أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: موجز تاريخ الاستشراق الأربعاء 07 فبراير 2024, 1:54 am | |
| موجز تاريخ الاستشراق د. عصام فاروق ليس من اليسير تحديد البداية الأولى للاستشراق، فلم "يُعرف بالضبط من هو أول غربي عُني بالدراسات الشرقيَّة ولا في أي وقت كان ذلك، ولكن المؤكد أن بعض الرهبان الغربيين قصدوا الأندلس إبان عظمتها ومجدها، وتثقفوا في مدارسها، وترجموا القرآن والكتب العربيَّة إلى لغاتهم"[1] ولذا يعتبر البعض أن الإرهاصات الأولى للاستشراق مرتبطةٌ بظهور أول ترجمة لاتينيَّة للقرآن الكريم في سنة 1143م، وقد نُسبت إلى الأب بطرس المبجل (ت 1157م) [2] ومن هذه الخلفيَّة الدينيَّة لمن يمكن تسميتهم (المستشرقين الأوائل) فقد ربط مؤرخو الاستشراق ما بين التبشير والاستشراق، "فهما صنوان بل توأمان متلازمان يصعب التفريق بينهما في كثير من الأحيان، وبخاصة في بداية نشأتهما، فأول مؤسس لكرسي الاستشراق بجامعة أكسفورد هو رئيس الأساقفة واسمه (لود) وذلك في سنة 1636م"[3] فمن الضروري للمنصِّرين معرفة لغة القوم الذين يريدون أن ينشروا بينهم دينهم، ولا يتوقف الأمر عند المعرفة فقط، وإنَّما محاولة الاطلاع الواسع على واقع تلك اللغة وتراثها ونقل كثير من كتبها عن طريق الترجمة إلى لغة المبشِّر الأصليَّة، مع سيطرة روح التعصب وعدم انتهاج المنهج الموضوعي في الدراسات للتراث العربي والإسلامي، فهم " قبل كل شيء رجال دين، فأخذوا يهدفون إلى تشويه الإسلام في نفوس رواد ثقافتهم من المسلمين؛ لإدخال الوهن إلى العقيدة الإسلاميَّة والتشكيك في التراث الإسلامي والحضارة الإسلاميَّة وكل ما يتصل بالإسلام من علم وأدب وتراث"[4]
وفي حقيقة الأمر فإن الدافع التنصيري لم يكن الوحيد المتحكم في حركة اتجاه المستشرقين إلى دراسة العربية وآدابها، وإنما تضافرت معه دوافع أخرى... منها: • الدافع الديني: فقد رأى الغرب أن الحضارة الإسلاميَّة الحديثة قد زعزعت أسس العقيدة عند الغربيين، وأخذت تشككهم بكل التعاليم التي كانوا يتلقونها عن رجال الدين عندهم فيما مضى، فلم يجدوا خيرًا من تشديد الهجوم على الإسلام بصرف أنظار الغربيين عن نقد ما عندهم من عقيدة وكتب مقدسة.
• الدافع الحضاريّ: من المعروف أن صراعًا قويًّا نشأ بين الحضارة الإسلامية الناشئة والحضارة الأوروبية المتخلفة، وأن هذا الصراع قد اتخذ في بعض الأحايين المظهر العسكري من حروب صليبيَّة أو غيرها. فقد مرتْ أوروبا بفترةٍ كانت تتذبذب فيها حركتها في علاقتها بالإسلام بين الرغبة والرهبة، الرغبة في هذا الكم الثقافي والحضاري الذي خلفه المسلمون، ومحاولة الانقضاض الواسع على التهام هذا التراث الفياض، ونقله غضًّا طريًّا وإذابته في الحضارة الأوروبيَّة الناهضة. والرهبة من التوسع الإسلامي السريع الذي أصبح ينتشر في أوروبا انتشار النار في الهشيم، حتى وصل إلى البلقان 1353م.
