المقدّمــة Aaoco11
المقدّمــة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنّ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وبعد:
فإنّ كل مسلم مخلص يجد نفسه مرتبطاً برسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الفضل في إيصال الإسلام إلى الناس كافة فهو الذي بواسطته جاء الوحي بشقيه القرآن والسُّنَّة إلى البشر أجمعين، يأخذون منهما منهج السعادة في الدنيا والآخرة.

وقد أراد الله -سبحانه وتعالى- بفضله ومنّه الخير لي إذ جعلني من طلاب العلم الذين يدرسون العلوم الشرعية، وبالأخص علوم القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية اللذين هما مصدرا الإسلام الأساسيان.

وهذه نعمة من نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى: ((وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)) [النحل: 18].

وأشكر الله على ذلك آملاً في المزيد.

((لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)) [إبراهيم: 7].

وقد ازداد هذا الخير بأن مكّنني الله من الاستمرار في نفس التخصص في مرحلة الدراسات العليا حيث قبلت بالدراسات العليا الشرعية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى فرع الكتاب والسُّنَّة في بلد الله الحرام الذي تهوى إليه أفئدة المؤمنين من أنحاء المعمورة تحقيقاً لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام كما حكى لنا القرآن الكريم: ((رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)) [إبراهيم: 37].

وهذه نعمة أخرى أحمد الله سبحانه وتعالى عليها وأشكره وأنا راض سعيد، حيث ازدادت صلتي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحققت أمنيتي بالاستمرار في هذا الطريق الحبيب.

ولمّا حان موعد كتابة رسالة الماجستير لم أجد أفضل من أن أعيش مع صاحب الرسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله أسوة وقدوة للمؤمنين ليقتدوا به. حيث يقول سبحانه: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)) [الأحزاب: 21].

وقد عشت مع هذا الأمل ووفقني الله لاختيار موضوع: (التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ضوء الكتاب والسُّنَّة) عساي أن أوضح هذا الجانب الهام الذي يحتاج إليه البشر عموماً والمسلمون على وجه الخصوص.

وأهمية كل دراسة ترتبط بموضوعها، وبذلك يأخذ موضوعي هذا أهمية كبرى لتعلقه بأسلوب التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وتعاليمه حياً وميتا.

فلقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحق للناس جميعاً، يدعوهم للهدى، ويوجههم للخير، ويحرص على تحقيق المصلحة يقول تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)) [سبأ: 28].

ويقول تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً)) [الأحزاب: 45-46].

ويقول تعالى: ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [الشورى: 52].

ويقول تعالى: ((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [التوبة: 128].

ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فضل على أمته، فلقد بلغهم الوحي ونصحهم وأتم لهم الدين وكمل لهم الرسالة وأدى الأمانة المكلف بها من قبل الله على أتم وجه بشهادة الصحابة في حجة الوداع حينما قال لهم أثناء خطبته بوادي عرنة يوم عرفة قال: (وأنتم مسؤولون عنّى فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلغت وأديت ونصحت.

فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها(1) إلى الناس: اللهم أشهد اللهم أشهد) ثلاث مرات(2).

وقد منّ الله على المؤمنين ببعثه صلى الله عليه وسلم فيهم معلماً ومزكياً ورسولاً يأخذهم إلى طريق الفوز والنجاة.

يقول تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [آل عمران: 164].

يقول بعض المفسرين: (اعلم أنّ بعثة الرسول إحسان من الله إلى الخلق، ثم أنّها لمّا كان الانتفاع بالرسول أكثر كان وجه الإنعام في بعثه الرسل أكثر.

وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت مشتملة على الأمرين:
أحدهما: المنافع الحاصلة من أصل البعثة.
الثاني: المنافع الحاصلة بسبب ما فيه من الخصال التي ما كانت موجودة في غيره.

أما المنفعة بسبب أصل البعثة فهي التي ذكرها الله تعالى في قوله: ((رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)) [النساء: 165].

وأمّا المنافع الحاصلة بسبب ما كان في محمد صلى الله عليه وسلم من الصفات فأمور ذكرها الله تعالى في هذه الآية) (3).

