أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: (1) هل نحن صائمون على الحقيقة؟! السبت 16 مارس 2024, 5:01 pm | |
| رمضانيات: أم هــــــــــــــانئ بـقــــــــــلم: أم هــــــــــــــانئ
غفر الله لها ولوالديها وللمسلمين (1) هل نحن صائمون على الحقيقة؟!أطوَّف حول بعض معاني الصيام..
بسم الله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعده..
ثم أمَّا بعد: قسّم العلماء العبادة إلى: 1- عبادة بالفعل، مثل: (الصلاة، الحج، الزكاة... إلخ). 2- عبادة بالترك، مثل: (الصيام، تجنب الغيبة، تجنب النميمة... إلخ).
فالصوم عبادة قائمة بالأصالة على الترك.
ففي الصيام نترك شيئين: 1- ترك بعض الحلال من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس: الطعام، الشراب، الشهوة.
وهو ما يطلق عليه علماء الفقه الإمساك عن المفطِّرات الحسية، فتترك -صيامًا- ما أحله الله بأمر من الله، بتوقيت حدَّده الله امتثالًا.. تعبدًا لله وحده.
2- التشديد والتأكيد على ترك كل ما هو حرام أو مكروه من الفجر إلى المغرب: "الغيبة، الزور قولًا وعملًا، الصخب، الغضب، الرّفث، السّب، اللغو" [وهو ما يطلِق عليه العلماء المفطِّرات المعنوية].
وهذه الأمور السيئة وإن كان المسلم مأمورًا بالابتعاد عنها، واجتنابها في كل الأيام، فإن النهي أشد أثناء تأدية الصيام.
وهذه لطيفة نبّه عليها كثير من أهل العلم: إذ أشاروا إلى أن الصيام عبادة بترك المباحات الحلال بتوقيت محدود شرعًا، وكذا التأكِيد على ترك المحرمات والمكروهات من باب أولى -في هذا التوقيت بالذات-؛ ولذا لم نجد نصوصًا شرعية تنهى الصائم عن السرقة مثلًا، وإن وردت نصوص شرعية نصّت على بعض هذه الأشياء؛ فإنما ذلك لتأكِّد على تركها، والصوم عنها؛ سيما أنها لا تنفك غالبًا عن أخلاق الناس، فوجب التنبيه علي اجتنابها لأنها قد تفسد العبادة علينا، أو على أقل تقدير تنقص من أجر الصائم كثيرًا.
الخلاصة: إن الصائم على الحقيقة هو: الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور والرفث، بالإضافة إلى صومه عن المفطِّرات الحسِّية من طعام وشراب وشهوة، فكما أن الطعام والشراب يفسد الصوم، فكذا الآثام تقطع ثوابه، وتفسد ثمرته فتسيره بمنزلة من لم يصم.
- لذا وصف الصوم بأنه «جُنَّة» أي: وقاية.. ولأنه وقاية من المعصية كانت الغاية المرادة منه هي تحقيق التقوى، لذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 183].
ولنطوِّف حول بعض معانى المفطِّرات المعنوية: 1- قول الزور؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله [عز وجل] حاجة أن يدع طعامه وشرابه» (رواه البخاري: ج4، [99]).
ما هو الزور؟ قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث والأثر): "الزور: الكذب، والباطل، والتُّهمة" انتهى (ص: [404]).
2- اللغو والرفث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الصيام من الأكل والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابَّك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم» (صحيح ابن خزيمة، رقم: [1996]).
ما هو اللغو؟ قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث والأثر): "يقال لغا الإنسان يلغو، ولغَى يلغَى، ولَغِيَ يلْغَى، إذا تكلم بالمطروح من القول، وما لا يعْني، وألغى إذا أسقط" انتهى (ص: [838]).
ما هو الرفث؟ قال سيد سابق في (حاشية فقه السنة، ج1، ص: [499] تحت عنوان: الصيام فضله): "الرفث: أي الفحش في القول" انتهى، هكذا أطلق.
وإن كان بعض العلماء خَصَّ الرفث: "بأنه كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة"، كما قاله الزهري وأورده عنه صاحب (النهاية، ص: [366]).
3- السب والصخب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرِح بصومه» (صحيح البخاري، رقم: [1904]).
*ما هو الصخب؟ قال سيد سابق في (حاشية فقه السنة، ج1، ص: [499] تحت عنوان: الصيام فضله): "الصخب: الصياح، فلا يصخب: أي لا يصيح" انتهى. بتصرُّف.
