أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: موقف الناس من خبر الإسراء السبت 27 يناير 2024, 9:09 pm | |
| الإسراء والمعراج الكاتب: خالد الراشد موقف الناس من خبر الإسراء عباد الله! لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج عزاءً وتثبيتًا للنبي صلى الله عليه وسلم لما لاقاه ولما سوف يلاقيه في سبيل الدعوة إلى الله، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراء وقد امتلأ قلبه ثقة ويقينًا، كيف لا والله يقول: "لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى" [النجم:18]، كما أنه كان امتحانًا وابتلاءً لِمَنْ أسلم وآمن، فلَمَّا أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر فما بين مُصَدِّقٍ ومُكَذِّبٍ، ولشدة الخبر ارتدَّ بعض مَنْ آمن ولم يرسخ الإيمان في قلوبهم، ولم تخالط بشاشته القلوب.
جاء عند البخاري والترمذي عن ابن عباس في قوله تبارك وتعالى: "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ" [الإسراء:60]، أي: امتحانًا وابتلاءً قال: هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، وأما الشجرة الملعونة فهي شجرة الزقوم طعام الأثيم، أعاذنا الله وإياكم منها.
وكانت الفتنة في تلك الحادثة ارتداد قوم كانوا قد أسلموا حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أسري به، ثم عرج به إلى السماء، وجاء المستهزئون إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه فأخبروه بالخبر: إن صاحبك -يعنون محمدًا- يَدَّعِي ليلة البارحة أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرِجَ به إلى السماء، ثم عاد من ليلته، فقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه، أو قد قال؟ قالوا: نعم، قال: صَدَقَ، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك، إني أصدقه في خبر السماء يأتيه صباح مساء. فثبت مَنْ ثبت عن بيّنة، وارتدَّ مَنْ ارتدَّ عن بيّنة.
والخلاصة: أن حادثة الإسراء كانت تطمينًا ومواساة للنبي صلى الله عليه وسلم، وفتنة للكافرين، وامتحانًا لضعاف الإيمان الذين زلزل الحادث إيمانهم، فكفروا ولم يعودوا إلى دائرة الإسلام حتى قتلوا، فنسأل الله العفو والعافية. فالفتن امتحان وابتلاء قال تعالى: "الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" [العنكبوت: 1-3].
كيفية الإسراء بالنبي عباد الله! كيف كان الإسراء؟ قال بعض العلماء: إن الإسراء كان رؤيا منامية، واستدلوا بقوله تبارك وتعالى: "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ" [الإسراء: 60]. وقال بعضهم: إن الإسراء كان بالروح والجسد، وأمَّا المعراج فبالروح فقط. والذي عليه معظم السلف والخلف من أئِمَّة الأمَّة وعلمائها أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد معًا، يقظة لا منامًا. يقول ابن حجر: وإلى هذا -يعني: الإسراء والمعراج بالروح والجسد- ذهب جمهور الأمة من العلماء المحدثين، والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ومثله قال ابن القيم في زاد المعاد، قال العلماء: وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس -يعني: أن الإسراء بالروح والجسد، يقظة لا منامًا- ويرتاح إليه القلب، إذ لو كان الإسراء والمعراج بالروح فقط، وكان المقصود رؤيا منامية لم يستبعد المشركون ذلك، ولم ينكروه على النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان في ذلك آية ولا معجزة، فـ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا.
الأحاديث الواردة في الإسراء عباد الله! وأمَّا الأحاديث الواردة في ذكر الإسراء والمعراج فكثيرة يطول ذكرها، وأتمَّها حديث أنس عند مسلم وملخص تلك الروايات أنه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل بالبراق -وهو دابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، وليس له أجنحة كما يظن كثير من الجُهَّال- فركبه حتى أتى بيت المقدس، فصلى به ركعتين، ثم عرج به إلى السماء، فالتقى بالأنبياء، التقى بآدم وعيسى ويحيى وإدريس، ورأى إبراهيم مُسندًا ظهره إلى البيت المعمور، فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه إلى يوم القيامة. ثم ذهب به إلى سدرة المنتهى، وإذا بورقها كآذان الفيلة، وثمارها كالقلال، فلَمَّا غشي السدرة ما غشَّى، هناك أوحى إليه ربه ما أوحى، فأمره بخمسين صلاة، -اسمع بارك الله فيك عِظَمِ قدر الصلاة حيث أنها شرعت في السماء فلا يزال يأتي موسى فيرده إلى ربه: إسأل ربك التخفيف؟ حتى خَفَّفَ اللهُ على الأمَّة من خمسين إلى خمس صلوات، وهُنَّ بأجر خمسين فأين نحن من صلواتنا؟! ثم نزل صلى الله عليه وسلم بصحبة جبريل إلى بيت المقدس، فنزل الأنبياء يُشيعُونه، فصلّى بهم صلاة الصبح بالمسجد الأقصى، ثم ركب البراق الذي تركه مربوطًا بحلقة الباب، وعاد إلى مكة في صبيحة تلك الليلة، وقد ذهب عنه كل كربٍ وغمٍ وحزنٍ، وعاد أكثر ثقة وطمأنينة، فقد رأى بأم عينيه ما كان تلقاه وحيًا، وليس مَنْ رأى كَمَنْ سمع. وجلس النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام وهو لا يدري كيف سيُقابل قريشًا بهذا النبأ العظيم، فما زال جالسًا حتى مَرَّ به أبو جهل، فسأله مُستهزئًا: هل استفدت الليلة شيئًا يا محمد؟ فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، أسْرِيَ بي الليلة إلى بيت المقدس. قال أبو جهل: ثم أصبحت بين ظهرانينا! أسري بك في هذه الليلة ثم عدت من ليلتك؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم واثقًا: أن نعم. قال أبو جهل: أأخبر قومك بهذا؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم واثقًا: نعم. فقال أبو جهل: يا معشر بني كعب بن لؤي! هلموا فأقبلوا علي، فحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم فما بين مُصَدّقٍ ومُكَذّبٍ، وواضع يده على رأسه استعظامًا للخبر، وتعجبًا منه، ثبت مَنْ ثبت عن بيّنة، وارتدَّ مَنْ ارتدَّ عن بيّنة. وجاء عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد رأيتني في الحِجْرِ وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربتُ كربًا ما كربتُ مثله قط، قال: فرفعهُ الله لي أنظر إليه، لا يسألوني عن شيء إلا أخبرتهم به، وأخبرهم عن عيرٍ لهم، ومتى وصولها، وصدق في ذلك، ومع هذا ما زادهم إلا عنادًا وتكذيبًا).
