منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 حروب الدعوة الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حروب الدعوة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: حروب الدعوة الإسلامية   حروب الدعوة الإسلامية Emptyالخميس 08 فبراير 2024, 9:51 am

الفصل الثاني
حروب الدعوة الإسلامية
المدينة قاعدة الثورة الإسلامية
كانت الهجرة إلى المدينة حدثاً تاريخياً عظيماً في تاريخ الجزيرة العربية، مع قيام الثورة الإسلامية، المحاطة بأعداء الداخل والخارج، ناهيك برسوخ الدعوة الإسلامية التي اشتد ساعدها في قاعدتها الجديدة بعد أن كانت مطاردة في مكة، ولذا ترتب عليها أن تحسب حسابها لمواجهة أعداء الإسلام، لأنهم يخشون وجودها خشية تدفعهم للسعي للانقضاض عليها عند أول بارقة تسنح لهم، ثم لأن الرسالة لم تكن مقصورة على مكة والمدينة، وإنما لتنشر في جميع أرجاء بلاد العرب... وهذا ما يحدوها لأن تعد العدة لمواجهة طويلة مع أعداء حركة التوحيد، وخاصة بعد أن أنزل الله آية الإذن بالقتال: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) (الحج آية 39). وهكذا كانت حروب الدعوة الإسلامية في عهد الرسول، تزيل الحواجز القبلية وتسقط الوثنية، فوحد العرب وتعلي راية وحدانية إلا في ربوعهم.

العمليات العسكرية السابقة على معركة بدر
إذا كانت معركة  بدر أول مواجهة فعلية من المسلمين ومشركي قريش، فقد جرت مع ذلك سلسلة من العمليات العسكرية التمهيدية قادها الرسول بنفسه أو أنفذها بقيادة رجال من صحابته وكانت حسب تعبير الباحث العسكري العماد مصطفى طلاس: ((أشبه بدوريات الاستطلاع القتالية التي تجري عادة قبل المعركة لتعرف جهاز الخصم الدفاعي وسبر نقاط القوة ونقاط الضعف فيه)).

وكانت هذه الحركات ضرورة في بدء تاريخ الثورة الإسلامية لدراسة طبيعة المنطقة، ولإظهار قوة المسلمين ويقظتهم ضد تحركات الأعداء.

ويتحدث الباحث العسكري جان باغوت غلوب عن طيبعة الخطط السوقية (الاستراتيجية) التي اتبعها الرسول في صراعه مع قاعدة الشرك العربي: مكة في عهده، قائلاً:
((وكانت الخطط السوقية التي اتبعها النبي بين عامي 623 و630 هي عين الخطط السوقية التي اتبعها فيصل ولورنس في الحملة بين عامي 1916 و1918. فلقد احتفظ الأتراك في الحرب الكونية الأولى محاميات ضخمة في مكة والمدينة وكانت هذه الحاميات تعتمد في  بقائها على قوافل الإبل بل على الخط الحديدي بين المدينة ودمشق، وقد عزز الأمير فيصل ولورنس مواقعهما إلى الشمال من المدينة حيث كانا في وضع يمكنهما من قطع شريان حياتها مع سوريه.

وكان الغزو بالنسبة إلى العرب وسيلة طبيعية للخلاص من العوز. ولقد تولت القيام بالغزوات الصغيرة الأولى جماعات صغيرة من المهاجرين. ولم يشترك أهل المدينة في هذه المشاريع، لكن أهل مكة والمدينة على السواء لم يكونوا قد ألفوا العمليات الحربية، وهى العمليات التي يقضي فيها البدو الرحل أوقات فراغهم، ولا تعرفها الجماعات التي تعمل في التجارة أو الزراعة. لكن أياً من الغزوات الأولى لم تحقق نجاحاً مذكورا، فلقد كانت أنباء الحملة تصل إلى قريش قبل وقوعها، بينما كانت الأنباء التي تصل إلى المسلمين إما متأخرة أو مفتقرة إلى الدقة.

وفي خريف عام 623 ميلادية مرت قافلة كبير ة تضم نحواً من ألف بعير محملة بالبضائع التي تملكها قريش ويتولى قيادتها أبو سفيان أحد كبار أعداء النبي في مكة قاصدة الشمال إلى غزة. وقد حاول المسلمون قطع الطريق عليها في ذهابها ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك.

ولكن بينما كان رجال مكة والمدينة يعيشون في هاتين المديتين كانت الصحراء الفسيحة المكشوفة مأهولة بقبائل متفرقة من البدو وتعيش على الرعي، وبداً النبي يدرك أن مساعدة هؤلاء البدو ضرورية لنجاح حملاته الصحراوية ولذا فقد شرع وبصورة تدريجية يقيم علاقات معهم ولاسيما مع قبيلة جهينة التي كانت تقيم آنذاك كما تقيم اليوم بين المدينة والبحر)).

موقعة بدر
تعتبر موقعة بدر من أهم المواقع السرية في التاريخ العسكري الإسلامي لأنها المعركة الأولى التي خاضتها قوات الثورة الإسلامية ضد قوى الشرك التي تزيدها ثلاثة أضعاف، وكانت ترمي إلى تصفية الحركة الإسلامية الفتية في المدينة، حين لاقاها الرسول بقواته التي قدر عددها 313 رجلا (ثلاثة وسبعون منهم من المهاجرين الذين تطالب مكة برؤوسهم والبقية من الأنصار) عد قرية بدر الصغيرة القريبة من المدينة والواقعة على طريق القوافل بين مكة والشام، وذلك في السابع عشر من رمضان السنة الثانية للهجرة.

وحين تقابل المعسكران الإسلامي والمكي، لم يكن الطرفان في حالة نفسية واحدة، كان المسلمون كتلة متراصة مضبطة تحفزها حمية دينية طاغية وروح عسكرية منظمة لأنها تحارب دفاعاً عن العقيدة والنفس والوجود... بينما كان معسكر الشرك موزعاً في نوازعه فبعضهم أرادها حرباً ضروسأ تقضي على شعلة الإسلام لأنها شكل خطراً يهدد المجتمع الأرستقراطي القرشي، كما أرادها آخرون تطميناً لمصالحهم التجارية المهددة، على حين كان ثمة فريق لا يريد الحرب أصلاً مع أباء العمومة من المهاجرين.

يقول غلوب باشا في كتابه: "الفتوحات العربية الكبرى":
((وهكذا تقدمت قريش إلى المعركة وهى موزعة بين الإقبال والإحجام كما أن بنى زهرة أخوال النبي رفضوا القتال وعادوا إلى مكة. أما نفسية المسلمين فكانت على النقيض من ذلك تماماً، فلقد كان في المهاجرون يائسين تخلوا عن كل ما يملكونه في مكة ولا يحملون إلا سيوفهم، يضاف إلى هذا أن المسلمين تخلوا عن العصبيات القبلية والعائلية التي تربطهم بعد أن أكد لهم النبي أن المسلمين هم إخوانهم فقط. فالخوف من سفك دماء الأقرباء، وهي النزعة التي كبحت جماح قريش، وحدت من إقبالهم على المعركة والتي لا تزال مسيطرة على عقلية البدو من العرب حتى اليوم لم تكن معروفة عند المسلمين الأوائل، الذين قيل إن بعضهم قتلواً آباءهم أو إخوانهم إذا كانوا من المشركين. يضاف إلى هذا أن تعودهم الوقوف في صفوف منتظمة خمس مرات في اليوم لأداء فريضة الصلاة مؤتمين بقائدهم قد أوحى إلى عقولهم الباطنة بشي، من الانضباط، ومن الروح العسكرية المنظمة. يضاف إلى هذا أن المهاجرين والأنصار كانوا تحت تأثير حمية دينية عارمة وهم يشهدون قائدهم محمداً بين ظهرانيهم يشترك معهم في القتال)).

