ذكر كتاب السر:
قال ابن الجوزي في التلقيح (1):
كان يكتب لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو بكر وعمر، وعثمان وعلي وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت الأنصاري ومعاوية بن أبي سفيان، وحنظلة بن الربيع الأسدي، وخالد بن سعيد بن القاضي وأبان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي؛ وكان المداوم على الكتابة زيد ومعاوية.
وكان كاتب أبي بكر الصديق عثمان بن عفان، وكاتب عمر زيد بن ثابت وكاتب عثمان مروان بن الحكم، وكاتب علي عبد الله بن رافع وسعيد بن أبي نمر، وكاتب الحسن كاتب أبيه، وكاتب معاوية عبيد الله بن أوس الغساني.
وكاتب يزيد عبيد الله بن أوس، ثم عمر العذري، وكاتب ابنه معاوية زمل بن عمر العذري، وكاتب مروان عبيد الله بن أوس وشعبان الأحول، وكاتب عبد الملك بن مروان روح بن زنباع الجذامي، وقبيصة بن ذؤيب، وكاتب ابنه الوليد قبيصة بن ذؤيب وقرة بن شريك والضحاك بن زمل، وكاتب سليمان يزيد بن المهلب وعبد العزيز بن الحارث، وكاتب عمر بن عبد العزيز رجاء بن حيوة الكندي، وليث بن أبي رقية، وكاتب يزيد بن عبد الملك سعيد بن الوليد الأبرش، ومحمد بن عبد الله بن حارثة الأنصاري، وكاتب هشام هذان وسالم مولاه، وكاتب الوليد العباس بن مسلم، وكاتب يزيد بن الوليد ثابت بن سليمان، وكاتب إبراهيم بن الوليد ثابت هذا، وكاتب مروان الحمار عبد الحميد بن يحيى مولى بني عامر.
وقال ابن فضل الله: كانت كتابة الإنشاء في المشرق في خلافة بني العباس منوطة
_________
(1) هو كتاب "تلقيح فهوم أهل الآثار، في مختصر السير والأخبار" طبعت قطعة منه في ليدن سنة 1892م.
(2/230)
_________
بالوزراء، وربما انفرد بها رجل، واستقل بها كتاب لم يبلغوا مبلغ الوزارة، فكان يسمى في المشرق كتاب الإنشاء.
ثم لما كثر عددهم سمي رئيسهم رئيس ديوان الإنشاء، ثم بقي يطلق عليه تارة صاحب ديوان الإنشاء وتارة كاتب السر.
قال: وهي عندي أنبه، وعند الناس أدل، وكانت في دولة السلاجقية وملوك الشرق يسمى ديوان الطغراوية، والطغراء، هي الطرة بالفارسية.
وأهل المغرب يسمون صاحب ديوان الإنشاء صاحب القلم الأعلى. انتهى.
وقال غيره: إنما حدثت وظيفة كتابة السر في أيام قلاوون، وكانت هذه الوظيفة قديما في ضمن الوزارة، والوزير هو المتصرف في الديوان، وتحت يده جماعة من الكتاب، وفيهم رجل كبير يسمى صاحب ديوان الإنشاء، وصاحب ديوان الرسائل، فكان الكاتب للسفاح عبد الجبار بن عدي ثم كتب للمنصور، وكتب أيضا عبد الله بن المقفع المشهور بالبلاغة وأبو أيوب المورياني (1)، وكتب للمهدي وزيره معاوية بن عبد الله والربيع بن يونس الحاجب، وكتب للهادي عمرو بن بزيع، فلما استخلف الرشيد ولي يوسف بن القاسم بن صبيح كتابة الإنشاء، فكان هو الذي قام خطيبا بين يديه، حتى أخذت له البيعة، وكتب للمأمون أحمد بن يوسف بن صبيح الكاتب وأحمد ابن الضحاك الطبري، وعمرو بن مسعدة، والمعلى بن أيوب وعمرو بن مهبول، وكتب للمعتصم والواثق إبراهيم الموصلي.
وكتب للمتوكل أحمد بن المدبر وإبراهيم بن العباس الصولي.
وكتب للطائع أبو القاسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن الجراح.
وكتب للقادر إبراهيم بن هلال الصابئ، وكان على دين الصابئة إلى أن مات.
وكتب لجماعة من الخلفاء أبو سعيد العلاء بن الحسن بن وهب بن الموجلايا،
_________
(1) في الأصول: "المرزباني" تحريف، صوابه من الفخري 152.
(2/231)
_________
قال بعضهم: كتب في الإنشاء للخلفاء خمسا وستين سنة، وكان نصرانيا، فأسلم على يد المقتدي.
