مقدمة الطبعة الأولى:
أخذ الباحثون في الأعوام الأخيرة يُعْنَون عناية واسعة بدراسة أدبنا العربي الحديث؛ فقلما يمضي عام دون أن تُنْشَر فيه أبحاث جديدة، تترجم لشاعر معروف أو كاتب مشهور، أو لجيل بأجمعه من الشعراء أو الكُتاب، أو تصور نزعة وطنية أو قومية أو اجتماعية سرت بين أدبائنا، أو تصف فنًّا بعينه من فنوننا الشعرية أو النثرية.
وبفضل هذه الأبحاث التي تتكاثر يومًا بعد يوم، وما تُلقي من أضواء على أدبنا العربي المعاصر؛ أصبح من الممكن أن يُكْتَب تاريخه كتابة تستوعب أطرافه وأطواره وآثاره وأعلامه.
وأدركت الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية حاجة الدارسين والمثقفين في العالم العربي إلى مؤلَّف جامع لهذا التاريخ، يستقصي العوامل الفعالة في تكونه وتطوره، ويحقق الصلات بينه وبين عصره وبيئاته، ويحلل شخصيات شعرائه وكُتابه وآثارهم الأدبية.
وندبتْ إلى النهوض بهذا العمل طائفة من المتصلين بهذه الدراسات في بلادنا العربية؛ ليكتب كلٌّ منهم القسم الخاص بالأدب المعاصر في وطنه، على أن يكون مجملًا غير مبسوط، بمقدار ما يسد الحاجة ويجلب الكفاية.
وحاولت جاهدًا أن أؤرخ لأدبنا المصري المعاصر، وأن أربط حلقاته ربطًا متناسقًا، يكشف عن المؤثرات والدوافع المختلفة التي عملتْ في حياته، ويصوِّر تطور شعرنا واتجاهاته التي نشأت فيه، وما يمتاز به كل اتجاه من خصال وخصائص، كما يصور تطور نثرنا وحركاته ومعاركه التي احتدمت فيه بين المجددين والمحافظين، وما عبر عنه من صور وفنون أدبية مستحدثة مثل: المقالة، والقصة، والمسرحية.
وتحوَّلتُ إلى المبرزين من شعرائنا وكُتابنا الذين شادوا بجهودهم الخصبة صَرْحَ أدبنا الشامخ، فدرستُ شخصياتهم الأدبية وأعمالهم الفنية القيِّمة دراسة مجملة، تتفق والغرضَ من تأليف هذا الكتاب.
ولا أزعم أن هذا البحث الموجز تاريخٌ شاملٌ أو وافٍ لأدبنا المصري المعاصر، إنما هو خطوة في سبيل كتابة هذا التاريخ.
وقد توخيت الإيجاز في عرض حقائقه ومسائله، وأغفلت من أجل ذلك ذكر مصادره ومراجعه.
وكل ما آمله ألا أكون قصرت، وأن أكون حقًّا استطعت أن أؤدي الغاية التي إليها نزعتُ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
القاهرة في أول يونية سنة 1957م.
شوقي ضيف