عبقرية الرسول العسكرية في، بدر
هذا، وقد اعترف بعض المستشرقين وخاصة الباحثين العسكريين الغربيين بعبقرية محمد الرسول العسكرية، تقويماً منهم لخطته العسكرية حين أصدر أمره للمسلمين بأن يحاربوا حرباً جماعية والابتعاد عن المبارزات الفردية، فالمعركة هنا ليست لإظهار بطولة الأفراد ومهاراتهم القتالية، وإنما في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا... يتحدث المستشرق والباحث العسكري الروماني جيورجيو عن خطة الرسول البارعة، بقوله:

((وبعد ذلك شرح النبي -صلى الله عليه وسلم- خطته الحربية للمسلمين، وهي خطة ابتدعها فليب أبو الإسكندر المكدوني قبل ألف سنة تقريبا وتدعى باليونانية (فالانثر، fe-صلى الله عليه وسلم-lange) وهي عبارة عن اصطفاف الجنود إلى جانب بعضهم بعضاً وتلتصق نهاية الصف الأول في أول الصف الثاني، وهكذا حتى يتكون من المجموع شكل هندسي كالمثلث أو المربع أو الداري. ويقف الجميع بهذه الأشكال بمواجهة العدو، في هين تكون  ظهورهم  نحو الداخل. وبهذا الشكل لا يقدر العدو على مهاجمتهم من الخلف، لأنه حيثما اتجه قابله الجنود مستعدين. هذا (التكتيك العسكري) هو الذي يدعى باليونانية (فالانثر) لهذا سميت وحداتهم العسكرية اليونانية قديماً بهذا الاسم. وقد اتبع محمد -صلى الله عليه وسلم- هذه الخطة لأول مرة في تاريخ الجزيرة العربية. وفي معركة بدر بالذات. هذه الخطة، إضافة إلى شجاعة المسلمين. كانت سبب نصرهم في هذه المعركة.

وقد رتبت (فلانثرات) المسلمين في ذلك اليوم بشكل مثلث. ارتفع فيه ثلاث رايات إسلامية في رؤوس المثلث وقد ابرز محمد -صلى الله عليه وسلم- عبقريته العسكرية في تنظيمه هذا المثلث واستحكام كل  جندي في مكانه واستقباله العدو، من غير استدباره)).

وأسفرت المعركة عن فوز ساحق للمسلمين في معركة لم تدم أكثر من ساعة، وهزيمة منكرة للجيش المكي الذي فقد فيها قادة قريش وصناديدها فكانت ضربة قاصمة لمعسكر الشرك..

سلسلة العمليات العسكرية ما بين بدر واحد
كان الانتصار الكبير الذي حققته القوى الإسلامية على مشركي مكة في بدر، فاتحة مرحلة جديدة أساسية في التاريخ الإسلامي عموماً، والتاريخ العسكري خصوصاً، مع ارتفاع الروح المعنوية لدى المسلمين، التي عمل الرسول على إبقائها متقدة لإدراكه ألاً مناص من مواجهة مقبلة مع القرشيين الذين سيعيدون الكرة لمهاجمة المسلمين في المدينة.

ويحلل المفكر مونتجمري وات هذه المسألة بقوله:
((أدرك محمد، بعد انتصاره في بدر أنه كتب عليه (القتال الشامل) ضد المكيين، إذ أن ازدهارهم متعلق بمكانتهم، وكان عليهم أن يستعيدوا ما فقدوه في بدر، حتى يحافظوا على وضعهم والقضاء على سيطرة محمد على طريق الشمال. فلم يكن محمد ينتظر إذاً من المكيين سوى ازدياد حدة النضال حتى أنه كرس كل قواه لتقوية نفسه وإضعاف أعدائه. وكانت أخبار بدر ومشاهدة الغيمة قد أدتا إلى ازدياد قوة محمد، وأصبح أهل المدينة أكثر رغبة في الاشتراك بغزواته)).

إجلاء يهود بني قينقاع عن المدينة
لعل أبرز العمليات التي قام بها الرسول في هذه المرحلة إجلاء يهود قيقاع عن المدينة في السنة الثانية  للهجرة، حين أخذوا يلعبون دور "الثورة المضادة" خلف صفوف المسلمين والطابور الخامس للعدو.

ويتحدث المستشرق إسرائيل ولغنسون في كتابه (تاريخ العرب واليهود في بلاد العرب) عن انعدام الثقة بين الطرفين بقوله:
((وقد نجم عن هذا النزاع أزمة سياسية جعلت تشتد يوماً بعد يوم، تأكد عندها لمحمد استحالة تحقيق الفكرة التي كان يرمي إليها من التأليف بين قلوب اليهود والعرب وإيجاد أمة مؤلفة من جميع عناصر يثرب. وكان لابد من عمل حاسم إزاء بني قينقاع، وهم يسكنون داخل المدينة في حي واحد من أحياء العرب فتطهر المدينة وأحياء الأنصار من غير المسلمين)).

وكان لهذه العملية آثارها البعيدة، لتأكيد الوحدة السياسية للمدينة، وانتزع السيادة المطلقة عليها، وجعلها حصراً في أيادي المسلمين.

العمليات التأديبية ضل القبائل العربية المناوئة للإسلام
وفضلاً عن عملية إجلاء يود بنى قينقاع عن المدينة، نفذ الرسول سلسلة من العمليات التأديبية التي قادها بنفسه ضد القبائل العربية المتحالفة مع قريش والتي هدفت إلى غزو المدينة، انطلاقاً من موقف تحالفها مع قريش قوى الشرك ودرجاً مع شرعة الغزو السائدة لدى القبائل... المفكر العسكري غلوب باشا  باحثاً قضية العلاقة بين مدينتي مكة والمدينة مع القبائل العربية  بقوله:

((على الرغم من أن العداء كان في هذه الفترة قائماً بين مدينتي مكة والمدينة إلا أن القبائل البدوية التي تعيش في الصحاري المجاورة لعبت دوراً هاماً في المشاحنات التي قامت بين المديتين. وكان هؤلاء البدو بتجوالهم المستمر بين المدينتين يؤدون دوراً بارزاً في نقل الأخبار والمخابرات وهي ضرورة عسكرية كان المسلمون مفتقرين إليها أشد الافتقار في البداية. يضاف إلى هذا أن هذه القبائل كانت تحتل الصحراء المكشوفة وكانت قادرة عن هذا الطريق على حماية القوافل أو نهبها، وكانت قريش واثقة من أنها لو استطاعت ضمان ولاء هؤلاء البداة فإن قوافلها تستطيع أن تنجو من الغزاة المسلمين، أما إذا أفلح النبي في كسب ولاء هذه القبائل فإن أهل مكة سيصبحون محصورين داخل مدينتهم ويتعرضون للتضوع جوعاً. كان المسلمون قد فازوا بصداقة قبيلة جهينة التي تقيم في السهل الساحلي، لكن قبيلتي غطفان وبي سليم المقيمتين في الشرق من المدينة ظلتا حليفتين لقريش. ودفعت هذه الأوضاع المسلمين إلى القيام بغزوات صغيرة عديدة ضد هاتين القبيلتين لارهابهما وإقناعهما بأن صداقة محمد خير لهما من التحالف مع أهل مكة)).

معركة احد
كان للهزيمة القاسية التي حلت بالجيش المكي، دورها في ضياع هيبته، مضافاً إليها عملية الحصار الاقتصادي الإسلامي لمكة عن طريق تحركات السرايا الإسلامية التي هيمنت عملياً على طريق القوافل الواصلة بين مكة والشام.. مما جعل القيادة القرشية تعيش أحلك ظروفها، خاصة وان  قوام حياة مكة يرتكز على التجارة أساساً. وكان لهذين العاملين الهامين أن عجلا في تسريع المواجهة ثانية بين قريش والمسلمين، ليمحو المشركون عنهم عار الهزيمة أولاً، ولفتح الطريق أمام تجارة قريش ثانياً.

ومن هنا شكل المكيون جيشاً قوامه ثلاثة آلاف محارب بإمرة أبي سفيان الذي تحرك بقواته باتجاه المدينة، وعسكر في شمالها قرب جبل أحد حيث التقى هناك بالقوة الإسلامية المؤلفة من ستمئة وخمسين رجلاً بقيادة الرسول...

وكان أن وضع الرسول خطته حطته الحربية لمجابهة جيش الأعداء الذي يفوقه عدة وعدداً اعتماداً على مبدأ القتال الجماعي ومجابهة الأعداء بكتلة بشرية متراصة.

