فـاطـمـــــة
بنت رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-
أم أبيها
فاطمة بنت رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، -ورضي الله عنها-.
نسبها ومولدها
إنها فاطمة بنت رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- رضي الله عنها وأرضاها، تكنى بأم أبيها، لأنها كانت شديدة الشبه بأبيها رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
أصغر بنات النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- وأحبهن إليه.
جمعت الخير والشرف، وصاحبت أشرف نسب.
وهي سيدة نساء العالمين.
أبوها: هو أفضل خلق الله تعالى، وهو خاتم الأنبياء والرسل، محمد بن عبد الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
أمها: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها.
زوجها: أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو أمير المؤمنين ابن عم رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولداها: سيدا شباب أهل الجنة، وهما: الحسن والحسين رضي الله عنهما وأرضاهما.
وعمها: سيد الشهداء، وأسد الله، وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
لقبت بالزهراء لأنها كانت مشرقة الوجه.
وكنيتها: أم أبيها لأنها كانت شديدة الشبه بأبيها رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
مولدها: ولدت فاطمة بمكة، وقريش تجدد بناء الكعبة، وذلك قبل النبوة بخمس سنين، والنبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- ابن خمس وثلاثين.
فاطمة أحب الناس إلى رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-. سأل جعفر وعلي وزيد رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: من أحب الناس إليك؟ قال: "فاطمة".
أتى النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- ملك وقال: "إن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة".
قال رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. إلا ما كان من مريم بنت عمران".
وقال رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون".
هجرتها رضي الله عنها للمدينة:
عندما هاجر رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- إلى المدينة لِيُكَوِّنَ هناك دولة الإسلام، وتكون موطن هجرته، هاجر على أثره ابن عمه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وكان قد تمهَّل ثلاثة أيام في مكة ريثما يؤدي الودائع عن النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- والتي كانت عنده للناس.
ولقيت السيدة فاطمة رضي الله عنها في هجرتها هذه مع أختها أم كلثوم بعض المتاعب والصعاب مع صغر سنهما.
وقام بعض مشركي قريش بمطاردتهما، منهم الحويرث بن نقيذ بن قصي.
قال ابن هشام:
وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ابنتي رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- من مكة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث بن نقيذ فرمى بهما إلى الأرض.
وكانت فاطمة رضي الله عنها نحيفة الجسم مع صغر سنها، وكانت قد أنهكتها الأحداث التي كانت في مكة،
ولم ينسَ رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- للحويرث فعلته هذه رغم مرور السنوات، لأنه كان يؤذي الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ففي العام الثامن للهجرة ذكر رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- للصحابة بعض المشركين الذين كانوا يؤذون الله ورسوله، بأن يقتلوهم حتى لو وجدوا معلقين بأستار الكعبة، ومن ضمنهم الحويرث بن نقيذ.
وأمَّا الحويرث بن نقيذ فكان علي بن أبي طالب أحق الصحابة بقتله فقتله علي بن أبي طالب.
زواج علي -رضي الله عنه- من فاطمة رضي الله عنها:
لَمَّا بلغت فاطمة رضي الله عنها سِنَّ الخامسة عشرة تزوَّجت بابن عمها علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- في السنة الثانية من الهجرة، وبنى بها عقب غزوة بدر الكبرى، فصبرت معه على الفقر والجوع والتعب والمشقة.
ولَمَّا زَوَّجَ رسولُ الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- عليًّا فاطمة كان فيما جهزها به سرير مشروط (مُشَرَّطَاً بالشُّرُطِ) ووسادة من أدم (جلد) حشوها ليف، وتور من أدم (إناء يشرب فيه) وقربة.
قال علي -رضي الله عنه- لقد تزوَّجتُ فاطمة، وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه بالنهار.
وكان النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يُصبَّرهما فيصبران، ويعلمهما فيتعلمان.
وكان رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يحبها ويكرمها، ويؤذيه ما يؤذيها.
