أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل الحادي عشر بَيْن العِيدَيْن السبت 27 أبريل 2024, 1:36 am | |
| (١٢) قبة الوحي ودخلتُ أَيضًا دارَ «خَديجةَ» الكُبرَى —رَضْوانُ اللهِ عليها— وفيها قُبَّةُ الوَحْيِ.
وفيها أَيضًا مَوْلِدُ «فاطمةَ» —رضي الله عنها— وهو بيتٌ صغيرٌ مائِلٌ للطُّولِ.
والمَوْلِدُ شِبْهُ صِهْرِيجٍ صَغِيرٍ، وفي وَسَطِهِ حَجَرٌ أَسْوَدُ.
وفي ذلك البيتِ موْلِدُ «الحسَنِ» و«الْحُسَيْنِ» ابنَيْها —رضيَ اللهُ عنهما— وهُوَ لاصِقٌ بالجدارِ؛ ومَسْقَطُ شِلْوِ «الحَسَن» لاصِقٌ بِمَسْقَطِ شِلْوِ الحُسَينِ (والشِّلْوُ: الْجَسَدَ).
وعليهما حجرانِ مائِلانِ إلى السوادِ، كأَنَّهما علامَتانِ لِلْمَوْلِدَيْنِ.
(١٣) مواطنُ كريمَةٌ وفي الدارِ المُكرَّمةِ أَيضًا مُخْتَبَأُ النبيِّ ﷺ شَبِيهُ القُبَّةِ.
وفيهِ مَقْعَدٌ في الأَرْضِ عميقٌ شَبيهُ الحُفْرَةِ، داخلٌ في الجدارِ قليلًا.
وقد خرجَ عليه منَ الجدارِ حجرٌ مبْسوطٌ، كأَنَّه يُظِلُّ المَقْعَدَ.
قيلَ إِنهُ الحجرُ الذي غَطَّى النبيَّ عند اختبائِهِ في ذلك المَوضِعِ.
وعَلَى كلِّ واحد —من هذه المَوالِيد— قُبَّةُ خَشَبٍ صغيرةٌ تصونُ المَوضِعَ، غيرُ ثابتةٍ فيهِ، فإِذا جاءَ المُبْصِرُ لها نَحَّاها، ولَمَسَ الموضِعَ الكريمَ، وتَبَرَّك بهِ، ثم أَعادها عليه.
(١٤) زعيم الشَّيْبِيِّينَ وفي يومِ الْجُمُعَةِ —الرابعِ والعِشْرِينَ من ذِي القَعْدَة— نَفَذَ أَمْرُ الأَميرِ «مُكًثِرٍ، بالقَبْضِ عَلَى زعيمِ الشَّيْبِيِّينَ «مُحمدِ بن إِسماعيل»، وانتهاب منزلِهِ وصرْفِهِ عنْ حِجابَةِ البيتِ الحرامِ.
وذلك لِهَناتٍ (لأَشْياءَ) نُسِبَتْ إِليهِ، لا تليقُ بِمَن نِيطَتْ به سِدَانَةُ البيتِ العتيقِ (ومَنْ يُرِدْ فيهِ بِإلحادٍ بظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَليمٍ).
أَعاذَنا الله من سُوءِ القَضاءِ، ونفوذِ سِهامِ الدُّعاءِ.
وفي هذهِ الأَيامِ السالِفَةِ من الشهر المَذكورِ توَالى مَجيءُ السَّرْوِ اليَمَنيِّينَ —في رِفاق كثيرة— بالمِيرَةِ من الطَّعامِ وسواهُ، وضُروبِ الإدامِ والفواكِهِ اليابِسَةِ، فأَرْغَدُوا البَلَدَ (وسَّعُوا أَرزاقه وأَخْصبُوه).
ولَوْلاَهُم لكانَ من اتِّصالِ الجَدْبِ وغَلاءِ السِّعْرِ في جَهْدٍ ومَشَقَّةٍ، فَهُمْ رحمةٌ لهذا البَلَدِ الأَمِين.
