النبات
(١) شعور النبات
(١-١) هل للنبات ذاكرة؟
ذكرنا أمثلة من النباتات الحساسة وفيها مصائد الذباب وغيرها، وكان الرأي السائد يومئذ أن هذا الشعور يختلف عما في الحيوان، لكن العلماء وجدوا الآن بالتجارب المتعددة أن الشعور في كليهما من نوع واحد، فالنبات الحساس يشعر بالألم ونحوه كما يشعر الحيوان، ولم يستطع العلماء التمييز بين تركيب الحويصلات النباتية والحويصلات الحيوانية، وذهب بعضهم إلى أن في النبات قوة الحافظ أو الذاكرة، بنى قوله على تجارب أجراها في الباقلي أو اللوبيا، فإن هذا النبات إذا أمسى المساء طبَّق أوراقه وأرخى أغصانه ونام، فإذا أشرقت الشمس فتح أوراقه وتنشَّط كأنه استيقظ، فوضعوا نباتًا منه في ظلام دائم أربعة أيام متوالية، فلم «ينسَ» ما تعوَّده من إطباق أوراقه ساعة الغروب وتفتيحها عند الشروق، وسَمُّوا ذلك ذاكرة تشعر بها الحويصلات النباتية كما تشعر الحويصلات الحيوانية.

(١-٢) هل يشعر النبات بالألم؟
وبحثوا أيضًا في هل يشعر النبات بالألم كما يشعر الحيوان؟ ويختلف تحديد الألم في الحيوانات باختلاف طبقاتها، فإن ما يسبب ألمًا شديدًا للإنسان مثلًا قد لا يؤثر تأثيرًا يُذكر في سواه، وإذا تكلمنا عن تألم النبات وجب علينا أن نميزه عن تألم الحيوان، على أن النبات في كثير من الأحوال يبدي من مظاهر التألم ما يشبه مظاهره في الحيوان، جربوا ذلك في النبات المعروف بالسنط الحساس أو المستحي، فعرضوا أوراقه على البرد فرأوا فيها حركة تشبه حركة الشعور بالبرد، ثم جربوا تأثير حرارة اللهيب عليه فأدنوا ورقة من أوراقه إلى لهيب الكحول، وأعادوها بسرعة فتحركت الورقة حركة تشبه العمل المنعكس في الحيوان، كأن الحرارة آذتها فنفرت منها، وعرضوا ورقة أخرى على اللهيب نحو نصف ثانية فتكمَّشت تكمش المتألم.

(١-٣) تخدير النبات بالكلوروفورم
ثم عمدوا إلى تجربة الكلوروفورم عليه، وهو مخدر حيواني مشهور (بنج)، فدفنوا القصرية التي تحمل عشبة السنط المذكورة في التبن ووضعوا فوق أوراقها قابلة من الزجاج تغطيها كلها، بعد أن وضعوا بجانبها قطعة من القطن مبتلة بالكلوروفورم، وبعد نصف ساعة أخذت أوراق السنط في الذبول ثم تطبقت وتراخت أغصانها ونامت كما تفعل عند غروب الشمس.

ويؤيد تخدُّر هذا النبات وذهاب شعوره إنك لو لمست أوراقه لا يظهر فيه أقل شعور على خلاف العادة، حتى اللهيب لا يؤثر فيه، فإنهم أدنوا من النبات المُخدَّر لهيبًا، فلم يبدُ فيه تكمش البتة.

كان العلماء يسلمون بتأثر النبات من النور والحرارة، لكنهم كانوا ينكرون شعوره بالألم لخلوه من الأعصاب، أمَّا اليوم فهم يتساءلون «ما هي الأعصاب؟» والجواب بسيط «إن الأعصاب كريات أو حويصلات حيوية تكيفت حتى صارت بشكل العصب»، فيخطر لهم عند ذلك السؤال «لماذا لا يكون ذلك في النبات فتتكيف حويصلاته حتى يكون لها ما للأعصاب الحيوانية؟»

(٢) المفرزات النباتية
النبات ينمو ويتناسل ويموت كالحيوان، وهو أيضًا يتنفش ويفرز مثله، والمفرزات الحيوانية والنباتية منها ما هو عام، كاللعاب والعرق والعصارات المعدية والمعوية في الحيوانات العليا، وكالبخار المائي في النبات، ومنها ما هو خاص ببعض الحيوانات، كالمسك بغزال المسك، والعنبر بحوت العنبر، أمَّا النباتات فمفرزاتها كثيرة الأشكال متفاوتة الخواص، وفيها النافع والضار، فمن الأزهار ما تجني النحل منه عسلًا، ومنها ما ينفث سمًّا ناقعًا.