عن المسور بن مخرمة، قال رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "إن فاطمة بضعةٌ مني وأنا أتَخَوَّفُ أن تُفتن في دينها وإني لست أحَرّمُ حلالاً ولا أحِلُّ حراماً ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل واحد أبدا".
وعنه، "إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يُطَلِّقَ ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعةٌ مني يُريبني ما أرابها ويُؤذيني ما آذاها".
وعن الزبير، أن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- قال: "إنما فاطمة بضعةٌ مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها".
وأرسل رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال: "هؤلاء أهلي": قالت: فقلت: يا رسول الله أفما أنا من أهل البيت؟ قال: "بلى: إن شاء الله -عز وجل-".
وصَحَّ عن النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- أنه جلل فاطمة وعلياً وحسناً وحسيناً بكساءٍ وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي. اللهم فاذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نظر النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: "أنا حَرْبٌ لِمَنْ حاربكُم، وسِلْمٌ لِمَنْ سالمكُم".
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "لا يبغضنَّ أهلَ البيت أحَدٌ، إلا أدخلهُ اللهُ النَّارَ".
وطعن الشيعة في أهل البيت الذين يَدَّعُونَ حُبَّهُمْ كَذِبَاً وزُورَاً، فكذبوا على علي -رضي الله عنه-.
فاطمة سيدة نساء أهل الجنة:
في حديث حذيفة الطويل، أن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- قال: "إن هذا مَلَكٌ لم ينزل إلى الأرض قط هذه، الليلة استأذن ربه أن يُسَلِّمَ عَلَيّ، ويُبَشِّرُنِي بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".
وقد عرف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، هذا الفضل للسيدة فاطمة رضي الله عنها.
تقول عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها".
كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها أحب النساء إلى النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بعد عائشة وخديجة، وكانت أحب بناته إليه.
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: كان أحب النساء إلى رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "فاطمة ومن الرجال علي".
وكانت رضي الله عنها تتحمَّل الفقر، وتُكابد صعوبة الحياة، وكانت في شِدَّةِ العناء وشظف العيش.
أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرَّحَى في يدها وأتى النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- سَبْيٌ فانطلقت فلم تجده ولقيت عائشة فأخبرتها فلَمَّا جاء النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، تقول فاطمة رضي الله عنها: فجاء النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "على مكانكما"، فقعد بيننا حتى وجدتُ برد قدمه على صدري، ثم قال:
"ألا أعلمكما خيراً مِمَّا سألتما إذا أخذتما مضاجعكما: أن تُكَبّرَا اللهَ أربعاً وثلاثين وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين وتحمداه ثلاث وثلاثين فهو خيرٌ لكما من خادم".
وفي رواية:
أن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- قال لعلي وفاطمة رضي الله عنهما: "إذا أويتما إلى فراشكما أو إذا أخذتما مضاجعكما فَكَبِّرَا ثلاثاً وثلاثين وسبّحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين".
وفي رواية:
"سَبِّحَا أربعاً وثلاثين".
وفي رواية
"وكَبِّرَا أربعاً وثلاثين".
قال علي: فما تركته منذ سمعته من رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، قيل له: ولا ليلة صِفِّينْ، قال: ولا ليلةُ صِفِّينْ".
وفي رواية:
"أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها" الحديث.
"ليلة صفين":
هي ليلة الحرب المعروفة بصفين وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام.
قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى-:
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية وَقَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ: بلغنا أنه مَنْ حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يُعانيه من شغل وغيره.
وكانت رضي الله عنها أشد شبهاً بأبيها رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيتُ أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبَّلها، ورَحَّبَ بها، وكذلك كانت هي تصنع به".
وعنها أيضاً قالت: كنا أزواج النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- اجتمعنا عنده لم يغادر منهن واحدة، فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، فلَمَّا رآها رَحَّبَ بها، قال "مرحباً بابنتي....".
