أقوال أهل العلم في المفاضلةُ
بين الاعتمار في ذي القعدة والاعتمار في رمضان
أيهما أفضل: الاعتمار في ذي القعدة أم في رمضان Ocia1899
- القول الأول: أن العمرة في رمضان أفضل.
- القول الثاني: أن العمرة في ذي القعدة أفضل.


القول الأول:
أن العُمرة في رمضان أفضل.

ومِمَّنْ قال بذلك:
الإمام أحمد فيما نقله الأثرم وغيره عنه.

وإماما الزمان: ابن باز وابن عثيمين.

ودليل هذا القول:
1- ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَمَّا رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حَجَّتِهِ، قال لأم سنان الأنصارية: «ما منعكِ من الحج» ؟ قالت: أبو فلان –تعني زوجها– كان له ناضحان؛ حَجَّ على أحدهما، والآخر يسقي أرضًا لنا. قال: «فإذا كان رمضان اعتمري فيه؛ فإن عُمْرَةً في رمضان حَجَّةٌ».

وفي رواية: تقضي حَجَّة..

وفي رواية: تعدلُ حَجَّة..

وفي رواية: تقضي حَجَّة مَعِي.

2- فَنَصَّ عليه الصلاة والسلام على فضله...

3- ولأنه يجتمع في عُمرة رمضان أفضل الزمان، وأفضل البقاع...

سُئِلَ العلّامة ابن باز -رحمه الله-:
هل ثبت فضلٌ خاص للعُمرة في أشهر الحَجِّ يختلف عن فضلها في غير تلك الأشهر؟

فأجاب:
أفضل زمان تؤدَّي فيه العُمرة شهر رمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم «عُمرة في رمضان تعدلُ حَجَّة». (متفق على صحته).

وفي رواية أخرى في البخاري: «تقضي حَجَّةُ مَعِي».

وفي مسلم: «تقضي حَجَّة أو حَجَّة مَعِي» -هكذا بالشك- يعني معه عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك العُمرة في ذي القعدة؛ لأن عُمَرُهُ كُلُّهَا، صلى الله عليه وسلم، وقعت في ذي القعدة، وقد قال الله سبحانه: {لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ}.
وبالله التوفيق.

وقال العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع:

قال في الروض: «ويُستحَبُّ تكرارها في رمضان؛ لأنها تعدلُ حَجَّة» هذا ليس بصحيح؛ لأن كراهة السَّلف لتكرارها عام في رمضان وفي غيره.

ولكن هل لها أوقات فاضلة؟
نعم، وفي رمضان تعدل حَجَّة، كما صَحَّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، والصحيح أنها عامَّة خلافاً لِمَنْ قال: إن هذا الحديث ورد في المرأة التي تخلّفت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحَجِّ، فقال لها: «عُمرة في رمضان تعدلُ حَجَّة مَعِي».

فإن بعض العلماء قال:
إن هذا خاص بهذه المرأة يريد أن يُطَيَّبَ قلبها، ولكن الصواب أنها عامَّة، وتُسَنُّ أيضاً في أشهر الحَجِّ، وهي شوال وذو القعدة وذو الحِجَّةِ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم خَصَّهَا بالعُمرة.

وقد تَرَدَّدَ ابن القيم -رحمه الله- أيهما أفضل: العُمرة في أشهر الحج أو العُمرة في رمضان؟

ولكن الظاهر أن العُمرة في رمضان أفضل؛ لقوله: «تعدل حَجَّة»، وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كَرَّرَ العُمرة في أشهر الحَجِّ؛ لتزول عقيدة أهل الجاهلية الذين يعتقدون أن العُمرة في أشهر الحَجِّ من أفجر الفُجُورِ، ويقولون: إذا عفا الأثر، وبرأ الدبر، ودخل صفر؛ حَلَّتْ العُمرة لِمَنْ اعتمر؛ حتى يأتي الناس في غير أشهر الحَجِّ إلى مَكَّةَ؛ فيحصل ارتفاع اقتصادي.

القول الثاني:
أن العُمرة في ذي القعدة أفضل.

وقد مال إليه الإمام ابن القيم في زاد المعاد، ولم يجزم به.

وقال به سليمان العلوان وعبد العزيز الطريفي.

ودليل هذا القول:
1- فعله عليه الصلاة والسلام؛ لأن جميع عُمَرَهُ كانت فيه.

2- ولم يكن اللهُ ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم في عُمَرِهِ إلا أولى الأوقات وأحقها بها.

3- فكانت العُمرة في أشهر الحَجِّ نظير وقوع الحَجِّ في أشهره.

4- وهذه الأشهر قد خَصَّهَا اللهُ تعالى بهذه العبادة، وجعلها وقتاً لها.

5- والعُمرة حَجٌ أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهرُ الحَجِّ، وذو القعدة أوسطها.

وقد يُجَابُ عن ذلك:
يُقال:
1- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشتغل فى رمضان من العبادات بما هو أهم من العُمرة، ولم يكن يمكنه الجمع بين تلك العبادات وبين العُمرة، فأخَّر العُمرة إلى أشهر الحَجِّ، ووفّرَ نفسه على تلك العبادات في رمضان مع ما في ترك ذلك من الرَّحمة بأمَّتِهِ والرَّأفة بهم، فإنه لو اعتمر في رمضان، لبادرت الأمَّة إلى ذلك، وكان يشق عليها الجمع بين العُمرة والصوم، وربما لا تسمح أكثر النفوس بالفطر في هذه العبادة حرصًا على تحصيل العمرة وصوم رمضان، فتحصل المشقة، فأخَّرها إلى أشهر الحَجِّ، وقد كان يترك كثيرًا من العمل، وهو يُحِبُّ أن يعمله، خشية المَشَقَّةِ عليهم.

ولَمَّا دخل البيت، خرج منه حزينًا، فقالت له عائشة فى ذلك؟ فقال: «إني أخاف أن أكون قد شققتُ على أمَّتِي»، وهَمَّ أن ينزل يستسقي مع سُقاة زمزم للحاج، فخاف أن يُغْلَبَ أهلُها على سقايتهم بعده.
والله أعلم.

2- وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كَرَّرَ العُمرة في أشهر الحَجِّ؛ لتزول عقيدة أهل الجاهلية الذين يعتقدون أن العُمرة في أشهر الحَجِّ من أفجر الفُجُور، ويقولون: إذا عفا الأثر، وبرأ الدبر، ودخل صفر؛ حَلّتْ العُمرة لِمَنْ اعتمر؛ حتى يأتي الناس في غير أشهر الحَجِّ إلى مكة؛ فيحصل ارتفاع اقتصادي.

القول الثالث:
أن العُمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل.

وأمَّا في حقه فما صنعه هو أفضل.

وهو قول الحافظ ابن حجر.

قال في فتح الباري في شرح حديث عمرة رمضان:
لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أشهر الحَجِّ كما تقدَّم، وقد ثبت فضل العُمرة في رمضان بحديث الباب، فأيهما أفضل؟

الذي يظهر أن العُمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل.

وأمَّا في حقه فما صنعه هو أفضل؛ لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه، فأراد الرَّدَّ عليهم بالقول والفعل، وهو لو كان مكروهًا لغيره؛ لكان في حقه أفضل.
والله أعلم.

القول الرابع:
التسوية بينهما.

وهو ظاهر كلام جماعة، كما في كشاف القناع عن متن الإقناع.

والله أعلم

============
الكاتب: فؤاد أبو الغيث