ويتحدث الباحث العسكري المستشرق جيورجيو عن.. خطة الرسول الحربية والأسلوب الذي اتبعه صايغاً ذلك على لسان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بقوله:
((إن خطتنا الحربية اليوم هي خطتنا في يوم بدر تماماً، فعليكم أن تشكلوا الصفوف المتكاملة المتراصة، حتى لا يجد الخصم فرصة لشق الصفوف ومحاربتكم من الخلف علينا اليوم أن نقدر قوة خصمنا، ففيه الآن جيش من الفرسان، مئتا فارس بقيادة خالد بن الوليد، وبإمكان هؤلاء الفرسان أن يبددوا صفوفنا. عندما  تتشكل صفوفنا المتراصة بكل مربع أو دائرة تثبت تجاه أية حملة من المشاة، أما إذا كانت الحملة من الفرسان فإن صفوفنا تقع في خطر. وقد نستطيع أن نصد صف الفرسان الأول، ولكننا أيقنا أننا سنفاجأ بسيل من الخيل والفرسان يلاحقونا من الصف الأول، وسيشتت شملنا حتماً. ومن الواضح أن سرعة حركة الخيل لن تسمح لنا بإعادة تنظيم صفوفنا كما كانت.

وبعد ذلك أثار محمد -صلى الله عليه وسلم- بإصبعه نحو الجنوب وتابع:
لم إذا أراد خالد بن الوليد مهاجمتنا فسيأتينا من هذه الناحية، لأن هذا السهل يسهل حركة جياده.

أن الموقع الذي أشار إليه محمد كان شعباً في جبل أحد، تكثر فيه الحقول. وان عبر هذه الحقول أحد نحو الجنوب فقد وصل إلى الدينة. وفي ذلك الشعب تلة قليلة الارتفاع، تدعي (عينين) فقسم محمد -صلى الله عليه وسلم- الرماة من المشاة إلى قسمين برئاسة (عبد الله بن جبير) حيث أمره أن يتخذ مكانه على تلك التلة، وعدد هاتين الفرقتين خمسون نفراً على رأي بعض المؤرخين، ومئة نفر على رأى آخرين، وأعتقد أن عددهم مئة، كل فرقة خمسون)).

لقد أدرك الرسول الأهمية الاستراتيجية لهضبة عينين، وأنها تشكل خطراً ساحقاً على المسلمين إن استطاع المشركون مباغتتهم من الخلف... وعملياً كانت مسيرة المعركة  تجري في صالح المسلمين، فما إن التحم الطرفان حتى ظهر النصر جلياً لصاح المسلمين الذين أخذت تتحرك قواهم بصفوف متراصة منتظمة يستحيل اختراقها ساحقة قوى الخصم، دافعة العدو إلى الخلف، وما عتم أن دب الرعب والذعر في صفوفه، فتراجع منهزماً فانكشفت صفوفه...

ولقد دللت مسيرة المعركة على عبقرية الرسول العسكرية في تحقيق النصر في المرحلة الأولى وإدراكه موقع الخطر الذي وقع فيه المقاتلون المسلمون بارتكابهم الخطأ الفادح حين خالفوا الرسول فسارعوا إلى جمع الغنائم من معسكر العدو المنهزم، ونزل الرماة بدورهم متخلين عن موقعهم الاستراتيجي فكانوا أن فتحوا الثغرة القاتلة التي تبينها الرسول ووضع لأجلها الرماة خشية قيام خيالة العدو، بقيادة خالد بن الوليد بحركة التفاف مباغتة من الخلف، وكان لتخلي الرماة عن مواقعهم على الجناح الأيسر ما عدا قلة قليلة بقيت مع قائدها عبد الله بن جبير، أن تبدل سير المعركة وقلبت موازينها، وتحولت هزيمة الجيش المكي الأكيدة إلى نصر، فكاد أن يفنى الجيش الإسلامي لولا ثبات قلة التفت حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستبسلت استبسالاً ملحمياً بعزيمة لا تقهر، وهي تذود عن صاحب الرسالة، حتى تمكنت أن تفتح طريقاً حتى مضيق عينين الذي تكسرت عنده هجمة المشركين... مما اضطر قادتهم إلى الانسحاب من المعركة بعد أن تواعد الفريقان على اللقاء في بدر العام المقبل، واعتبر المكيون أنفسهم منتصرين وثأروا للهزيمة في بدر، إذ أوقعوا الكثير من القتلى في صفوف المسلمين الذين مثل بجثثهم... ولا يخفى أن غالبية المؤرخين الإسلاميين عدوا موقعة أحد نصراً لقريش وهزيمة للمسلمين.

على إن للاستشرق المنصف كلمته إذ لم ير في معركة أحد هزيمة للمسلمين، ولم تكن بالتالي نصرا للمشركين، وهذا ما استعرضه المستشرق جيورجيو مناقشاً أراء المؤرخين الإسلاميين كباحث عسكري، انطلاقاً من مفهوم النصر والخسارة في الحرب.

يقول المستشرق جيورجيو:
((يذكر المؤرخون الإسلاميون أن المسلمين خسروا في معركة أحد. وهذا الرأي يحتاج إلى مناقشة. ولو أننا تحدثنا مع متخصص حربي في مسألة خسارة المعركة، وسألناه: ما هي علامة الخسارة الحربية ؟، لأجاب إن كان جيش الخصم المنتصر احتل البلاد، وأزال جيش العدو، عد عندئذ منتصراً، أما أن احتل دولة ما ولم يتمكن من أبادة جيشها فلا تعتبر الدولة خاسرة. فألمانيا في الحرب العالمية احتلت روسيا كلها، ووصلت جيوشها حتى شواطيء نهر الفولغا، ولأنها لم تستطع دحر جيش روسيا دحراً كاملاً فإن ألمانيا لم تعتبر منتصرة تماماً. فالدولة تعتبر ظافرة بشرطين: أولهما احتلال الدولة المغلوبة، وثانيهما إخماد حركة الجيش.

والمشركون في معركة أحد لم يستطيعوا احتلال المدينة، كما لم يوفقوا إلى إفناء جيش محمد -صلى الله عليه وسلم-. فمع أنهم شتتوا جيش المسلمين، فإن فلوله عادت فتجمعت في اليوم الثاني، فعندما عاد محمد إلى مدينه (كما سنذكر) كان تحت سيادته جيش منظم. فعن وجهة نظر محارب متخصص - برأيي- لم يخسر المسلمون في معركة أحد، إنما وقعوا في تجربة مفاجئة وحسب، لأن جيش مكة لم يفن جيش المسلمين، كما لم يحتل المدينة)).

ومما عزز معنويات المسلمين، ودلل على قوة الجيش الإسلامي وتماسكه، أن الرسول قام في اليوم التالي لمعركة أحد، بحركة عسكرية بارعة طارد فيا جيش مكة إلى منطقة تعرف باسم (حمراء الأسد) إلا أن الجيش المكي آثر عدم الاشتباك مع الجيش الإسلامي والعودة الى مكة...

الحركات العسكرية في أعقاب أحد وقبل الخندق
و كان لغزوة أحد أثارها النفسية على الدعوة الإسلامية، فبعد الفوز العسكري الباهر في بدر كانت نكسة أحد مريرة، ولكنها لم تعزز وضع المكيين في صراعهم مع الرسول.

يقول غلوب باشا:
« أصابت هزيمة أحد الدعوة الإسلامية بما يشبه الجزر بعد المد الذي حققه نصر بدر، ولما كان النصر في بدر قد عزي إلى نصره الله وعونه للمؤمنين فقد صعب على هؤلاء أن يفهموا لماذا ضنت العناية الإلهية عليهم بالنصرة في أحد. وتوالت الآيات منزلات على النبي، لتعينه في الحفاظ على الروح المعنوية القوية عند المسلمين. وسورة آل عمران في القرآن طافحة باللوم والتثريب على عبد الله بن أبي وأتباعه لتخاذلهم وبالوعد للمسلمين بالنصر النهائي والتأكيد لهم بأن الله أراد لهم الانكسار ليبتليهم ويمتحنهم)).