وقالت -أي عائشة رضي الله عنها-: كنت جالسة عند رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، فجاءت فاطمة رضي الله عنها تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- فقال: "مرحباً بابنتي، فأجلسها عن يمينه أو عن يساره، ثم أسَرَّ إليها شيئاً فبكت، ثم أسَرَّ إليها شيئاً فضحكت أيضاً". فقلت لها: ما يُبكيكِ، فقالت: ما كنت لأفشي سِرَّ رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حُزن، فقلت لها: حين بَكَتْ أخَصَّكِ رسولُ الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بحديثه دوننا ثم تبكين، وسألتها عَمَّا قال؟ فقالت: ما كنت لأفشي سِرَّ رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- حتى إذا قُبِضَ سألتها، فقالت: إنه كان حَدَّثنِي إن جبريل كان يُعارضه بالقرآن كل عام مَرَّةً، وإنه عارضه به في العام مرتين، ولا أراني إلا قد حضر أجلي، وإنَّكِ أولُ أهلي لُحُوقاً بِي، ونِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ، فبكيت لذلك، ثم إنه سَارَّنِي، فقال: ألا تَرْضِينَ أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمَّة، فَضَحِكْتُ لذلك".
وبعد ستة أشهر لَحِقَتْ سيدة نساء أهل الجنة -رضي الله عنها- بسيد أهل الجنة -صلّى اللهُ عليه وسلّم- على الإطلاق.
ورأت فاطمة رضي الله عنها ما برسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- من الكرب الشديد الذي يَتَغَشَّاهُ، فتأثَّرت لذلك تأثُّراً شديداً.
فعن أنس -رضي الله عنه- قال: لَمَّا ثَقُلَ النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- جعل يَتَغَشَّاهُ العرق، فقالت فاطمة -عليها السلام-: واكرب أبتاه، فقال -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: "ليس على أبيكِ كَرْبٌ بعد هذا اليوم"، فلَمَّا مات -عليه الصلاة والسلام-،
قالت:
يا أبتاه! أجاب رباً دعاه.
يا أبتاه! جنة الفردوس مأواه.
يا أبتاه! إلى جبريل ننعاه.
وقالت بعد دفنه -صلّى اللهُ عليه وسلّم-: يا أنس: كيف طابت أنفسكم أن تَحْثُوا التُّرَابَ على رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-.
قال ابن الأثير -رحمه الله تعالى-:
وما رؤيت فاطمة رضي الله عنها ضاحكة بعد وفاة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- حتى لَحِقَتْ بالله عزوجل، ووجدت عليه وجداً عظيماً.
أبو بكر -رضي الله عنه- يسترضي فاطمة -رضي الله عنها-:
عن عروة بن الزبير: أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أخبرته: "أن فاطمة -رضي الله عنها- ابنة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- أن يقسم لها ميراثها مِمَّا ترك رسولُ الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- مما أفاء اللهُ عليه، فقال أبو بكر: إن رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- قال: "لا نُوَرَّثْ ما تركنا صدقة"، فغضبت فاطمة بنت رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- ستة أشهر، قالت: وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- من خيبر وفدك، وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لستُ تاركاً شيئاً كان رسولُ الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يعمل به إلا عملتُ به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ، فأمَّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس وأمَّا خيبر وفدك فأمسكها عمر، وقال: هما صدقة رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- ينفذ لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى مَنْ وَلِيَ الأمر، قال: فهما على ذلك إلى اليوم".
قال الحافظ ابن حجر:
وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة -عليها السلام- على هجر أبي بكر، وقد قال بعض الأئمة: إنما كانت هجرتها انقباضاً عن لقائه والاجتماع به، وليس ذلك من الهجران المُحَرَّمِ لأن شرطه أن يلتقيا فيُعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة -رضي الله عنها- لَمَّا خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحُزنها ثم بمرضها.
