| الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:19 am | |
| الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد هل الصهيونية فكرة ام بنية استيطانية (احلالية)؟ للاجابة على هذا السؤال، سنحاول في هذا الفصل ان ندرس طبيعة الاقتصاد الاسرائيلي، بل ونسأل هل هو اقتصاد سلم ام اقتصاد حرب؟ ثم نتناول اهم المؤسسات (الاسرائيلية) الاستيطانية الصهيونية / الاسرائيلية، أي الهستدروت والكيبوتس.
الاقتصاد الاستيطاني الصهيوني في فلسطين قبل عام 1948: أسباب ظهوره لا يحكم على اقتصاد اية دولة بالنجاح او الفشل من خلال معايير اقتصادية عامة وانما من خلال مشروعها القومي ككل. ففي النظم الرأسمالية يكون المعيار الاساسي عادة هو الربح ومراكمة الثروة وربما توسع نطاق الحرية الفردية، وخصوصاً حرية رأس المال. اما في النمط الاشتراكي فيكون المعيار هو التقدم العلمي والتكنولوجي الذي لا يتناقض مع مفاهيم العدالة الاجتماعية وسيطرة الطبقة العاملة على وسائل الانتاج حتى لا تنشأ طبقة رأسمالية تفرض ايديولوجيتها. واسرائيل قد يكون لها كثير من الملامح (الاشتراكية) وبعض الملامح الرأسمالية (الاقتصاد الحر)، ولكنها لا تنتمي الى أي من النمطين، بل تنتمي الى ما يمكن تسميته (الاقتصاد الاستيطاني) الذي يأخذ أشكالاً متباينة تختلف من مجتمع لآخر، ومع هذا يتسم ببعض السمات الثابتة التي لا تتغيّر. ومن أهم هذه السمات أن الاقتصاد الاستيطاني يعطي الأولوية للاعتبارات الاستيطانية على أية اعتبارات أخرى، بمعنى أنه في حالة تعارض مقتضيات الرشد الاقتصادي (القائمة على حساب التكلفة الاقتصادية والمردود الاقتصادي) مع النشاط الاستيطاني فان الأولوية لا تكون للاعتبارات الاقتصادية وانما لضرورات الاستيطان. وأهم هذه الضرورات الأمن والبقاء المادي، وهذا أمر مفهوم تماماً، فالاعتبارات الاقتصادية تعبير عن الرغبة في النجاح الاقتصادي، بينما يرتبط الامن بوجود الجيب الاستيطاني نفسه، والنجاح الاقتصادي يأتي في المرتبة الثانية بعد البقاء المادي. ويرتبط بالبقاء المادي البقاء الاثني او الحضاري والاجتماعي، وهو يعني ان جماعة المستوطنين تود الحفاظ على نفسها كجماعة بشرية مستقلة ذات خصائص مستقلة. وهذا الاستقلال الاثني والاجتماعي مرتبط تمام الارتباط باستمرار جماعة المستوطنين باعتبارها جماعة غازية متفوقة عسكرياً تقوم باستغلال السكان الاصليين وإبادتهم ان لزم الامر. فهذا الاستغلال يصبح الاساس المعنوي والخلقي الذي يولد الديباجات العنصرية ويبرر علميات القتل والغزو، وهو يحل مشكلة المعنى بالنسبة للمستوطنين. ولذا تقوم جماعة المستوطنين بعزل نفسها عن السكان الاصليين وتلجأ لشعائر اجتماعية مركبة وقوانين مباشرة لتحقيق هذا الهدف. والبعدان (الامني والثقافي) ليسا منفصلين بأية حال، فهما وجهان لعملة واحدة. فالاستقلال الثقافي والحضاري وما يؤدي له من عزلة وما يصاحبه من عمليات استغلال وقهر للآخر تستجلب العداء الذي يؤدي الى تفاقم المشكلة الامنية.وتؤدي المشكلة الامنية بدورها الى تعميق العزلة الثقافية فالاجتماعية. يؤدي هذا الوضع الى افراز أهم سمات الاقتصاد الاستيطاني، أي جماعيته وعسكريته (التي يسمونها في الخطاب الصهيوني (التعاونية الاشتراكية)).ففي داخل هذا الاطار من العزلة ومع سيطرة الهاجس الامني يصبح وضع المستوطنين بمفرده في مواجهة البيئة الطبيعية والانسانية المعادية أمراً مستحيلاً، إذ لابد من حشد الجهود البشرية والمادية، ولابد من التنظيم الاقتصادي والعسكري. وهذا ما فعله المستوطنون الصهاينة، فقد حولوا أنفسهم الى جماعة استيطانية متماسكة منظمة عسكرياً تستبعد العرب، وقاموا بتطوير مؤسسات (اقتصادية) وزراعية لا تخضع لمقاييس الرشد الاقتصادي ولا تنبع من مفهوم الجدوى الاقتصادية وتهدف الى تكثيف جهود الافراد وتجميع مصادرهم البشرية (المزارع الجماعية ـ الهستدروت)، وطوروا مجموعة من المفاهيم ذات الطابع الجماعي التي لا تكترث بالعائد الاقتصادي (العمل العبري ـ اقتحام الارض والعمل والحراسة والانتاج. انظر الفصل الثاني). وكما صرح احد الزعماء الصهاينة، فإن المشروعات الناجحة هي أقل المشروعات نفعاً من الناحية الاستيطانية (لاعتمادها على العمل العربي والمستهلك العربي ولصعوبة الدفاع عنها… الخ)، اما المشروعات الصهيونية الخاسرة مالياً، فهي أكثرها نفعاً لانفصالها الكامل ولاعتمادها على العمل العبري والسوق العبرية، أي انها النواة الحقيقية للدولة الصهيونية المنفصلة. وجماعية هذا الاقتصاد أو (تعاونيته) تعبير عن ضرورات الاستيطان العسكرية الامنية وليست تعبيراً عن رؤية انسانية ترى أسبقية المجتمع على الفرد والعدالة الاجتماعية على الربح. ولذا نجد ان كل المجتمعات الاستيطانية، وخصوصاً الاحلالية، تأخذ هذا الشكل الجماعي في التنظيم في مراحل الاستيطان الاولى. فالبيوريتان (المتطهرون) المستوطنون الأوائل في الولايات المتحدة كانوا أصحاب واحدة من أكثر الايديولوجيات الرأسمالية البروتستانتية تطرفاً في فرديتها، ومع هذا نظموا أنفسهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بشكل جماعي، ففي مواجهة السكان الاصليين كان عليهم ان يفعلوا هذا.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:20 am | |
| بعد ان تناولنا السمة الاساسية للاقتصاد الاستيطاني (الجماعية) والسبب الاساسي لظهورها (الهاجس الامني) قد يكون من المفيد الاشارة الى بعض العناصر المقصورة على المشروع الصهيوني التي دعمت من هذه الجماعية وغلبت الاعتبارات الاستيطانية على اعتبارات الجدوى الاقتصادية: 1 ـ ينظر التشكيل الامبريالي الغربي الى الدولة الصهيونية باعتبارها قاعدة عسكرية متقدمة بالدرجة الاولى، ومركزاً استثمارياً بالدرجة الثانية. ولذا فالاعتبار العسكري بالنسبة للقوة الراعية كان أكثر أهمية من الاعتبارات الاقتصادية.
2 ـ تقوم الدولة الصهيونية والمنظمة الصهيونية (العالمية) بجمع التبرعات من يهود العالم، وهذه التبرعات، شأنها شأن الدعم الغربي، تصب في المستوطن الصهيوني من خلال مؤسسات الدولة المختلفة.
3 ـ الدولة الصهيونية دولة وظيفية تتمتع بالدعم السخي الذي يقدمه التشكيل الامبريالي الغربي، الذي كان يصب في المستوطن الصهيوني من خلال مؤسسات الدولة الصهيونية مما يعني تقوية قبضتها وتقوية جماعية الاقتصاد.
4 ـ مما ساعد على تقوية الجانب الجماعي الاقتصادي الصهيوني ظهور النازية في ألمانيا إذ تم عقد معاهدة الهعفراه (الترانسفير او النقل) بين الصهاينة والنازيين التي ادت الى تدفق كثير من المهاجرين اليهود الألمان ورؤوس الاموال على هيئة بضائع ومعدات قدمتها ألمانيا النازية الى المستوطنين في فلسطين. وبعد قيام الدولة الصهيونية دفعت ألمانيا مبالغ طائلة كتعويضات للدولة الصهيونية عما لحق باليهود من أذى.
وكل هذه المعونات تقوي شوكة الدولة والاقتصاد الجماعي. 5 ـ طرحت الدولة الصهيونية نفسها على مستوى الديباجة بوصفها دولة يهود العالم، أما على مستوى البنية فهي دولة استيطانية تحتاج دائماً لمادة بشرية للقتال والاستيطان، ومن ثم فلابد ان تفتح أبوابها للمهاجرين حتى لو تناقض ذلك مع مصالحها الاقتصادية المباشرة.
وتوجد أسباب خاصة بطبيعة المادة البشرية اليهودية التي تم نقلها (أي المستوطنين الصهاينة) دعمت النزعة الجماعية: 1 ـ كانت المادة البشرية التي سيتم نقلها من اوربا تحتاج الى عملية تحديث وتطبيع (من المنظور الصهيوني)، أي شفاؤها من امراض المنفى مثل الطفيلية والاشتغال بأعمال السمسرة والمضاربات، أي انه كان المطلوب تحويل يهود الجيتو الى شعب منتج يسيطر على كل المراحل الانتاجية ويحقق لنفسه السيادة الاقتصادية والسياسية. كما ان عملية التحديث هذه كانت تعني في واقع الامر تحويل يهودي الجيتو (السمسار المرابي) صاحب رأس المال الربوي الذي يستخدمه في عملية استغلال الشعوب (لصالح الامير او الحاكم) الى المستوطن المقاتل الذي يحمل السلاح ضد السكان الاصليين ويقمعهم لصالح القوة الامبريالية الراعية. وعمليات التحديث هذه كانت تتجاوز معايير الجدوى اقتصادية، وتتطلب توليد روح جماعية في يهود الجيتو.
2 ـ كان معظم المستوطنين الصهاينة من طبقة البورجوازية الصغيرة او البروليتاريا الرثة التي صعدت حركة الاعتاق احلامها الطبقية على حين ضيقت الرأسماليات المحلية عليها الخناق، الامر الذي جعلها مهددة دائماً بالهبوط الى مستوى البروليتاريا. فكانت الصيغة التعاونية وسيلة تحقق قدراً من أحلامهم الطبقية بتحويلهم الى ملاك زراعيين. ورغم ان الملكية لم تكن كاملة ولا فردية، الا انها مع هذا كانت نوعاً من الملكية يشبع طموحهم الطبقي. فهم لم يصبحوا مجرد اجراء، والمالك لم يكن شخصاً معيناً وانما شخصية معنوية تسمى (الشعب اليهودي). وقد كان لهذه الملكية الصورية أثرها الكبير في تثبيت كثير من المستوطنين في أملاكهم (التعاونية) الجديدة رغم الظروف المعادية.
3 ـ كان من العسير إصدار الاوامر للمستوطنين وكان من الصعب عليهم تقبلها والانصياع لها، بحكم خلفيتهم الطبقية، ولذا كانت الصيغة التعاونية مناسبة لاقصى حد.
4 ـ كان كثير من المستوطنين الصهاينة يحملون أفكاراً وديباجات اشتراكية متطرفة كان لابد من تفريغها وتسريبها. وقد تم ذلك من خلال الاقتصاد الجماعي العسكري، الذي سمي (تعاونياً اشتراكياً) واستخدمت الديباجات الاشتراكية المتطرفة في تبريره.
5 ـ كان المهاجرون اليهود الجدد يأتون من وسط هامشي ولم تكن لهم خبرة بالزراعة، وبالتالي كانوا دائماً في حاجة الى مساعدة واشراف فنيين، ولذا أمكن تدريب المزارعين الجدد على أيدي المزارعين ذوي الخبرة داخل اطار الاقتصاد الجماعي.
6 ـ كان مجتمع المستوطنين الصهاينة (ولا يزال الى حد كبير) مجتمع مهاجرين. ومجتمع المهاجرين يتسم بسيولة كبيرة، فبعد استقرار فريق من المهاجرين كان كثير منهم يترك الارض بعد قليل ليذهب الى الولايات المتحدة حيث توجد فرص أفضل للعمل ومستوى معيشي أعلى. وقد تمكن الصهاينة من التغلب على هذه الصعوبة عن طريق الصيغة الجماعية لان انسحاب بعض المزارعين لم يكن يعني التوقف الكامل للعملية الانتاجية (الامر الذي كان يمكن ان يحدث في حالة الملكية الفردية) وكانت الحركة الصهيونية تقوم باستبدال مهاجر آخر بمن ترك الأرض.
