أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: أعيَاد رَمضَان السبت 27 أبريل 2024, 1:30 am | |
| (١١) حَفَظَةُ القُرآنِ وهذا الشَّهْرُ المُبارَكُ قد ذكَّرَنا اجتِهادَ المُجاوِرِينَ للحَرَم الشَّريفِ في قِيامِه، وصَلاةِ تراويحِهِ، وَكَثرةِ الأَئِمَّةِ فيهِ.
وكلُّ وَتْرٍ من اللَّيالي العَشْرِ الأَواخِر يُخْتَمُ فيها القُرآنُ.
فأَوَّلُها —لَيلةُ إِحدَى وعِشرِينَ— ختَمَ فيها أَحدُ أَبناءِ أَهل «مكَّةَ».
وحضَر الخَتْمَةَ القاضِي وجَماعةٌ من الأَشْياخِ.
فلمَّا فَرَغُوا منها، قام الصَّبيُّ فيهم خَطيبًا، ثم اسْتدعاهُم أَبو الصَّبيِّ إِلى مَنْزِلِهِ إِلى طَعامٍ وحَلْوَى قد أَعدَّهُما واحْتَفَل فيهما.
(١٢) الغلامُ المَكِّيُّ ثُمَّ بعد ذلك لَيلَةَ ثلاثٍ وعشرينَ، وكان المُخْتَتِمُ فيها أَحدَ أَبناءِ المَكِّيِّينَ ذوِي اليَسارِ، غُلامًا لم تَبْلُغْ سِنُّه الخَمْسَ عشْرَةَ سَنةً.
فاحتَفَل أَبوهُ لهذه الَّليلةِ احتِفالًا بديعًا.
وذلك أَنه أَعَدَّ له ثُرَيَّا مصنوعةً من الشَّمَعِ مُغصَّنَةً، قد انتَظَمَت أَنواعَ الفَواكِهِ الرَّطْبَةِ واليابِسَةِ، وأَعدَّ إِليها شَمَعًا كثيرًا.
ووَضَعَ في وَسَطِ الحَرمِ — مِمَّا يلي بابَ «بني شَيبَةَ» شَبيهَ المِحرابِ المُرَبعِ من أعوادٍ طَويلَةٍ، قد أُقيمَ عَلَى قوائمَ أَربعٍ، ورُبِطت في أَعلاهُ عِيدانٌ نزلَتْ منها قَناديلُ، وأُسرِجَتْ في أَعلاها مَصابيحُ ومَشاعِيلُ.
وسُمِّر دائِرُ المِحرابِ كلِّه.
وأُوقدت الثُّرَيَّا المُغَصَّنَةُ ذاتُ الفواكِهِ.
وأَمعَنَ الاحتِفالَ (العِنايةَ والمُبالَغَةَ) في هذا كلِّه.
ووُضِع —بمَقرَبَةٍ من المِحرابِ— مِنْبَرٌ مُجلَّلٌ بكُسوَة مُجزَّعةٍ مُختِلفةِ الألوانِ.
وحضَر الإمامُ الطِّفلُ فصلَّى التَّرَاويحَ وخَتَم.
وقد انحشدَ أَهلُ المَسجِدِ الحرامِ إليه رجالًا ونِساءً، وهو في مِحْرابِه لا يكادُ يُبصِرُ من كَثرةِ شُعاع الشَّمَعِ المُحْدِقِ به.
ثم بَرَزَ من مِحرابِه، رافِلًا في أَفخَرِ ثِيابهِ بِهَيْبَةٍ إمامِيّةٍ، وسَكينَةٍ غُلامِيَّةٍ، فلم يستطع الخلوصَ إلى مِنْبرِه من كَثرةِ الزِّحامِ، فأَخذَه أَحدُ سَدَنةِ (خَدَمِ) تلك النَّاحيَةِ —في ذِراعهِ— حتى أَلقاهُ علَى ذِروَةِ مِنْبَرِهِ.
فاستَوَى مُبْتَسِمًا، وأَشارَ عَلَى الحاضِرينَ مُسَلِّمًا.