والخصال التي تشير إليها هذه الآية هي: أنّه صلى الله عليه وسلم من أنفسهم لا من غيرهم من الأجناس الأخرى من الأمم ولا من المخلوقات الأخرى كالملائكة وأنّه يبلغ إليهم الوحي ويزكيهم من كل مخلفات الجاهلية من عبادة الأصنام والأوثان ويعلمهم القرآن والسُّنَّة مع أنهم كانوا قوماً أميين كما تشير إليه آية أخرى وهي قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)) [الجمعة: 2].

وكما منّ الله تعالى على المؤمنين ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فيهم، وجههم إلى ضرورة التأدّب معه وذلك يتم بعدة وجوه تشير إليها الآيات التالية: يقول تعالى: ((وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [الحشر: 7].

ويقول تعال: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)) [الحجرات: 1].

ويقول تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ)) [الحجرات: 2].

ويقول تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب: 56].

ويقولى تعالى: ((لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)) [النور: 63].

ومجمل الآيات يوضح مسؤولية المسلم إزاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية الطاعة العملية والاعتقاد القلبي والسلوك الخلقي والكيفية التي يجب على المسلم أن يتعامل بها مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع شرعه حيّاً وميّتا.

وعلى الجملة أهمية الموضوع تنحصر فيما يلي:
أولاً: أنّ المسلم يجد نفسه مرتبطاً برسول الله صلى الله عليه وسلم بذكره آناء الليل وأطراف النهار -فهو يشهد له بالرسالة في كلمة التوحيد وفي التشهد وفي الأذان ويصلي عليه في الصلوات المكررة كل يوم ويراه في كل عبادة وحياة المؤمن كلها عبادة وحيث أنّ الأمر كذلك فهو في حاجة إلى أن يعرف مقام رسول الله بحق حتى يتأدب معه بطريقة مشروعة وبمنهج مثاب عليه.

ثانياً: هنالك من الناس من يغفل عن التأدب مع رسول الله -عن جهل أو عن تقصير- ويحتاج هذا الأمر إلى بيان كيفية التأدب مع رسول الله لكي يلتزم المقصر باقتناع ويصحو الغافل بعلم.

ثالثاً: وهناك فريق من المسلمين يغالون في التأدّب مع الرسول ويتصورون المغالاة ديناً، ولذا وجب أن يحدد الأدب المشروع بدليله الصحيح لتبطل المغالاة، ويستقيم الناس على الحق والصواب.

رابعاً: ظهرت بعض مذاهب منحرفة تدَّعي حُبَّ الرسول والتوجه إليه بأدب، وتخترع في سبيل ذلك شرائع وعقائد بقصد تشويه تعاليم الإسلام الصحيحة، وصرف المسلمين عن حقيقة الإسلام وتطبيقاته، وهذا أمر يحتاج إلى التصدي بالعلم وبالأدلة الصحيحة من الكتاب والسُّنَّة ليتبين الرشد من الغي ويحيا مَنْ يحيا عن بيّنة، ويضل مَنْ يضل عن بينة كذلك.

خامساً: الأدب مع الرسول بصورة عامة من القضايا التي يحتاج إليها كل مسلم في كل عصر ومصر، ولذا فإن جمعه في مؤلف واحد يوضح الطريق وييسر الاستفادة أمر يستحق الاهتمام وخاصة في عصرنا الحاضر المليء بالنظريات الهدامة.

ولتحقيق تلك الأهداف التي أشرت إليها اتبعت منهجاً علمياً يعتمد على الأسس التالية:
(أ) قسّمت الموضوع إلى أبواب وفصول ومباحث حسب ما تتطلبه الدراسية وعلى ضوء التسلسل العلمي السليم.
(ب) في كل مبحث أبيّن المراد منه ثم أوضّح آراء العلماء فيه.
(ج) أورد أدلة كل فريق من العلماء في المسائل المختلف فيها مع توجيه الأدلة نحو الرأي التي سيقت له كما ذكر العلماء أنفسهم.
(د) أعقد مناقشة بين الأدلة وذلك بمواجهة أدلة كل فريق بأدلة معارضيه.
(هـ) انتهي من المسألة ببيان الرأي الراجح مع بيان وجه الترجيح.
وقد اعتمدت على القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية وعلى عديد من المصادر والمراجع الأصلية التي لها صلة بالموضوع ككتب التفسير وكتب السُّنَّة وشروحها وكتب السيرة والمغازي وكتب الشمائل والخصائص وكتب العقيدة والفرق، وكتب الفقه وأصوله، وغيرها من الكتب.
(و) بالنسبة لآيات القرآن وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فسوف أجعلها في قوسين، واحد في بدايتها وآخر في نهايتها مع وضع نقاط في البداية إذا كان النص جزءاً ممّا قبله، وأمّا إذا كان ما بعده جزءاً منه فسوف أضع النقاط في آخر الكلام لبيان أنّ النص لم ينقل بأكمله، وأمّا إذا حذفت بعض النص من الوسط فسوف أضع النقط في الوسط للعلة نفسها بشرط أن يكون الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