أجلاء يهود بني النضير
كانت العلاقة بين المسلمين واليهود متوترة انعدمت فيها الثقة وخاصة بعد إجلاء يهود بني قينقاع، واستهانة يهود بنى النضير بالمسلمين بعد معركة أحد، واهتزاز هيبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعزمهم على اغتياله وهو في عقر دارهم، فكان أن اتخذ الرسول قراره الحاسم لتصفية أعداء الإسلام داخل المدينة...

وذهب المستشرقون في تأويل أسباب إجلاء الرسول يود بنى النضير شتي المذاهب، ومنها التشكيك بصحة رواية مؤامرتهم لاغتيال الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

« ويرى الدكتور إسرائيل ولغنسون مؤلف كتاب: « تاريخ اليهود في بلاد العرب » أن إنذار بنى النضير بوجوب الجلاء عن المدينة كان بمثابة انتقام منهم على عدم اشتراكهم في معركة أحد، إذ أنها غزوة موجهة إلى مدينة يثرب، فكان على بنى النضير أن يخرجوا للقاء العدو، كما تقضى به شروط المعاهدة المعقودة بين المسلمين واليهود)).

العمليات العسكرية ضد القبائل المعادية للإسلام
وإلى جانب عملية إجلاء يود بني النضير عن المدينة، قام الرسول بسلسلة من العمليات العسكرية قاد بعضها بنفسه أو أنفذ سرايا يقودها صحابته كعمليات تأديبية ضد القبائل التي تحشدت لغزو المدينة. وكان أن  بلغ في إحدى غزواته الطرف الشمال الغربي من الجزيرة العربية لضرب التحشدات المعادية في دومة الجندل، لمنع انضمام قبائل الشمال إلى التحالف المعادي للإسلام.

وكان لهذه التحركات العسكرية أن وطدت دعائم الحكم الإسلامي في المدينة، وقوت ساعد المسلمين، وشلت حركة قريش التي تميزت في تلك المرحلة بالسلبية.

يقول غلوب باشا:
((ولعل المفارقة العظيمة بين الجانبين في هذه السنوات من سنوات المعارك تبدو واضحة جلية فيما تميز به المسلمون من نشاط لا حدود له، وما تميزت به قريش من سلبية وجمود. وظل المسلمون يقومون بغزوات وسرايا من هذا النوع، من قاعدتهم في المدينة ضد القبائل البدوية الحليفة لقريش مستعينين فيها بحلفائهم من البدو. أما الأفراد الذين يظهرون عداء شديداً للمسلمين أو للنبي فكان مصيرهم القتل)).

كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدرك أن معركة ما بين المسلمين والمشركين واقعة ولا مناص، ولذلك كانت أعماله تهدف إلى لم إعطاء الثورة الإسلامية زخماً وقوة استعداداً للمستقبل، وأضعاف لجبهة الأعداء.

يقول مونتجمرى وات:
((وهكذا استطاع محمد في الفترة الواقعة بين موقعة أحد وحصار المدينة - وإن عجز عن منع المكيين من تكوين حلف ضده - أن يمنع كثيرا من القبائل من الانضمام إليهم، وزادت القوى التي كانت في حوزته. ولم يكن يستطيع أن ينظر إلى الهجوم المهدد له بدون قلق ولكنه لم يفقد الأمل)).

موقعة الخندق أو الأحزاب
كانت الرسالة الإسلامية ظافرة دائماً، رغم ما يعترض مسيرتها من صعوبات ونكسات ومؤامرات ومخاطر.. وكان أشدها وطأة يوم تآمر أطراف الأحزاب للقضاء على الإسلام في معركة الخندق، وقوامها قريش ويهود النضير (ممن أجلوا عن المدينة) وخيبر وقبائل البدو الغطفانية، ناهيك بيهود الداخل بني قريظة، الذين اتفقوا مع الأحزاب على ضرب الإسلام من الخلف...

وتشير التقديرات الأولية إلى أن عدد الحلف الجديد يتراوح ما بين عشرة آلاف وأربعة وعشرين ألفا، زجت كلها في المعركة الجديدة بهدف القضاء على الرسالة الإسلامية...

وأمام هذا الخطر المحدق من الحشد الهائل، اتخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- قراره باتخاذ الإجراءات الدفاعية الكفيلة بحماية المدينة، واستقر الرأي على حفر خندق لحماية القسم المكشوف من المدينة، عملاً باقتراح سلمان الفارسي، فبداء بتنفيذه فوراً، واشترك سائر المسلمين بحفره يتقدمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد تم فعلاً إنجازه في فترة ستة أيام قبل وصول الأحزاب إلى المدينة.

ويقيم ك. جيورجيو عالياً خطة الرسول في موقعة الخندق التي حازت إعجاب المفكرين والباحثين العسكريين، بقوله:
((ولم تكن خطة محمد -صلى الله عليه وسلم- الحربية هذه سبب إعجاب الناس العاديين وحسب، بل مبعث إكبار من وجهة نظر رجال الحرب المتخصصين. إذ كيف استطاع محمد -صلى الله عليه وسلم- استنباط هذه الخطة وإنجازها، لأن النبوغ ليس في استنباط الخطة وحسب، بل في تنفيذها أيضاً. فالذين يقيمون في منازلهم ويقرأون على صفحات الجرائد الخطط الحربية والعمليات العسكرية التي يقوم بها رجال ضد خصومهم لا يقدرون مدى العناء الذي يعانيه القائد في تنفيذ مثل هذه الخطط في ساحة المعركة. وقد كان حفر الخندق في الجزيرة لمنع هجوم جيش معاد جديداً، يشبه « الفالانج » الذي خططه في معاركه السابقة من حيث الجدة والبراعة)).

وعملياً، فإن الخندق الجديد حال دون اقتحام جيش العدو المدينة في هجوم كاسح، واضطره إلى في ضرب الحصار عليها شهراً كاملاً دون. أن يتمكن من اختراق الخطوط الدفاعية الإسلامية.

يقول غلوب باشا محللاً:
((ولم يكن حلفاء قريش من قبائل البادية يستسيغون طعم الحرب الثانية، وسرعان ما أخذت المؤن تنضب والاحتكاك ينشب بين الأحزاب. وقد أثار الكثير منه رسل محمد الذين أخذوا يبذرون الخلافات سراً في صفوف المشركين، وراحت إبل قريش وجيادها تنفق لنقص المرعى. ورغم أن أبا سفيان كان القائد العام للحملة اسمياً إلا أن الأحزاب اتبعت نظاماً غريباً للقيادة، وهو إسناد أمرها في كل يوم إلى واحد من رؤسائهم وعلى الرغم من أن هذا النظام كان ضرورياً لتهدئة حوافز الغيرة والحسد بين مختلف القادة إلا أن مثل هذا الترتيب جعل أية عملية منظمة للحصار أمراً مستحيلاً)).

ويحلل الباحث الإنكليزي مونتجمري وات في كتابه: « محمد في المدينة » أهمية النصر الذي حققه الرسول بل بدبلوماسيته على أعدائه، بقوله:
((ولن نألو جهداً في تقدير أهمية هذا الانتصار الدبلوماسي  لأن هجوم قريظة من الجنوب على مؤخرة المسلمين كان بمكانه القضاء على رسالة محمد. لقد دل تفسخ المحالفة على فشل المكيين فشلاً ذريعاً في عملهم ضد محمد. وأصبح المستقبل مكفهراً بالنسبة إليهم. لقد استخدموا أقصى جهودهم لإزاحته عن المدينة، فبقي فيها أكثر نفوذاً مما مضى، وذلك بسبب فشل المحالفة. كما ماتت تجارتهم مع سورية، وفقدوا الكثير من مكانتهم. ولم يعودوا يأملون، حتى لو انقطع محمد عن مجابهتهم، في الاحتفاظ بثرواتهم ومكانتهم. وهو يستطيع أن يستخدم القوة المسلحة ضدهم، ويحاول أبادتهم كما حاولوا أبادته. ومن الغريب أن بعض المكيين، وهم الشعب الواقعي لم يأخذوا بالتساؤل عما إذا لم يكن من الأفضل قبول محمد وديانته)).

