَوْنه أشدَّ خَطَرًا على بلاده ممن حُرِم هذه المواهِبَ، لأنه أقدر على الإضْرارِ والإِساءة، ولأن وزيرًا جاهلًا يقع في خَطَأٍ —لجهله— لن يكون ضررُه بليغَ الأثرِ، ولكنه —إذا كان أَلْمَعِيًّا— استطاع أن يَسْتُرَ تَدْليسَه وخيانته وإجرامه، بما أوتِيَ من حِذْقٍ ومهارة، فَيُصبحَ بمأمن من العقاب.
وهم يحرِصون على الدِّينِ أَشد الحِرص ويُفَقِّهون أطفالهم فيه، لاعتقادهم أنه أصل الخير ومصدر الفضائل وجُمَّاعُ الأخلاق النبيلة، ولا يُسندون أي عمل من الأعمال العامة لأي رجل لا يحرص على دينه ولا يَخْشَى الله.
ولَمَّا كان الشعبُ يرى في إمبراطوره أنه رسولُ القُدْرَةِ الإلهية إليه، فإِنه يرى أَن من الْحَتْم على ذلك الرسول الإلهي أَلَّا يَسْتَخْدِمَ في أَعمال الحكومة أَحدًا مِمَّنْ لَا دِينَ لهم، وإلا كان الإِمبراطور حانِثًا في عَهْدِه، غَيْرَ أمِينٍ على الوَديعَةِ التي اؤْتُمِنَ عليها.
(٤) مُخالفةُ القانون هذه هي الأُسُسُ الفاضلة التي بُنِيَ عليها قانونُهم الدقيق، على أَنهم —لسوء الحظ— لم يَتَّبعوا رُوحَ هذا القانون الذي كان سرَّ نجاح أَسْلافِهم، بل أَدخلوا فيه كثيرًا من التَّحْوير والتعديل —مُجاراةً لأهوائهم ونَزَعاتهم الطائشة— حتى أصبحت الْمَناصب العالية لا تُنال إلا بالرَّقْصِ والقفز على الحبال كما أَسلفنا، ونَسُوا نُصُوصَ قوانينهم الأولى، فكان ذلك نَذيِرًا لهم بالانْحِطاط والتَّدَهْوُرِ.
وقد كان أَولَ من أَدخل هذا التغيير الْمَشْئُومَ على قانون تلك البلاد، هو والدُ الإمبراطورِ الحاليّ.
(٥) أَساليبُ التربيةِ ويرى هذا الشعب في إنكار الجميل جريمةً كبيرة لا تُغْتَفَرُ، ويقول: «إن من أَساء إلى من أَحسن إِليه لا يستحق الاحترامَ، وما أجدرَه أَن يسقطَ من عدادِ الأناسيِّ، ويُسْلَكَ في عِداد البهائم».
ويرى هؤلاء الأقزامُ أَن الوالِدينَ جديرونَ أَلّا يحملوا أَعْباءَ تربيةِ أبنائهم، وحَسْبُهم أَنهم قد نَسَلُوا ذُرِّيَّةً جديدة تنفع بلادهم.
ولذلك أَنشأت حكومَتُهم مدارسَ دينية عامة في كل بلد من البُلدان، وقد حَتَمَ قانون هذه الإمبراطورية على الآباء والأمَّهات —ما عدا العمال والفلاحين— أن يُرْسلوا أَبناءهم وبناتهم إِلى تلك المدارس، ليتلَّقوْا ثقافتهم —متى بلغت أَسْنانُهم عشرين قمرًا— وثَمَّةَ يُنقَلون إِلى المدارس التي تُلائِم مواهبهم، وهي مدارسُ شتّى للبَنِينَ والبنات، وَفيها أَساتِيذُ مُدَرَّبون قد أَتقنوا فُنُون التدريس وَالتهذيب، وَوَقَفُوا حياتهم على خدمة النَّشْءِ وتثقيفهم، وَقد جعلوا نُصْبَ أعينهم أن يَبُثُّوا في نفوسهم مَقاصِدَ الخير والشرف، وخِلالَ العدل والشجاعة والتواضع والرحمة، ويَغْرِسوا في قلوبهم —منذ طُفُولتهم— حبَّ الوطن والدِّين.
