عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان (26)
مـحـمــــــــود الـعـشــــــــــــــري
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
الوسيلة الثامِنة عشرة: لزوم الاستغفار، خاصَّة في السَّحَر 8_ia_a14
الوسيلة الثامِنة عشرة: لزوم الاستغفار، خاصَّة في السَّحَر
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33]، وقال تعالى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾ [آل عمران: 17]، وقال تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ [هود: 3]، وقال تعالى عن هود -عليه السلام-: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52]، والآيات في الاستغفار والحثِّ عليه كثيرة كَثيرة، ورَوى أبو داود والترمذيُّ وابن ماجه وأحمد عن ابنِ عُمرَ: إنْ كنَّا لنعدُّ لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في المجلس الواحِد مائةَ مرَّة: ((ربِّ اغفرْ لي وتُبْ عليَّ؛ إنك أنتَ التوَّاب الرَّحيم))، ورَوى البيهقي وحسَّنه الألباني: ((مَن أحب أن تسرَّه صحيفتُه، فليكثرْ فيها من الاستغفار))، وعند النَّسائي وابن ماجه والبيهقي وصحَّحه الألباني: ((طُوبَى لمن وجد في صحيفتِه استغفارًا كثيرًا))، وعند الترمذي: ((مَن قال: أستغفِر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأَتوب إليه، غُفِر الله له، وإنْ كان فرَّ مِن الزحف)).

فالعبد لا يدْري ولا يَعلم ذنوبَه كلها، فعليه أن يُكثر مِن الاستغفار، وقد قال -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيما رواه أحمدُ والحاكِم وحسَّنه الألباني: ((إنَّ الشيطان قال: وعِزَّتِك يا ربِّ، لا أبْرَح أُغوي عبادَك ما دامتْ أرواحُهم في أجسادِهم، فقال الرب: وعزَّتي وجلالي، لا أَزال أغفِر لهم ما استغفروني)).

ومع ذلك نجِد كثيرًا مِن الناس مَن إذا قلت له: استغفِرِ الله، يقول لك: وهل عملتُ شيئًا حتى أستغفر؟! ولم يعلم هذا المسكين أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يستغفِر الله في اليوم سبعين مرَّةً -وهو الذي غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر- وفي صحيح مسلم قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((يا أيُّها الناس تُوبوا إلى الله واستغفروه؛ فإنِّي أتوب إليه في اليوم مائةَ مرة)).

وهذا بالنسبة للاستغفار الخاص، أمَّا الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، فهذا باب آخر مِن أعظم وسائلِ استثمار رمضان، بل مِن أعظم وسائل استثمار الحياة كلها؛ فقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10]، وقال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: 19]، وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم- فيما رواه الطبرانيُّ وحَّسنه الألباني: ((مَن استغفَر للمؤمنين والمؤمنات، كُتِب له بكلِّ مؤمنٍ ومؤمنة حَسَنة)).

فيا ليتنا نتعايش بقلوبنا مع هذا التوجيه النبوي الكريم! فنستغفر للمؤمنين والمؤمِنات، الأحياء منهم والأموات؛ لنفوزَ بهذا الأجْر العظيم، وليسخِّر الله مَن يَستغفِر لنا بعدَ موتنا.

* قال -صلَّى الله عليه وسلَّم- كما في الصحيحين: ((أذْنَب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفِرْ لي ذَنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أَذْنَب عبْدي ذنبًا فعلِم أنَّ له ربًّا يَغفِر الذنبَ ويأخُذ بالذنْب، ثم عاد فأذنْب، فقال: أي ربِّ اغفرْ لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: عبدي أذْنبَ ذنبًا فعلِم أن َّله ربًّا يغفِر الذنب ويأخُذ بالذنب، ثم عاد فأَذْنب، فقال: أي ربِّ اغفر لي ذَنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذْنَب عبدي ذنبًا فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنب ويأخُذ بالذنب، اعملْ ما شِئتَ فقدْ غفرتُ لك)).

وهذا يُعدُّ مِن علامات الإيمان: أن يستشعرَ العبدُ الذنبَ ولا يصرُّ عليه، فما أن يرتكب ذنبًا إلا سارَع بالتوبة والاستغفار، ودعاء الله ومناجاته، والمبادَرة بطلب المغفرة، والنَّدم على ما جنَتْه يداه، ثم تغلبه نفسُه البشريَّة فيقع في ذنبٍ من جديد، فيسارع إلى التوبة والاستغفار وطلَب المغفرة، وهكذا.

* التوبة إلى الله: قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((إنَّ الله يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل، حتَّى تطلُعَ الشمس من مَغرِبها))؛ رواه مسلم.

فجدِّد دائمًا التوبة إلى الله مِن كلِّ ذنب؛ لتَلقَى الله نظيفًا طاهرًا مبرأً من كلِّ عيب.
------------------------------------------------------------