وبالنسبة للنصوص المقتبسة من غير القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية فسوف أحصرها بعلامات الاقتباس "" هكذا مع وضع النقاط في مواطن الحذف التي أشرت إليها.

وكل هذا في النصوص التي لم أتعرض لها بالتصرف، وأمّا إذا أحلتها إلى أسلوبي الخاص فسوف أكتفي بالإشارة إلى مصدرها أو مرجعها في الهامش مع الذكر أني تصرفت فيها تحقيقا للأمانة العلمية.

وسوف أقوم أيضاً بعزو كل نص مقتبس إلى موضعه الأصلي وفق المنهج الآتي:

أولاً: النصوص القرآنية: أشير في الهامش إلى اسم السورة ورقم الآية.
ثانياً: أما النصوص النبوية فسوف أقوم بعزوها إلى مصادرها الأصلية مكتفياً بمصدر واحد إذا لم يكن هناك ما يقتضي ذكر أكثر من مصدر مع الإشارة إلى اسم الكتاب والباب والجزء والصفحة في الهامش.

وبالنسبة لدرجة الحديث، فسوف أذكر من نص من الأئمة على ذلك صحة وضعفاً إذا كان في غير الصحيحين لاتفاق الأمة على قبول ما ورد فيهما مرفوعاً مسنداً.

ومن ناحية أسانيد الأحاديث فلا أتطرق إلى رجالها إلا ما ورد في الباب الثالث من هذه الرسالة وخاصة أسانيد الأحاديث من طرف الخصم المرجوح مع الاكتفاء بذكر الرجل المجروح من قبل أئمة هذا الشأن لا كل الرجال في السند لحصول الغرض بواحد أو اثنين منهم في مقام التضعيف والرد بعكس ما هو مطلوب في مقام التصحيح والقبول إذ أن وجود رجل واحد في السند يكفي لرد قبول الاحتجاج بالحديث وليس العكس كما هو معلوم.

من ناحية النصوص المقتبسة من كتب المعاجم والقواميس فأذكر المادة أحياناً مع الإشارة إلى اسم الكتاب والجزء والصفحة.

من ناحية النصوص المقتبسة من المراجع والمصادر غير ما ذكرت فسوف أقوم بعزوها إلى مرجعها مع الإشارة إلى الاسم المتعارف عليه للكتاب والجزء والصفحة في الهامش وأؤخر اسم الكتاب كاملاً في ثبت المراجع مع ذكر الطبعة وتاريخها ودار النشر ومكانها إن أمكن.

بالنسبة لمؤلفي المصادر والمراجع فلا أتطرق إلى الترجمة لكل واحد بل أكتفي بذكر اسمه المشهور مع كتابه في أول وروده وأؤخر ذكر اسمه الكامل مع كتابه في ثبت المراجع إذا كان المؤلف من المشهورين أو المعاصرين، وأمّا غيرهم فسوف أضيف إلى ذلك ترجمة موجزة لهم أذكر فيها أسماءهم كاملة وتاريخ ولادتهم ووفاتهم كلما أمكن ذلك.

هذا هو المنهج الذي اتبعته مع النصوص الواردة في هذا البحث، وقد جاء مشتملاً على مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة.

ففي المقدمة: تحدثت عن أهمية الموضوع وسبب اختياري له، والمنهج الذي اتبعت في بحثه، وأهم المشاكل التي واجهتني وخطة البحث بإجمال.

وأما في التمهيد: فقد تحدثت فيه عن تعريف الأدب في اللغة وفي الاصطلاح وضرورة الالتزام بالتأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم بما جاء في القرآَن الكريم والسُّنَّة النبوية الثابتة.

وفي البالب الأول: تحدثت فيه عن أسباب قيام الأمة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت فيه نسبه الطاهر وتربيته وأهم صفاته قبل النبوة وبعد النبوة ومواقفه من المشركين المعاندين لرسالته من احتمال الأذى وعدم خضوعه لمغرياتهم، وإكمال الدين على يديه.