وفي كل مدرسة رجال يُعْنَوْنَ بشئون هؤلاء الأطفال، ويُلبسونهم ثيابهم، حتى إذا بلغت أسنانُهم أربعة أعوام، أصبح من الْحَتْم عليهم أن يرتدوا ثيابهم بأنفسهم مهما سَمَتْ مَناصِبُ آبائهم. ولا يُباحُ لهؤلاء الأطفال أن يَسْمُرُوا ويَلْهُوا إلا بِحَضْرَةِ مُعَلِّمٍ يتعَّهدهم في أسمارهم ولَهْوهم، حتى يأمَنَ عليهم النَّزَواتِ الطائشةَ، وَيِقيَهُمْ فسادَ الأخلاق في هذه السن.
وللآباء والأمَّهات أن يزوروا أبناءهم وبناتِهم —مرَّتين في كل عام— ولَيس لهم أن يلبَثوا في زيارتهم أكثر من ساعة واحدة.
ولهم أن يتكلموا مع أولادهم في حُرِّيَّةٍ تامَّة، وليس لهم أن يدلِّلُوهم أو يُعْطوهم لُعَبًا أو حَلْوَى أو يُسِرُّوا إليهم بشيء لا يسمعه المعلمُ الْمُشْرِفُ على النِّظام.
أمَّا مدارس البنات، فإنك تجد فيها بناتِ الأُسَرِ الرَّاقية يُنَشَّأْنَ كما يُنَشَّأُ الْبَنُونَ، ويَقِفُ على العناية بشُئونهن خادماتٌ أمينات يُلْبِسْنهن ثيابهن في حضرة إحدى المدرسات، حتى إذا أدركن الخامسة من سِنيهن وجب عليهن أن يرتدين ثيابهن بأنفسهن.
ومتى ثَبَتَ على إحدى الْمُرْضِعات —أو الخادمات— أنها قصَّت على أحد الأطفال قصَّة مخيفة من تلك الخرافات التي تترك في نفوس الأطفال أسْوأ الآثار، أنزلوا بها أشد العِقاب، وأمروا بِجَلْدِها في كل مَدِينَةٍ ثلاثَ جَلْدات.
وهكذا تُعْنَى الحكومة بِثقَافة البنينَ والبنات، وتَنْشِئَتِهِمْ أحسنَ تَنشِئَةٍ، مع تَعْوِيدِهم النَّظافة وحُسْنَ الأدبِ.
أمَّا الدُّروسُ التي يتلَّقوْنها فهي هيِّنةٌ ميسورة، لا تكاد تتجاوز مبادئَ العلومِ وأدبَ اللغةِ والدينِ.
ومِن حِكَمِهم وأمثالِهم المعروفة: أن الزوجةَ جديرةٌ أن تكون لِزَوْجِها خيرَ مُعينٍ، وأن تتعهَّدَ عقلَها بالثقافة والعلم دائمًا حتى لا يَشِيخَ عقلُها.
ويرى هذا الشعب —رَأْيَ اليقين— أن العناية بتربية الأطفال هي أُسُّ نَجاحِ الوطن ومصدرُ خير البلاد، فإِن الطفل الكامِلَ سيكون —بعد قليل— الرجلَ الكامِلَ.
ويقولون: إن من الْميسور أن نُؤَسِّسَ أُسرة فاضلة، كما أن من الْمَيْسور أن نَبْذُر الْحَبَّ وأن نَتَوَلَّاهُ بالعِناية.
وكما أن بعض النبات يتطلب منَّا أن نَرْعاه ونَدْفَعَ عنه غائِلة الشِّتاء وقسْوة العواصف الصَّيفية وفتك الحشرات الْمُؤْذِيةَ حتى نَجْنِيَ منه أطيب الثمار، وكما أن البُسْتانِيَّ الماهر الذكيَّ قادِرٌ على تعهُّد حديقته تعهُّدًا يجعلها تُؤْتي أطيب الثمر، كذلك الأستاذ الصالح قادر على أن يتعهد الطفل —كما يتعهد البستانيُّ النبات— وأن يَغْرِسَ فيه أنْبَلَ الأخلاق وأكرم العادات، وأن يُثمر تعهُّدُه إيَّاه أطيب الْجَنَى وأشْهاهُ.
(٦) أُسْلوبُهم في التَّعليم وهم يُعْنَوْنَ العناية كلها بِتَخَيُّرِ المعلمين، ويُؤثِرونَ أن يكون المعلم صحيح العقل مُتَّزِنَ التفكير، على أن يكون ذا مواهِبَ سامِيَةٍ ونُبوغٍ عظيم.