• الدافع الاقتصادي - السياسي: رأى المستعمرون الأوروبيون في الدول الإسلاميَّة والعربيَّة - على وجه الخصوص- لقمة سائغة لأطماعهم، خصوصًا بعد ضعف مركزيَّة الخلافة العثمانيَّة، فراح هؤلاء المستعمرون يجثمون على صدر هذه البلاد هيمنةً واستنزافًا. وقد برز بقوةٍ في هذا الاتجاه دور الشركات التجاريَّة في دعم المشروعات الاستشراقيَّة[5]؛ تيسيرا لشئونهم التجاريَّة والسياسيَّة وغيرها. [6]
• الدافع العلمي والثقافي: فقد كان الغرب ينظرون في فترة إلى الحضاريَّة الإسلاميَّة بعين الإكبار والإجلال، لأن المسلمين ظلوا أساتذة للعالم قرونًا عديدةً، بل كان الشاب الغربي الذي يرغب في العلم يُيَمِّم وجهه شطر الشرق.[7] وبالعودة إلى النظرة التأريخيَّة للظاهرة الاستشرقيَّة نجد أن هناك الكثير من الكراسي المخصصة للغات الشرقيَّة في كثير من دول العالم منذ ما قبل عصر النهضة وإلى يومنا هذا...
وهذا جانب منها: • في فرنسا: أنشئت فيها كراسي للغات الشرقية منذ القرن الثاني عشر الميلادي.[8].
• في إيطاليا: تم الاهتمام بالدراسات العربيَّة منذ عام (1706) في جامعة بولونيا وغيرها. [9] • في انجلترا: هناك أكثر من 56 جامعة ومعهدًا يعلم معظم اللغات الشرقية من أقدمها جامعة أكسفورد (1167م)[10] • في إسبانيا: من أقدم الجامعة التي خصصت كراسي للغات الشرقية جامعة صلمنكة (1227م)[11] • في النمسا: من أهم الجامعات التي خصصت هذه الكراسي جامعة فينا (1365م)[12] • في هولندا: ومن أهم جامعاتها جامعة ليدن (1575م) التي أنشأت كرسيًّا للعربيَّة عام (1595) أي بعد نشأتها باثني وعشرين عامًا[13]
• في ألمانيا: بما أن المدرسة الاستشراقيَّة الألمانيَّة من أنشط الحركات الاستشراقيَّة الأوروبيَّة، لذلك فإننا نجد في كثيرٍ من جامعاتها كراسي للغات الشرقيَّة، في جامعة هيدلبرج (1386م)، كولن (1388م ثم 1919م)، فورز بورج (1402م، 1582م)..إلخ [14] وقد ظهرت هذه الكراسي بسبب عوامل علمية كثيرة إلا أن الدافع التنصيري كان حاضرا ضمن قوائم الدوافع التي دفعت إلى تأسيسها. \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\ [1] الاستشراق والمستشرقون ما لهم وما عليهم (17) مصطفى السباعي، دار الوراق- المكتب الإسلامي. [2] تاريخ حركة الاستشراق (الدراسات العربية والإسلامية في أوروبا حتى بداية القرن العشرين) (13 و 17) يوهان فوك، ترجمة: عمر لطفي العالم، دار المدار الإسلامي، ط: ثانية، 2001م. [3] المستشرقون ونظرياتهم في نشأة الدراسات اللغوية (16) د. إسماعيل عمايرة، دار حنين – عمّان، ط. ثانية، 1992م. وينظر: المستشرقون (2/ 9) نجيب العقيقي، دار المعارف، ط. الخامسة، 2006م. [4] الاستشراق والمستشرقون (21). [5] المستشرقون ونظرياتهم في نشأة الدراسات اللغوية (16) وينظر: المستشرقون (2/ 9). [6] فعلى سبيل المثال أسست شركة الهند الشرقية البريطانية كلية Haileybury ليدرس موظفوها لغات البلاد التي يتعاملون معها، ودرِّست فيها العربية من بين هذه اللغات، إضافة إلى المعاهد والكليات التي ظهرت في أوروبا وفتحت أبوابها بغرض تعليم العربية للسياسيين والمستشارين الاقتصاديين والعكسريين وغيرهم. [7] ينظر: المستشرقون ونظرياتهم في نشأة الدراسات اللغوية (16) وما بعدها. [8] المستشرقون (1/ 138). [9] السابق (1/ 405). [10] السابق (2/ 9). [11] السابق (2/ 173). [12] المستشرقون (2/ 270). [13] السابق (2/ 295). [14] السابق (2/ 342).
|
|