مصر إمارة عثمانية
    بعد سقوط دولة المماليك على يد العثمانيين في عام 923هـ/ 1517م، بدأت مصر مرحلة جديدة تختلف كل الاختلاف عن المراحل السابقة لها؛ إذ كانت مصر في عهد المماليك دولة مستقلة ذات سيادة، ثم أصبحت إمارة عثمانية تابعة للباب العالي في إسطنبول، وقد مرَّت مصر خلال تلك الفترة ببعض عهود القوة والبروز.

    تولَّى الخازندار المسبِّح باشا، حكم مصر في عهد السلطان العثماني القوي سليم الثاني الذي تولى مقاليد الخلافة العثمانية ما بين عامي (1566- 1574م/ 973- 982هـ)، فحكم مصر مدة خمس سنوات وخمسة أشهر ونصف، ووجه اهتمامه خصوصًا إلى إبطال السرقات والتعديات، فكان يقبض على اللصوص، ويقتلهم دون شفقة[36]، فارتاحت البلاد من شرورهم، ثم عكف على إصلاح شئون الرعية، وكان نزيهًا لا يقبل الرشوة ولا الهدية، ومن آثاره مسجد عظيم في ضواحي القرافة لا يزال يُعرف باسمه، وقد بناه على اسم الشيخ "نور الدين القرافي"، وجعله له ولنسله ملكًا حرًّا، وخصص دخلاً معينًا للنفقة عليه، وأمر المسبح باشا أن تستهل الأوامر والكتابات الرسمية والأحكام بهذه العبارة: "الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا وآله وصحبه وسلم، إنَّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله". لذا فقد استقرت أحوال مصر الداخلية في عهده، وأصبحت إمارة عثمانية قوية[37].

    صحوة إسلامية في مصر في القرن العشرين
    وفي مطلع القرن العشرين ظهرت مجموعة من القوى السياسية، حاملة جذوة النهضة للأمة المصرية -وإن كانت تحت الاحتلال الإنجليزي- كان الحزب الوطني الذي حمل راية الكفاح ضد الاستعمار، والذي خاض المعارك من أجل التأكيد على القيم الإسلامية كالحجاب؛ إذ دخلت صحيفة اللواء الناطقة باسم الحزب الوطني هذه المعركة ضد قاسم أمين وصحافة حزب الأمة التابع للاستعمار الإنجليزي.

    وقد كان الحزب الوطني الذي دافع عن القيم الإسلامية ورفض السلوك الغربي وقيمه، سببًا من الأسباب الدافعة لقيام ثورة 1919م/ 1337هـ[38].

    وصل الحزب الوطني بعد زعيميه مصطفى كامل ومحمد فريد إلى درجة كبيرة من الضعف والتفكك؛ لذا ظهرت حركة الإخوان المسلمين عام 1928م/ 1346هـ، وحركة مصر الفتاة عام 1933م/ 1351هـ.

    خاضت حركة الإخوان المسلمين التي أنشأها الإمام حسن البنا معاركها ضد الاستعمار والصهيونية والجهل والتبعية، وكان همها الأكبر الانحياز إلى الفقراء والمستضعفين، وناضلت ضد الاستبداد السياسي، واعتمدت الحركة على أسلوب التربية لبناء الفرد المسلم، والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، والأمة المسلمة. أمَّا حركة مصر الفتاة التي نشأت على يد مؤسسها الأستاذ أحمد حسين، فإنها ركزت على العمل السياسي المباشر، وناهضت الاستعمار والاستبداد، وانحازت إلى الفقراء ودافعت عن حقوق الشعب، لكنها لم تصل في قوتها وانتشارها على المدى الذي وصلت إليه حركة الإخوان المسلمين[39].

    فترات التدهور والاضطرابات
    كما مرَّت مصر الإسلامية على مرِّ عصورها بفترات قوة وازدهار، ألمَّ بها عهود تدهور وانحسار؛ إذ شهدت اضطرابات داخلية، ومجاعاتٍ وأوبئة، ومحاصرات عسكرية واقتصادية، ومنازعات حول السلطة؛ وقد أدَّى كل هذا إلى تبدد قواها، وبؤس أهلها، وضياع منزلتها الحضارية بين الأمم والشعوب، حتى أصبحت في أحايين كثيرة تابعة بعد أن كانت متبوعة، وأصابها الضعف بعد القوة، والجدب بعد الرغد والسعة، ونحن نذكر هذه العهود الضعيفة التي مرَّت بها مصر محاولين أن نستقصيها معلِّلين الأسباب، لنتدارسها متلافين العيوب والمشكلات.

    الفتنة تطل برأسها على مصر
    بدأت الاضطرابات تطل برأسها على مصر منذ عهد قريب لها بالإسلام ففي عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ظهرت بعض الشخصيات التي كان غرضها الكيد للإسلام وهدمه، فأخذت تثير السخط على الخليفة الراشد بين أهل الأمصار، ومنها مصر، من ذلك ما قام به رجل يهودي من اليمن هو عبد الله بن سبأ الذي استقر المقام به في مصر حيث وجد أرضًا خصبة لنشر دعوته، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أخذ عبد الله بن سبأ يدعو لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويتحدث إلى الناس بأن لكل نبي وصيًّا، وأن عليًّا وصي محمد صلى الله عليه وسلم.

    ومهما يكن من أمر ففي شوال سنة 35هـ/ 656م جاء إلى المدينة المنورة عرب مصر وجموع من أهل الكوفة والبصرة، وكان المصريون الثائرون أشدهم نقمة على عثمان رضي الله عنه بسبب ما سمعوه وصدَّقوه من ابن سبأ، وكان نتيجة ذلك أنهم قتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبذلك هبت ريح الفتنة بين المسلمين[40].

    وقد سعى أهل مصر في هذه الفتنة الشنعاء منساقين وراء ادِّعاءات ابن سبأ الباطلة، ولم يحاولوا تمحيصها، ولم يحسنوا الظن برجل من أفضل الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يرتدعوا عن سفك دمه رضي الله عنه. وكان هذا من سوء تفكيرهم وتدبيرهم.