وهم يَتَوخَّوْن —إلى ذلك— أن يكون المعلم كريم الْخُلُق، ولوْ كان قليلَ الاِطلاع والعلم.
أمَّا مَناهِجُ التربية عندهم، فهي مناهِجُ واضحة، ترمي —في تفصيلها وإجمالها— إلى تعليم الأطفال: كيف يفهمون الحياة العملية فَهْمًا صحيحًا، وكيف يبتهجون بروائع الطبيعة الفاتنة.
وهم يُحَرِّمون على الْمُدَرِّسين أن يُزْعِجُوا تلاميذَهم بمناقشات عَقِيمَةٍ فارغةٍ، وأن يُرْهِقوا أذهانهم بأخْلاطٍ من المعارف وأَشتاتٍ من العلوم لا صِلَةَ لها بالحياة.
وهم يعتقدون أن الذِّهْنَ الإِنسانيَّ يجب أَلا يعرف —من أَلوان العلم— إلا الضروريَّ الذي ينفعه في الحياة ويُنير له السبيل إِلى النجاح.
لذلك كانت علوم تلك المدارس متصلة بالحياة الخارجية أَوثق اتصال، فهم لا يَكُدُّون أَذهان تلاميذهم في تعلُّم لغةٍ قديمةٍ أَبْلاها الزمن، وقُضِىَ عليها بالموت، ولا يُرْهِقونهم بالنَّحْوِ والصَّرْفِ وما إِلى ذلك.
ولكنهم يُعْنَوْن بالتَّطْبيقِ والأمثلة العمليَّة، ويُعلمونهم —منذ حداثَتِهم— الحِكْمة والفلسفة، وينتهزون كل فرصة من الفرص لِتَحْبِيبها إِليهم، ويتَّخذون —من أَوقات اللَّهو والتسلية— مناسبات لشرح أَسرار الطبيعةِ بطريقة فلسفية جذَّابة.
وثمَّة يخرج الطالب —بعد الانتهاء من زمن الدرس— مُزوَّدًا بكل ما تطلُبه الحياة من قُوَّةٍ وجَلَدٍ وخِبْرَة، ومعه كل أَسلحة النِّضال والكِفاح.
وعندهم أَن من الْمُخْزِي أَن يخرُج الطالب من المدرسة وهو جاهل بأسرار الحياة، وأَن يبدأَ دَرْسها بعد ضَياع الفُرصة، وأَن يحاول أَن يتعلم كيف يعيش بعد أَن يقترب من نهايَةِ أَجَلِه.
وأَن يصل إِلى سن الرجولة وهو لا يزال طفلًا في هذه الحياة.
(٧) حُبُّ الحقيقةِ وهم يُشجِّعون كلَّ من يعترف بِخَطئِه، ويَمْنَحُونه أَجزل مكافأة، كما يُثِيبونَ التَّائِبَ الذي يَدُلُّ على نقائصه وعُيوبه من تِلقاءِ نفسه، ويَعْفون عنه ويكرِّمونه، لاعتقادهم أَن الرجوع عن الخطأ إِلى الصواب فضيلةٌ عظيمة جديرة بالتَّقدير والتشجيع.
وهم يَنْشدون في جمهرة الشعب أن يُخْلصوا لإِمبراطورهم إِخلاصَ حبٍّ ووفاء وولاء، لا إِخلاصَ خوفٍ وتملُّقٍ ورِياء.
(٨) دِراسةُ التاريخِ والفلسفةِ أمَّا دراسة التاريخ فهي على غير ما نألَفُه في مدارسنا، وقلّما يُعَنِّي مُدَرِّسو التاريخ أنفُسَهم بشرح الحوادث التاريخية وتحليل أبطالها تحليلًا دقيقًا يصوِّر للنِّشء ما قاموا به من جلائل الأعمال، وما وقعوا فيه من الْخَطأ.
وقلَّما يأبَهُون لتواريخ السنين التي وقعت فيها أهمُّ الحوادِثِ، وذِكْرِ اليوم أو الشهر أو المكان الذي حدثتْ فيه، فإِن شيئًا من ذلك كلِّه لا يَعْنيهم ولا يَروْن فيه أي خطر.