7 ـ اثبتت الصيغة الجماعية انها أفضل الصيغ لاستيعاب المهاجرين الجدد، فهي قادرة على ايجاد اعمال ووظائف لهم، لان المزارع التعاونية والتنظيمات الجماعية الاخرى كانت تشمل كل جوانب الحياة. كما ساهم التنظيم الجماعي في تخفيف حدة الصراعات العرقية داخل جماعات المستوطنين. فكل مهاجر كان ينظم للتنظيم التعاوني الذي تسود فيه قيمه الحضارية ويسيطر عليه بنو جلدته من رومانيين أو روس او بولنديين وهكذا. وقد أدرك القائمون على المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية هذه الحقيقة وأن الطريقة الوحيدة المتاحة أمام المشروع الصهيوني ليس مجرد الاستيلاء على الارض وانما ادارته على أساس جماعي عسكري. ولذا فرغم ان اتجاهاتهم الايديولوجية كانت رأسمالية ليبرالية تؤمن بالاقتصاد الحر الا انها قبلت عملية التنظيم الجماعي هذه (التعاونية الاشتراكية) وقامت بدعمها وتمويلها بلا تردد ودون التقيد بأية اعتبارات اقتصادية أو أيديولوجية خارجية. فكانت الوكالة اليهودية تقوم بشراء الارض (من سلطات الانتداب أو بعض الاقطاعيين العرب المقيمين خارج فلسطين او من خلال وسطاء) باسم (الشعب اليهودي) وتؤجرها لتعاونية عمالية تدفع أجور العمال فيها حسب ما تنتجه كل مجموعة، وعينت مديراً لكل تعاونية من قبل المنظمة الصهيونية. وقد حل هذا الشكل من الزراعة كثيراً من مشاكل الاستيطان الصهيوني، فعلى سبيل المثال، يستطيع تجمع المستوطنين ان يقسم نفسه الى مجموعتين، تقوم واحدة بالزراعة والاخرى بالحراسة ومطاردة العرب وارهابهم (والزراعة الصهيونية التي نسميها (الزراعة المسلحة) مرتبطة تمام الارتباط بالعسكرية الصهيونية، بحيث لا يمكن الفصل بينهما، فهما وجه واحد لعملية الاستيطان والاستيعاب). كما ان الحركة الصهيونية تستطيع ان تمول هذه التجمعات بحيث لا تؤدي عدم انتاجيتها، بسبب جهل المستوطنين بشئون الزراعة، الى سقوط الارض مرة أخرى في يد العرب. اما المستوطنات التي تمنى بالخسائر الفادحة، فكانت المنظمة الصهيونية تقوم بدفع خسائرها، كما ان المستوطنة الجماعية التي يتلقى أعضاؤها اجرهم من المنظمة الصهيونية العالمية لن تحتاج للعمالة العربية الرخيصة. وقد انتصر الاقتصاد الاستيطاني مع صعود الاحزاب العمالية الى مواقع القيادة الصهيونية بانتصار جناح وايزمان في مؤتمر الحركة الصهيونية الذي عقد في لندن سنة 1921، وتمكنت الاحزاب العمالية من السيطرة على رأس المال اليهودي العام الموجود في تصرف الحركة الصهيونية، على أساس ان ذلك يتيح لها فرصة تأسيس اقتصاد عمالي، أي استيطاني، قادر على اخضاع راس المال الخاص ليعمل وفق اهداف بناء الدولة الصهيونية (الجماعية). واستطاعت الاحزاب العمالية ايجاد خطة لجذب المهاجرين الشبان. وقد سيطر الهستدروت على الانشطة الاقتصادية كافة وحدد مهامها بأنها توحيد العمال المستخدمين، وانشاء كتائب العمل وجماعات الزراعة والحرث واستقبال المهاجرين. وكان تأسيس الهستدروت استمراراً لنفس الاستجابة لمعضلة الاقتصاد والايديولوجيا الاستيطانية. فالهستدروت لم ينشأ للتعبير عن مصالح طبقة عاملة يهودية تبلورت في فلسطين، وانما أداة لخلق هذه الطبقة ونواة للاقتصاد العمالي. كما أنه بامتلاكه العديد من المشروعات كان يسعى لتكوين علاقة خاصة جداً مع رأس المال الخاص، هو ما عبر عنه بن جوريون بقوله: (اننا لا نسعى لمشاركة العمال في أعمال يديرها راس المال الخاص ويشترك العمال في أرباحها، وانما على العكس نسعى لمشاركة رأس المال الخاص في اعمال يديرها العمال ويشرف الهستدروت عليها، ويأخذ رأس المال الخاص نسبة ثابتة من أرباحها). وتبدى عنصرا الجماعة والامن باعتبارهما أهم أسس الاقتصاد العمالي الاستيطاني في تنظيم الكيبوتس على أسس شبه عسكرية لتفريخ المستوطن المقاتل وقد تم تأسيس الهاجاناه بعد تأسيس الهستدروت بعام واحد، وتم تدريب عشرات الآلاف من اعضائها، ثم تأسست بعد ذلك قوتها الضاربة البالماخ عام 1941 لتأدية المهام الصعبة. وكان معظم اعضائها مرتبطين بالكيبوتس، وخصوصاً تلك الكيبوتسات التابعة للحزب الصهيوني ذي الديباجة اليسارية: المابام. وكانت الهاجاناه ضمن مسئولية الهستدروت، وضابطها في معظمهم مسئولون فيه، واعتبرت بمنزلة الجناح العسكري للمجتمع الجديد لتقوم بمهام الحماية وتوفير الامن للاقتصاد الاستيطاني العمالي. ولم يختف الهاجس الامني (الاستيطاني) بطبيعة الحال بعد عام 1948، بل ربما ازداد حدة. وقد تطلب هذا استمرار الصيغة الجماعية (التعاونية العمالية الاستيطانية) وتهميش الاعتبارات الاقتصادية وتخصيص موارد اقتصادية هائلة لحراسة الحدود لضمان استمرار السيطرة الصهيونية على الأرض والسكان الاصليين واستيعاب المهاجرين الجدد واعادة تأهيلهم واتمام المشروع الصهيوني بما يتطلبه من توسع جغرافي ومحاولة التوصل الى الحدود الآمنة بشكل نهائي وتحديث الجيش الاسرائيلي وتزويده بكل الاسلحة التي يحتاجها وبناء صناعة سلاح ذات تكنولوجيا عالية متطورة. وقد تمكنت الاحزاب العمالية من تأسيس نظام اقتصادي تقوم فيه الدولة بالاشراف والتخطيط المركزي الذي يشمل مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية كافة، كما انها تشرف على كل مجالات النشاط الاقتصادي عبر سياساتها الضريبية والنقدية والمالية، وعبر سياسة التشجيع والدعم حتى أنه يمكن القول بأن دور الدولة في الاقتصاد الاسرائيلي أكبر من دور أية دولة اخرى في اقتصادها، عدا الدول الشيوعية. وقد ظل نموذج الصهيونية العمالية، وقوامها الهستدروت، المعلم الاساسي للاقتصاد العمالي في فلسطين قبل عام 1948، ثم للاقتصاد الاسرائيلي بعد قيام الدولة، الى ان بدأ اهتزاز هذا النموذج مع الازمة الاقتصادية التي بدأت في اعقاب عام 1973، وبلغت ذروتها في منتصف الثمانينيات معلنة عن انتهاء قدرة هذا النمط من الادارة الاقتصادية على الاستمرار وتجاوز أزماته. وقد عبر هذا الاقتصاد العسكري/الاستيطاني عن نفسه من خلال مؤسسات عديدة من أهمها الهستدروت والكيبوتس.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:21 am | |
| الهستدروت اختصار للمصطلح العبري (هستدروت هاكلاليت شل هاعو فديم هاعفريم بايرتس يسرائيل) أي (الاتحاد العام للعمال العبريين في إرتس يسرائيل). ثم حذفت كلمة (العبريين) من اسمه عام 1969. وقد أنشأ الصهاينة هذا الاتحاد العمالي عام 1920 لا ليمثل أية طبقة عاملة وانما ليساهم في توطين المهاجرين الصهاينة وليبلور وينمي، بالاشتراك مع الوكالة اليهودية، جماعة المستوطنين الصهاينة في فلسطين حتى تصبح بناءً استيطانياً متكاملاً توجد داخله طبقة عاملة. وقد عبر بن جوريون عن هذه الفكرة بمصطلحه الغيبي حينما قال: (ليس الهستدروت نقابة عمالية ولا حزباً سياسياً ولا هو تعاونية وجمعية لتبادل المنفعة، انه اكثر من ذلك. الهستدروت هو اتحاد شعب يقوم ببناء موطن جديد ودولة جديدة وشعب جديد، ومشاريع ومستوطنات جديدة، وحضارة جديدة. انه اتحاد للمصلحين الاجتماعيين لا تمتد جذوره الى بطاقة عضويته الخاصة بل الى المصير المشترك والمهمات المشتركة لجميع اعضائه في الموت والحياة)، أي ان دينامية الهستدروت هي دينامية صهيونية استيطانية إحلالية. ولذا يمكننا القول بان الهستدروت ليس (اتحاد عمال) كما قد يوحي اسمه، وانما هو مؤسسة صهيونية استيطانية بالدرجة الاولى، بل أهم المؤسسات الاستيطانية على الاطلاق، فهو المؤسسة الوحيدة داخل الحركة الصهيونية التي تشرف على معظم النشاطات، وتتحرك داخلها كل الاحزاب وتربط المستوطن الصهيوني بالجماعات اليهودية في العالم. انها التجربة الصهيونية بالدرجة الاولى. وقد نص قانون انشاء الهستدروت على انه يعتبر أداة لعملية الاستيطان، ولتنشيط الهجرة اليهودية الى أرض فلسطين. ومن هذا الهدف تعددت مجالات عمل الهستدروت وأدواته التنفيذية: فهو اتحاد للتعاونيات، ومؤسسة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهيئة للتأمين الصحي، وجمعية لتقديم الخدمات الثقافية والتعليمية. ولذا تضم لجنته التنفيذية الادارات التالية: التنمية والاستيعاب ـ المساعدة المتبادلة ـ التوظيف والتدريب المهني ـ العمال الاكاديميين ـ والشئون الدينية ـ الشئون العربية والتعليم العالي ـ التعويضات. وتتضح طبيعة الهستدروت الخاصة في أن الاعضاء يشتركون فيه مباشرةً ويدفعون رسوماً تتراوح بين 3 ـ 4.5% من أجورهم الى صندوقه المركزي، ثم يلتحقون بالاتحاد العمالي الخاص بهم، أي أنهم ينتمون أولاً للمؤسسة الاستيطانية ثم ينتمون الى اتحاد عمالي ايضاً. والهستدروت في هذا يشبه الاحزاب السياسية في اسرائيل فهي الاخرى مؤسسات استيطانية بالدرجة الاولى وأحزاب ايضاً. وقد يكون من الصحيح ان الطابع الاستيطاني للاحزاب والهستدروت قد خفت بعض الشيء بعد اعلان الدولة ولكن الطابع الاستيعابي (وهو الامتداد الطبيعي للاستيطانية او استيطانية ما بعد 1948 بالتحديد) قد زادت حدته. ويجري التخطيط والتنفيذ في الهستدروت والمؤسسات التابعة له من خلال المؤتمر القومي (السلطة التشريعية) والمحلي العام (السلطة العليا) واللجنة التنفيذية (أعلى سلطة تنفيذية). وكان الهستدروت ومنشآته الاقتصادية بمنزلة العمود الفقري للاقتصاد العمالي الصهيوني، فمنذ تأسيسه عام 1920 يقوم بانشاء مستعمرات زراعية ومؤسسات صناعية. ففي عام 1921 اسس بنك هابوعاليم (بنك العمال)، وبعد سنتين أسس شركة حفرات هعوفديم (شركة العمال). ومنذ عام 1927 ونشاط الهستدروت يتجه نحو تأمين رأس المال اللازم لادارة مؤسساته الاقتصادية. ويعد الهستدروت من (كبار اصحاب العمال) في اسرائيل، وهو أكبر جسم اقتصادي في الدولة، وأكبر مستخدم منفرد للعمال. ويضم الهستدروت مجموعتين كبيرتين من المصالح الاقتصادية، المجموعة الاولى تضم التعاونيات التي تنقسم بدورها الى نوعين أساسيين: المستوطنات التعاونية مثل الموشافيم والكيبوتسات، والتعاونيات الانتاجية والخدمية التي تضم أكبر شركتين للمواصلات (ايجيد ودان). والمجموعات الثانية تضم مجموعة شركات ضخمة تابعة لشركة العمال (الشركة الام) في فروع الصناعة والبناء والتجارة والمصارف. واهم مؤسسات الهستدروت الصناعية مجموعة كور، التي يعمل في شركاتها نحو 23 ألف عامل في 100 مصنع تقريباً، وتملك أهم شركات صناعة الالكترونيات، وتضم شركة سوليل بونيه، وشركة تاديران، ومصانع سولتام، وصحيفة دافار. وفي الخدمات المصرفية، يمتلك الهستدروت جزءاً كبيراً من بنك هابوعاليم، ويشارك في ملكية بنوك ومؤسسات مالية أخرى. كما ان الهستدروت يشارك في الاستثمار في شركة كلال وشركة تسيم وسايتكس. وقد أشرنا الى امتلاكه شركتي ايجد ودان، واحتكاره فرع المواصلات العامة. وفي التجارة يمتلك الهستدروت شركة همشبير، وشركة تنوفا. ويدل توزيع ملكية المنشآت