(١٥) زُوَّار «طَيْبَةَ» ثُمَّ تَوَجَّهُوا إِلى زِيارَةِ التُّرْبَةِ المباركةِ «طَيْبَةَ» مَدْفِنِ رسولِ الله ﷺ، ووصلوا في أَسْرَعِ مُدَّةٍ.
قطَعُوا الطَّريقَ من «مَكَّة» إِلى «المَدينَةِ» في أَيَّامٍ يَسِيرةٍ، ومن صَحِبَهم من الحاجِّ حَمِدَ صُحْبَتَهُمْ.
(١٦) أَفواج اليمن وفي أَثْناءِ مغِيبِهم وَصَلَتْ منهم طوائِفُ أُخَرُ للحجِّ خاصَّةً —لضيق الوَقْتِ عنِ الزِّيارة— فأَقامُوا ﺑ«مكةَ»، ووصلَ الزُّوارُ منهم، فضاقَ بهم المُتَّسَعُ.
فلمَّا كانَ يومُ الإثْنَيْن —السَّابعِ والعِشْرِينَ من الشهر— فُتِحَ «البَيْتُ العَتِيقُ»، وتَولَّى فَتْحَه من الشَّيْبِيِّينَ ابنُ عم الشَّيبيِّ المَعْزُولِ، وهوَ أَمْثَلُ طريقةً منه على ما يُذْكَرُ.
فازدَحمَ السَّرْوُ للدُّخولِ، عَلَى العادَةِ.
فجاءُوا بأَمرٍ لم يُعْهَد فيما سلَف: يَصعَدُون أَفْواجًا حتى يَغَصَّ البابُ الكريمُ بهم، فلا يَسْتَطِيعونَ تَقَدُّمًا ولا تأَخُّرًا، إِلى أن يَلِجُوا على أَعْظَمِ مَشَقَّة.
ثُمَّ يُسْرِعُونَ الخروجَ فيضيقُ البابُ الكريمُ بهم.
فينحدِرُ الفوجُ منهم على المَصْعَدِ، وفوجٌ آخَرُ صاعدُهُ، فيلْتَقِيه وقد ارتبَطَ بعضُهم إلى بعضٍ.
فرُبَّما حُمِل المُنْحَدِرُون في صُدُورِ الصَّاعِدِينَ، وربَّما وقَفَ الصَّاعِدُونَ للمُنْحَدِرينَ وتضاغَطُوا إِلى أَن يَميلوا، فيقعَ البعضُ على البعضِ.
فيُعاينُ النَّظَّارَةُ منهم مَرْأًى هائِلًا.
فمنهم سَلِيمٌ ومنهم غيرُ سليمٍ.
وأَكْثرُهم إِنَّما ينْحَدِرون وَثْبًا عَلَى الرءُوسِ والأَعناقِ.
(١٧) أَعجب ما رأَينا ومن أعجبِ ما شاهَدْناهُ في ذلك اليَوْم أَن صَعِدَ بعض من الشَّيْبِيِّينَ —في أَثناءِ ذلكَ الزِّحامِ — يَرُومُون الدُّخُولَ إِلى البَيْتِ الكريمِ.
فلَمْ يَقدِرُوا على التخلُّصِ، فتعلَّقوا منْ عَضادتَيِ البابِ (وهُما: خَشَبتاهُ مِنْ جانِبه)— بأَسْتارِ حافَتَيْهِما.
ثُمَّ إِنَّ أَحدَهُم تَمَسَّكَ بإِحْدَى الشَّرائِطِ القِنَّبِيَّةِ (الكَتَّانيَّةِ) —وهذه الشَّرائطُ مُمْسِكة للأَستار— إِلى أن علاَ الرُّءُوسَ والأَعناقَ فوطِئَها، ودخلَ البيْتَ فلَم يَجِدْ مَوْطِئًا لِقَدَمِه سِواها، لِشِدَّةِ ازدحامِهم، وتَراصِّهِمْ وتَراكُمِهِم، وانْضِمامِ بَعْضِهِم إلى بَعْضٍ.