ومع الهزيمة العسكرية المرة التي أحاقت بقوى الأحزاب ظهر المسلمون قوة عسكرية لا يستهان بها، وطفقت القبائل الوثنية تخشى جانبه.. وعملياً، انتقل زمام المبادرة بعد معركة الخندق لأيدي المسلمين، إذ أصبحوا منذ ذلك اليوم في موقع الهجوم، تأكيداً لرؤية الرسول لمسيرة الصرع المستقبلية مع قريش، حين قال صلوات الله عليه: « لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم ».



حروب الدعوة الإسلامية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

حروب الدعوة الإسلامية Empty
مُساهمةموضوع: رد: حروب الدعوة الإسلامية   حروب الدعوة الإسلامية Emptyالخميس 08 فبراير 2024, 9:51 am


تصفية آخر معاقل اليهود في المدينة
كان لنقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أخطر  مرحلة مرت بها الدعوة الإسلامية حين ضرب الأحزاب الحصار على المدينة، وفتحهم ثغرة كبيرة في دفاع المسلمين، بتحالفهم مع الأعداء الخارجيين (الأحزاب) أن وضع المسلمين في موقف حرج، كاد أن يودي بحركة التوحيد الإسلامية، إذ وجدت نفسها بين طرفي كماشة، فالأحزاب من أمام وبنو قريظة من الخلف...

و لكن ما إن فشل حصار الأحزاب وتفرق شملهم حتى أحس بنو قريظة بفداحة الخطأ الذي ارتكبوه نتيجة نقضهم العهد مع الرسول...

يقول جيورجيو:
((بني قريظة نقضوا عهد المدينة، فاتحدوا مع أعدائها، في حين أن الواجب كان يحدوهم إلى الدفاع عن بلدتهم ضد المهاجمين. والرسول -صلى الله عليه وسلم- في معركة أحد قإلى لهم إن هذه الحرب دينية، ولستم مضطرين إلى الخروج مع المسلمين، والحرب في صفهم، ولاسيما أن المعركة جرت خارج المدينة، أما الآن فهم داخل الخندق، وحين رأى بنو قريظة أن المشركين رحلوا، وتفرغ لهم المسلمون، أحسوا بالخطر يداهمهم لخيانتهم، فتحصنوا في قلاعهم ومنازلهم)).

وسارع المسلمون بضرب الحصار على منازلهم الشبيهة بالقلاع الحجرية بقيادة على بن أبي طالب مدة خمسة وعشرين يوماً، فقرروا في نهايتها الاستسلام والنزول على حكم النبي محمد، وقبلوا بتحكيم حليفهم من الأوس سعد بن معاذ، الذي أصدر حكم وفق الشريعة الموسوية "بأن تقتل المقاتلة، وتقسم الأموال وتسبى الذرية والنساء»...

ويتابع جيورجيو متحدثاً عن الحكم  الذي صدر بحق اليهود، بقوله:
((خالفت قريظة العهد، وأهملت العقد، وسعت إلى الاتفاق مع الخصوم لضرب المسلمين من الخلف، لذا توجب عليهم الإعدام. لم يصدر المسلمون هذه الفتوى، بل أعلنها رجل اعتبره اليهود صديقاً لهم، وهم الذين اختاروه لهذه المهمة. وبعد صدور هذا الحكم برأ علي النساء والأطفال  الذين لم يبلغوا سن الرشد، والشيوخ المسنين. أما الباقون فمن دخل في الإسلام برئت ساحته، وأما الباقون فقد ثبتوا في القلاع والمنازل، وحاربوا ببسالة حتى قتلوا عن بكرة أبيهم)).

هذا، وقد ناقش الباحث الإسلامي مولانا محمد علي الحكم الذي صدر بحق بنى قريطة ورد على اتهامات المستشرقين المتعاطفين مع اليهود حين اعتبروه جائراً، بأنه تم وفق الشريعة الموسوية، وإن الذي أصدره هو قاض من اختيارهم.

يقول الباحث الإسلامي مولانا محمد علي:
((وهكذا حكم سعد، وفقاً للشريعة الموسوية، بقتل ذكور بني قريظة، وعددهم ثلاثمئة، وبسبي نسائهم وأطفالهم، وبمصادرة ممتلكاتهم. ومهما بدت هذه العقوبة قاسية فقد كانت على وجه الضبط العقوبة التي كان اليهود ينزلونها، تبعاً لتشريع كتابهم المقدس، بالمغلوبين من أعدائهم، وإلى هذا فإن جريمة الغدر الشائنة التي اتهم بها بنو قريظة خليق بهم، في مثل تلك الظروف، أن لا تجازى بأيما عقوبة أخف، حتى في عصر المدنية هذا. كان القاضي من اختيارهم، وكان الحكم منطبقاً أشد انطباق مع شريعتهم المقدسة نفسها. وفوق ذلك، فقد أدينوا بخيانة من نوع خطير. فهل من المنطق في شيء أن ينتقد الرسول لهذا السبب ؟ إن كل اعتراض على قسوة هذه العقوبة هو اعتراض على الشريعة الموسوية. إنه في الواقع انتقاد لا شعوري لتلك الشريعة، وتسليم بأن شريعة أكثر إنسانية يجب أن تحل محلها، وأيما مقارنة بالشريعة الإسلامية في هذا الصدد خليق بها أن تكشف، في وضوح بالغ، أي قانون رفيق عطوف، رحيم قدمه الإسلام إلى الناس)).

وكان من نتائج تصفية بني قريظة، القضاء التام على السلطة اليهودية في المدينة، وتوطيد السلطة الإسلامية فيها دينياً وسياسياً واقتصادياً، كما أخذ دورها يكبر على القبائل الوثنية في جزيرة العرب، التي أخذت تحسب للمسلمين ألف حساب...

صلح الحديبية
ونتيجة للعمليات العسكرية التي حققت فيما الدعوة الإسلامية النصر تلو النصر، ظهرت كقوة بارزة مركزها المدينة، إنما تمتد ذراعها إلى أبعد نقطة في الجزيرة العربية، وتوجت عملياً بصلح الحديبية بين المسلمين وقرشيي مكة... وذلك حين أتتخذ  الرسول عليه السلام قراره الخطير بذهابه إلى مكة مسلماً معتمراً...

لقد كانت هذه الحركة مفاجأة ليس للمشركين فحسب، بل للمسلمين كذلك، يقول الباحث العسكري الروماني جيورجيو:
((كان المسلمون يظنون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيهاجم خيبر أو مكة ليفك الحصار، لكنه ارتأى حلاً آخر لم يتوقعه المسلمون، ذلكم هو ذهاب المسلمين جميعاً معه لأداء العمرة، في حين أن مكة تحمل في طياتها الضغينة والحقد لمحمد -صلى الله عليه وسلم-. فهي التي جيشت الجيوش لحربه. ومع ذلك فقد صمم على الذهاب إليها. وقد ظنوا بادىء ذي بدء أنه يريد فتحها. لكنه أجابهم بأنه يريد زيارتها لا حربها. وهكذا سار، ومعه ألفا رجل، وعدة مات من الجمال إلى مكة في الشهر الثاني من فصل الشتاء سنة 628 المطابقة للسنة السادسة)).

وبعد تردد، اتتخذ ت قريش قرارها بمنع الرسول والمسلمين من دخول مكة ولو سلماً كما أحجزت لديها رهينة رسول رسول الله إليها عثمان ابن عفان، وتأهبت للحرب.

يقول الباحث العسكري غلوب باشا في معالجة هذا الموضوع:
((لكن قريشاً لم تقتنع بنوايا الرسول السليمة. فسارعت تسلح نفسها وتتخذ  مواقعها على طريق المدينة للدفاع عن مكة. ولم يكن المعمرون من المسلمين يحملون إلا السيوف، ولم يكونوا في وضع يمكنهم من خوض القتال ويبدو أن محمدا بحركته هذه مع جماعته نصف المسلحين قد ارتضى المغامرة،وكانت مغامرة من طراز نادر. وعندما وجد المسلمون طريق مكة مغلقاً في وجوههم انحرفوا ناحية اليمين ومروا إلى الغرب من مواقع العدو واقتربوا من مكة من الطريق المؤدي إليها من ساحل البحر ثم توقفوا عند الحديبية، وهي على مسيرة يوم إلى الغرب من مكة. وعندما سمع أهل مكة بأن محمداً قد التف حول جناح مواقعهم الدفاعية تراجعوا مسرعين إلى مكة وراحو يوفدون إلى لمفاوضته)).