وَقَعَدَ بين يَديْهُ قُرَّاءٌ، فابْتَدَرُوا القِراءَةَ عَلَى لِسانٍ واحدٍ، فلمَّا أَكملُوا عَشْرًا من القُرآنِ، قامَ الخطيبُ فصَدَعَ بخُطْبةٍ يُحَرَّكُ لها أَكثرُ النُّفوسِ من جِهة الإِلقاءِ والتَّرْجيعِ، لا من جِهةِ التَّكيرِ والتَّخشيعِ.
وبين يَديْه —في درَجاتِ المِنْبَرِ— نَفَرٌ يُمسِكُونَ أَتْوارَ الشَّمَعِ في أيديهم (والأَتْوارُ جمع تَوْر، وهو الإِناءُ الصغيرُ)، ويرفَعونَ أَصواتَهم قائلين: «يا ربّ! يا ربَّ!» عند كلِّ فَصل من فُصولِ الخُطبَةِ يُكَرِّرونَها، والقُرَّاءُ يَبتَدرُونَ القِراءَةَ في أَثناءِ ذلك، فيَسكُتُ الخطيبُ إِلى أَن يَفرُغُوا، ثم يَعودُ لِخُطبَتِهِ.
ثمَّ ختمها بتَوْديعِ الشَّهْرِ المُبارَكِ وترْديدِ السَّلامِ عليْه.
ثُمَّ دعا للخليفةِ ولكلِّ من جَرَتِ العادَةُ بالدُّعاءِ له —من الأُمراءِ— ثمَّ نزَلَ، وانفضَّ ذلك الجَمْعُ العظيمُ.
وكانت لأَبي الخطيب في تلك الليلةِ نَفقةٌ واسعةٌ.
(١٣) الليلةُ السابعة والعشرون ثُمَّ كانتْ ليلَةُ سَبْعٍ وعشرينَ —وهي ليلةُ الْجُمُعةِ— فكانت اللَّيْلَةَ الغَرَّاءَ، والخَتْمةَ الزَّهراءَ.
ووَقع النظرُ والاحتفالُ لهذهِ الليلةِ المُباركةِ قبلَ ذلك بيومين أو ثلاثةٍ.
وأُقيمت إزاءَ حَطِيمِ إمامِ الشافعيَّةِ (جِدارِه)، خُشُبٌ عِظامٌ، بائِنَةُ الارتفاعِ —موْصولٌ بين كلِّ ثلاثٍ منها بأَذْرعٍ من الأَعوادِ الوثيقة— فاتصلَ منها صفٌّ كاد يُمسكُ نصفَ الحرمِ عرضًا.
ووُصِلَتْ بذلك الحطيمِ (الجدارِ).
ثمَّ عَرضَت بينها أَلواحٌ طِوالٌ مُدَّت عَلَى تِلْكَ الأَذْرُعِ.
وعلَتْ طبقةً منها طبقةٌ أُخرى، حتى اسْتَكْمَلَتْ ثلاثَ طَبقاتٍ.
فكانتِ الطبقةُ العلْيا منها خُشُبًا مستَطيلَةً مَغروزَةً كلَّها مساميرَ مُحَدَّدة الأَطرافِ، لاصِقًا بعضُها ببعْض، كظهر الشَّيْهَمِ (القُنْفُذِ)، وقدْ نُصبَ عليها الشَّمَعُ.
والطَّبقتان تَحتَها أَلواحٌ مَثْقوبةٌ ثَقْبًا مُتَّصِلًا، وُضِعَتْ فيها زُجاجاتُ المَصابيحِ ذَواتُ الأَنابِيب المُنبعثَةِ من أَسافلها.
وتدَلَّتْ من جَوانِبِ هذه الأَلواحِ والخُشُبِ —ومن جميعِ تلك الأَذْرُعِ— قناديلُ كِبارٌ وصِغارٌ.
وتخلَّلها أَشْباهُ الأَطْباق المَبْسوطِة من الذَّهَب، قد انتظم كلَّ طَبَقٍ منها ثلاثُ سَلاسِلُ تُقَلُّها في الهواءِ.
وخُرِقت كلُّها ثُقُبًا، وَوُضِعَتْ فيها الزُّجاجاتُ ذواتُ الأَنابيبِ — من أَسفل تلكَ الأَطباقِ الصُّفْرِيَّة (الذَّهبيَّة)، لا يَزيدُ منها أُنبوبٌ على أُنبوب في القَدِّ.
