سورة الزلزلة
سورة الزلزلة 99_io_10
عناصر السورة:
علامات القيامة، ومجازاة المطيع والعاصي

بَين يَدَيْ السُّورَة:
* سورة الزلزلة مدنية، وهي في أسلوبها تشبه السور المكية، لما فيها من أهوال وشدائد يوم القيامة، وهي هنا تتحدث عن الزلزال العنيف الذي يكون بين يدي الساعة، حيث يندك كل صرحٍ شامخ، وينهار كل جبل راسخ، ويحصل من الأمور العجيبة الغريبة ما يندهش له الإِنسان، كإِخراج الأرض ما فيها من موتى، وإِلقائها ما في بطنها من كنوز ثمينة من ذهبٍ وفضة، وشهادتها على كل إِنسان بما عمل على ظهرها تقول: عملت يوم كذا، كذا وكذا، وكل هذا من عجائب ذلك اليوم الرهيب، كما تتحدث عن انصراف الخلائق من أرض المحشر إِلى الجنة أو النار، وانقسامهم إِلى أصناف ما بين شقي وسعيد.

علامات القيامة، ومجازاة المطيع والعاصي
{إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)ي َوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه (8)}.

سبب النزول:
نزول الآية (7،8):
{فَمَنْ يَعْمَلْ..}: أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} الآية، كان المسلمون يرون أنهم لا يُؤْجَرون على الشيء القليل، إذا أَعْطَوْه، وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير: الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباه ذلك، ويقولون: إنما وعد الله النار على الكبائر، فأنزل الله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}.

وقد سَمّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ..} الجامعة الفاذّة، حين سُئِلَ عن زكاة الْحُمُر، فقال فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة: "ما أنزل الله فيها شيئاً إلا هذه الآية الفاذَّة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}".

{إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} أي إِذا حركت الأرض تحريكاً عنيفاً، واضطربت اضطراباً شديداً، واهتزت بمن عليها اهتزازاً يقطع القلوب ويُفزع الألباب كقوله تعالى: {اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} قال المفسرون: إِنما أضاف الزلزلة إِليها: {زِلْزَالَهَا} تهويلاً كأنه يقول: الزلزلة التي تليق بها على عظم جرمها، وذلك عند قيام الساعة تتزلزل وتتحرك تحريكاً متتابعاً، وتضطرب بمن عليها، ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل وشجر وبناءٍ وقلاع: {وأخرجتِ الأرضُ أثقالها} أي وأخرجت الأرض ما في بطنها من الكنوز والموتى قال ابن عباس: أخرجت موتاها وقال منذر ابن سعيد: أخرجت كنوزها وموتاها وفي الحديث (تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلتُ، ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعتُ رحمي، ويجيء السارقُ فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً) {وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا}؟ أي وقال الإِنسان: ما للأرض تزلزلت هذه الزلزلة العظيمة، ولفظت ما في بطنها؟! يقول ذلك دهشة وتعجُّباً من تلك الحالة الفظيعة: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} أي في ذلك اليوم العصيب -يوم القيامة- تتحدَّثُ الأرضُ وتُخبرُ بما عُمل عليها من خير أو شر، وتشهد على كل إِنسان بما صنع على ظهرها، عن أبي هريرة قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} فقال: (أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: اللهُ ورسولهُ أعلم، قال: فإِن أخبارها أن تشهد على كل عبدٍ أو أمَةٍ بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا، كذا وكذا، فهذه أخبارها) وفي الحديث (تحفَّظوا من الأرض فإِنها أمُّكُمْ، وإِنه ليس من أحَدٍ عاملٍ عليها خيراً أو شراً إِلا وهي مُخبرةٌ به) {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي ذلك الإِخبار بسبب أن الله جَلَّتْ عظمتهُ أمرها بذلك، وأذِنَ لها أن تنطق بكل ما حدث وجرى عليها، فهي تشكُو العاصي وتشهد عليه، وتشكُرُ المُطيع وتُثْنِي عليه، واللهُ على كل شيءٍ قدير: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} أي في ذلك اليوم يرجع الخلائق من موقف الحساب، وينصرفون متفرقين فِرَقاً فِرَقاً، فآخذٌ ذات اليمين إِلى الجنة، وآخذٌ ذات الشمال إِلى النار: {لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} أي لينالوا جزاء أعمالهم من خير أو شر: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} أي فمَنْ يفعل من الخير زنة ذَرَّةٍ من التراب، يجدهُ في صحيفته يوم القيامة ويلق جزاءه عليه قال: الكلبي: الذَّرَةُ أصغرُ النَّمْل وقال ابن عباس: إِذا وضعت راحتك على الأرض ثم رفعتها، فكلُّ واحِدٍ مِمَّا لصق به من التُّراب ذَرَّة: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} أي ومَنْ يفعل من الشَّر زنَةَ ذَرَّةٍ من التُّراب، يجدهُ كذلك ويلق جزاءه عليه قال القرطبي: وهذا مَثَلٌ ضربه اللهُ تعالى في أنه لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة ولا كبيرة، وهو مِثْلَ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}.