وفي الباب الثاني: -وهو أهم الأبواب- فقد تحدثت فيه عن أنواع الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد قسّمتها إلى ثلأثِة أنواع:
النوع الأول: الأدب القلبي -وهو ما كان محله القلب كالإيمان بنبوته- صلى الله عليه وسلم ومحبته.

النوع الثاني: الأدب القولي -وهو ما كان محله اللسان. مثل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

النوع الثالث: الأدب العملي -وهو ما كان محله الجوارح غير اللسان مثل اتباعه صلى الله عليه وسلم وتنفيذ أمره.

وفي الباب الثالث: -فقد تحدثت فيه عمّا ينافي التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان يقصد فاعله التأدب بعينه عن جهل أو تأويل أو غير ذلك مثل الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم دون مسجده وغيرها من البدع الأخرى التي تصحب ذلك أو تفعل في مسجده صلى الله عليه وسلم.

وفي الخاتمة: فقد ذكرت أهم النتائج التي توصلت إليها أثناء البحث.

ولا شك أنّ عملاً كهذا يتطلب جهداً كبيراً لإنجازه حتى يخرج إلى حيز الوجود في أكمل صورته.

وقد بذلت جهداً متواصلاً تجاه هذا البحث مع أنّي لاقيت صعوبات كثيرة وأهمها ما هو متعلق بمراجع الموضوع من بحث وتنقيب في الكتب المطبوعة وغير المطبوعة ومن تنسيق وترتيب واستنباط وغير ذلك.

وأخيراً: أسجل هنا أهم الصعوبات التي واجهتني:
(أ) لم أجد مَنْ تكلّم عن هذا الموضوع في مؤلف واحد مما كلفني مراجعة بطون الكتب التي لها صلة بهذا الموضوع من قريب ومن بعيد ككتب التفسير وكتب الحديث وشروحها وكتب السيرة والمغازي وكتب الشمائل وغير ذلك من مطبوع ومخطوط.

(ب) الذين تطرَّقوا إلى موضوع من مواضيع هذه الرسالة ينقسمون إلى فئتين:
الفئة الأولى: تذكر النصوص الواردة في المسألة من القرآن والسُّنَّة سرداً دون تعليق.
وأما الفئة الثانية: فهي على نقيض ذلك إذ تخصص كتاباً كاملاً لموضوع من مواضيع رسالتي وتتكلم عنه بالتفصيل، وحينئذٍ أجد صعوبة في استخلاص المعلومات التي تتمشى مع حجم رسالتي وخاصة المبحث الذي خصصت لتلك المسألة إذ أنّ كتاباً واحداً من تلك المؤلفات يوازي ما في هذه الرسالة أو أكثر، فما بال المبحث الذي هو جزء من فصل ضمن باب من رسالة مكونة من عدة أبواب.

(ج) بعض المراجع لهذا الموضوع ما زالت مخطوطة ولم أتمكن من الوصول إليها، ولذلك اضطررت إلى اقتباس بعض النصوص المعزوة إلى تلك المخطوطات من مراجع فرعية.

(د) بعض المراجع التي رجعت إليها واقتبست منها يعزو أصحابها بعض النصوص التي لها علاقة وثيقة بالموضوع إلى شخص غير مشهور ويذكرون كنيته أو نسبته إلى قبيلة، أو بلد دون المؤلف أو الاسم الكامل للشخص والقرن الذي عاش فيه مع أنّ هذه النسبة أو الكنية مشتركة بين عدة أشخاص عاشوا قبل صاحب ذلك المرجع أو من أقرانه، وحينئذ أجد صعوبة في الوصول إلى الشخص المقصود منهم.

----------------------------------------------
1.    ينكتها بتاء مثناة من فوق في رواية مسلم والصواب ينكبها بباء موحدة كما قال القاضي عياض ومعناه يقلبها ويرددها إلى الناس مشيراً إليهم من نكب كنانته إذا قلبها. وهكذا في شرح النووي على صحيح مسلم (8/184)، ويشهد له رواية أبي داود وابن ماجة حيث وردت فيها بالباء الموحدة. انظر سنن أبي داود، كتاب المناسك، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/85)، وسنن ابن ماجة، كتاب المناسك، باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/1025).
2.    صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-.
3.    التفسير الكبير للأمام فخر الدين الرازي (9/78).