وَأُوقِدَتْ فيها المَصابيحُ فجاءَتْ كأَنها موائِدُ ذواتُ أَرْجُل كثيرةٍ تشتعلُ نورًا.
ووُصِلَتْ بالحطِيمِ (الْجِدار) الثاني الذي يُقابلُ الرُّكْنَ الجَنوبيَّ من قبةِ زمزمَ، خُشُبٌ —علَى الصِّفَةِ المَذكورَةِ— اتَّصلتْ إِلى ذلك الركْنِ، وأُوقدَ المِشْعَلُ الذي في رأْس القبةِ، وَصُفِّفَتْ طُرَّةُ شُبَّاكِها (الجانبُ الأَعلى) شمعًا مِمّا يقابِلُ البيْتَ المكرَّم، وحُفَّ المَقامُ الكريمُ بِمِحراب من الأَعْوادِ المُشَرْجَبةِ (المُغَصَّنة)، وهِيَ محفوفةُ الأَعْلَى بِمَساميرَ حديدةِ الأَطْرافِ —على الصِّفَةِ المذكورةِ— جُلِّلت كلُّها شمعًا، ونُصِب عن يَمِينِ المَقامِ ويسارِهِ، شَمَعٌ كَبيرُ الْجِرْمِ (الحَجْمِ) في أَتْوارٍ تُناسِبُها كبَرًا، وصُفَّتْ تلك الأَتْوارُ عَلَى الكَراسيِّ التي يَصرفُها السَّدنَةُ مطالعَ (مَصاعدَ) عندَ الإيقادِ، وجُلِّلَ جِدارُ الحِجْرِ المُكرَّمِ كلُّ شَمَعًا في أَتْوارٍ من الصُّفْرِ (أَوانٍ صَغيرة من الذهب)، فجاءَتْ كأَنها دائرَةُ نورٍ ساطعٍ.
وأَحْدقَتْ بالحَرمِ المَشاعِيلُ، وَأُوقدَ جميعُ ما ذُكِرَ.
وأَحْدَقَ بِشُرُفاتِ الحرَمِ كلِّها صِبيانُ «مكَّةَ»، وقد وضِعتْ بيدِ كلٍّ منهم كُرَةٌ من الخِرَقِ المُشْبَعَةِ سَليطًا (زَيْتًا)، فوضَعوها متَّقِدَةً في رُءُوسِ الشُّرُفاتِ، وأَخَذت كل طائفةٍ منهم ناحِيةً من نواحِيها الأَرْبعِ، فجعلَتْ تُبارِي صاحبَتَها في سُرْعَةِ إِيقادِها.
فَيُخَيَّلُ للنَّاظِر أنَّ النَّارَ تَثِبُ من شُرْفَة إِلى شُرْفَةٍ، لِخَفاءِ أَشْخاصِهِمْ وراءَ الضَّوْءِ المُرْتَمى بالأَبصارِ.
وفي أَثناءِ مُحاوَلتهم لذلكَ، يَرْفَعون أَصْواتَهم صائحِينَ: «يا رَبِّ! يا رَبِّ!» عَلَى لسانٍ واحِدٍ، فَيَرْتَجُّ الحرَمُ لأَصْواتهمْ
فلَمَّا كَمُلَ إِيقادُ الجميعِ كادَ يُعَشِّي الأَبصارَ شُعَاعُ تلكَ الأَنوارِ، فلا تَقَعُ لمْحةُ طَرْفٍ إِلاَّ عَلَى نُور، يَشْغَل حاسَّةَ البَصَر عنِ اسْتِمالَةِ النَّظَرِ، فيتَوَهَّمُ المُتَوَهِّم —لهَوْلِ ما يُعايِنُهُ من ذلكَ— أَنَّ تلك الليلَةَ المُبارَكَةَ نُزِّهَتْ لشَرَفِها عن لباسِ الظَّلْماءِ، فزُيِّنَتْ بِمصابيحِ السَّماءِ.
وتَقَدَّمَ القاضي، فصلَّى فَريضَةَ العِشاءِ، ثُمَّ قامَ وابْتَدأَ بسُورَةِ «القَدْرِ» وكان أَئِمَّةُ الْحَرَمِ —في الليلَةِ قَبْلَها— قد انتهَوْا في القراءَةِ إِليها.