الصناعية ان حصة الهستدروت النسبية قد ازدادت في السبعينيات ومنتصف الثمانينيات، كما ان حجم صادرات المنشآت الاقتصادية التابعة للهستدروت قد ازداد ازدياداً مطرداً ولا سيما في القطاع الزراعي حيث وصلت نسبة ما صدره عام 1985 الى 77% من الصادرات الزراعية، و23.5% من الصادرات الصناعية. ويقوم الهستدروت بالاشتراك الفعلي في تقرير سياسات المؤسسات الاقتصادية التي لا يشترك في ملكيتها، سواء مباشرةً او من خلال شركات العمال او عن طريق مندوبين له في مجالس ادارة هذه المؤسسات. وهو ما يدعم هيمنة الهستدروت وسيطرته على القطاع التعاوني في الاقتصاد الاسرائيلي. وهو يشترك في الهيئة الاقتصادية العليا التي تخطط للاقتصاد الصهيوني وتنسق بين القطاعات الثالثة وهي العام والخاص والتعاوني. وقد بدأت مكانة الهستدروت في التدهور منذ أو اخر الثمانينيات نتيجة الاوضاع الاقتصادية المتردية في اسرائيل في تلك الفترة (التي نجمت عنها بطالة واسعة النطاق) ونتيجة انهيارات في بعض انشطة ومشاريع الهستدروت، ووجهت الاتهامات لزعامة الهستدروت بسوء الادارة والمحسوبية والفساد، حتى قرر الكنيست في مايو 1995 وضع الهستدروت. تحت اشراف المراقب العام للدولة إثر الكشف عن فضائح فساد بعض قيادات حزب العمل الذين قاموا باستغلال موارد الهستدروت في تمويل الحملات الانتخابية. ويقوم الهستدروت بصفته ممثلاً للعمال والمستخدمين والنقابات المهنية بالتفاوض مع اتحاد الصناعيين والحكومة في شأن الأجور وشروط العمل وهو دور نقابات العمال الطبيعي. ولكن هوية الهستدروت كصاحب عمل، وليس كاتحاد عمال فقط، تظهر في ان مورده الاساسي ليس من اشتراكات الاعضاء وانما نتيجة استثمارات تجارية، كام ان اضرابات العمال يمكن ان تتم ضده وليس بمساندته، بل ان الهستدروت يقوم كثيراً بدور المهدئ للطبقة العاملة حتى تستمر في الانتاج داخل البناء الصهيوني. ويضم الهستدروت في عضويته فئات متعددة ذات مصالح متضاربة في الغالب، فهو يضم في صفوفه، بالإضافة الى العمال، الأغلبية الساحقة من الموظفين والمستخدمين في الحكومة وفي نشاطات القطاعين العام والخاص، وكل أعضاء الحركة الزراعية التعاونية (الكيبوتسات والموشافيم)، وشرائح مهنية واسعة تنتمي بوضوح الى الطبقة الوسطى مثل: الأطباء، والمهندسين، والمحامين، والأكاديميين، والمعلمين… الخ. ويضم الهستدروت نحو 1.8 مليون عضو (عمال مع عائلاتهم) يشكلون 58% تقريباً من السكان، وهو يوظف 25% من اليد العاملة في مختلف مؤسساتها الاقتصادية، ويغطي برنامجه للتأمين الصحي أغلبية التأمين الصحي في اسرائيل، ويدير أهم النوادي الرياضية (هابوعيل) الذي يوجد له 600 فرع منتشرة في جميع أنحاء اسرائيل. ويساهم الهستدروت بدور مهم جداً في عملية التربية والتعليم وذلك من خلال الجهاز الرسمي والمؤسسات غير الرسمية. فهو يملك مؤسسات كثيرة لمختلف الأجيال، يختص معظمها بحقول تعليمية محددة. وفي إحصاء قام به الهستدروت بين أعضاء أحد المؤتمرات القومية في السبعينات (وكان يبلغ عددهم 1001) عن رؤيتهم لأنفسهم قال 64.6% منهم (أو حوالي 885) أنهم يعتبرون أنفسهم مديرين او موظفين، وقرر 16% إنهم أصحاب مهن حرة وقرر 9.3% أنهم مزارعون، بينما قال 5.3 أنهم صناع وحرفيون.وفي احصاء آخر بين أعضاء الهستدروت عن سبب التحاقهم بهذا التنظيم (النقابي) قرر 27% منهم أنهم انضموا للاستفادة من خدمات كوبات حوليم (او التأمين الصحي)، و26% لا يعرفون سبب انضمامهم اساساً، و18% انضموا لأن رب العمل طلب ذلك، و5% فعل ذلك من باب طاعة الوالدين، ولا يذكر الاحصاء شيئاً عن الأربعة وعشرين في المائة الباقية ـ أي أن الهستدورت في بنائه واقتصادياته ووعي اعضائه بأنفسهم ليس له علاقة كبيرة باتحادات نقابات العمال. ويمكن النظر للهستدروت على أنه تنظيم اقتصادي يأخذ (شكلاً جماعياً) لمساعدة التجمع الاستيطاني / الصهيوني بعماله ورأسمالييه، وهو تجمع لا يمكن أن يأخذ شكلاً رأسمالياً تقليدياً بسبب وضعه الشاذ في المنطقة إذ أن عليه أن يخوض الحرب تلو الحرب للدفاع عن نفسه وبالتالي عليه أن يجند المستوطنين دائماً في تنظيمات عسكرية اقتصادية متماسكة، وهو ما يفرض أشكالاً جماعية قد تشبه التنظيمات الاشتراكية من بعض النواحي، ولكنها خالية من أي محتوى إنساني ثوري.ومما دعّم هذه الأشكال الجماعية أن المنظمة الصهيونية العالمية وصهاينة العالم لا يمكنهم التعامل مع رأسماليين اسرائيليين مباشرة، بل لابد أن تتعامل المؤسسات مع مؤسسات مثلها، فيقوم الهستدروت بتلقي المساعدات، وتوزيعها على كل طبقات الكيان الصهيوني عمالاً ورأسماليين، أي أن الأشكال الجماعية التي يمثلها الهستدروت لا علاقة لها بأية منطلقات ثورية انسانية، وإنما هي جزء من استيطانيته. ولعل أكبر دليل على ذلك أن كل اتجاه صهيوني، بغض النظر عن انتمائه الايديولوجي قبل انشاء الدولة، كان يحاول أن يكون له (هستدروته الخاص) به. فيوجد هستدروت للصهاينة التصحيحيين، وآخر للدينيين، تماماً كما كان هناك تنظيم عسكري للعمال وآخر للتصحيحيين. وقد استمرت بعض هذه الهستدروتات بعد انشاء الدولة. ثم انضمت له عام 1965 للاستفادة من نشاطاته وخدماته ومحاولة التأثير فيه من الداخل دون أن تغيّر آراءها فيما يتعلق بدوره. ومما يدل ايضاً على أن الأشكال الجماعية التي يدعو لها الهستدروت لا علاقة لها بالاشتراكية وإنما هي جزء من دوره الاستيطاني (والاستيعابي فيما بعد) أن حزب حيروت الذي يمثل أيديولوجية الاقتصاد الحر عضو في الهستدروت ويحرز انتصارات لا بأس بها، وأن حزب الأحرار الرأسمالي والأحزاب الدينية كلها ممثلة داخل الهستدروت. وارتباط الهستدروت بالاستيطان يظهر في علاقته بالعسكرية الصهيونية، فقد اسست الهاجاناه بعد عام واحد من تأسيس الهستدروت. وقد كان الهستدروت مشرفاً عليها، كما كان 60% من رجال الهاجاناه والإرجون وشتيرن ينتمون الى عضويته، كما أنه يقوم بإعالة عائلات الرجال المتطوعين في الجيش سواء قبل عام 1948 او بعده. ومثل معظم المؤسسات الاستيطانية الصهيونية نجد أن الهستدروت مؤسسة عسكرية / اقتصادية موجهة أساساً ضد العرب، ولذا نجد أن هذا الاتحاد العمالي أسس لتنفيذ سياسة اقتحام العمل وفلسفة العمل العبري، فكان يرفض تشغيل العرب بل طرد أعضاءه الشيوعيين عام 1923 بسبب إثارتهم قضية تأجير العمل العربي، كما كان ينظم مظاهرات ضد الرأسماليين اليهود الذين يستأجرون عمالاً عرباً. ولكن بعد ظهور الدولة وبعد أن ثبتت اركانها، ومع ازدياد الحاجة للأيدي العاملة العربية أخذ في التنازل تدريجياً عن هذا التشدد. وسمح الهستدروت بانضمام العمال العرب لعضويته، ولكن العمال العرب لا يتمتعون من الناحية الواقعية بالمزايا التي يتمتع بها العمال اليهود، فأجورهم أقل كثيراً من اجور نظرائهم، كما أنهم اكثر تعرضاً للبطالة. وكثيراً ما تثار قضية العمل العرب داخل الهستدروت، إلا أنها غالباً ما تنتهي الى لا شيء، بل على العكس من ذلك يساهم الهستدروت في تسهيل وإيجاد الظروف الملائمة لتهجير العمال العرب الى الخارج. الهستدروت إذن جزء عضوي ورئيسي في المجتمع الصهيوني الاستيطاني، وقد ترتب على قوة وسطوة الهستدروت وتعدد مجالات تأثيره أن اصبح الشخص الذي لا ينتمي اليه يجد مشقة كبيرة في الاستمرار في الحياة، فهو لا يستطيع أن يحصل على الخدمات بسهولة ـ وأهمها الحصول على عمل والخدمات الصحية ـ وإذا حصل عليها فبتكاليف باهظة. ويعتبر الهستدروت الأداة الأساسية التي تعبر من خلالها التفاعلات السياسية في المجتمع عن قراراتها في مختلف نواحي الحياة، إذ أن التنظيم التشريعي والتنفيذي للهستدروت يتكون من ممثلين عن الأحزاب بحسب نسبة قوتها الانتخابية، وبالتالي فإن سياسات الهستدروت في النهاية ليست سوى انعكاس للتفاعل بين وضع الأغلبيات والأقليات الحزبية. بل يمكن القول بأن سياسات الهستدروت تقرر داخل الأحزاب وليس في المؤتمر القومي، ولعل هذا هو أحد العناصر التي تفسير انصراف الأعضاء عن الاشتراك في انتخاب مندوبي المؤتمر، ففي عام 1959 وصل عدد المشتركين الى 84% ثم انخفض الى 65% عام 1969 ثم انخفض الى 56.6% عام 1989. وقد كان من أهم أسباب نجاح الهستدروت في ممارسة ادواره المتعددة سيطرة الاحزاب العمالية عليه بشكل شبه كلي حتى سنة 1977، وبشكل جزئي بعد ذلك، وهو ما اتاح لها مساندة اقتصاد الهستدروت. كما أن احتفاظ حزب العمل بموقعه ومركزه في الحياة السياسية الاسرائيلية يعود الى علاقته القوية بالهستدروت. ومنذ عام 1932 حينما كان الماباي الموجه الفعلي، كانت له اكثرية مطلقة في المجلس التنفيذي للهستدروت. ولم يتغير الوضع كثيراً حتى الستينيات، فالتجمع العمالي (المعراخ) احرز نسبة مئوية قدرها 88.5% من الأصوات في انتخابات الهستدروت عام 1965. وتتضح لنا هذه العلاقة أكثر بمعرفة أن بن جوريون كان اول سكرتير عام للهستدروت، ولكن تجب الاشارة الى أن هيمنة المعراخ والصهيونية العمالية آخذة في التآكل، ولذلك يلاحظ تآكل النسبة المئوية التي حصل عليها المعراخ في الانتخابات الأخيرة. ففي انتخابات اعوام 1981، 1985، 1989 حصل تحالف حزب العمل على نسبة 64%، 67%، 64% على التوالي أما الليكود فحصل على 26%، 21%، 27 على التوالي.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:22 am | |