وأمَّا سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تَمَسَّكَ به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: "لا نورث"، ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع أن تورث عنه، وتَمَسَّكَ أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلمَّا صَمَّمَ على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك، فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال، وأخلق بالأمر أن يكون كذلك لِمَا عُلِمَ من وفور عقلها ودينها -عليها السلام-.
وفاتها رضي الله عنها:
لحقت بالنبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بعد ستة أشهر من وفاته.
أصبحت يوم الاثنين الثاني من شهر رمضان سنة إحدى عشرة، فعانقت أهلها، ثم دعت إليها أم رافع مولاة أبيها -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، فقالت لها بصوت خافت: يا أمه، اسكبي لي غسلاً.
واغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم لبست ثياباً جدداً، ثم قالت لأم رافع: اجعلي فراشي في وسط البيت.
فلَمَّا فعلت، اضطجعت عليه واستقبلت القبلة تتهيَّأ للقاء ربها، ولقاء أبيها -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، ثم أغمضت عينيها ونامت.
وقام علي فاحتملها باكياً، ودفنها ليلاً، ثم ودَّعَهَا وعاد محزوناً.
قال الذهبي:
توفيت ليلة الثلاثاء، لثلاث خلون من شهر رمضان، سنة إحدى عشرة، وهي بنت أربع وعشرين سنة على الأصح.
تنبيه:
علم الشيعة الرافضة حُبَّ رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- لها، وإنها صاحبت أشرف نسب، فغلوا فيها، وعظموها، بل وعبدوها من دون الله تعالى، حتى وصل بهم الأمر أن يستغيثوا بها ويطلبوا منها الشفاء والولد وما شابه ذلك، وهي منهم براء.
قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ).
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).
الفوائد
1- فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.
2- أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، -رضي الله عنهن-.
3- فاطمة أحَبُّ النساء إلى النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- بعد عائشة وخديجة، وكانت أحَبُّ بناته إليه.
4- التكبير والتسبيح والتحميد قبل النوم أفضل من خادم، كما عَلَّمَ رسولُ الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- علياً وفاطمة رضي الله عنهما ذلك، ومَنْ حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياءٌ ولا تعبٌ من شُغْلٍ وغيره، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
5- جواز القيام للضيف وللداخل، كما كان رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يقوم لفاطمة ويجلسها بجانبه.
6- كان جبريل عليه السلام يُعَارِضُ رسولَ الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- القرآن في العام مَرَّةً، وعارضه في العام الذي قُبِضَ فيه مَرَّتَيْنِ.
7- كلمة السَّلف تعني رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، ومَنْ تبعه، كما قال رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- لفاطمة: ونِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ.
8- النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم- يُبَشِّرُ فاطمةَ بأنها أسرع أهله لُحُوقاً به.
9- تبشير فاطمة رضي الله عنها بأنها سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين.
10- ويُستفاد منه كذلك عدم المُغالاة في المُهُور، وتيسير الزواج ليكون فيه البركة والسعادة.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في خطبته:
"يا أيها الناس لا تُغَالُوا في مهر النساء، فإنها لو كانت مكرمة لم يكن منكم أحَدٌ أحق بها، ولا أولى من النبي -صلّى اللهُ عليه وسلّم-، ما أمهر واحدةً من نسائه، ولا أصدق من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، والأوقية أربعون درهماً، فذلك ثمانون وأربع مائة درهم، وذلك أغلى ما كان رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- أمهر، فلا أعلم أحداً زاد على أربع مائة درهم.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
والقصد في المهر أحَبُّ إلينا واستحب أن لا يزيد في المهر على ما أصدق رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
فَمَنْ دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله -صلّى اللهُ عليه وسلّم- اللواتي هُنَّ خَيْرُ خلق الله في كل فضيلة، وهُنَّ أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو جاهل أحمق وكذلك صداق أمهات المؤمنين، وهذا مع القدرة واليسار، فأمَّا الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة.ا.هـ.