*ما هو السَّبُّ؟ قال ابن الأثير في (النهاية، ص: [412]): "السَّب: الشتم، يُقَالُ سَبَّهُ يَسُبُّهُ سَبًّا وسِبَابًا..."انتهى.ِ
- عندما نظرت إلى هذه المعاني وجل قلبي كل الوجل لأنني لا محالة واقعة في بعضها غير تاركة لها حال فطري بله حال صومي وهنا يّرد السؤال: هل أنا صائمة على الحقيقة؟! أم أن هذا توهُّم مني؟! حيث ألفتني وإن تمكنتُ -بحول من الله وقوة- من الإمساك عن المفطِّرات الحسية -إلا إنني لم أتمكن- بل لم أنتبه أصلًا إلى أنني غير تاركة لبعض تلكم المفطِّرات المعنوية، والتي لا تتم حقيقة الصيام إلا بتركها .
- وحتى لا أُتهم من قِبل أحدكم بالمبالغة أدلل على قولي -حيث إن على المدَّعي البينة- بما يلي: 1- الشتم (السّب): وجدتني لا أتركه حال صومي بله فطري؛ حيث إن لساني لا يفتأ يتهم أحد الأبناء الأعزاء -هداهم الله- بالغباء وعدم الفهم كذا لا مانع من نعته بالغفلة .
2- الصخب (الصياح): هنا لم أتمالك نفسي من الابتسام غيظًا؛ حيث إن الصياح لا ينفك عن ملازمة توجيهاتي -المباركة- للأبناء الأعزاء، كذا انتهاري الدائم لهم لا يكون إلا بالصخب وأتعذّر لنفسي -مبرِّرة شنيع فعلي- بأنهم -ومع شديد الأسف- لا يمتثلون -كما ينبغي- إلا بلجئي إلى تلك الطريقة التي أدمنتها.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
3- اللغو (المطروح من القول): وهنا تأملت ما أنطق به حال صيامي فوجدت غالبه لغوًا -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فالغو هو الحديث الذي لا طائل من ورائه ولا غاية محمودة مثلًا: السؤال عن سعر شيء فضولًا وليس في النية شراؤه، كذا هل قابلت فلانًا يا بني -من باب العلم بالشيء ليس إلا-.. وصف سوء الحالة الجوية، والحديث عن غلو الأسعار، أو وصف كم أنا متعبة لغير ما سبب على الحقيقة، السؤال عن كيفية صنع صنف معين من الطعام من باب العلم بالشيء -ليس إلا- السؤال عن حضور أو غياب شخصية ما عن مأدبة الإفطار العائلي فضولًا وليس صلة أرحام..
مهلًا لحظة: حضرني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فرض رسول الله صدقة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث، طُعمة للمساكين، فمَنْ أدَّاهَا قبل الصلاة؛ فهي زكاة مقبولة، ومَنْ أدَّاهَا بعد الصلاة؛ فهي صدقة من الصدقة" (صحَّحه الألباني في صحيح الترغيب، رقم: [1085]).
صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث: والسؤال ما الشيء الذي يحتاج إلى تطهير؟ ولا تعليق!
4- كذا الجدال (المِرَاء) وسُوء الظن مهل: أحيانًا فقط وليس دائمًا لأني بلا شك اتقي الله.. والله المستعان.
هل توصلتُ إلى إقناعكم أنني لست صائمة على الحقيقة؛ وبالتالي حق لمثلي الخشية من الوقوع تحت طائلة الوعيد المذكور في حديث رسولنا الكريم صلاة الله وسلامه عليه: «رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش» (صحيح ابن ماجة، ج1، رقم: [539]).
وأنكى أن أحرم -عياذًا بالله- من الوعد والمغفرة الموعودة لمن صام رمضان -على الحقيقة- في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه» (صحيح البخاري، ج3، رقم: [2014]).
فما السبيل وكيف الفرار؟! كلما جاء رمضان حدثتُ نفسي معاهدة لها: أن أصوم عن هذه المفطَّرات المعنوية من الفجر حتى المغرب فقط -أبسّط لها قصر المدة-، ممنية النفس بأنه ربما بمثل هذه الدُّربة والمرنة -على طول أيام الشهر- قد أصل لاكتساب حسن الخلق، فيصبح تجنب مثل تلك الشنائع سمتًا وسجية ملازمة لشخصي، وأحاول جاهدة الوفاء بهذا العهد الذي لم يكن ولن يكون سهلًا إلا لمن يسره الله له، وأتوجه بالدعاء لربّ كريم جواد رحيم قائلة: «اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، إنك تجعل الحزْن إذا شئت سهلًا»، اللهم تقبل دعائي ولا تجعلني من المحرومين «واهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدينا لأحسنها إلا أنت واصرف عَنَّا سيئ الأخلاق لا يصرف عَنَّا سيئها إلا أنت». |
|