| بنية الكيبوتس المؤسسة الاقتصادية الاستيطانية العسكرية الثانية هي الكيبوتس، و(الكيبوتس) كلمة عبرية تعني (تجمع) وجمعها (كيبوتسيم) وتصغيرها (كيبوتساه). وهي شأنها شأن معظم المصطلحات الصهيونية (مثل (عالياه) بمعنى (الارتفاع) او (السمو) والتي تعني (الهجرة الى اسرائيل)) لها بعد شبه ديني. ولعل الاصطلاح الديني اليهودي (كيبوتس جاليوت) او (تجميع المنفيين) ولم شمل كل يهود العالم في فلسطين هو الذي استقى منه الصهاينة هذه التسمية.وتستخدم الكلمة في الكتابات الصهيونية للإشارة الى مستوطنة تعاونية تضم جماعة من المستوطنين الصهاينة، يعيشون ويعملون سوياً، ويبلغ عددهم بين 450 و600 عضو، وإن كان العدد قد يصل الى ألف في بعض الأحيان. ويعد الكيبوتس من أهم المؤسسات الاستيطانية التي يستند اليها الاستعمار الصهيوني في فلسطين المحتلة. بل يقال إن الكيبوتس هو أهم المؤسسات السياسية والاجتماعية على الاطلاق داخل الكيان الصهيوني. وهو مؤسسة فريدة مقصورة على المجتمع الصهيوني. إذ لا توجد أية مؤسسة تضاهيها في الشرق الأوسط او خارجه (وإن كنا نجد بعض مواطن الشبه بينها وبين بعض المؤسسات التي تضم جماعات وظيفية قتالية مثل الانكشارية والمماليك). بل يمكن النظر للكيبوتس باعتباره مؤسسة نماذجية لتوليد جماعة وظيفية شبه عسكرية، ولعل مركزيته تعود الى أن الدولة الصهيونية نفسها دولة وظيفية. ورغم تنوع انتماءات الكيبوتسات السياسية فإن كل المستوطنات، شأنها شأن الاحزاب السياسية في اسرائيل، تلتزم بالرؤية الصهيونية وبالخط الصهيوني، بل إنها كوّنت عام 1963 تنظيماً عاماً لحركة الكيبوتس تشترك فيه كل المزارع الجماعية بغض النظر عن انتمائها السياسي. وتدين كل الكيبوتسات بالولاء للحركة الصهيونية، وهذا أمر منطقي تماماً لأنها مشاريع غير مربحة وممولة من قبل هذه الحركة. وحتى ندرك مدى أهمية الكيبوتس داخل الكيان الصهيوني، سنورد بعض الاحصاءات التي قد تعطي القارئ فكرة واضحة ومثيرة عن مدى اسهام هذه المؤسسة في المجتمع الصهيوني. فعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغت نسبة اعضاء الكيبوتس في النخبة الحاكمة (أي بين قيادات المجتمع الاسرائيلي) سبعة اضعاف نسبتهم في المجتمع (ويكفي أن نذكر أن بن جوريون وموشيه ديان وشيمون بيريز وبيجال آلون وغيرهم من أبناء الكيبوتسات). ومع أن اهمية الكيبوتس آخذة في التناقص إلا أن النسبة في الوقت الحاضر لا تزال اربعة اضعاف. وكان ثلث الوزراء الاسرائيليين من 1949 حتى 1967 من أعضاء الكيبوتس، كما أن 40% من انتاج اسرائيل الزراعي و7% من صادراتها من انتاج الكيبوتسات، و8% من انتاجها الصناعي. ويمكن القول بأن تاريخ نشأة الكيبوتس وتطوره وبنيته وما لحق من تآكل وما يواجهه من أزمات يجعل منه نموذجاً مصغراً للاستيطان الصهيوني: أصوله ـ تاريخه -طبيعته- أزمته. ولذا فدراسة الكيبوتس أمر مهم من الناحية المنهجية من منظور دراسة الصهيونية والاستيطان الصهيوني. والسمة الأساسية للكيبوتس، شأنه شأن أية مؤسسة استيطانية احلالية، أنه مؤسسة عسكرية بالدرجة الأولى. فعلى سبيل المثال، كان اختيار موقع الكيبوتس يتم لاعتبارات عسكرية بالدرجة الأولى، ثم لاعتبارات زراعية بالدرجة الثانية. وتظهر طبيعة الكيبوتس العسكرية في أن أعضاءه لا يتدربون على الزراعة وحسب، وإنما على حمل السلاح ايضاً. ويقوم الكيبوتس بغرس القيم العسكرية في اعضائه من خلال الدعاية الايديولوجية والتربية الرسمية وغير الرسمية اليومية، وبخاصة من خلال أسلوب الحياة. وقد ساهمت الكيبوتسات في انشاء الكيان الصهيوني والحركة الاستيطانية الاحلالية، قبل وبعد انشاء الدولة الصهيونية. فقامت الكيبوتسات بتنظيم الهجرة غير الشرعية الى فلسطين منذ عام 1934. واستمرت في هذا النشاط حتى بعد أن تأسست منظمة خاصة للهجرة غير الشرعية عام 1939. وكان نظام الكيبوتس مبني على ما نسميه (الزراعة المسلحة)، فأطفال الكيبوتس (في عنابرهم الجماعية) كانوا يتدربون على فلاحة الأرض وعلى القتال في ذات الوقت (كان الأطفال يرسلون الى العنبر الجماعي بعد ولادتهم مباشرة ويظلون فيه وحتى سن الالتحاق بالجيش) ويتوجه ولاؤهم اولاً وأخيراً للاطفال الذين يشاركون الحياة من داخل مؤسسة الكيبوتس بشكل عام، ثم داخل الكيبوتس الذي يعيشون فيه، على وجه الخصوص. وبسبب تكامل الاستيطان والقتال، زاد عدد مزارع الكيبوتس بعد الثلاثينيات اثناء الثورة العربية. فقبل هذا التاريخ كانت مزارع الموشاف (وهي مزارع تعاونية أقل جماعية ولا تتسم بالصبغة العسكرية) تنمو بنسبة تفوق مزارع الكيبوتس. ولكن بعد عام 1936 تغيرت النسبة لصالح الكيبوتس (ويلاحظ كذلك أنه بعد انشاء الدولة وبظهور الجيش الاسرائيلي الذي يضطلع بمهام الدفاع زاد عدد مزارع الموشاف مرة أخرى، وتراجع عدد الكيبوتسات). لعبت الكيبوتسات دوراً بارزاً في منظمة الهاجاناه العسكرية الصهيونية قبل عام 1929. وتؤكد موسوعة الصهيونية واسرائيل أن كل اعضاء الكيبوتسات كانوا اعضاء في الهاجاناه، وأن عدداً كبيراً من ضباط الهاجاناه أتوا من الكيبوتسات. وتضيف الموسوعة أن هذا لم يكن غريباً على الاطلاق (لأن بنية الكيبوتس نفسها ونظامه يشبهان من بعض النواحي التنظيم العسكري). فأعضاء الكيبوتس ليسوا مرتبطين بأي بناء أسري، ولم يكن مفروضاً عليهم توفير الرزق لأعضاء اسرهم، وانما كانوا افراداً لا تربطهم أية اواصر صداقة مع أحد، ويمكن استدعاؤهم للخدمة العسكرية كلما وحيثما دعت الحاجة لذلك (فهم بنيوياً مثل الجنود المرتزقة). كما أن معظم اعضاء الكيبوتسات في تلك الفترة ذكوراً كانوا أم إناثاً، كانوا شباناً في سن الخدمة العسكرية ليس بينهم أطفال او عجائز. ولذا كان من السهل إقامة الكيبوتسات بسرعة والدفاع عنها بصلابة. وقد قامت حركة الكيبوتسات في السنوات الأخيرة من حكم الانتداب البريطاني بدور اساسي في (خلق الحقائق) بإنشاء مستوطنات جديدة في المناطق النائية.فاستوطن اعضاء الكيبوتس في شمال النقب، وجبال القدس ومناطق أخرى.وقد أنشأ المستوطنون الصهاينة ما يزيد عن 52 مستوطنة من نوع السور والبرج، وكان من بينها 37 مزرعة كيبوتسية. وحينما قررت الهاجاناه إنشاء وحدات الصاعقة النظامية (البالماخ) ولم تكن تملك الاعتمادات الكافية، بادرت حركة الكيبوتس بتجنيد الأعضاء ورتبت ساعات العمل لهم بحيث اصبح في مقدور عضو الكيبوتس أن يعمل نصف شهر في المزرعة الجماعية، والنصف الآخر في صفوف البالماخ. ولذا حينما اندلعت حرب عام 1948 بعد إعلان قيام الدولة الصهيونية كان حوالي 2000 عضو في البالماخ يعيشون في 41 كيبوتس. وكانت الكيبوتسات تشكل مواقع للترسانات العسكرية ومصانع للذخيرة، لذلك كانت القوات البريطانية تهاجم الكيبوتسات دائماً بحثاً عن الذخائر وعن اعضاء البالماخ كما حدث يوم 29 يونيه 1946 حينما هاجمت القوات البريطانية عشرات الكيبوتسات. وقد استمر الكيبوتس في أداء هذا الدور الأساسي في المؤسسة العسكرية بدرجات متفاوتة، فساهم في التوسع الصهيوني في الأراضي العربية التي احتلت عام 1967، كما أنه لا يزال ينهض بدور مهم في عملية الاستيطان التي تتم في الضفة الغربية (وإن كانت الأشكال الأخرى من الاستيطان مثل الموشاف هي الأكثر شيوعاً الآن). ولا تزال نسبة كبيرة من القيادات العسكرية في الجيش النظامي والاحتياط تأتي من هناك. فعلى سبيل المثال، ورد في إحدى الإحصاءات أن ربع ضباط جيش الكيان الصهيوني وثلث الطيارين المقاتلين أعضاء في الكيبوتس. ولعل أكبر دليل على أن الكيبوتس يمثل العمود الفقري للعسكرية الصهيونية هو أن 33% من ضحايا حرب 1967 من أبناء الكيبوتس (ولنتذكر أن نسبتهم القومية هي أقل من 4%). ويقوم أبناء الكيبوتس بأشق المهام العسكرية وأخطرها، كذلك المهام السرية في الداخل والخارج ذات الطابع الانتحاري (مثل عملية مطار عنتيبي في أوغندة). ويوجد عدد كبير منهم في الوحدات الخاصة مثل المظليين والضفادع البشرية. ورغم أن الكيبوتس مؤسسة عسكرية إلا أنها ليست مؤسسة عسكرية بالمعنى المألوف للكلمة، فأعضاء الكيبوتس هم جماعة وظيفية عسكرية استيطانية (مملوكية) وظيفتها هي القتال والاستيطان، وما عدا ذلك من وظائف فثانوي.ويتضح هذا في الطبيعة المملوكية لنمط الحياة. وبالفعل نجد أن الحياة داخل الكيبوتس جماعية الى أقصى حد، كما نجد أن أشكال التعبير الفردية في حكم المنعدمة، فملكية الأرض والمباني والأدوات، بل أحياناً الملابس الشخصية، ملكية جماعية. وحينما ينضم عضو للكيبوتس فهو لا يشتري شيئاً لأنه لن يملك شيئاً، وحينما يترك الكيبوتس فإنه لا يبيع شيئاً ولا يأخذ معه شيئاً (وإن كانت السنوات العشرون الأخيرة بدأت تشهد منح العضو مكافأة مالية صغيرة في بعض الأحيان).ولا يتقاضى الأعضاء مرتبات وإنما يحصلون على كل احتياجاتهم الأساسية دون مقابل مثل الطعام والمسكن والملبس وأحياناً اصلاح الملابس وغسلها، والرعاية الطبية ورعاية الأطفال والتعليم. أما احتياجات الفرد الأخرى مثل شراء بعض السلع الاستهلاكية الصغيرة (إناء زهور مثلاً) أو قطع الملابس الكمالية وتكاليف الاجازات التي يقضيها خارج الكيبوتس فيقوم بدفع تكاليفها بنفسه من مصروف جيبه الشهري الذي يعطيه له الكيبوتس، وإن تبقى معه أي مبلغ من النقود فعليه أن يعيده لصندوق الكيبوتس (بل كان من المحظور على أي عضو حتى عهد قريب أن يكون له حساب خاص في البنك). ويقوم أعضاء الكيبوتس بالعمل في أحد الأنشطة التي يقوم عليها الكيبوتس.مع ذلك فإن بعضهم يقوم بالعمل خارج نطاق الكيبوتس سواء في المشروعات التي يتولى الكيبوتس تنفيذها في الأقاليم او في مؤسسات الدولة او في أماكن أخرى. وفي هذه الحالة يستمر هؤلاء في العيش داخل الكيبوتس ويستفيدون من خدماته الاجتماعية الى جانب تناول الطعام، ويحصلون على الخدمات نفسها التي يحصل عليها بقية الأعضاء الى جانب قيامهم بتناوب خدمات الحراسة (وهذه مهمة أساسية والكيبوتس). وهذه الخدمات التي تحصل عليها هذه الشريحة من الأعضاء بالطبع ليست بالمجان، ولكنهم يحصلون عليها مقابل تنازلهم للكيبوتس عن مرتباتهم التي يتقاضونها في الخارج. ولكن أعضاء الكيبوتس لا يتمتعون بأية حياة اسرية مستقلة، فقد كانوا يتناولون معظم الوجبات سوياً (وعدم تناول الطعام مع الجماعة في الكيبوتس يعد رفضاً لها وارتداداً الى حياة الجيتو). والأطفال كذلك يعيشون بعيداً عن والديهم، وكانوا لا يقومون بزيارتهما إلا بعض الوقت بعد الدراسة وبعد ساعات العمل. وإضعاف الروابط الأسرية في الكيبوتس يتم لحساب الروابط القومية ولحساب الولاء للدولة او المؤسسة. فالفرد الذي لا يعيش حياة خاصة به، والذي ليس له ذكريات فردية، ولا يربطه أي رباط بأي إنسان آخر، هو الفرد القادر على الانتماء بسهولة ويسر الى جماعته الوظيفية، وهو الإنسان القادر على تكريس ذاته لوظيفته مهما بلغت من لا إنسانية، وهو الإنسان القادر على الإيمان بمجردات وأوهام ليس لها سند في الواقع.ويبدو أن التنشئة الاجتماعية في الكيبوتس كانت تهدف الى هذا أساساً.فالطفل الذي يعتمد على المؤسسة (لا على أبيه أو أمه) في معيشته وملبسه، تضعف العلاقة بينه وبين أبويه وتقوى بينه وبين المؤسسة التي يتبعها بعد ولادته ببضعة أيام حيث يوضع في بيت الأطفال ويمكث هناك مدة سنة ينتقل بعدها الى بيت الصغار. وفي تلك المرحلة يسمح للأبوين باصطحاب طفلهما الى البيت لقضاء بضع ساعات معهما. وفي سن الرابعة كان الطفل يرسل الى دار الحضانة، وينتقل منها الى المدرسة الابتدائية عند بلوغه السابعة. والمرحلة النهائية من النظام التعليمي هي المرحلة الثانوية التي يدخلها الطفل في سن الثانية عشرة حتى يبلغ الثامنة عشرة. وعبر كل هذه المراحل كان الطفل يُلقّن العقيدة والقيم الصهيونية ويدرس مواد دراسية مثل المادة التي تسمّى (الوعي اليهودي). ولكل كيبوتس كبير مدارسه الخاصة بجميع مراحل النظام التعليمي.وتشترك الكيبوتسات الصغيرة سوياً وتنشئ المدارس الخاصة بها. ومستوى التعليم في هذه المدارس عال، وخصوصاً أن المدرسين فيها من أعضاء الكيبوتس، ولذلك فهم يتسمون بنفس التفاني في خدمة الجماعة، فهم لا يُضربون عن العمل لزيادة الأجر، كما هو الحال مع زملائهم في النظام التعليمي العام.