وتعَطَّلَ في تلكَ السَّاعةِ سائرُ الأَئِمَّةِ من قِراءَةِ التَّرَاويحِ تَعظيمًا لِخَتْمةِ المَقامِ، وحَضَرُوا مُتَبَرِّكينَ بِمُشاهَدِتِه، فَخَتَمَ القاضي بِتَسْلِيمتَيْنِ، وقامَ خَطيبًا مُسْتَقْبِلَ المَقامِ والبيْتِ العَتيقِ، فلَمْ يَتَمَكَّنْ سَماعُ الخُطْبَةِ للازْدِحامِ، وَضَوْضاءِ العَوامِّ.
فلَمَّا فرَغَ من خُطْبَتِهِ عادَ الأَئِمَّةُ لإقامَةِ تَرَاوِيحِهم، وانفَضَّ الجَمْعُ ونُفُوسُهم قد اسْتطارَتْ خُشوعًا، وأَعْيُنُهم قدْ سالتْ دُموعًا.
وقدْ أُشْعِرَ النَّاسُ من فَضْل تلك الليلَةِ المُبارَكِة رَجاءً مُبَشِّرًا بمَنِّ اللهِ تَعالى بالْقَبولِ، ومُشْعِرًا أَنها —وَلَعلَّها— لَيْلَةُ القَدْرِ المُشَرَّفُ ذكْرُها في التَّنْزِيلِ.
(١٤) عِيدُ الفِطْر اسْتَهلَّ هِلالُ شَهْرِ شَوَّالٍ لَيلَةَ الثُّلاثاءِ، وهذا الشَّهْرُ هو فاتِحةُ أَشْهُر الحَجِّ المَعلُوماتِ، وبَعْدَه تَتَّصِلُ ثَلاثَةُ الأَشْهَر الحُرُمِ.
وكانَتْ لَيلَةُ اسْتِهلالِ هِلالِه مِن الَّليالِي الحفيلَةِ في المَسجدِ الحرام.
جرَى الرسمُ في إيقادِ مَشاعلِه وثُرَيَّاتِهِ وشَمَعِهِ، على الرسم المذكور، ليلةَ سَبْعٍ وعشرِينَ من رمضانَ المُعظم.
وأُوقِدَتِ الصَّوامِعُ من الْجهاتِ الأَربعِ من الْحَرمِ، وأُوقِدَ سَطْحُ المَسجِدِ الذي في أَعْلَى جَبَلِ «أَبي قُبَيْسٍ».
وأَقامَ المُؤَذِّنُ ليلتَه تلك في أَعلى سطحِ قبةِ «زمزم»، مُهَلِّلًا ومكبِّرًا ومُسَبِّحًا وحامدًا.
وأكْثَرَ الأَئمَّةُ تلك الليلةَ إِحياءً، وأَكثرَ الناسُ على مِثْل تِلكَ الحالِ، بيْنَ طَوافٍ وصَلاةٍ، وتهليلٍ وتكبيرٍ.
(١٥) صلاة العيد فلمَّا كان صبِيحَتُها وقضَى الناسُ صلاةَ الفجرِ، لَبِسُوا أَثوابَ عيدِهم، وبادَرُوا لأَخْذِ مَصافِّهم لصلاةِ العيدِ بالمَسجِدِ الحرامِ، لأَنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ بالصَّلاةِ فيه —دُونَ مُصَلًّى يَخْرُجُ النَّاسُ إِلَيْهِ— رَغبةً في شَرَفِ البُقْعةِ وفَضْل بَركتِها، وفَضلِ صَلاةِ الإِمامِ خَلْفَ المَقامِ ومَنْ يَأْتَمُّ به.