وكتب للمقتدي سديد الدولة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الكريم بن الأنباري.
قال ابن كثير: كان كاتب الإنشاء ببغداد للخلفاء، وانفرد بصناعة الإنشاء.
وكتب للناصر قوام الدين يحيى بن سعيد الواسطي المشهور بابن زيادة صاحب ديوان الإنشاء ببغداد، ومن انتهيت إليه رياسة الترسل.
وكتب للمستعصم عز الدين عبد الحميد بن هبة الله بن أبي الحديد المدائني الكاتب ومات سنة خمس وخمسين وستمائة، وقتل الخليفة عقب موته.
فهو آخر كتاب الإنشاء لخلفاء بغداد.
قلت: ومن الاتفاق الغريب أن آخر خلفاء بني أمية كتب له عبد الحميد الكاتب، وآخر خلفاء بني العباس ببغداد كتب له من اسمه عبد الحميد.
وأما مصر فلم يكن بها ديوان إنشاء من حين فتحت إلى أيام أحمد بن طولون، فقوي أمرها، وعظم ملكها، فكتب عنده أبو جعفر محمد بن أحمد بن مودود.
وكتب لولده خمارويه إسحاق بن نصر العبادي.
وتوالت دواوين الإنشاء بذلك إلى أن ملكها العبيدية، فعظم ديوان الإنشاء بها ووقع الاعتناء به، واختيار بلغاء الكتاب ما بين مسلم وذمي؛ فكتب للعزيز بن المعز وزيره ابن كلس ثم أبو عبد الله الموصلي، ثم أبو المنصور بن حورس النصراني، ثم كتب للحاكم ومات في أيامه.
(2/232)
_________
وكتب للحاكم بعده القاضي أبو الطاهر الهولي، ثم كتب لابن الحاكم الظاهر.
وكتب للمستنصر القاضي ولي الدين بن خيران وولي الدولة موسى بن الحسن بعد انتقاله إلى الوزارة وأبو سعيد العبدي.
وكتب للآمر والحافظ أبو الحسن علي بن أبي أسامة الحلبي، إلى أن توفي، فكتب ولده أبو المكارم إلى أن توفي، ومعه أمين الدين تاج الرياسة أبو القاسم علي بن سليمان المعروف بابن الصرفي، والقاضي كافي الكفاة محمود بن الموفق بن قادوس وابن أبي الدم اليهودي.
ثم كتب بعد ابن أبي المكارم القاضي موفق الدين أبو الحجاج يوسف بن الخلال بقية أيام الحافظ إلى آخر أيام العاضد، وبه تخرج القاضي الفاضل.
ثم أشرك العاضد مع ابن الخلال في ديوان الإنشاء القاضي جلال الدين محمود الأنصاري.
ثم كتب القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني بين يدي ابن الخلال في وزارة صلاح الدين، فلما ملك صلاح الدين كتب له القاضي الفاضل.
ثم أضيفت إليه الوزارة.
ثم كتب بعده لابنه العزيز ثم لولده المنصور ومات.
وكتب للكامل أمين الدين سليمان المعروف بكاتب الدرج إلى أن مات، فكتب بعده أمين الدين عبد المحسن بن حمود الحلبي، ثم كتب للصالح أيضا.
ثم ولي ديوان الإنشاء الصاحب بهاء الدين زهير الشاعر المشهور (1)، ثم صرف وولي بعده الصاحب فخر الدين إبراهيم بن لقمان الأسعردي، فأقام إلى انقراض الدولة الأيوبية، وكتب بعدها للمعز أيبك ثم للمظفر قطز، ثم للظاهر بيبرس ثم للمنصور قلاوون، ثم نقله قلاوون من ديوان الإنشاء للوزارة.
_________
(1) صاحب الديوان المعروف باسمه.
(2/233)
_________
وولي ديوان الإنشاء مكانه فتح الدين بن عبد الظاهر، وهو أول من سمي كاتب السر، وسبب ذلك ما حكاه الصلاح الصفدي أن الملك الظاهر رفع إليه مرسوم أنكره، فطلب محيي الدين بن عبد الظاهر وأنكر عليه، فقال: يا خوند (1)، هكذا قال لي الأمير سيف الدين بن بلبان الدوادار، فقال السلطان: ينبغي أن يكون للملك كاتب سر يتلقى المرسوم منه شفاها -وكان قلاوون حاضرا من جملة الأمراء- فوقرت هذه الكلمة في صدره، فلما تسلطن اتخذ كاتب سر، فكان فتح الدين هذا أول من شهر بهذا الاسم؛ وكان هو والوزير لقمان بين يدي السلطان، فحضر كتاب، فأراد الوزير أن يقرأه، فأخذ السلطان الكتاب منه، ودفعه إلى فتح الدين، وأمره بقراءته، فعظم ذلك على ابن لقمان؛ وكانت العادة إذ ذاك ألا يقرأ أحد على السلطان كتابا بحضرة الوزير.