وعند بلوغ الثامنة عشرة يقوم عضو الكيبوتس بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية (لمدة ثلاثة سنوات) وعند عودته قد ينضم الى إحدى الجامعات او المعاهد الفنية. وهكذا ينشأ عضو الكيبوتس من المهد الى اللحد دون الدخول في علاقة انسانية فردية مباشرة. فهو دائماً عضو في هذه المؤسسة او تلك، وهو ما يجعله انساناً قادراً على تلقي الأوامر دون تفكير او احتجاج. وكثير من أطفال الكيبوتس يفقدون كل صلة بآبائهم بعد بلوغهم الثالثة عشرة، وهم في هذا يشبهون المماليك الذين كانوا يُختطفون من بلادهم في سن مبكرة، ثم ينشئون تنشئة جماعية تفقدهم فرديتهم وانسانيتهم، وتحولهم الى جماعة محاربة ليس لها روابط اجتماعية او انسانية، متفرغة تماماً للقتال وحسب. وكانت جماعية الكيبوتس في بداية الأمر لا تلتزم بأية معايير، فقد كان كل شيء مملوكاً ملكية جماعية حتى الملابس الداخلية. ولم تكن هناك حمامات منفصلة للرجال والنساء. ولكن بعض هذه الأشكال الجماعية المتطرفة قد اختفت وإن احتفظ الكيبوتس بطابعه الجماعي الأساسي. وتظهر جماعية الكيبوتس في طريقة الإسكان، الذي يتبع خطاً واحداً متكرراً من كيبوتس لآخر. إذ تقسم مباني المزارع الجماعية الى قسمين: المساكن والمباني الأخرى. أمَّا المساكن فهي عادة وحدات متقاربة يتكون كل منها من طابق واحد، تقع بين مجموعة من الأشجار، وكل وحدة سكنية مقسمة الى شقتين او ثلاثة، وتتكون كل شقة من غرفة صغيرة يقطنها رجل وامرأة. ويتم تنظيف الثياب وكيها في بيت الغسيل العام. وأثاث هذه المنازل بسيط إن لم يكن متواضعاً، وإن وجد تليفزيون او جهاز ستيريو فيوضع عادة في غرفة المعيشة الجماعية. ويضم الكيبوتس ايضاً عدة مبان: مبنى الثقافة (وهو من أهم المباني)، ومبنى الاجتماعات، وحمام سباحة، وقطعة أرض مخصصة للرياضة. وعلى مقربة من المجموعة السكنية من المباني توجد المجموعة الإنتاجية، وتضم حظائر الحيوانات والمصانع والمزارع نفسها. وتوجد منازل الكيبوتس وصالة الطعام والمدرسة وقاعة الاجتماعات والمباني الأخرى في وسط الكيبوتس، أمَّا المزارع والمصانع والحقول فإنها تلتف من حوله (وهو ما يبيّن طبيعته العسكرية). ويهدف التصميم المعماري للكيبوتس الى اضعاف الروح الأسرية وتقوية الروح الجماعية، فكثير من أعضاء الكيبوتس يرون أن الزواج مؤسسة بالية لابد من التخلي عنها، فهي مظهر من مظاهر الجيتوية والفردية التي ينبغي التخلي عنها. وحتى الآن لا يتطلب عقد الزواج سوى التقدم بطلب للحصول على غرفة مشتركة، وعند الطلاق يلغى هذا الترتيب. بل في بعض الأحيان تم الغاء تعبير (شاب) و(شابة)، وأحياناً يشار للازواج على أنهما (زوج) بمعنى (اثنين)، وقد نتج عن كل هذا بطبيعة الحال ارتفاع معدلات الطلاق. ومن أهم العناصر التي تحافظ على جماعية الكيبوتس وتدعمها وتحولها الى ممارسة حياتية يومية، لجان الأمن التي كانت تقوم بالتجسس على الأعضاء وبتفتيش غرفهم وفتح خطاباتهم. وتقوم هذه اللجان بالتنسيق مع الجيش وتؤدي كثيراً من وظائف الدولة، أي أنها تضطلع بوظيفة ترويض اعضاء الكيبوتس وترشيدهم واستئناسهم لصالح المؤسسة الحاكمة. وتتم هذه العملية من خلال ممارسة ضغط اجتماعي هائل مباشر، فالكيبوتس مجتمع كامل صغير. وقد وصف موتكي يحزقيلي، وهو مدرس في أحد الكيبوتسات، هذه الروح الجماعية التي تهدف الى تفريخ المقاتلين بقوله: إن عضو الكيبوتس ينشأ في جو كثيف من الناحية الجسمية والعقلية، فديناميات الكيبوتس الاجتماعية قاسية لأقصى درجة. فالجماعة هي التي تقرر نوع الموسيقى التي ستسمعه وأية آلة موسيقية ستلعبها وفي أية وحدة عسكرية ستكون خدمة عضو الكيبوتس العسكرية. وإذا رفض أحد الأعضاء التطوع في الجيش واتخذ موقفاً من حرب لبنان (على سبيل المثال) تقوم لجنة الأمن بعملية تحيض ضده من خلال اعضاء الأسرة الكيبوتسية، فيُتهم بأنه ليس محارباً ولا مقاتلاً، بل يُتَّهَمْ في رجولته، ويتم هذا الأمر في محيط الحياة العامة الخارجية، وفي محيط الأسرة، وفي حياته الخاصة، الأمر الذي يجعل الضغوط ذات تاثير قوي. ومن المبادئ الأساسية التي تنطلق منها حركة الكيبوتس، مبدأ الديمقراطية والمساواة بين الأعضاء في كل شيء. ويترجم هذا نفسه الى ما يسمى (سياسة الحكم الذاتي). إذ تتخذ كل القرارات الخاصة بالكيبوتس من خلال نظام إداري يتم بالانتخاب. والسلطة العليا هي المؤتمر العام للكيبوتس، الذي يضم جميع الأعضاء ويأخذ شكل اجتماع اسبوعي (عادة يوم السبت). ولكن مع هذا يبدو أن سلطة المؤتمر العام للكيبوتس لا تمتد إلا الى التفاصيل. إذ تظل القرارات الأساسية بشأن غدارة مزارع الكيبوتس وتحديد سياستها الانتاجية والاقتصادية متروكة لأمانة اتحادات مزارع الكيبوتس وتحديد سياستها الانتاجية والاقتصادية متروكة لأمانة اتحادات مزارع الكيبوتس بالاشتراك مع امانة الاحزاب التي تنتمي اليها. وتضوع هذه القرارات موضع التنفيذ داخل الكيبوتس من خلال فئة صغيرة من الأفراد يتناوبون المراكز القيادية فيما بينهم. ولعل هذا يفسر انصراف الأعضاء عن حضور مثل هذه المؤتمرات التي من المفروض أن تكون لها كل السلطة. ولذا نجد أن السلطة داخل الكيبوتس تتركز في يد السكرتير العام للمؤتمر والمدير الاقتصادي. ومن أشكال المساواة المتطرفة في الكيبوتس، المساواة بين الرجل والمرأة، فيقوم الجميع بالأعمال اليدوية نفسها، شاقة كانت أم هيّنة. وقد بلغ البعض في تطرفه أنه أنكر على المرأة حقها في التزين، لأن هذا من شأنه أن يخلق الحواجز والتفرقة بين الرجل والمرأة. وقد نجح الكيبوتس الى حد كبير في إعداد الكثير من النساء للقوات المسلحة الاسرائيلية، وإن كان معظمهن يقمن بأعمال ادارية، مثل الأعمال الكتابية والتمريض في الميدان، ويبتعدن عن المهام القتالية. وهذا الحديث عن المساواة والديمقراطية يجب ألا يعمينا عن حقيقة الكيان الصهيوني التسلطية العنصرية. فالمساواة قد تكون أمراً مطبقاً داخل أسوار الكيبوتس، وحتى هذا أمر مشكوك فيه، ولكنها لا تتعداه على الإطلاق، إذ يظل محظوراً على العرب (بل على اليهود الشرقيين الذين جاءوا من بلاد عربية) الانضمام لهذه الكيبوتسات، فهي شأنها شأن الجيش الاسرائيلي، مؤسسة اشكنازية (يهودية غربية بيضاء). ومن المفاهيم الأخرى التي تستند اليها حركة الكيبوتس (شأنها في هذا شأن الحركة التعاونية الصهيونية)، مفهوم العمل العبري الذي يذهب الى أن اليهودي كي يشفي نفسه من طفيليته الجيتوية ومن ضعفه وخوره، لابد أن يعمل بيديه، وأن الأمة اليهودية لن تصبح أمة بمعنى الكلمة إلا إذا ضمّت في صفوفها عمالاً وفلاحين. ومن هنا يصبح العمل اليدوي الطريقة التي يولد بها اليهودي الجديد ليحل محل يهودي الجيتو القديم. ولكن العمل اليدوي، شأنه شأن الجوانب الأخرى للحياة في الكيبوتس، هو رد فعل للظروف في فلسطين والنسق الصهيوني الفكري. فالصهيوني الذي يعمل بيديه سيشفي نفسه من أمراضه الهامشية والطفيلية (وهذا هو الجانب العقائدي) ولكنه ين يضطر الى استئجار العرب، وبالتالي سيتمكن من طردهم (وهذا هو الجانب العملي). ولكن لا الجماعية ولا العمل اليدوي نجحا في جعل الكيبوتس مشروعاً اقتصادياً ناجحاً، إذ ظل الكيبوتس في الماضي والحاضر جزءاً من الاقتصاد الاستيطاني الذي يعتمد بالدرجة الأولى على التمويل الخارجي. والكيبوتس لا يختلف كثيراً عن الدولة الصهيونية التي تعتمد على المعونات الخارجية. وكما أن الدول العظمى تموّل اسرائيل، نجد أن الوكالة اليهودية تدعم المستوطنات وتمولها، ويأخذ هذا الدعم اشكالاً مختلفة، فالمساحات الشاسعة التي حصل عليها الكيبوتس (وهي رأسماله الثابت الأساسي)، حصل عليها دون مقابل عن طريق الاغتصاب من العرب، وهو لا يدفع عنها سوى ايجار زهيد للوكالة اليهودية. وتنال الكيبوتسات معاملة مفضلة من حيث الاعفاء من الضرائب وتقديم المساعدات والهبات المالية والقروض المعفاة من الفوائد او بفوائد منخفضة. وتوفر الدولة والمصادر الصهيونية الرسمية الوقود والأسمدة والكهرباء والمياه، كما يوجد سعران متفاوتان لمياه الري، واحد يطبّق على العرب والآخر يطبق على يهود مزارع الكيبوتس. هذا بالإضافة الى الاجراءات الخاصة التي تتخذ لحماية مستوطنات الكيبوتس والتسهيلات الائتمانية التي تمنح لها، أي أن اكتفاء مزارع الكيبوتس الذاتي الذي تروج له بعض المراجع الصهيونية، يشبه من بعض الوجوه اكتفاء اسرائيل الذاتي الممول. وإذا كانت الدول العظمى تموّل اسرائيل وتدعمها حتى تحولها الى قاعدة عسكرية لا تملك اسباب البقاء بمفردها، فإن الحركة الصهيونية تمول المستوطنات والكيبوتسات للسبب نفسه، إذ كلما ازداد التمويل والدعم، ازداد اعتماد المستوطنات والمستوطنين على المؤسسة الصهيونية. وبالتالي يصبح التمويل من قبيل التكبيل، إذ حينما ينضم الاسرائيلي الى احدى المستوطنات فهو لا يدفع شيئاً حقاً، ولكن تنفق عليه اموال باهظة (نفقات تعليم وإسكان وخلافه)، ولذلك يصبح من العسير عليه الانسحاب من المشروع الذي انضم اليه.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:24 am | |
| الكيبوتس وتحولاته الجوهرية إذا كان الكيبوتس هو المجتمع الصهيوني مصغراً ومبلوراًن فأزمته هي ايضاً ازمة هذا المجتمع مصغرة ومتبلورة. والتحولات التي طرأت عليه هي تعبير مصغر متبلور عن التحولات التي طرأت على العقيدة الصهيونية. وفكرة الكيبوتس الاصلية كانت قائمة على أن مصلحة الجماعة أهم من مصلحة الفرد. ولكن مع تصاعد معدلات العولمة والاستهلاكية، وبعد عام 1967 بدأت النزعات الفردية في التطور، وبدأت الجماعة تفقد اهميتها واصبحت الاولوية للفرد على حساب الجماعة.
وثمة مظاهر كثيرة لتحولات الكيبوتس وللأزمة التي يواجهها يمكن أن نذكر منها ما يلي: 1ـ المرأة: الحركة الكيبوتسية -كما أسلفنا- أن تقضي على بعض المؤسسات الاجتماعية الانسانية ـ مثل الزواج والأسرة بحجة أنها مؤسسات بورجوازية قديمة بالية، وأن (التقدم) يتطلب ان نطرحها جانباً. بل إن كثيراً من الكيبوتسات حاولت ان تلغي الفروق بين الرجل والمرأة حتى يتم (تحرير) المرأة تحريراً كاملاً، ولذلك تم توزيع العمل بين الأعضاء بغض النظر عن الأساس الجنسي، واصبح من الممكن ان يوكل للمرأة أي عمل او وظيفة. ومما ساعد على هذا الاتجاه ان تنشئة الاطفال الجماعية، بعيداً عن نفوذ الوالدين (أعفى) المرأة من وظيفة الأمومة، وهي الوظيفة التي تعوقها في جميع المجتمعات الأخرى عن القيام بوظائف الرجال وأعمالهم. هذا البرنامج التحرري برنامج غير إنساني، ينكر الكثير من حقائق الحياة البيولوجية والنفسية التي لا مناص من قبولها. ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن اولى المشاكل التي واجهها الكيبوتس هي مشكلة المرأة التي يهدف الى (تحريرها) من سجنها البيولوجي والى (اعفائها) من أمومتها.