ذكروا أن جنود خنوفون في القرن الخامس قبل الميلاد أصابت بقرب طرابزون حُفرًا فيها عسل، فتسابقوا إليه وأكلوا منه ما شاءوا، فتسمم كل من أكل، ووجدوا بعدئذ أن في جملة ما جناه النحل من العصارات النباتية إلى ذلك العسل عصارة سامة، وكثيرًا ما يكون في النبات الواحد سم وترياق معًا، فالتابيوكا التي يقتات عليها هنود أميركا ويستخدمها بعض أهل العالم المتمدن محاطة من أصل منبتها بسم من أقوى السموم، فالذين يجنونها يخلصونها من السم، وإذا أراد الزنوج الانتحار أكلوا الجذر كما هو، فيموتون بسرعة.

ومن المفرزات النباتية، الزيوت العطرية، كالنعناع والورد وزهر الليمون، وأكثرها طيارة تنبعث عن الأزهار في البساتين؛ فتعطر الأرجاء وتنعش الأرواح، ومنها ما يلذ طعمه كالسكر، فإنه كثير في قصب السكر وقليل في سوق الذرة.

ومثله المَن وهو نوع من السكر تفرزه سوق بعض النبات وأغصانه، وفي بلاد الأندلس شجر يفرز شمعًا يشبه شمع العسل، وهناك نباتات تفرز الراتنجات والزيوت على أنواعها أشهرها زيت الزيتون وزيت الخروع وزيت بزر الكتان وصمغ الكوتابرخا (الكاوتشوك)، ومن هذا القبيل الشجر الذي يفرز اللبن أو الماء.

(٣) النبات المنير
فقد رأيت أن أكثر المفرزات النباتية تتقطر بشكل سائل يجمد أو يبقى سائلًا، وبعضها يتصاعد بخارًا أو غازًا، وبين المتصاعدات الغازية مفرزات قابلة الاشتعال إذا جمعتها في وعاء وأشعلتها اشتعلت حالًا، وقد تشتعل من نفسها إذا تكاثرت في فصل حار صافٍ، كما يحدث بالنبات المعروف في الإصلاح النباتي دكتامنوس فراكسينلا Dionœa muscipula، وهي أعشاب يتصاعد عنها زيت عطري رائحته مثل رائحة زهر الليمون، أوراقها تشبه أوراق الليمون، إذا أحطت العشب بوعاء من زجاج مضبوط بضع ساعات ثم كشفت عنه الغطاء وأدنيت منه لهيبًا حدث اشتعال سريع بلهيب قوي.

واكتشفت الآنسة لينيوس بنت العالم النباتي الشهير نباتًا يبعث في الظلام شرارًا من نار، وهي أول من لاحظ ذلك، وكانت في بعض البساتين عند الفجر، فشاهدت وميضًا يتنقل بين الأعشاب، فبعثت إلى أبيها وغيره من علماء النبات بشأنه، فلما تحققوا حدوثه عمدوا إلى تعليله، فقالوا إنه شرر كهربائي أفلت من النبات، ثم شاهد مثل هذا الوميض العالم هكرن وأكد وجوده في نباتات أخرى، إما متواصلًا متتابعًا أو متقطعًا.

وأشهر النباتات التي شاهدوا الشرر يتطاير منها الأقحوان (أو صنف منه)، ونبات يعرف بالاصطلاح النباتي باسم Tagetes erecta، ونبات دوار الشمس، وهو يظهر خصوصًا في الأزهار الصفراء اللون عند الفجر أو الشفق.
=================================