وهذا الجَمْعُ الذي وَصلَ منهُمْ في هذا العامِ لم يُعْهَدْ قَطُّ مِثْلُهُ فيما سلَف من الأَعوام.
ولله القُدْرَةُ المُعْجِزَةُ.
(١٨) إِحرام الكعبة وفي هذا اليومِ (الذي هو السابعُ والعِشرُونَ من ذِي القَعْدَةِ) شُمِّرَتْ أَسْتارُ الكعبَةِ المُقَدَّسَةِ إلى نَحْوِ قامَةٍ ونصفِ قامةٍ —من الجُدْر— من الجوانبِ الأَرْبَعَةِ.
ويُسَمُّونَ ذلك إحْرامًا لها، فَيَقولون: «أَحرَمَتِ الكعبةُ»، وبهذا جَرَتِ العادَةُ دائمًا في مِثْلِ هذا الوقْتِ من الشَّهْرِ.
ولا تُفْتَحُ مِنْ حِينِ إِحْرامِها إلاَّ بَعْدَ الوَقْفَةِ.
فكأَنَّ ذلك التَّشْمِيرَ إِيذانٌ بالتَّشْمِير للسَّفَرِ، وإيذانٌ بقُرْب وقْتِ وَداعِها المُنْتَظَرِ.
لا جعلَهُ اللهُ آخِرَ وَداعٍ، وقَضى لنا إِليها بالعودَةِ، وتَيْسِير سَبيل الاستِطاعَةِ، بِعِزَّتِهِ وقُدْرَتِه.
(١٩) زَوْرَة الوَداع وفي يومِ الجُمُعَةِ الرَّابعِ والعشرينَ قبلَ هذا اليومِ، كان دُخولُنا إِلى البَيْتِ الكريمِ على حالِ اخْتِلاس وانتهاز فُرصَة أَوجدَتْ بعضَ فُرجَةٍ من الزِّحامِ.
فدخَلْناه دُخُولَ وَداعٍ، إِذ لا يُتَمَكَّنُ دُخُولُه —بعد ذلك— لِتَرادُفِ الناسِ عليهِ — ولا سِيَّما الأَعاجِمُ الواصِلُون مع الأَمِير العِراقِيِّ.
فإِنَّهم يُظْهِرون —من التَّهافُتِ عليْه، والبِدار إِلَيهِ، والازْدِحامِ فيهِ— ما يُنْسِي أَحوالَ السَّرْو اليَمَنِيِّينَ، لفَظاظَتِهِم وغِلْظَتِهم.
فلا يَتَمَكَّنُ لأَحَدٍ مِنْهُم النَّظَرُ، فَضْلًا عن غيرِ ذلك.
واللهُ —عزَّ وجلَّ— لا يجعَلُهُ آخِرَ العهْدِ ببَيْتِه الكريمِ، ويَرْزُقُنا العَودَ إلَيهِ على خَيْرٍ وعافية.
(٢٠) قبة الحديد وفي يومِ إِحْرام الكَعبةِ المَذكُورِ، أُقلِعَت —عن موْضِعِ المَقامِ المُقَدَّسِ— القُبَّةُ الخشبيَّةُ التي كانت عليهِ، ووُضعَت —عِوَضَها— قُبَّة الحَديد، إِعدادًا للأَعاجمِ.
لأَنها لو لَم تكُن حَديدًا لأَكلُوها أَكلًا، فَضلًا عن غَيرِ ذلك، لِما هُم عليه من صِحةِ النُّفوسِ —شَوقًا إِلى هذه المَشاهدِ المُقَدَّسةِ— وتَطارُحِهِم بجُسومِهم عليها.
واللهُ يَنفَعُهم بِنِيَّاتِهِم.
(٢١) الزعيم المَعزول وفي يومِ الثُّلاثاءِ الثَّامنِ والعِشرِينَ من الشهْرِ، جاءَ زَعيمُ الشَّيْبِيِّينَ المَعزولُ يتَهادَى بين بَنِيهِ —زَهْوًا وإِعجابًا— ومِفتاحُ الكَعبةِ المُقدَّسَةِ بيَدِه قد أُعِيدَ إِليه.