ولكن ما حدث أن المرأة لم تجد الخلاص في الكيبوتس، بل اصبحت من أكبر عناصر عدم الاستقرار فيه للأسباب التالية: أ ـ الاعمال اليدوية التي توكل لها شاقة ومضنية في غالب الأحيان، وهو ما يسبب لها العناء والإجهاد. ب ـ لم يتمكن الكيبوتس من تحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة بسبب العوامل البيولوجية، فالمرأة الحامل غير قادرة على القيام بالأعمال الشاقة، وكثيراً ما تترك وظيفتها وتستعصي عليها العودة اليها بسبب قيام غيرها بها، بل إن كثيراً من المناصب القيادية في الكيبوتس آلت الى الرجال لهذا السبب. ج ـ نتيجة كل هذه الظروف وجدت المرأة نفسها في قطاع الخدمات (الطبخ والتنظيف والغسيل) وهو قطاع لا ينال احترام اعضاء الكيبوتس لأنه (قطاع غير انتاجي)، ولذا تحس المرأة إحساساً عميقاً بالنقص. كما أن كثيراً من هذه الأعمال غير خلّاق ومُمل، وبخاصة إذا كان يؤدّى للغير بشكل دائم وخارج نطاق الأسرة المباشرة، ويقال إن المرأة التي تعمل في الكيبوتس في قطاع الخدمات، تقضي ثماني ساعات يومياً في اعداد الطعام او غسل الملابس. د ـ وهناك اخيراً رغبة المرأة في استرجاع أمومتها التي (تحررت) منها، وبيتها الخاص الذي (اعفيت) منه، واطفالها الذين (تخلصت) منهم. لكل هذه الأسباب نجد أن المرأة وراء المطالبة بالملكية الفردية والحياة الخاصة (وهي عكس الحياة الجماعية شبه العسكرية التي يتطلبها الكيبوتس)، بل إن كل الذكور الذين تركوا الكيبوتسات إنما فعلوا ذلك بسبب تعاسة المرأة وعدم رضاها عن اوضاعها. وهناك عدد كبير من النساء يرغبن في ترك الكيبوتس ولا يمكنهن ذلك بسبب ظروف الازواج.
2 ـ الترف: التقشف سمة من السمات الأساسية في الحياة داخل الكيبوتس، باعتباره مؤسسة عسكرية، ويظهر هذا التقشف في تحريم تملّك الافراد للارض او للآلات.وينصرف التحريم احياناً الى الأشياء الشخصية مثل الملابس. وقد كان التقشف يظهر ايضاً في اسلوب الحياة نفسها، من تحريم لتناول الطعام على انفراد الى ممارسة اية نشاطات فردية. وجو التقشف هذا يشكل اساس التنشئة الاجتماعية العسكرية، وهو تكتيك عرفه المماليك من قبل، وعرفته كل المجتمعات التي كانت تعتمد على جماعات من المحاربين المرتزقة لحماية أمنها. ولكن هذا الجانب من الحياة في الكيبوتس بدأ هو الآخر بالتآكل. فعلى سبيل المثال، بدأت تظهر الجماعات المنفصلة (للرجال والنساء)، ثم بعد ذلك الحمامات المستقلة لكل أسرة، وظهرت كذلك المطابخ المستقلة، بل أحياناً المسكن المستقل (غرفتان وصالة -في العادة- وملحق مكوّن من مطبخ وحمام). وبعض هذه المساكن مؤثث تأثيثاً فاخراً ويحتوي على ادوات ترفيه مثل الاستيريو والتليفزيون الملون. ويقال ان حمى الفيديو بدأت تكتسح اسرائيل بما في ذلك الكيبوتسات. وتجدر الاشارة الى أن هناك سيارات خاصة بالكيبوتس تقوم بنقل الاعضاء الى المدينة، وبإمكان العضو أن يحجز سيارة ليستخدمها بمفرده. وقد وصف احد الكتاب كيبوتس دجانيا عام 1986، بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيسه، فأشار الى الترف الذي لم يحلم به المؤسسون الأوائل، مثل ملاعب التنس وحمام السباحة الذي تكلّف نصف مليون دولار، وغرفة الطعام التي تكلف مليون ونصف مليون دولار. ولنلاحظ هنا أن الابتعاد عن حياة التقشف ينتج عنه نوع من الاسترخاء، ولكن الأهم من هذا أنه يفت في عضد الاتجاه الجماعي الذي يعدّ ركيزة أساسية للشخصية العسكرية. ولعل من أهم التطورات الاخرى في هذا الاتجاه (وهو تطور يعد سلبياً من وجهة نظر مؤسسي الكيبوتس وقياداته)، هو عودة الأسرة للظهور كما يتضح في عودة المسكن المستقل، وفي انضمام كثير من الأطفال الى ذويهم وقضائهم كل او معظم اوقات فراغهم في (منازلهم) او وحداتهم السكنية المستقلة، بعيداً عن المدرسة وعن مؤسسات الكيبوتس المختلفة. بل إن بعض الكيبوتسات بدأت في انشاء مساكن تشبه شقق الطبقات المتوسطة في أي بلد غربي حديث. وقد اندثرت تماماً تجربة تربية الأطفال الجماعية داخل الكيبوتس، وأغلق عنبر تربية الأطفال مستعمرة باراة، وهي آخر مستعمرة (من 250 مستعمرة) احتفظت بتقاليد التربية الجماعية للأطفال. وكان العنبر يضم 566 من الأطفال البالغين. وبذلك انتهت تجربة تربية وتعليم الأطفال داخل الكيبوتس (ويبدو أن الأسر هي التي ضغطت من أجل عودة الأطفال الى الإطار الأسري). وبينما كان تناول الطعام على انفراد يعد عودة للجيتوية اصبح الآن أمراً أكثر شيوعاً، وخصوصاً أن الصالة الملحقة بالمنزل المستقل اخذت تتحول بالتدريج الى غرفة طعام يتناول فيها أعضاء الأسرة الواحدة بعض وجباتهم اليومية (ولكن مع هذا تظل طقوس الطعام الجماعي أمراً مهماً جداً في الكيبوتس). والى جانب تقلص التقشف على مستوى الحياة الفردية، نجد أنه آخذ ايضاً في التقلص على مستوى الحياة الجماعية في الكيبوتس ككل. فيلاحظ مثلاً أن بعض الكيبوتسات لها متحف خاص بها (ونهب آثار فلسطين من الهوايات الصهيونية الأثيرة، ويُعَدُّ موشي ديان، ابن الكيبوتس، من أكبر لصوص الآثار في الكيان الصهيوني). ويوجد الآن فنانون مقيمون في الكيبوتسات، إذ وجدوا أن اسلوب الحياة في هذه المزارع الجماعية يوفر لهم الراحة والدعة المطلوبة كما أنه يوفر الأمان المالي. وبعض هؤلاء الفنانين ليسوا أعضاء في الكيبوتسات، وهذا في حد ذاته يعدّ تطوراً عميقاً ـ أن يسمح لمستوطَن صهيوني أن يعيش داخل الكيبوتس دون ان يكون عضواً فيه. ومن أشكال الرفاهية الأخرى في الكيبوتس صالونات التجميل (الكوافير) لتصفيف شعر النساء، وقيام الكيبوتس بتنظيم رحلات لزيارة المسارح والمتاحف في المدن الكبيرة. بل إن الكيبوتس يقوم بتنظيم رحلات سياحية الى الخارج لأعضائه الذين يقومون بجولاتهم داخل وخارج اسرائيل كجماعة، كما أنه يمول أعضاءه الذين يقومون بدراسات جامعية وعليا، فهم يحصلون على ما يشبه الإجازة الدراسية بمرتب. وقد نشرت احدى الصحف مؤخراً مفردات متوسط دخل عضو الكيبوتس، فبيّنت أن دخله الفعلي السنوي يضعه في شرائح المجتمع الاسرائيلي العليا. من كل هذا يمكننا أن نستنتج أن الصورة النمطية المألوفة عن حياة التقشف داخل الكيبوتسات لم تعد دقيقة، وأن اعضاء الكيبوتسات قد لا يملكون شيئاً مثل المماليك، ولكنهم، شأنهم شأن المماليك ايضاً، يرفلون في حلل النعيم، ويكوّنون في نهاية الأمر تشكيلاً طبقياً متميزاً، يتحكم في المجتمع وينعم بخيراته.
3ـ من الزراعة الى الصناعة: أشرنا الى أن الطابع الزراعي العسكري للكيبوتس ليس مجرد صفة عرضية، وانما سمة بنيوية (أي لصيقة ببنيته)، ومن هنا ايضاً فإن تحوله من الزراعة الى الصناعة يعدّ تحولاً بنيوياً عميق الدلالة، لأنه سيترك اثره في نمط الحياة داخله، وهذا ما يحدث الآن. وقد بدأ هذا التحول في اواخر الخمسينيات حينما حقق الكيان الصهيوني فائضاً زراعياً كبيراً، ووصف الكيبوتس حينئذ بأنه (عدو الدولة) اللدود، فكان على الكيبوتس حينئذ أن يتحول بالتدريج ليضمن لنفسه النجاح والبقاء الاقتصادي. وقد يكون من المفيد أن نذكر بعض الحقائق قد تعطي القارئ فكرة عن هذا التحول. ففي عام 1960 كان 30% من أعضاء الكيبوتس يعملون في الصناعة، أما عام 1970، فقد بلغت نسبتهم 45% وتزيد النسبة الآن عن 50%. ولم تعد مزارع الكيبوتس (مزرعة جماعية) وانما اصبحت مجموعة من المشروعات الصناعية الضخمة، تساوي ملايين الدولارات. وقد وصف مراسل الواشنطن بوست كيبوتس دجانيا بأنه (كيبوتس يديره مصنع).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:24 am | |
| وقد نجم عن هذا الانتقال تحول في طبيعة الكيبوتس ونشوء عدد من المشاكل التي لم يضعها مؤسسو الكيبوتس في الحسبان: أ ـ نظراً لطبيعة الكيبوتس الإحلالية يتحتم على الأعضاء أن يعملوا بأنفسهم، وهذا أمر مناسب لمهنة الزراعة، ولكنه غير مناسب للمشروعات الصناعية التي تتطلب أيادي عاملة وخبراء يتم تدريبهم خارج الكيبوتس في المعاهد والكليات الفنية المختلفة ولا يدينون بالولاء له. ويحاول الكيبوتس ان يحل المشكلة عن طريق الاستعانة بالصناعة الاوتوماتيكية او عن طريق مشاركة العمال الحضريين الذين يعملون في الكيبوتس دون ان يصبحوا اعضاء فيه. ب ـ نظراً لانصراف عدد كبير من اعضاء الكيبوتسات الى الأعمال الصناعية بدأت العمالة العربية الأجيرة تظهر مرة أخرى داخل الكيبوتس للقيام بالأعمال الزراعية، وهذا يعد -من وجهة نظر صهيونية- ضربة في الصميم لمفهوم العمل العبري. ج ـ انقسام العاملون في الكيبوتس الى فريقين: احدهما يعمل بالزراعة والآخر يعمل بالصناعة، وهو ما خلق كثيراً من التوترات، ومما عقّد الأمور، أن المشروع الصناعي على عكس المشروع الزراعي، يجب أن يكون حجمه كبيراً نوعاً ما، والكيبوتس كان المفروض فيه أن يظل حجمه صغيراً حتى يتسم بالدينامية وحتى تمكن ادارته ذاتياً، بل يمكن القول بأن الادارة الذاتية للكيبوتس اصبحت أمراً عسيراً جداً بعد زيادة القطاع الصناعي داخله، لأن القضايا التي يواجهها اعضاء الكيبوتس تتطلب خبرة المتخصصين، وهذا أمر غير متاح للأعضاء العاديين الذين لم يتلقوا تدريباً او تعليماً خاصاً. لكل هذا، يمكن القول بأن الانتقال من الزراعة الى الصناعة قد اضعف تماسك الكيبوتس كمؤسسة، وولّد داخلها مجموعة من التوترات التي تؤثر في مقدار فعاليتها ومدى اسهامها في الكيان الصهيوني.