عباد الله! لقد كان الإسراء محنة قاسية للمؤمنين، واختبارًا لصلابة إيمانهم، وثباتهم على عقيدتهم، لم يكن للعرب عهد بمثل هذه الخوارق، ولا ألفت نفوسهم سماع مثل هذه المعجزات التي تخالف ما تعودته نفوسهم من المحسوسات والماديات، إنهم يذهبون شهرًا، ويعودون شهرًا في رحلة الشام، فكيف يذهب محمد ويرجع في ليلة واحدة؟ بل في جزء من الليلة، فأخذ الشك يتسرَّب حتى إلى نفوس المؤمنين، وإن خبر السماء لأهون على نفوسهم من ذلك؛ لأن الذي يأتي بخبر السماء مَلَكٌ من أهل السماء، وأهل السماء يقدرون على ما لا يقدر عليه أهل الأرض، ولهذا قالوا: والله إن العير شهرًا من مكة إلى الشام مدبرة وشهرًا مقبلة، أفيذهب محمد ويرجع في ليلة واحدة؟
لذلك قال أهل العلم: لم يكن الإسراء والمعراج مجرد خارقة من الخوارق أجراها الله لنبيه لتكون دليلًا على صدق ما ادَّعاهُ من النُّبُوَّةَ، فإن صِدْقَهُ صلى الله عليه وسلم قد ذاع قبل هذا، ولا يحتاج إلى دليل أو إلى غيره.
دروس وعبر من الرحلة لقد اشتمل الإسراء على دُرُوسٍ وعِبَرٍ أهَمّهَا: أولًا: إثبات القدرة الإلهية، وأنه لا يستعصي على قدرته شيء، لهذا قال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا)، أي: تنزَّه عن كل نَقْصٍ وعَيْبٍ، إنها قدرة لا يقف أمامها حُدُود، ولا تعطل سيرها سُدُود، قال تعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[النحل: 40].
ثانيًا: هذه الرسالة عامَّة لجميع الأمم، فلقد وصل بيت المقدس وصلى فيه، ثم أم فيه الأنبياء وهو مهبط رسالاتهم ووحيهم، ولم يكن الاجتماع فيه لمجرد الاجتماع به، وإنما كان للإقرار بنبوته، وتفوقه عليهم في المكانة، وعلو قدره ومكانته عند ربه، وصلاته بهم اعترافًا منهم بحقه، ودعوة لأممهم لطاعته والاقتداء به، وإن تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام دليل على أن أهل القبلتين لا بد لهم من اتباع قبلته.
ثالثًا: الإسراء دليل على أن الأرض كلها دولة إسلامية، وأن الدولة الإسلامية ليس لها حدود تنتهي عنده، فنبي الإسلام ولد في مكة، وأسري به إلى بيت المقدس، وهاجر إلى المدينة، وهاجر أصحابه إلى الحبشة، فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده، قال الله: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ" [الأنبياء: 105-106]. وفي ذهابه إلى بيت المقدس وهو واقع في نطاق الإمبراطورية الرومانية إشارة إلى زوال تلك الإمبراطورية، وضمها إلى رقعة الدولة الإسلامية، ولقد تحقق ذلك مصداق قوله تبارك وتعالى: "لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" [التوبة: 33].
فمرَّت أعوام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفتح بيت المقدس، وذلك في عهد عمر رضي الله عنه واليوم: نساء سراييفو يتلفعن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصر أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم ترغي وتزبد جيوشك في البلقان شدوا سروجهم ونحن في بيوتنا نلهو ونلعب
اللهم ردنا إليك ردًا جميلًا يا رب العالمين!.. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
المصدر: محاضرة الإسراء والمعراج وبدع رجب (2) |
|