واستمر فتح الدين في كتابة السر إلى أن توفي أيام الأشرف خليل.
فولي مكانه تاج الدين بن الأثير إلى أن توفي.
وولي شرف الدين بن عبد الوهاب العمري، ثم نقله الناصر في سنة إحدى عشرة وسبعمائة إلى كتابة السر بدمشق.
وولي مكانه علاء الدين بن تاج الدين بن الأثير إلى أن فلج.
وولي محيي الدين بن فضل الله، وولده شهاب الدين معينا له لكبر سنه، ثم صرفا.
وولي شرف الدين بن الشهاب محمود ثم صرف، وأعيد ابن فضل الله وولده شهاب الدين ثم صرفا إلى الشام.
وولي علاء الدين بن فضل الله أخو شهاب الدين، فاستمر في الوظيفة نيفًا وثلاثين سنة إلى أن مات سنة تسع وستين وسبعمائة.
_________
(1) خوند: لفظ تركي أو فارسي، وأصله خداوند بضم الخاء، ومعناه السيد أو الأمير، ويخاطب به الذكور والنساء على السواء.
حواشي السلوك 1: 224.
(2/234)
_________
وولي ولده بدر الدين محمد إلى أن تسلطن برقوق فصرفه.
وولى أوحد الدين عبد الواحد بن إسماعيل التركماني؛ إلى أن مات في ذي الحجة سنة ست وثمانين.
وأعيد بدر الدين إلى أن تسلطن برقوق الثانية، فصرفه.
وولي علاء الدين علي بن عيسى الكركي إلى أن مات سنة أربع وتسعين.
وأعيد بدر الدين إلى أن مات في شوال سنة ست وتسعين.
وولي بدر الدين محمود الكلستاني إلى أن مات في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة.
وولي فتح الدين فتح الله بن مستعصم التبريزي، ثم صرفه الناصر فرج بسعد الدين بن غراب مدة يسيرة، ثم صرف ابن غراب، وأعيد فتح الله ثم صرف، وولي فخر الدين بن المزوق ثم صرف، وأعيد فتح الله إلى أن قبض عليه المؤبد سنة ست عشرة وثمانمائة.
وولي ناصر الدين محمد بن البارزي إلى أن مات في سنة ثلاث وعشرين.
وولي ولده كمال الدين محمد، ثم صرف.
وولي علم الدين داود بن الكويز إلى أن مات سنة ست وعشرين.
وولي جمال الدين يوسف بن الكركي ثم صرف.
وولي قاضي القضاة شمس الدين الهروي الشافعي، ثم صرف.
وولي نجم الدين عمر بن حجي ثم صرف.
وولي شمس الدين محمد بن مزهر إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين.
وولي ولده جلال الدين محمد، ثم صرف.
وولي الشريف شهاب الدين الدمشقي إلى أن مات بالطاعون.
وولي شهاب الدين أحمد بن السفاح الحلبي إلى أن مات سنة خمس وثلاثين.
(2/235)
_________
وولي الوزير كريم الدين عبد الكريم كاتب المناخ مضافا للوزارة، ثم صرف بعد أشهر.
وأعيد الكمال بن البارزي، ثم صرف في رجب سنة تسع وثلاثين.
وولي محب الدين بن الأشقر، ثم صرف.
وولي صلاح الدين محمد بن الصاحب بدر الدين حسن نصر الله إلى أن مات بالطاعون سنة إحدى وأربعين.
وولي مكانه أبوه الصاحب بدر الدين حسن، ثم صرف في ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين.
وأعيد ابن البارزي إلى أن مات في صفر سنة ست وخمسين.
وأعيد ابن الأشقر ثم صرف في ذي القعدة.
وولي محب الدين بن الشحنة ثم صرف بعد ستة أشهر.
وأعيد ابن الأشقر، ثم صرف في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين.
وأعيد ابن الشحنة ثم صرف في شوال سنة ست وستين.
وولي القاضي برهان الدين بن الديري، ثم صرف بعد نصف شهر.
وولي القاضي تقي الدين أبو بكر بن كاتب السر بدر الدين بن مزهر، فاستمر إلى الآن عامله الله بألطافه، وختم لنا وله بخير.
آمين!
ثم توفي في سادس رمضان سنة ثلاث وتسعين، وولي ولده القاضي بدر الدين أعزه الله تعالى!
(2/236)
_________