وأصر الرسول على دخول مكة سلماً، مؤكداً الاعتراف بقدسية الكعبة، لكن قراره  السياسي الخطر هذا قد يدفعه للجوء إلى الحل العسكري، رغم عدم تكافؤ القوى الإسلامية والمكية، إذ خرج المسلمون عزلاً إلا من أسلحتهم الفردية وكان عددهم دون عدد القرشيين بكثير، ومع ذلك تخوف القرشيون من مجابهة المسلمين حين علموا بمبايعتهم الرسول على القتال حتى آخر رجل، بالمبايعة التي عرفت " بيعة الرضوان"  دفاعا عن العقيدة، ولذا سارعوا جدياً بفتح صفحة المفاوضات مع المسلمين.

يقول جيورجيو:
((ولقد تخوف المشركون، ولاسيما قريش، من بيعة الرضوان، التي بموجبها يتعهدون بتنفيذ ما يأمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان مخالفاً لمعتقداتهم. فلقا تصوروا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخذ هذه البيعة، لأنه سيهاجمهم، وسيقتل من يقاوم، ويأسر من يستسلم. لقد كانت قريش على يقين من براعة محمد -صلى الله عليه وسلم- العسكرية، بعد أن لمسوا منه ذلك في المعارك السابقة، كما أيقنوا بأن المسلمين يتحلون بيقظة تامة. ووثقوا بأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- إن صمم على احتلال مكة فعل. ولهذا أطلقوا سراح عثمان فوراً، وأعادوه إلى الحديبية، وحملوه رسالة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، مفادها أنهم مستعدون للمباحثة معه، وسيرسلون وفداً لذلك)).

وأخيراً توصل الطرفان إلى عقد صلح الحديبية الذي يقر السلم بين الطرفين مدة عشر سنوات.

وكان النص النهائي  للوثيقة:
« باسمك اللهم: هذا ما صاح عليه محمد بن عبد الله سهيل ابن عمرو على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض، على أن من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، وأنه بيننا بيعة مكفوفة، وأنه لا اسلال ولا إغلال، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه. وأنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فادخلها بأصحابك فأقمت بها ثلاثاً ومعك سلاح راكب والسيوف في القرب، لا يدخلونها بغيرها.

خاتم            خاتم
سهيل بن عمرو        محمد رسول الله

شهود عقد الصلح: أبو بكر، عمر بن الخطاب، على بن أبي طالب.

وكتب: وكان هو كاتب الصحيفة، عبد الرحمن بن عوف، عبد الله بن سهيل بن عمرو، محمود بن مسلمة، مكرز بن حفص)).

فتح خيبر
يدخل فتح خيبر في إطار علاقات الرسول باليهود الذين مثلوا الثورة المضادة للإسلام في جزيرة العرب، وكان ليهود خيبر مع بني النضير دور بالغ الخطورة في إقامة الحلف المعادي للقوة الإسلامية الذي عرف باس الأحزاب وحاول القضاء عليها في موقعة الخنق.

يقول الباحث الإسلامي مولانا محمد علي:
((أما موقعة خيبر فقد حدثت بعد صلح الحديبية، في السنة السابعة للهجرة ولكنا لا نحسب، بقدر ما يتعلق الأمر بأثرها في العلاقات الإسلامية اليهودية، أن من الخروج عن الموضوع أن نتحدث عنها في هذا الفصل. فحين نفي بنو النضير من المدينة نزلت كثرتهم الكبرى وبخاصة زعماؤهم وأعيانهم، في خيبر، معقل اليهود في بلاد العرب، على مبعدة مئتي ميل تقريباً، من المدينة. وكان اليهود ينعمون ثمة بسلطان  مستقل، وكانوا قد حصنوا الموقع تحصيناً قوياً. حتى إذا وفد عليم بنو النضير غرست بذرة العداوة للإسلام في قلوبهم. وما إن نشبت معركة الأحزاب حتى راحوا يحرضون المكيين، وقبيلة غطفان، والقبائل البدوية، على المسلمين بل لقد وفقوا إلى اكتساب تعاون بني قريظة أيضاً. ورسخت جذور القوة الإسلامية في المدينة بعد إخفاق حملة الأحزاب. ولكن الحقد اليهودي لم يزدد إلا ضراوة، لقد أجروا مفاوضات سرية مع عبد الله ابن أبي، زعيم المنافقين الذي حكم لهم توكيداً جازماً أنه لا يزال في إمكانهم محق القوة الإسلامية)).

وكان لصلح الحديبية الذي، عقد بين الرسول ومشركي قريش أن سرع في تطور الأحداث، إسقاط آخر قلاع اليهودية في جزيرة العرب... لقد اعتقد يهود خيبر أن هذا الصلح  الذي عقد بشروط مجحفة بحق المسلمين، يشكل دليلاً على ضعفهم... فراودتهم الآمال  بالقضاء على الدولة الإسلامية في المدينة قضاء تاماً. وذلك بتحالفهم مع قبيلة غطفان.

يقول جيورجيو:
((حين علم سكان خيبر أن المسلمين عقدوا هدنة مع أهل مكة صمموا على حربهم وحدهم، وذلك بأن يهاجموا المدينة بصورة خاطفة. ولكن محمداً -صلى الله عليه وسلم- أعد ألفاً وخمسمئة محارب لحرب خيبر، في حين أن اليهود يستطيعون تجهيز عشرين ألف مقاتل)).

وحاصر جيش المسلمين بقيادة على بن إلى طالب معاقل اليهود في خيبر، وسرعان ما أخذت قلاعهم تتساقط الواحدة تلو الأخرى، ودان اليهود بسلطان المسلمين....

((وأحسن محمد -صلى الله عليه وسلم- معاملة اليهود. إذ سمح لمن يريد منهم بالرحيل، وحمل ما يريدون،عدا التمر والغنم والغلال. وبرواية أخرى عدا أثاث المنازل. أما من لم يرد الرحيل فليبق، وله الحرية في العمل الذي يريد. كما انه منع المسلمين من الزواج بالنساء اليهوديات على طريقة الزواج بالمتعة و"المتعة " زواج مؤقت بنساء الأمة المغلوبة. وللمسلم كامل الحرية في اقتناء النساء على أساس هذا الزواج. أما إذا كانت النساء قلة فيوزعن عليهم بالتساوي.. كما أن علياً منع الجنود المسلمين من دخول بساتين اليهود، والعبث بحقول الخيل، كيلا يؤذوا فواكههم أو أشجارهم. وكي يوطد محمد -صلى الله عليه وسلم- العلاقة بين المسلمين واليهود عقد قرانه على صفية إحدى نسائهم.. وكان يسكن في وادي القرى -قرب تلك الديار- قبيلتان يهوديتان،وقبيلتان أخريان سكنتا فدك وتيماء. فبعد أن رأوا انتصار المسلمين في خيبر عقدوا معهم صلحا، يدفعون فيه الجزية المستحقة)).

غزوه مؤتة
هذا، ولقد جرى بين فتح خيبر وفتح مكة عدد من السرايا العسكرية والغزوات التي قادها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنفسه أو أنفذها بقيادة صحابته. كان بعضها بمثابة حملات تأديبية أو دوريات استطلاع، لكن أهم حملة حدثت في تلك الفترة هي غزوة مؤتة لأنها جرت داخل الأراضي الواقعة تحت النفوذ البيزنطي.

يقول غلوب باشا:
((ومع كل هذه العوامل فقد أعد النبي في شهر سبتمبر / أيلول / عام 629 حملة عسكرية كبيرة الأهمية وكثيرة التنظيم، وكان القصد منها غزو بعض الأراضي الخاضعة  للسيطرة البيزنطية، وتقول الروايات العربية إن القصد من الحملة كان الثأر لبعض الرسل المسلمين الذين أوفدهم النبي إلى المنطقة. كان الثأر دفاعاً أقوى في الحروب العربية من الفتح والاحتلال.. وأقام النبي معسكراً على بعد بضعة أميال إلى الشمال من المدينة وأمر المتطوعين من المسلمين بالتجمع فيه وولى زيد بن حارثة ولده بالتبني - قيادة الحملة التي ضمت نحوا من ثلاثة آلاف رجل. وكانت هذه هي الحملة الإسلامية الأولى على هذا النطاق الضخم التي خرجت إلى هدف بعيد عن المدينة، وتطلب أعداد مثل هذه الحملة وقتا طويلا. ولذا فان أنباءها بلغت ما يسمى الآن بشرق الأردن قبل تحركها)).