4ـ من التضامن الاشتراكي الى التماسك العرقي: يبدو أن الكيبوتس رغم كل الادعاءات الطليعية والتجريبية قد بدأ يأخذ شكل العائلة الكبيرة المكتفية بذاتها او القبيلة الصغيرة المنغلقة على نفسها. وقد نشأ الكيبوتس في بداية أمره كتنظيم اشتراكي حديث، من الوجهة النظرية على الأقل، أساس التضامن فيه هو الولاء الايديولوجي، بل (هوجمت عملية تكوين وحدات عائلية، بدعوى أن تضر بوحدة المجتمع). وفسر الاتجاه الجماعي في الكيبوتس على أنه تعبير عن المثل الاشتراكية التي تنطلق منها هذه المؤسسة الزراعية / العسكرية. ولكن رغم نقطة الانطلاق هذه فإن الطبقية والظروف السياسية والتاريخية فعلت فعلها، وازدادت العائلات وتوسعت، وتحول الكيبوتس الى جماعة منغلقة، يتزاوج افرادها فيما بينهم. فيلاحظ ان الزيادة الطبيعية طوال الخمسين عاماً الماضية هي المصدر الأساسي للزيادة في عدد سكان الكيبوتسات، أما الاستيعاب الاجتماعي من الخارج فيشكل الآن ظاهرة هامشية. وفي الوقت الحاضر يعيش قرابة 9% من سكان الكيبوتسات في مستوطنات قامت قبل عام 1950، ووصلت الى الجيل الثالث والرابع. فالمجتمع الكيبوتسي قد أصبح (مجتمعاً عائلياً متوارثاً) ـ (مجتمعاً طبيعياً) ـ (مجتمعاً متعدد الأجيال)، أي أن الكيبوتس لا يستند الى التضامن العقائدي والاشتراكي المزعوم، وانما الى التضامن العائلي او القبلي او الجيتوي (الصهيوني). بل يبدو أن الأطر الايديولوجية الاولى لم تكن سوى ستار كثيف يغطي (قرابة الدم بين اليهود) التي كانت بمنزلة الملاذ الحقيقي، أما هؤلاء الذين لم يؤمنوا بقرابة الدم هذه، فقد خرجوا الى صفوف الاشتراكية الليبرالية او الماركسية في صيغة انسانية عامة او الى مواطنة العالم، ولم يصلوا الى الكيبوتس، أي أن انغلاق الكيبوتس العائلي (وربما الجيتوي) على نفسه لم يكن تطوراً عرضياً وانما كان امراً كامناً منذ البداية، وكانت الصهيونية (الدموية)، أي التي تستند الى قرابة الدم، اساس بقائه الحقيقي رغم ادعاءاته الاشتراكية الصاخبة.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:26 am | |
| الكيبوتس وعلاقته بالمجتمع الاستيطاني ثمة عوامل اخرى تخص علاقة الكيبوتس ككل مع المجتمع الاستيطاني في فلسطين المحتلة أدّت الى ازمته وعزلته. 1ـ قيام الدولة الصهيونية: من المعروف ان عدد الكيبوتسات لم يزد كثيراً بعد عام 1948، بل انخفض عدد سكان الكيبوتسات بالنسبة لعدد السكان في الكيان الاستيطاني من 7.1% عام 1947 الى 3.7% عام 1962، وقد زاد عدد سكان الكيبوتسات قليلاً بعد ذلك التاريخ، ولكن مع هذا لا يمكن القول بأن الكيبوتس استعاد ما كان له من جاذبية وبريق. ويقال إنه بانتهاء مرحلة الاستيطان الأولى (حتى عام 1948) انتهى دور الكيبوتس وتحول الى مؤسسة لا تتمتع بمركزيتها السابقة، وأصبح دورها مقتصراً على اعضائها وحسب. كما يقال إن اعضاء الكيبوتس لم يعودوا رواد الاستيطان وطليعة التجمع الاستيطاني، كما كانوا من قبل، وانما هم عاملون بالصناعة ومديرو اعمال صناعية ومستهلكون مترفون. إن الكيبوتس باختصار ـ حسب هذا الرأي ـ لم يعد سوى مجرد جيب خاص، مغلق على نفسه، ولم يعد يعبّر عن الآمال الصهيونية. فالكيبوتس قبل عام 1948 كان أداة الاستيطان والاستيعاب الكبرى، ثم حلت الدولة الصهيونية محل الكيبوتس في أداء كلتا الوظيفتين بعد عام 1948. فالاستيلاء على الأرض العربية تقوم به المؤسسة الصهيونية الحاكمة من حكومة وشرطة ومخابرات وأجهزة قمعية أخرى، وبخاصة الجيش الذي أوكلت اليه مهمة القتال وقمع أية محاولات عربية لاسترداد الأرض (وإن كانت عملية الاستيطان قد ظلت تابعة للوكالة اليهودية، قبل انشاء الدولة وبعده، فهي التي تقوم بتمويلها، ولكن الذي اختلف هو أدوات التنفيذ، إذ حل محل الارهاب الكيبوتسي الارهاب الحكومي، الذي يشكل الكيبوتس جزءاً منه وحسب). وهذا القول ينطبق على استيعاب المهاجرين، اذ أصبحت هناك اجهزة حكومية خاصة أوكلت لها هذه المهمة. وقد أثبت الكيبوتس بالذات عدم كفاءته في المهمة الاستيعابية، حيث إنه مؤسسة متماسكة لها قيمها الخاصة واحساسها بمكانها ومكانتها، بينما كان المتوقع منها كمؤسسة استيعابية أن تفتح ذراعيها لكل المستوطنين الجدد بغض النظر عن انتمائهم العقائدي او العرقي، وهو الأمر الذي رفضه المهيمنون على الكيبوتس باعتبار أنه سيفقده تماسكه وشخصيته المستقلة والفريدة، ومكانته الخاصة. ولعل من أهم العوامل التي أدّت الى تآكل مكانة الكيبوتس وصول الليكود برئاسة بيجن ومن بعده شامير الى السلطة عام 1977. فمن المعروف أن الكيبوتس كان تابعاً دائماً للصهيونية العمالية التي يمثلها المعراخ العمالي الذي حكم الكيان الصهيوني منذ تأسيسه حتى عام 1977. وعندما كانت الأحزاب العمالية في الحكم وكانت معظم قياداته مثل بن جوريون وبيريس ورابين من أبناء الكيبوتس، كانت الكيبوتسات تتمتع برعاية الدولة ومعوناتها وتسهيلات اخرى عديدة، وهو امر لم يستمر بطبيعة الحال مع صعود الليكود الى الحكم.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:26 am | |
| 2ـ الأزمة الاقتصادية: الكيبوتس يعتمد في تمويله على المؤسسة الصهيونية، فهو ليس استثماراً اقتصادياً، ومع هذا يلاحظ ارتباك احواله المالية (وإن كان يجب ألا نفصل ذلك عن الوضع الاقتصادي المتردي بشكل عام في الكيان الصهيوني). ويبدو أن الكيبوتسات، شأنها شأن كثير من المؤسسات والأفراد في المجتمع الصهيوني، قد دخلت حلبة المضاربات (وأعمال الجيتو الهامشية الطفيلية).فقد تراكمت على مر السنين ارباح الكيبوتسات، ولكن بدلاً من اعادة استثمارها في الاقتصاد بشكل انتاجي، راح اعضاء النخبة الاشتراكية في اسرائيل يبحثون عن الارباح السريعة والثروة الفورية عن طريق المضاربات وشراء السندات، حتى اصبح هذا النوع من الاستثمار يشمل ثلث دخل الكيبوتسات (وهكذا ينتقل الكيبوتس من الزراعة الى الصناعة ومن الصناعة الى سوق الاوراق المالية ـ والطفيلية والهامشية).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:26 am | |
| 3ـ عزلة الكيبوتس البنيوية والثقافية: من المشاكل الرئيسية التي يواجهها الكيبوتس في الوقت الحالي ازدياد عزلته وانفصاله عن المجتمع الصهيوني، وهو ما يزيد تآكل مكانته. والكيبوتس بحكم تكوينه خلية مغلقة، يتبع نمط حياة مستقلة يختلف عن نمط الحياة المحيط به في عديد من الوجوه، رغم أنه يبلور تقاليد هذا المجتمع ويخدم أهدافه. والكيبوتس في هذا يشبه طبقة المماليك الذين كانوا ينشئون في خلايا اجتماعية مغلقة، يتعلمون ويتدربون على حمل السلاح في عزلة عن المجتمع، رغم أنهم الطبقة المحاربة الأساسية وربما الوحيدة فيه. ويمكن القول بأن اتجاه الكيبوتس التدريجي نحو الصناعة قد يؤدي به، في نهاية الأمر، الى الامتزاج بالمجتمع الصهيوني، ولكن يبدو أن حركة الكيبوتسات شيّدت مؤسستها الصناعية المستقلة التي تقوم بتمويل المشروعات الصناعية الكيبوتسية وتسهيل التعامل بين القطاعات الصناعية الموجودة في كل كيبوتس، ولذا نجد أن القطاع الصناعي في الكيبوتس منغلق على نفسه، منفصل اقتصادياً عن بقية البيئة، شأنه في هذا شأن الكيبوتس نفسه. وانفصال الكيبوتس ثقافياً امر واضح للجميع، ويقال إنه اصبح يشكل الآن ثقافة مستقلة داخل اسرائيل، فأطفال الكيبوتس يذهبون الى مدارس خاصة بهم منذ الطفولة الى ان يبلغوا الثامنة عشرة من العمر، وحتى بعد أن يذهبوا الى الجامعة ويتخرجوا فيها، فهم يحتفظون بانفصالهم وتميزهم. وكما بيّنا في جزء سابق كان اعضاء الكيبوتس يتبعون نمط حياة مترفاً يختلف عن نمط حياة بقية اعضاء المجتمع الصهيوني، الأمر الذي يعمق من عزلته الحياتية والثقافية. إن الكيبوتس كخلية صهيونية طليعية تحوّل الى تشكيل ثقافي طبقي قبلي (او عائلي) مستقل، ومن هنا ازدادت عزلته وتآكلت مكانته.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:27 am | |
| 4ـ انحسار الايديولوجية الصهيونية واثرها على الكيبوتس: ولكن لعل العنصر الأساسي المؤثر في الكيبوتس وهو العنصر الذي بدأ يغيّر توجهه وأهدافه بعمق، هو انحسار الايديولوجية الصهيونية تدريجياً، التي بدأت تتحول من كونها دليلاً للعمل لأعضاء التجمع الصهيوني الى محط سخريتهم. وقد أشرنا في مدخل سابق الى أن الشحنة العقائدية الأولى التي دفعت الصهاينة الى الاستيطان في فلسطين في ظروف صعبة جداً، كانت تخفي قدراً كبيراً من العلاقات التقليدية وقرابة الدم ـ او ما يمكن تسميته ايضاً (الانغلاق الجيتوي)، وأن الحديث عن الأممية والأخوة الإنسانية كانت من قبيل الديباجات التسويغية. ومهما كان الأمر، فإن هذه الديباجة التي كانت تجعل الصهيوني مقاتلاً شرساً قد استنفدت او فترت الى حد كبير، ولم يعد الدافع العقائدي واضحاً، ولم تعد الديباجة الاشتراكية الصهيونية هي المهيمنة او حتى الغالبة على هذا المجتمع الصهيوني الصغير او على المجتمع الصهيوني الكبير، كما لم تعد محل جاذبية حقيقية بالنسبة لاعضاء الجماعات اليهودية في العالم. وتتضح ازمة الصهيونية وانحسارها اكثر ما تتضح في عملية الاستيطان.فالحركة الصهيونية أصبحت غير قادرة على العثور على (يهود) لتوطينهم في المستوطنات الجديدة. ولذلك فبرغم كل الادعاءات الرنانة والبرامج الضخمة التي تهدف الى توطين الالوف، يظل كثير من المستوطنات بدون مستوطنين (بل ان مستوطنات شمال النقب هي الأخرى مهددة بفقدان مستوطنيها). والكيبوتس ليس استثناء من القاعدة، ففي أواخر السبعينات بلغت نسبة الذين يتركون الكيبوتس 50% من مجموع الرجال البالغين ومعظمهم من الأعمار بين 20 ـ 30، وهي أهم اعمار بالنسبة للكيبوتس. ومنذ الستينات اصبحت الزيادة في الكيبوتس مرهونة بالتكاثر الطبيعي هناك ومدى بقاء اعضاء الكيبوتس في مستوطنتهم، فيصل معدل الأولاد في عائلة الكيبوتس اليوم الى ثلاثة أولاد. وحتى يضمن أي مجتمع لنفسه التجدد الطبيعي للسكان فإن المطلوب أن يبلغ عدد أولاد العائلة في هذا المجتمع ما بين 2 ـ 3 اولاد. ولكن عندما تصل نسبة من يغادرون الكيبوتسات الى 50% فإن تجدد السكان هناك يحتاج على الأقل ما بين 4 ـ 5 اولاد للعائلة الواحدة. ويؤدي هذا الوضع الى زيادة اليأس بين أعضاء الكيبوتس، وهو ما يؤدي بدوره الى زيادة ترك الكيبوتس ومغادرته ـ أي أن الأزمة السكانية التي تهدد المشروع الصهيوني الاستيطاني قد وجدت طريقها الى الكيبوتس. ويظهر انحسار الصهيونية ايضاً في تغيير دوافع الاستيطان وديباجته، فبدلاً من الحديث عن بناء الوطن القومي وتطبيع الشخصية اليهودية والذوبان في الشعب اليهودي، تقوم الوكالة اليهودية بمحاولة جذب للمستوطنين عن طريق التوجه لدوافعهم المادية النفعية، فتدفع آلاف الدولارات لبناء مستوطنات مريحة مترفة، مكيفة الهواء، فيها مستشفيات ورياض اطفال، ويقوم الجيش الصهيوني بحراستها، وتمهد لها الطرق الخاصة بعيداً عن مراكز تجمع العرب. ويقال إن الاستيطان يمثل الآن أكبر اسباب استنزاف الخزانة الاسرائيلية (ذلك (الصنبور الذي لا يغلق) على حد قول احد المعلقين السياسيين في اسرائيل).في مثل هذا الجو يصبح الكيبوتس غريباً، وشيئاً مرفوضاً لأن المستوطن الصهيوني الجديد ذا التوجه المادي النفعي لا يحترم كثيراً قيم الكيبوتس التقشفية المملوكية، وهو ما يؤدي الى مزيد من تآكل مكانة الكيبوتس. ولكن، لا يمكن عزل الخلية عن الجسم الأكبر، ولذا وجدت هذه القيم النفعية الفردية طريقها الى الكيبوتس. ومن أهم المشاكل التي يواجهها الكيبوتس في الوقت الحاضر انسحاب كثير من اعضاء الكيبوتسات للعمل خارجها نتيجة ضعف الإيمان بالمبادئ والقيم الصهيونية التي تأسست عليها الكيبوتسات. والسبب الرئيسي لترك الكيبوتس الذي يذكره معظم المغادرين هو (أن الموازنة الشخصية لم تعد كافية لتمويل النفقات اليومية)، أي أن النموذج الفردي النفعي الذي تصور مؤسسو الكيبوتس أنهم بإمكانهم القضاء عليه آخذ في تأكيد نفسه. ويجب ألا ننظر الى مظاهر التحول المختلفة، التي طرأت على الكيبوتس، الواحد بمعزل عن الآخر، فتآكل مكانة الكيبوتس وعزلته لا تمكن رؤيتها بمعزل عن زيادة الترف داخله او عن تحوله من التضامن الاشتراكي الى التضامن العرقي.ولا تمكن رؤية العنصر الأخير بمعزل عن انتشار الرؤية النفعية الفردية في المجتمع الصهيوني وداخل الخلية الكيبوتسية وانحسار الايديولوجية الصهيونية عنهما، فهذه جميعاً ليست سوى جوانب مختلفة تعبّر عن الظاهرة نفسها.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:27 am | |
| 5ـ اليهود الدينيون والكيبوتس: لابد أن نشير ابتداء الى أن ثمة تياراً الحادياً علمانياً شاملاً شرساً وقوياً داخل الحركة الصهيونية يحارب كل الأديان وضمن ذلك الديانة اليهودية نفسها.وأن الحركة الكيبوتسية التي ولدت في أحضان الصهيونية العمالية، كانت إلحادية التوجه منذ بدايتها ترفض اليهودية قلباً وقالباً. ولا يزال هذا هو الحال في معظم الكيبوتسات. وقد كتب احد الاسرائيليين المؤمنين باليهودية خطاباً لجريدة الجيروساليم بوست يستنكر فيه أن المتطوعين اليهود الذين أتوا من الخارج محرّم عليهم ممارسة شعائرهم الدينية داخل الكيبوتسات، وأن مدارس الكيبوتس تعلّم الاطفال أن ارتداء التيفلين (شال الصلاة عند اليهود) عادة من مخلفات العصور الوسطى. وقد رد عليه أحد أعضاء الكيبوتسات في العدد نفسه وأخبره أن الكيبوتسات مؤسسة علمانية شاملة، وأن المتطوعين الذين يأتون للكيبوتسات عليهم ألا يتوقعوا من المزارع الجماعية أن تغير اسلوب حياتها، وأن تقدم له خدمات تعليمية تتصل بعقائد وعادات (أي الدين اليهودي) تقع خارج نطاق طريق الحياة التي يقبلها اعضاء الكيبوتس. إن الحركة الصهيونية كانت ولا تزال في أساسها حركة علمانية شاملة ومع ذلك أخذ الاتجاه الصهيوني الديني في التعاظم، وبخاصة منذ عام 1967. وقد عبّر هذا عن نفسه على شكل تزايد الديباجات الدينية في الكيان الصهيوني. ولكن الأهم من هذا هو أن الحركة الاستيطانية التوسعية لم تعد حكراً على الصهيونية العمالية، بل على العكس اصبحت الجماعات شبه الدينية مثل جوش ايمونيم وحركة اسرائيل الكبرى، هي وحدها المطالبة بالاستمرار في الاستيطان. ولذا اصبحت العمود الفقري والقوة المحركة للحركة الاستيطانية ككل، ومعظم المستوطنات التي انشئت في الضفة الغربية مستوطنات صهيونية دينية، تؤمن بضرورة تبني الأشكال الدينية اليهودية (دون مضمونها الخلقي او الروحي).