وكل ما يَعنيهم من التاريخ هو أن يتعرَّفوا أسرارَ النفس الإنسانية، وميلَ الناس إلى الظلم والقسوة، والبعدِ عن الإنصاف، والاعتداءِ على غيرهم، بَغْيًا وجَوْرًا، وإذكاء نيران الحروب —في كل عصر من العصور— لِأَتْفَهِ الأسباب، دون أن يحاسِبوا ضمائرهم على ما يقترفون من جرائمَ وآثامٍ، وينظروا إلى نتائج أعمالهم السَّيِّئةِ التي تنتهي بالقتل والتدمير والخراب.
وليس يَعْنِي هؤلاء الأقْزامَ أن يحَبِّبوا العلم إلى كل إنسان، لأنهم يريدون أن يُقْبِلَ كلُّ فردٍ من أفراد الشعب على ما يُلائِمُ طبعَه ومواهبه واستعداده من الفنون والعلوم والْحِرَفِ.
وكثيرًا ما يَسْخَرون ممن يَتَغالَى في الدرس والاطلاع، ويَروْن في ذلك ضررًا بليغًا عليه.
فإِن العقل —فيما يعتقدون— كالجسم سَواء بسواءٍ.
وكما أن الجسم يُؤذْيه الإِفراط في الغِذاء فلا يَسْهُل عليه أن يَهْضِمَه، فإِن العقلَ —كذلك— يؤذيه الإِفراط في غذائه العلمي، فيُصاب بالتُّخَمَةِ التي تُمْرِضُهُ وتَضُرُّهُ، وربما أوْدَتْ به.
وليس عندَ الإِمبراطورِ —نفسِه— مكتبةٌ كبيرة حافلة بالْمُصَنَّفات العلميَّة والفنية، وقلَّما تجد أحدًا يُعْنَى بإِنشاء مكتبةٍ جامعة في بيته؛ فإِذا عُني أحد الخاصة بجمع الكتب سَخِروا منه وسَلَكوه في عِدادِ الْمَعْتُوهِينَ، وشبَّهوه بالْحِمار يحمل أسفارًا من الكتب. ••• أمَّا فلسفةُ هؤلاء الأقزامِ فهي غاية في اليُسْر والسُّهولة، لأنَّها فلسفةٌ عملية لا تقوم على المجادَلاتِ اللفظية والمناقشات الْمُلْتَوِيَةِ المتشعِّبة، والبحوث الغامضة العميقة، التي تُرْهِقُ الذِّهْنَ على غير طائل، ولكنها فلسفةٌ واضحة تقوم على قواعِدَ معقولةٍ وَتُؤْثر التَّوَسُّطَ في الأمور، وتعلمهم أن الشرفَ أَثمنُ من المال، وأَنَّ الرجل العظيم هو الرجل الذي يستطيع —بقوَّة إرادته— أن يَكْبَحَ جِماحَ أهْوائه، وأن من يفعل ذلك جديرٌ أن تَسْمُوَ مكانَتُه على مكانة البطل الفاتح الذي يغلب الأعداء وينتصر عليهم في ميادين القتال.
وعندهم أن الفضيلة هي أُسُّ النجاح والفوز، ويَنْبوعُ السعادة والرفاهِيَةِ.
وهم يتركون للإِنسان أن يتخيَّرَ بنفسه ما يُلائمه ويَتَّفِقُ مع طبيعته من الأعمال، وله كل الحرية في ذلك من غير أن يُقَيِّدَ نفسه بِصناعة أبيه أو فَنِّه.
وثمةَ ترى ابنَ الزارِعِ —مثلًا— قد رفعته مُؤَهِّلاتُه ومَزاياه إلى صُفُوف الوُزَراء، وابنَ الوزيرِ قد أصبح تاجِرًا، لأنه لا يصلح إلَّا أن يكون تاجرًا.
وليس لهذه الشُّعوبِ مَيْلٌ إلى الطَّبيعة والرِّياضة إلا بقدَرٍ معلوم، أي بحَسَبِ ما يحتاجون إليه في حياتهم وفنونهم المفيدة، وقَلَّما يُعَنُّون أنفُسَهم بتَفُّهم أجزاء العالم وأسرار الطبيعة العميقة، فحسبُهُم أن يتمتَّعوا بِمَشاهِدِها الرائعةِ دون دراسَتِها.
أمَّا العلوم النَّظَرِيَّةُ والعقليةُ فهي عندهم عَبَثٌ وخَيالاتٌ وأوْهامٌ لا طائلِ تحتها.