وكان أن التقى الجيشان الإسلامي والبيزنطي في مؤتة، وكانت النسبة بين الجيشين هي واحد إلى سبعة لصاح الروم وحلفائهم من القبائل العربية الموالية لهم، ورغم عدم تكافؤ القوى في العدد والعدة، لم يتردد المسلمون الذين عمر الإيمان قلوبهم ثم في خوض المعركة. وكانت النتيجة أن سقط قائد القوات الإسلامية زيد بن حارثة والقائدان جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة... وهنا ظهرت عبقرية خالد بن الوليد الذي اعتنق الإسلام، وكان ذا خبرة عالية في القيادة العسكرية فاستطاع أن ينقذ الجيش الإسلامي من الفناء بانسحابه المنظم والعودة به إلى المدينة، فنال بفضل ذلك اللقب الذي أطلقه عليه الرسول: سيف الله.

غزوه ذات السلاسل
واتخذ الرسول قراره بتجريد حملة يقودها عمرو بن العاص إلى شمالي الجزيرة العربية، لإعادة الثقة بالجيش الإسلامي، لضرب القبائل العربية الموالية للبيزنطيين، حين بلغه تحشدها لمهاجمة المدينة، وتمكن عمرو بن العاص -بعد طلب المدد الذي أنفذه إليه الرسول ووصول تلك المساعدات العسكرية- من إلحاق هزيمة نكراء بالقبائل العربية وتشتيت جموعها.. وبالتالي إعادة الهيبة للجيش الإسلامي.

فتح مكة
كان صلح الحديبية الذي عقد ما بين الرسول والمشركين مجحفاً بظاهره بحق المسلمين سرعان ما انقلب لصالحهم، وبلغ الأمر أن طلبت قريش بالذات إلغاء البنود التي اعتبرها البعض مذلة، وخاصة ما يتعلق بأولئك الذين يلجؤون إلى محمد هرباً من قريش بأن يعيدهم إلى مكة... والذين لم يلبثوا أن انقلبوا عصبة مسلحة تهدد قريشاً تهديداً جدياً.

وعملياً، فقد نشأت تلك العصبة بقيادة أبي بصير من مسلمي مكة الذين لم يستطيعوا اللحاق بالمدينة، تنفيذاً لاتفاق صلح الحديبية، فنزلوا العيص على ساحل البحر وطفقوا يغيرون على قوافل قريش يستلبون أموالها ويفتكون بقواتها.

ويتحدث جيورجيو عن تلك العصبة المجاهدة بقوله:
((ولم يمض حين حتى ازداد عددهم، واستطاعوا أن يؤلفوا جيشاً فأخذوا يغيرون على قوافل مكة. فتضايقت جماعة قريش كثيراً منهم، فاضطرت إلى مراسلة النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله بأرحامها ألا آواهم فلا حاجة لهم بهم. فطالبهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتاب خطي كي سنداً  له وعهداً. وبهذا نقض هذا الشرط من كتاب العهد. وما فتئت الشروط التي لم تكن لصاح المسلمين يزول مفعولها شيئاً فشيئاً، وما هي إلا مدة وجيزة حتى غدا صلح الحديبية كله في صاح المسلمين)).

ولم ينقض طويل وقت حتى أخذت قريش تتململ من هذه الاتفاقية، التي تحولت لصاح المسلمين إذ مكنتهم  من نشر الدعوة الإسلامية مما دفع المشركين إلى التذمر ومحاولة نقض صلح الحديبية، وإلغائه من جانب واحد، لكن سرعان ما شعرت بالخطأ، وحاولت أن تتدارك الأمر، لكن بعد فوات الأوان، إذ أتتخذ الرسول قراره بفتح مكة.

يقول غلوب باشا:
((وكان الرأي العام في مكة قد تحول في هذه الآونة تحولاً واضحاً إلى جانب المسلمين. وأدرك النبي أن الوقت قد حان لتوجيه ضربته النهاية الى قريش. وسرعان ما أمنت له القبائل البدوية الذريعة أو المبرر. وكانت هناك قبيلتان إحداهما تسمى خزاعة والأخرى بنو بكر تعيشان متجاورتين خارج مكة، وبينهما ثارات قديمة منذ عهد الجاهلية.وكانت خزاعة حليفة النبي بينما كان بنو بكر حلفاء لقريش. وحدث في هذه الآونة أن أرادت بكر الثأر بن خزاعة فخرج نفر منها لمباغتة أعدائهم على ماء خارج مكة، وأوقعوا بالخزاعيين عاداً من الإصابات القاتلة. وخرج بديل بن ورقاء أحد شيوخ خزاعة والذي قام بدور الوساطة في الحديبية على رأس وفد من  قومه إلى المدينة، فأخبروه بنقض قريش لعهدها، وأن غدر بني بكر حلفاء قريش يعتبر خرقا لمعاهدة الحايبية. ويبدو أن النبي قرر أن الفرصة جد مؤاتية للقيام بعمل حاسم إزاء قريش وراح في يناير / كانون الثاني / عام 630 يأمر المسلمين بالتأهب للحرب، وسيطر الرعب على زعماء قريش الذين كانوا يدركون ولا شك ما بلغه نفوذ محمد وسلطانه وراح أبو سفيان قائدها في معركة أحد وأحد كبار أعداء النبي ومعارضيه يسرع إلى المدينة ولكن هذا القائد المتغطرس وزعيم قريش لم يستطع مقابلة النبي أن رفض السماح له بمقابلته واضطر أن يرجو أبا بكر وعمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب الوساطة والشفاعة عند محمد فضنوا بها عليه وعاد إلى مكة مخذولاً مهاناً)).

وسار الرسول على رأس جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل قاصدين مكة لفتحها.. ويربط الباحث الإسلامي مولانا محمد علي فتح مكة بالنبوءة الموسوية بقوله:
((وأخيرا سار الرسول، على رأس عشرة آلاف من أتباعه البررة،إلى مكة في العاشر من رمضان، من السنة الثامنة للهجرة، وهكذا حققت النبوءة التي انطلقت، قبل ألفي عام،من بين شفتي موسى "وأتى مع عشرة آلاف من القديسين" (سفر التثنية 33: 2). وليس في التاريخ بعد الموسوي أيما حادثة أخرى تتحقق بها هذه الكلمات النبوئية. يا لها من ظاهرة أعجوبية، لقد كان عدد المسلمين عشرة ألاف مقاتل، وكانوا في الوقت نفسه كلهم (بررة) كما جاء في النبوءة. إن هدفهم في الحياة لم يكن بأية حال خوض غمار الحرب وسفك الدماء ولكن إقامة قواعد البر ولو كلفهم ذلك حياتهم)).

وحين أدرك القرشيون ألا قبل لهم بمواجهة المسلمين قبلوا الاستسلام دونما قتال.

ولقد أورد العلامة الفرنسي لوزوذ في كتابه: "الله في السماء" دخول الرسول الكعبة وقضاءه على رموز الوثنية، وذلك بتحطيم الأصنام المنتشرة حولها: ((ولما فتح محمد مكة جاء بيت الله الكعبة في احتفال وفيها -360- صنماً فكان محمد يقفر أمام كل صنم ثم يضربه بعصاه ويقول (جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقاً) فيهوي على الأرض تحت أقدامه)).

ولقد قوم الباحث الإسلامي مولانا محمد علي هذه الحادثة التاريخية الفريدة بقوله:
((إن تاريخ العالم ليعجز عن تزويدنا بنظير لهذا الصفح الكريم الذي أغدقه الرسول على أمثال أولئك المجرمين الكبار. أن الضرب على وتر المواعظ الداعية إلى الصفح والغفران لا يكلف المرء شيئاً  كثيراً، ولكن عفو المرء عن معذبيه ليحتاج إلى قدر من الشهامة عظيم، وبخاصة حين يكون أولائك المعذبون تحت رحمته. وهذا الانفساح في مدى العطف الإنساني والعفو الكريم لا نقع عليه في حياة يسوع. فالحق أن يسوع لم تتح له الفرصة لممارسة فضيلة العفو، ذلك بأنه لم يكسب  في أيما يوم السلطة التي تمكنه من الرد على مضطهديه)).

