مصر في عهد الإخشيديين Ocia1889
    مصر في عهد الإخشيديين
    تميز عهد الإخشيديين بظهور عدد من أعلام الفقه من أبناء مصر الذين كان لهم نشاط ملحوظ، وكان الفقه من العلوم التي أخذت حيزًا من الاهتمام، وكان على رأس الفقهاء المالكية في هذا العهد هارون بن محمد بن هارون الأسواني المتوفَّى (327هـ/ 939م)، وعلي بن عبد الله بن أبي مصر الإسكندراني المتوفى سنة (330هـ/ 942م)، ومن فقهاء الشافعية يأتي في مقدمتهم أبو بكر محمد بن جعفر الكناني المصري المعروف بابن الحداد المتوفى سنة (345هـ/ 956م)، فقد تولى القضاء والتدريس في مصر، وقال عنه ابن خلكان: "كان متصرفًا في علوم القرآن الكريم، والفقه، والحديث، والشعر، وأيام العرب، والنحو، واللغة وغير ذلك، ولم يكن في زمانه مثله، وكان محببًا إلى العام والخاص..."[22].

    وكذا اهتم الإخشيديون بإنعاش الأحوال الاقتصادية في مصر، وأولوا عنايتهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، فالزراعة كانت الحرفة الأساسية لمعظم السكان، وتمثل المورد الأساسي لمدخول الدولة، وقد بذل كافور الإخشيدي جهودًا مكثفة في تنمية الزراعة، حتى زاد خراج[23] مصر على أربعة ملايين دينار كل سنة، فبلغ خراج الفيوم وحدها سنة (356هـ/ 976م) أكثر من 620 ألف دينار[24].

    مصر في عهد صلاح الدين
    وقد تبوأت مصر في عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي مكانة عالية، ففي الوقت الذي كان الأيوبيون يجاهدون فيه الصليبيين في بلاد الشام ومصر، عملوا على استتباب الأمن في مصر، وتوفير الرخاء الاقتصادي لها، وهو ما ظهر على الفلاحين؛ فقد انعدمت ثوراتهم طيلة العصر الأيوبي كله.

    ترك صلاح الدين الأيوبي بصمة واضحة المعالم في التاريخ الإسلامي كله، فبلغت مصر بنصر حطين عام (583هـ/ 1187م) ذروة سامقة مهيبة في المجال الحربي والعسكري؛ إذ أُنشِئ "ديوان الجيش" وهو بمنزلة وزارة الدفاع في الوقت الحاضر، ولا بد لمن يتولى رئاسته أن يكون مسلمًا، وله الرتبة الجليلة والمكانة الرفيعة، وله اختصاصات واسعة؛ فهو مسئول عن معرفة أحوال الجند وما يتعلق بهم.

وساد في عصر صلاح الدين أيضًا نظام الإقطاع الحربي، ويُقصد به توزيع الأراضي على كبار أمراء الدولة وأمراء الأجناد بدل منحهم الرواتب والأعطية النقدية، مقابل تأديتهم خدمات حربية، وتقديم عدد من الجند إلى الجيش السلطاني زمن الحرب كاملي العُدَّة والعدد[25].

    وبالرغم من الظروف التي جعلت الدولة الأيوبية في مصر دولة حربية؛ لجهادها الطويل مع الصليبيين، لكن التجارة نشطت نشاطًا ملحوظًا في عهد صلاح الدين الأيوبي، حيث أقيمت العلاقات التجارية الدولية بين مصر والجمهوريات الإيطالية: بيزا والبندقية وجنوة، فكان التجار الإيطاليون يفدون على ثغري دمياط والإسكندرية للحصول على سلع الشرق[26].