ففَتح البابَ الكَريمَ، وصَعِدَ مع بَنِيهِ السَّطحَ المُبارَكَ الأَعْلَى، بأَمراسٍ من القِنَّبِ غَليظةٍ (حِبالٍ من الكَتَّانِ)، وقد أَوثَقوا تلك الحِبالَ في أَوتادِ الحديدِ المَضْرُوبةِ في السَّطح، وأَرسَلوها إلى الأَرضِ.
فيُرْبَطُ فيها شَبيهُ مَحمِلٍ من العُود (الْخَشب)، ويجلِسُ فيه أَحدُ سَدَنةِ البيتِ من الشَّيْبِيِّينَ، فيُصعَدُ به عَلى بَكَرَةٍ مُعَدَّةٍ لذلك، في أَعلى ذلك السَّطحِ، فيتَولَّى خِياطَةَ ما مزَّقَتهُ الرِّيحُ من الأَسْتارِ.
(٢٢) ثمَنُ الوظيفة فسأَلْنا: كَيف عادَ هذا الشَّيبِيُّ المَعزُولُ إِلى وظِيفتِهِ، وصُرِفَ إلى خُطَّتِهِ، عَلَى صِحَّةِ الهَناتِ المَنسوبَةِ إِليهِ؟ فأُعْلِمْنا: أَنه صُودِرَ عليها بخَمْسِ مئة دينارٍ مَكِّيَّةٍ استَقْرَضَها ودَفَعها.
فطالَ التَّعجُّبُ من ذلك.
وتحقَّقْنا أَنَّ إِظهارَ القَبْضِ عليه لم يكُنْ غَيْرَةً ولا أَنَفَةً عَلَى حُرُماتِ اللهِ المُنتهَكَةِ عَلَى يدَيهِ.
والحالُ تُشبِهُ بعضُها بعضًا.
وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.
وإِلى اللهِ المُشتكَى من فَسادٍ ظَهرَ —حتى في أَشرَفِ بِقاعِ الأَرضِ— وهو حَسْبُنا ونعْمَ الوكِلُ!
(٢٣) آثارٌ جليلة وفِي يومِ الأَرْبِعاء التاسِعِ والعِشْرِينَ مِنْ ذي القَعْدَةِ المَذكورِ، دخَلْنا دارَ الخَيْزُرانِ التي كانَ مِنها منْشَأُ الإِسْلامِ.
وهِي بإِزاءِ «الصَّفا»، ويُلاصقُها بَيْتٌ صَغيرٌ —عَن يَمين الدَّاخِل إِليْها— كان مَسكَنَ «بِلالٍ» رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وبالقُرْبِ مِنْها بُيُوتٌ لِلْكِراءِ من الحاجِّ.
وهذه الدَّارُ المُكَرَّمَةُ دارٌ صغيرةٌ، وهي مجدَّدةُ البِناءِ.
وعن يَمِينِ الدَّاخِل إلَى هذِهِ الدَّار بابٌ يُدْخَلُ مِنه إِلى قُبَّةٍ كَبيرة بديعةِ البِناءِ، فيها مقَعْدُ النَّبيِّ والصَّخْرَةُ التي كان إليْها مُسْتَنَدهُ.
وعنْ يَمين المَقْعَدِ موضعُ «أَبِي بَكْر الصِّدِّيق»، وعَنْ يَمين «أَبي بكرٍ» موضِعُ «عَلِيِّ بن أَبِي طالِبٍ».
والصَّخْرَةُ التي كان إليها مُستْتَنَدُهُ، هِيَ داخِلَةٌ في الجِدار شِبْهُ المِحراب. ••• وفي هذِهِ الدَّارِ كانَ إسْلامُ «عُمَرَ بنِ الخَطَّاب»، ومنها ظَهَرَ الإسْلامُ على يَدَيْهِ، وأَعزَّهُ اللهُ بِه. |
|