أما الباحث العسكرى غلوب باشا، فقد اعتبر نصر الرسول عظيماً لأنه حققه دونما إراقة دماء، وتمكن من كسب قلوب الجميع، فكان أن برزت مزاياه كرجل دولة وسياسة...

يقول الباحث العسكرى غلوب باشا:
((وهكذا تم فتح مكة دون إراقة دماء إلى حد كبير. وعلى الرغم من أن النبي كان قد عانى الاضطهاد في المدينة، وعلى الرغم من أن عدداً من ألد أعداءه كانوا لا يزالون يعيشرن فيها، إلا أنه اكتسب قلوب الجميع بما أظهره من رحمة وعفو في يوم انتصاره.ولا ريب في أن هذا التسامح أو هذه الفطنة السياسية التي اتصف بها النبي كرجل دولة، كانت غريبة على العرب الذين كانت صفة الانتقام من خصالهم ومزاياهم. وقد حقق النصر الكبير بسياسته ودبلوماسيته اكثر منه بعمله العسكري. ولا ريب في أن عظمته تقوم في أنه أدرك في عصر يسوده العنف وسفك الدماء أن الأفكار أقوى من القوة والعنف)).

وكان لموقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- من القرشيين، أن دخلوا في دين الله أفواجاً أفواجاً، فقد أسلم في الأيام العشرة الأولى ألفا قرشي... وكانت مدة مكوثه في مكة خمسة عشر يوماً أسلم فيها غالبية السكان، ولقد رأى منصفوا المستشرقين بفتح مكة سلماً الرد القاطع، والدليل الساطع، على أن الإسلام ليس دين السيف وحسب، بل هو دين السلم كذلك.

ومن هذه الأقوال اعتراف السير وليم موير، حين علَّق على هذه الحادثة التاريخية، بقوله:
((على الرغم من أن البلدة رحبت بسلطانه ترحيباً بهيجاً، فلم يكن جميع سكانها قد اعتنقوا الدين الجديد، ولم يكونوا قد اعترفوا رسمياً بصحة دعواه النبوئية. ولعله عقد العزم على أن يسلك ههنا ذلك النهج الذي سلكه في المدينة، ويدع الناس يدخلون في الإسلام، شيئاً بعد شيء، من غير إكراه)).

غزوه حنن وحصار الطائف
كان للنصر العظيم الذي حققه الرسول بفتح مكة مسلماً ودخول قريش الإسلام أن أقض مضاجع القبائل المشركة القاطنة قرب مكة، ولاسيما هوازن في شمال شرقيها، ثقيف في جنوب شرقيها. فكان أن تحالفتا واتفقتا على تولية مالك بن عوف النصري قيادة الحملة الموجهة ضد المسلمين. للانقضاض على مكة وأخذها بغتة... وسرعان ما تناهى إلى مسامع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أرصاده ما يتم من حشود ضد القوى الإسلامية فخرج هو للقائها بحيش بلغ أثني عشر ألف رجل، إذ انضم إليه ألفان من مسلمي مكة الجدد.. وتحركت القوات الإسلامية صوب الطائف، وعبرت طلائعه وادي حنين دون أن تنتبه إلى كمائن الأعداء...  

يقول غلوب باشا:

((وكانت كثرة المسلمين العددية وثقتهم من النصر سببين كما يبدو في إظهار ما أظهروه في هذه المعركة من افتقار إلى الاستعداد والحيطة. فلم يكد المسلمون يتحركون عند الفجر عبر وادي حنين الضيق حتى باغتهم العدو من جميع الجهات بعد أن كمن لهم في شعاب الوادي. كانت المباغتة كاملة تمام الكمال، ولم يتح لهم الوقت للثبات وتنظيم صفوفهم. وتراجعت طلائعهم فزعة لا تلوي على شيء وسرعان ما دب الرعب في الجيش كله وراح ينهزم  محاولاً الفرار من الوادي الضيق وقد سادته الفوضى)).

وتعقب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بنفسه قوات ثقيف إلى مدينتهم الحصينة: الطائف، نضرب حولها الحصار والرجوع بقواته إلى مكة..  

يقول غلوب باشا:
((وكان انتصار المسلمين في حنين كاملاً حتى أنهم كسبوا غنائم كثيرة بين أعداد وفيرة من الإبل والغنم، كما أسروا عدداً ضخماً من الأسرى معظمهم من نساء هوازن وأطفالها، وعندما عاد النبي عن الطائف دون أن تمكن من فتحها شرع يقسم الغنائم والأسلاب بين رجاله. ووصل إليه وفد من هوازن المهزومة المغلوبة على أمرها يرجوه إطلاق سراح النسوة والأطفال من الأسرى، وسرعان ما لبى النبي الطلب بما عرف عنه من دماثة وتسامح، فلقد كان ينشد من جديد في ذروة انتصاره أن يكسب الناس أكثر  من نشدانه عقابهم وقصاصهم)).

ودفع هذا الوقف المتسامح من أعداء الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى أن يعلنوا إسلامهم، فأسلمت هوازن في البدء لتتبعها بعد ذلك ثقيف، وهذا ما جعل القبائل العربية تترى مسارعة إلى إعلان إسلامها، فأسلمت قبيلة طييء...  وأصبح إلى الرسول صاحب أعظم قوة سياسية وعسكرية على الجزيرة العرب.

غزوة تبوك
إن انضواء جزيرة العرب تحت لواء الإسلام، وبروز الرسول كموحد للعرب وظهوره كحاكم  ديني وسياسي وعسكري، وانتشار الإسلام كعقيدة سماوية انتشاراً واسعاً.. كل ذلك أخذ يقلق الإمبراطورية البيزنطية -رغم أن الرسول كان يتعاطف مع الدولة الرومانية في قتالها ضد فارس- فتحركت كوامن الغيرة الدينية والحسد لتك الانتصارات الباهرة... لذلك رأت بيزنطة أن تهب مسارعة إلى القضاء على هذا الخطر الجديد قبل استفحاله، وأخذ قيصر الروم يعد العدة للقيام بحملة عسكرية على الجزيرة العربية عن طريق سورية بهدف القضاء على المسلمين...

ووصلت الرسول أخبار عن تلك الحملة، وأن عدداً من القبائل المسيحية انضمت إلى الروم لقتال العرب المسلمين، ولذا سارع إلى إعداد جيش لملاقاة العدو عند الحدود الفاصلة بين الجزيرة العربية وسورية، تم تجهيزه على جناح السرعة وقوامه 30 ألف مقاتل بينهم عشرة آلاف فارس، وخرج على رأس ذلك الجيش في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة. كما انضم إليه الكثير من القبائل العربية أثناء مسيرته، مما دفع الروم إلى العدول عن حرب المسلمين، كما فر رؤساء القبائل المسيحية حين يئسوا من وصول الحملة البيزنطية، وبعدها صالحوا الرسول، وأبدوا استعدادهم لدفع الجزية وعقد معاهدة معه، إذ أدركوا أن قوة الإسلام جعلت دولة الروم العظمى تخش مواجهتها.

((ونظم عدداً من نقاط الارتكاز على الحدود الشمالية للجزيرة العربية التي تربطها بلاد الشام، وذلك بعقد التحالفات مع سكان تلك المنطقة، وانضمام بعضهم إلى الثورة الإسلامية)).

ورأى الباحث العسكري غلوب باشا أن ما هدفت إليه غزوة تبوك، هو بسط السيطرة الإسلامية حتى الحدود البيزنطية يقول:
((ولا ريب في أن الهدف من هذه الحملة كان رفع الراية الإسلامية على حدود الروم، ولم يكن النبي قد نسي معركة مؤتة، ولذا فقد عزم على الثأر لها)).



حروب الدعوة الإسلامية 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
حروب الدعوة الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الاستـشـــــراق والاستـغــــــراب :: الرسول في الدراسات-
انتقل الى: