أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52575 العمر : 72
| موضوع: رد: حبيبنا... لو عرفوك لأحبُّوك الإثنين 04 سبتمبر 2023, 1:33 am | |
| إن حبه -صلى الله عليه وسلم- يكون بتعظيمه وتوقيره واتباع سنته والدفاع عنها ونصرة دينه الذي جاء به، وبمعنى آخر أن نحبه كما أحبه أصحابه - رضوان الله عليهم -.
فمن المعلوم أن المجتمع المكي كان مجتمعـًا كافرًا فجاءه النور المبين -صلى الله عليه وسلم-، فدعا إلى الله سبحانه، ولقي ما لاقى من الصد والإعراض والأذى، وأبى أكثر الناس إلا كفورا، وفتح الله سبحانه بعض القلوب لهذه الدعوة الخالدة، ولهذا النور المبين، فدخلت مجموعة بسيطة في دين الله سبحانه، فكيف كان الحب بينهم؟
لقد بدأ هذا الحب بينهم وبين من أخرجهم الله تعالى به من الظلمات إلى النور، بينهم وبين محمد -صلى الله عليه وسلم-.
فهذه زوجه خديجة -رضي الله عنها- ومنذ اللحظة الأولى التي أبلغها فيها بنزول الوحي، هاهي تدفع -رضي الله عنها- عنه، وتثبت فؤاده بكلمات تبدو فيها المحبة، جلية، إذ تقول: "كلا والله، ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر".
ولئن كانت هذه زوجه، فانظر ما فعل أبو بكر -رضي الله عنه- يوم وقف في قريش خطيبـًا يدعوهم إلى الإسلام، وما زال المسلمون في المرحلة السرية للدعوة، وعددهم قليل، فقام إليهم المشركون يضربونهم ضربـًا شديدًا، وضرب أبو بكر -رضي الله عنه- حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه، فجاء قومه بنو تيم فأجلوا المشركين عنه وأدخلوه منزله وهم لا يشكون في موته -رضي الله عنه-، وبقي أبو بكر -رضي الله عنه- في غشية لا يتكلم حتى آخر النهار، فلما أفاق كان أول ما تكلم به: "ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" فلامه الناس.
لاموه على أن يذكر محمدًا -صلى الله عليه وسلم- في مثل هذا الموقف الذي يفترضون فيه أن يذكر نفسه، وأن يتحسر على حاله.
لاموه فما أبه لهم، وصار يكرر ذلك، فقالت أمه: "والله ما لي علم بصاحبك محمد"، فقال: "اذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه"، وكانت أم جميل امرأة مسلمة، فلما سألتها أم أبي بكر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت أم جميل حُبًّا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وحرصـًا عليه: "لا أعرف محمدًا، ولا أبا بكر" ثم قالت: "تريدين أن أخرج معك؟" قالت: "نعم"، فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر -رضي الله عنه- فوجدته صريعـًا، فصاحت وقالت: "إن قومـًا نالوا هذا منك لأهل فسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله منهم" فقال لها أبو بكر -رضي الله عنه-: "ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" فقالت له: هذه أمك تسمع"، قال -رضي الله عنه-: "فلا عين عليك منها" -أي أنها لن تفشي سرك- فقالت: "سالم هو في دار الأرقم" فقال -رضي الله عنه-: "والله لا أذوق طعامـًا ولا أشرب شرابـًا أو آتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فقالت أمه: فأمهلناه حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ عليَّ، حتى دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرقّ له رقّة شديدة، وأكب عليه يقبله، وأكب عليه المسلمون كذلك، فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي، وهذه أمي برَّةٌ بولدها فعسى الله أن يستنقذها بك من النار"، فدعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعاها إلى الإسلام فأسلمت.
أيُّ حبٍ تكنه يا أبا بكر لصاحبك؟! أما انشغلت بنفسك وجراحك ووجهك الذي تغيرت معالمه؟ لو شغلتك آلامك لما لامك أحد من العالمين، ولكن ماذا تصنع بحب ملك عليك كل جوارحك؟
إنه يحب في محمد -صلى الله عليه وسلم- الخُلق الذي طالما امتدحوه به قائلين: هذا الصادق الأمين.
إنه يحب فيه الخُلق الحسن، والرأي السديد، والعشرة الطيبة، وكل ذلك قد خبره محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهو اليوم يحب فيه إلى جانب ذلك كله النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أما خبر سعد بن الربيع -رضي الله عنه- فعجيب، حيث سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أفي الأحياء سعد أم في الأموات؟)) فخرج أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- يستطلع الخبر، فوجده في الرمق الأخير، فقال سعد: "بل أنا في الأموات، فأبلِغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عني السلام، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول لك: جزاك الله عنَّا خيرًا، ما جزى نبيـًا عن أمته"، ثم قال لأبَي: "وأبلغ قومك عني السلام، وقل لهم: إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر لكم عند الله أن يخلص إلى نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وفيكم عين تطرف"، ثم لم يبرح أن مات، فجاء أبَي بن كعب -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره الخبر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((رحمه الله، نصح لله والرسول حيـًا وميتـًا)).
ومن حب الأنصار لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رواه ابن هشام في سيرته من أنه مر -صلى الله عليه وسلم- بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظفر، فسمع البكاء والنواح على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبكى، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لكن حمزة لا بواكي له!)) فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير - رضي الله عنهما - إلى دار عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن، ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما سمع بكاءهن على حمزة -رضي الله عنه- خرج -صلى الله عليه وسلم- عليهنَّ وهنَّ على باب المسجد يبكين عليه، فقال: ((ارجعن يرحمكنَّ الله، فقد آسيتن -عزيتن وعاونتن- بأنفسكنَّ))، وفي رواية أنه قال -صلى الله عليه وسلم- لما سمع بكاءهنَّ: ((رحم الله الأنصار، فإن المواساة منهم ما علمت لقديمة، مروهنَّ فلينصرفن)).
ومما يذكر أيضـًا من هذا الحب الذي لا نهاية له حكاية تلك المرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأُحد، فلما نُعُوا لها قالت: "فما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" قالوا: "خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين"، قالت: "أرونيه حتى أنظر إليه"، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: "كل مصيبة بعدك جلل" -أي صغيرة-.
مقابلة الحب بالحب وبما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ودينه الذي جاء به هو مصدر هذا الحب، فمن البداهة أن نرى حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وكيف بادلهم حبـًا بحب، ومودة بمودة، وسأسوق في ذلك حادثة كلما ذكرتها أو قرأتها أعظمت المحب والمحبوب.
كان ذلك عقب غزوة حنين، حيث حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- في توزيعه للغنائم على أن يتألف بها من دخل في الإسلام من أهل مكة وقبائل العرب، ولذا فقد كانت معظم الغنائم بينهم، إن لم تكن كلها، ولم يجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها للأنصار نصيبـًا، فوجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم: لقي والله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة -رضي الله عنه- من الأنصار، فقال: "يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم، لما فعلت في هذا الفيء الذي أصبت، قسّمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاماً في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار منها شيء"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فأين أنتَ من ذلك يا سعد؟))، قال: "يا رسول الله، ما أنا إلا من قومي"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة)) فلما اجتمعوا أتاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: ((يا معشر الأنصار: مقالة بلغتني عنكم، وجِدَةَ عتاب وجدتموها عليَّ في أنفسكم؟ ألم آتِكم ضُلالاً فهداكم الله، وعالة -فقراء- فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟)) قالوا: بلى، الله ورسول الله أمن -أكثر نعمة- وأفضل"، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟)) قالوا: "بم نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المنّ والفضل"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أما والله لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدِّقتم: أتيتنا مكذبـًا فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلاً فآسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم فيَّ لعاعة -بقلة خضراء ناعمة- من الدنيا تألفت بها قومـًا ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبـًا -طريقـًا بين جبلين- وسلكت الأنصار شعبـًا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار))، فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم -بلوها بالدموع- وقالوا: "رضينا برسول الله قسمـًا وحظـًا".
ولئن كان هذا مع الأنصار عامة، فقد كان مع بعض المسلمين، فقد قال أحد أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمري"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض -ما يملأها حتى يطلع عنها ويسيل- كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس، ولكني تألَّفتهما ليُسلما، ووكَّلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه)).
ألا ما أعظم محمدًا -صلى الله عليه وسلم- حبيبـًا محبوبـًا، وما أعظمه مُحبـًا يضع الأمور في نصابها، ويعطي كل ذي حقٍ حقه وكل ذي قدرٍ قَدْرَه -صلى الله عليه وسلم-.
علَّم صحبه الكرام -رضوان الله عليهم- الحب بحبه لهم فأحبوه، وكان هذا الحب منهم علامة إيمانهم، وشعلة عقيدتهم، وطريقهم لرضوان ربهم.
وصدق الله العظيم إذ يقول سبحانه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران/31).
ماذا نقول بعد هذا؟ إنني أقول وبكل ثقةٍ لو ما في هذه الدنيا نعيماً إلا التلذُّذ بِحُبِّ المُصطفى صلى الله عليه وسلم لكفى المرء سعادةً أيُّما سعادة، وأقصد هنا الحُبّ الحقيقي بمتابعته وترسُّم منهجه، والعمل بِسُنَّتِهِ، والدّفاع عنها، وتبليغها للخلق، وليس حُبُّ المُبتدعة من الصوفية وغيرهم مِمَّنْ يرون حُبَّ المصطفى صلى الله عليه وسلم في التمسُّح بآثاره وإقامة الموالد المُبتدعة، والتغني بعشقه مما يربأ العاقل أن يُخاطب النبي الكريم بذلك نسأل الله لهم الهداية، فقد ضلوا وما كانوا مهتدين والحمد لله على نعمة الهداية ونسأله أن يزيدنا حُباً واتباعاً لنبينا حتى نلقاه غير مُبدّلين ولا مُغيّرين آمين.
|
|