فأَوَّلُ من بَكَر الشَّيْبِيُّونَ، وفَتَحُوا باب الكعْبَةِ المُقَدَّسةِ، وأَقامَ زعيمُهم جالسًا في العَتَبَةِ المُقدسةِ وسائرُ الشَّيبِيِّينَ داخلَ الكعبةِ، إلى أن أَحسُّوا بوصولِ الأَميرِ «مُكثرٍ»، فنزلُوا إِليهِ وتَلَقَّوْهُ بِمَقْرَبةٍ من بابِ النبيِّ ﷺ فانْتَهى إلى البَيْتِ المُكرَّمِ، وطافَ حَوْلَه أُسبوعًا (سبعة أَطْوافٍ) والنَّاسُ قد احْتَفَلُوا لِعِيدِهِمْ، والحَرمُ قد غَصَّ بهم، والمُؤَذِّنُ الزَّمْزَمِيُّ فوقَ سَطْحِ القُبَّةِ — على الْعادةِ رافعًا صَوْتَهُ بالثَّناءِ علَيْهِ، والدُّعاءِ له، مُتَناوِبًا في ذلك مع أَخِيهِ.
فلمَّا أَكْملَ الأَمِير الأُسبوعَ (طاف سَبْعَ مرَّات)، عَمَدَ إلى مِصْطَبةِ قُبَّةِ «زمزم»، ممَّا يُقابلُ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، فَقَعَدَ بها، وبَنُوه عن يَمِينِه ويسارِهِ، ووزيرُه وحاشيَتُه وقوفٌ على رأَسِهِ.
وعادَ الشَّيبِيُّونَ لِمَكانِهم من البَيْتِ المُكَرَّمِ، يَلْحَظُهم النَّاسُ بأَبْصارٍ خاشِعَةٍ لِلْبَيْتِ، غابِطَةٍ لِمحَلِّهم منه، ومكانِهم من حِجابَتِهِ وسِدانَتِه.
فَسُبحان مَنْ خَصَّهم بالشَّرفِ في خِدْمَتِهِ!
وحضَرَ الأَميرَ —مِنْ خاصَّتِه— شُعَراءُ أَربعةٌ، فأَنْشدُوه، واحدًا إِثْرَ واحد، إِلى أَنْ فَرَغُوا مِن إِنشادِهم.
وفي أَثناءِ ذلك تَمكَّن وقتُ الصَّلاةِ (تَعَيَّنَ وَقْتُ صَلاةِ العِيدِ تَعَيُّنًا تامًّا)، وكان ضُحًى من النَّهارِ.
(١٦) خُطْبَةُ الْعِيدِ فأَقْبلَ القاضي الخطيبُ يتَهادَى بين رايتَيْهِ السَّوْداوَيْنِ، والفرقعةُ —المتقدم ذكْرُها— أَمامَه، وقد صَكَّ الحرمَ صوتُها، وهو لابِسٌ ثيابَ سوادِه.
فجاءَ إلى المَقامِ الكريمِ، وقامَ الناسُ للصَّلاةِ.
فلما قضَوْها رَقِيَ المِنبرَ وقد أُلْصِقَ إلى موضِعِه المُعَيَّنِ له كلَّ يومِ جُمُعَة من جِدارِ الكَعبَةِ المُكرمةِ حيثُ البابُ الكريمُ شارعٌ (قريبٌ)، فخطب خطبةً بليغةً.
والمُؤَذِّنُون قُعُودٌ دُونَه في أَدراجِ المِنْبَرِ.
فعند افتتاحِه فُصولَ الخُطبةِ بالتَّكْبيرِ يُكَبِّرُون بتَكْبِيرِه، إلى أن فَرَغَ من خُطبتِهِ.
وأَقبلَ الناسُ بعضُهم على بعض، بالمصافَحَةِ والتَّسْليمِ، والتَّغافُرِ والدُّعاءِ، مَسْرُورِينَ جَذِلينَ، فَرِحين بِما آتاهُم الله من فَضْلِهِ.
وبادَرُوا إلى البيتِ الكَريمِ فدخَلُوا بسَلامٍ آمِنِينَ، مُزْدَحِمينَ علَيْهِ فَوْجًا فَوْجًا، فكانَ مشْهَدًا عَظِيمًا.
••• وأَخَذَ الناسُ —عِندَ انْتِشارِهِم من مُصَلاَّهم، وقضاءِ سُنَّةِ السلامِ بعضِهم على بعض— في زِيارةِ الْجَبَّانةِ بالمَعْلَى، تَبَرُّكًا باحْتِسابِ الخُطا إِليها، والدُّعاءِ بالرَّحْمَةِ لِمَنْ فيها مِنْ عِبادِ اللهِ الصَّالِحيِنَ. |
|