(٩) آراءٌ وقواعدُ وعندهم أن الأُسلوبَ الأدبيَّ يجب أن يجمع بين الجمال والوضُوح —سواء في ذلك أُسلوب النَّظْمِ وأُسلوب النَّثْرِ— وهم يَمْقُتون التكلُّفَ والإِغْرابَ في اللغة، ويرَوْن من فساد الذَّوق والأنانِيَّة الْمَمْقوتَةِ أن يَتَشَدَّقَ الإِنسانُ بألفاظٍ غير مألوفة، ليتظاهرَ بأنه مُتَفَرِّدٌ بغَريب اللغة عن بقية مُعاصِريه.
وعندهم أن اللغة لم تُخْلَقْ إلَّا لتؤَدِّيَ الأغراضَ بأيسرِ لفظٍ وأوضحِ بَيانٍ من غير تَصَنُّعٍ ولا لَبْسٍ.
فإِذا أغْفَلَ الكاتِبُ هذه الأُصولَ الْجَوْهَرِيَّةَ، ولجأ إلى الأسْلوبِ الْمُعَقَّد والاِسْتِعارات الغامِضَةِ، والكِناياتِ الغريبةِ، ونَبَا عن الأُسلوبِ السهل الصَّافي، كان موضع سُخريةِ الناس، وكان بَيانُه —في نظرهم— كأنه ثَوْبٌ مُرَقَّعٌ لا جَمالَ فيه ولا رَوْعة. ••• وهم يَجْمعون —إلى عِنايتهم بتهذيب النفس— عنايتَهُمْ بإِصلاح الجسم، وتقويتِهِ بكلِّ وسيلةٍ من الوسائِل، لأنهم يعتقدون أن العِناية بأحدهما —دون الآخر— لا تَكْفُل لهم وُجودَ الرَّجُلِ الكاملِ.
ولا يَتَسَنَّى لإِنسانٍ أن يصل إلى مرتبة الرُّجولة الكاملة إذا أهمل العنايةَ بأحدهما.
وهم يُشَبِّهون الجسمَ والرُّوحَ بِجَوادَيْنِ قد شُدَّا إلى مركبة لِيَجُرَّاها معًا.
وثَمَّةَ لا يرَوْنَ بُدًّا من أن تكون خُطُواتُهما متساويةً —في أثناء سيرهما— حتى لا يَخْتَلَّ التَّوازُنُ.
وعندهم أنك إذا قَصَرْتَ عنايتَك على تعهُّد عقلِ الطفل بالثقافةِ، وأهملتَ العنايةَ بجسمه، فإِن الضعف واختلالَ الصحة كفيلان بإِتلاف هذا الثَّمر الشَّهِيِّ.
على أنك إذا قَصَرْتَ عنايتك على تعهُّد جِسْمِه وأهملتَ العناية بتثقيفه، فإن الحماقةَ والجهلَ يملآن عقلَه، فلا يستطيعُ أن يؤدِّيَ لوطنه ما يَفْرِضُه عليه من الواجباتِ والفُروضِ. ••• وهم يَحْظُرون على المدرسين أن يُعاقِبوا تلاميذهم عقابًا يؤذيهم في أبْدانهم، فحَسْبُهم أن يَحْرِموهم بعضَ المزايا التي تَطْمَحُ إليها نفوسُهم —إذا لم يجدوا بُدًّا من عِقابهم— وكثيرًا ما يُعاقِبون الطَّالب بِحرمانه حُضورَ دَرْسَيْنِ أو ثلاثةٍ، فيكون لذلك العقابِ أبلغُ الأثر في نفسه. وربما تظاهرَ الْمُعَلِّمُون أمام الطالب بأنهم لا يَرَوْنهُ أهْلًا للتعليم إذا لم يتعهَّدْ نفسَه بالإِصلاح ويُقْلِعْ عن الوقوع فيما وقع فيه من خَطَأٍ.
وهم يبتعدون كلَّ الابتعاد عن ضَرْبِ الطالبِ أو إِيلامِه، لأنهم يَرَوْنَ أن أمثالَ هذا العِقابِ يُعَوِّده الخوفَ والجُبْنَ —منذُ نَشأتِهِ— فلا يُشْفَى منهُما في مُسْتَأْنَفِ حياتِه. =================================