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:28 am | |
| 6ـ اليهود الشرقيون والكيبوتس: ومما يزيد عزلة الكيبوتس أنه بالدرجة الأولى مؤسسة إشكنازية، والحركة الصهيونية قد بدأت اساساً كحركة اشكنازية تتوجه الى يهود الغرب، ولم تحاول قط قبل 1948، أن تهجّر يهود البلاد العربية من السفارد الشرقيين. بل إن آرثر روبين عالم الاجتماع الصهيوني، قال إن اليهودي ـ حسب تصوره ـ هو الإشكنازي فحسب، أما السفاردم فهم ليسوا يهوداً على الإطلاق، أو على الأقل لا نصيب لهم في المشروع الصهيوني. ولذلك حينما اُعلن قيام الدولة الصهيونية عام 1948 لم تكن دولة يهودية وإنما إشكنازية بالتحديد، ولكن مع هجرة اليهود العرب والسفاردم من البلاد العربية مثل العراق واليمن ومصر والمغرب، تحوّل التركيب السكاني في الدولة الصهيونية واصبحت غالبية سكانها من الشرقيين. ولكن الكيبوتس مع هذا احتفظ بتركيبه الحضاري الإشكنازي. ورغم أنه مؤسسة استيطانية واستيعابية، إلا أنه لم يضم في صفوفه سوى يهود إشكناز ولم يستوعب سوى القادمين من الغرب. وإن حدث أن انضم بعض الشرقيين الى عضوية أحد الكيبوتسات فإنهم عادة ما يعانون من العزلة والتفرقة العنصرية. ولعل أكبر دليل على مدى عزلة الكيبوتس عن المجتمع الصهيوني ككل ان 50%من اليهود الشرقيين ممن استطلع رأيهم، اشاروا الى أنهم لم يروا في حياتهم أحد الكيبوتسات. ولعل الأمر لو توقّف عند الجهل بالكيبوتس لأصبح بالإمكان تنظيم حملة اعلامية للتوعية، ولكن من الواضح أنه اصبح مكروهاً لا من الاسرائيليين العاديين وحسب وإنما من أعضاء تجمع المعراخ ايضاً، أي من اليمين واليسار. أما بالنسبة لليسار فأعضاؤه يرون الكيبوتس مؤسسة (نخبوية) تتكون من (ارستقراطية ملاك الأراضي) و(رأسماليين اجتماعيين)، بل ومستغلين للطبقة العاملة. أما بالنسبة للكراهية من اليمين، سواء من أثرياء الإشكناز أم فقراء السفارد والعرب اليهود، فهي شاملة. وفي محاولة تفسير هذه الظاهرة يُقال إن الرأي الشائع في بيسان (المدينة التي درس موقف سكانها من الكيبوتس) هو أن الكيبوتسات استولت على خير الأراضي في فلسطين المحتلة، وأنها تحصل على القروض والتسهيلات الائتمانية.وأن هذا لا يترك الكثير للمدينة. بل إن سكان المدينة ككل يرون أن وجود الكيبوتس يعوقها عن أي تطور او توسع، لأن الأرض المجاورة للمدينة، مجالها الحيوي إن صح التعبير، تابعة للكيبوتس. ويشكو أثرياء المدينة بالذات من أن وجود الكيبوتس جعلهم غير قادرين على شراء منازل (فيلات) خارج نطاق المدينة. أما الفقراء فيرون أن الكيبوتس يتمتع بمستوى معيشي راق (حمامات سباحة، تلفزيونات ملونة ـ طمأنينة مالية) ولذا فهم يطلقون على الكيبوتس اصطلاح (اسرائيل الجميلة) أي (اسرائيل الثرية). ويشير سكان بيسان الى أن فرص العمل في الكيبوتس في الوظائف المهمة مغلقة دونهم، ولا يوجد سوى العمالة اليدوية الرخيصة، ومعظم سكان بيسان من المغرب. وقد سافر الأثرياء المتعلمون منهم الى فرنسا، ولم يهاجر الى اسرائيل سوى الفقراء ومن لم يحصلوا على قدر عال من التعليم. ولذا، فإن علاقة الكيبوتس بالمدينة هي علاقة السيد بالخدم. وفي الوقت الذي يعاني فيه سكان المدينة من البطالة يتمتع سكان الكيبوتس بالعمالة الكاملة. ويعبّر سكان المدينة عن سخطهم على مدارس الكيبوتس الممتازة الموصدة دون ابنائهم ويرون ان نظام التعليم الكيبوتسي المستقل لا يسهم إلا في تعميق الهوة بين ابناء (الشعب الواحد). وإذا كانت العلاقة بين مدينة بيسان والكيبوتس المجاور لها علاقة نمطية متكررة فيمكننا القول بأن حركة الكيبوتسات تمر بأزمة حقيقية، وأن معمل تفريخ المزارعين / المقاتلين لم يعد يلعب دوره السابق في الكيان الصهيوني.وبدأت تظهر اجيال جديدة من أبناء الكيبوتسات ينضمون الى حركات الاحتجاج داخل المجتمع الصهيوني ويتعاطون المخدرات بشراهة ويرفضون التطوع للخدمة العسكرية، الأمر الذي يشكل أزمة حقيقية بالنسبة للتجمع الصهيوني.
|
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 9:29 am | |
| 7ـ رفض الخدمة العسكرية: لوحظ في الآونة الأخيرة أن ثمة تغيرات عميقة قد طرأت على موقف اعضاء الكيبوتسات من الخدمة العسكرية ومن موقفهم العسكري تجاه الدولة الصهيونية. وفي محاولة تفسير هذا الوضع يشير بعض المحللين الى أزمة الكيبوتس وعوامل الصراع داخله. فالكيبوتس كما قلنا مؤسسة عسكرية / زراعية تتسم بالجماعية والتقشف وتهدف الى تفريخ الجنود الصهاينة. ولذلك حينما تبدأ المرأة داخل الكيبوتسات المطالبة باستعادة دورها كأم وكزوجة، وحينما تطالب بإرجاع الأسرة كمؤسسة فإنها بذلك تمثل تحدياً للتوجه العسكري العام للكيبوتس الذي يحاول عزل الفرد عن العلاقات الأسرة حتى يصبح محارباً كاملا. والشيء نفسه ينطبق على زحف مظاهر الترف على الكيبوتس من اجهزة تليفزيون ملونة الى رحلات للخارج، فالترف هو الآخر يصيب الروح العسكرية بالتراخي، كما أن تحول الكيبوتس من الزراعة الى الصناعة يعني تحوله الى مؤسسة صناعية تعتمد على العمل الأجير، بحيث يتحول عضو الكيبوتس من فلاح يمارس العمل اليدوي ويزداد خشونة واعتماداً على النفس الى مدر أعمال يأنف من العمل اليدوي ويغرق في الأعمال الذهنية! والأيديولوجية الصهيونية نفسهاـ كما أسلفنا ـ آخذة في التآكل، وبدأ يحل محلها ايديولوجية فردية، حيث يضع المواطن الصهيوني مصلحته فوق مصلحة الوطن. وقد انعكس كل هذا على سلوك اعضاء الكيبوتس نحو ابناء المجتمع الذي يعيشون فيه، اذ يلاحظ زيادة الفردية بينهم والرغبة في التعبير عن الذات، وخصوصاً أن الكيبوتس يعاني من العزلة في مجتمع معظم توجهاته الآن استهلاكية ترفية.ولذا فعضو الكيبوتس الذي يؤثر مصلحته الشخصية على مصلحة المجتمع ككل إنما يبيّن أنه ابن المجتمع، مجتمع الكيبوتس الصغير والمجتمع الصهيوني الكبير.ويربط بعض المراقبين بين هذه الاتجاهات الفردية وبين زيادة هجرة اعضاء الكيبوتس من اسرائيل. وفي مجال تفسير ظاهرة العزوف عن الخدمة العسكرية يمكن القول بأن الجيل الجديد لم يعد مشغولاً بمشكلة (أمن) اسرائيل انشغال الأجيال السابقة، وخصوصاً أنه اصبح يرى المجتمع الصهيوني بنفسه وقد تحول الى مجتمع توسعي بشكل صريح له مطامح استعمارية واضحة. إن اكذوبة (جيش الدفاع الاسرائيلي) (الاسم الرسمي للجيش الصهيوني) لم يعد من الممكن تقبلها، فهذا الجيش الدفاعي يصول ويجول في لبنان ويرسل قذائفه لضرب المفاعل الذري في العراق، ويتحدث رؤساؤه عن أمن اسرائيل الذي يمتد من باكستان الى المغرب وعن إعادة رسم حدود العالم العربي بما يتفق والمخطط الصهيوني ويقوم أبناؤه بكسر عظام المنتفضين. كما أن هذا المواطن الاسرائيلي عضو الكيبوتس، قرأ الكثير من الحقائق عن الإرهاب الصهيوني، ورأى بنفسه على شاشة التليفزيون ومن خلال وسائل الإعلام الأخرى، المذابح الصهيونية في صبرا وشاتيلا وقانا، وهي مذابح يصعب وصفها بأنها دفاعية. كما أن المجتمع الصهيوني بادعاءاته الديموقراطية عن نفسه يسمح بإدارة كثير من المناقشات العلنية عن الحرب وأسبابها، وهو أمر يولد شكوكاً عديدة في نفوس المستوطن الصهيوني. وأخيراً لا يمكن أن ننسى عاملاً اساساً وهو أن هذا المستوطن الصهيوني في حالة حرب دائمة مع العرب منذ عام 1882، العام الذي وطئت فيه أقدام اجداده من المستوطنين ارض فلسطين، وهي حرب لم يخمد لها أوار، بل ازدادت اشتعالاً، رغم أن وقّع عدة (معاهدات سلام). لكل هذا نجد أن ثمة تصدعات في جدار الكيبوتسات العسكري الصارم، وأنها لم تعد معمل تفريخ الجندي الصهيوني كما كانت من قبل. هذا الإطار يفسر موقف كثير من أعضاء الكيبوتسات الذين يرفضون الذهاب الى القتال، بل يرفضون المؤسسة العسكرية الصهيونية برمتها، وينضمون الى حركات الرفض. وهم يتحدثون عن دعاة الحرب باعتبارهم (الكولونيلات) (وهي كلمة لها ايحاءات سلبية، إذ تشير الى الدكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية او الى حكومة الضباط في اليونان في منتصف السبعينات، الذين يعتنقون العسكرية والغزو). وقد أفصح بعض أعضاء الكيبوتس عن مخاوفهم من (أن يموتوا دونما هدف) في لبنان (فهي ليست حربنا، إذ فرضها علينا بيجن وشارون فرضاً). وهذا الموقف الرافض يعبر عن نفسه من خلال اغنية شائعة في الكيبوتسات الآن تقول: اشرب وصاحب النساء.. فغداً سوف تذهب هباء. وحتى لا نتصور ان اعضاء الكيبوتسات جميعاً قد اصبحوا فجأة من الرافضين او أنهم ينادون بالعدالة والانسحاب من فلسطين، يجب أن نذكّر أنفسنا ببعض الحقائق وهي أن 20% من كل الضباط الجدد في الجيش الاسرائيلي هم من اعضاء الكيبوتس، وأن 83% من شباب الكيبوتس ينضمون للوحدات الخاصة.فالكيبوتسات لا تزال مؤسسة عسكرية صهيونية تحمل لواء الاستيطان والاغتصاب. ولكن بسبب اهميتها وحيويتها ومركزيتها فإن أي تغير قد يطرأ عليها (حتى ولو كان صغيراً) وأية أزمة تواجهها (مهما كانت ابعادها) تعدّ أمراً بالغ الخطورة والأهمية.
|
|
| |
| الفصل العاشر: الاستيطان والاقتصاد | |
|