خاتمة: في فوائد تتعلق بالروح
لخصت أكثرها من كتاب الروح لإبن القيم
خاتمة: في فوائد تتعلق بالروح 13d19c10
1 وأخرج أخرج الشيخان عن إبن مسعود قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة وهو متكىء على عسيب فمَرَّ بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح فقال بعضهم لا تسألوه فقالوا يا محمد ما الروح؟ فما زال متكئاً على العسيب فظننتُ أنه يُوحَي إليه فقال: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا} فاختلف الناس في الروح على فرقتين فرقة أمسكت عن الكلام فيها لأنها سر من أسرار الله تعالى لم يؤت علمه البشر وهذه الطريقة هي المختارة.

2 وأخرج قال الجنيد الروح شيء إستأثر الله تعالى بعلمه فلم يطلع عليه أحداً من خلقه فلا يجوز لعباده البحث عنه بأكثر من أنه موجود وعلى هذا إبن عباس وأكثر السلف وقد ثبت عن إبن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يفسر الروح.

3 وأخرج إبن أبي حاتم عن عكرمة قال سئل إبن عباس عن الروح قال الروح من أمر ربي لا تتأولوا هذه المسألة فلا تزيدوا عليها قولوا كما قال الله تعالى وعلم نبيه: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا}.

4 وأخرج إبن جرير بسند مرسل أن الآية لما نزلت قالت اليهود هكذا نجده عندنا قلت فمسألة أبهمها الله تعالى في القرآن والتوراة وكتم عن خلقه علمها من أين للمتعمقين الإطلاع على حقيقة أمرها وقد نقل أبو القاسم القشيري السعدي في الإيضاح أن أماثل الفلاسفة أيضا توقفوا عن الكلام فيها وقالوا هذا أمر غير محسوس لنا ولا سبيل للعقول إليه قال ووقوف علمنا عن إدراك حقيقة الروح كوقوفه عن إدراك سر القدر قال إبن بطال الحكمة في ذلك تعريف الخلق عجزهم عن علم ما لا يدركونه حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه وقال القرطبي حكمته إظهار عجز المرء لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه مع القطع بوجوده كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق سبحانه وتعالى من باب أولى وقريب منه عجز البصر عن إدراك نفسه وفرقة تكلمت فيها وبحثت عن حقيقتها قال النووي وأصح ما قيل في ذلك قول إمام الحرمين إنها جسم لطيف مشتبك بالأجسام الكثيفة إشتباك الماء بالعود الأخضر الثانية إختلف أهل الطريقة الأولى هل علمها النبي صلى الله عليه وسلم.

5 فقال إبن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن صالح بن حيان حدثنا عبد الله بن بريدة قال لقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم وما يعلم الروح.

6 وقالت طائفة بل علمها وأطلعه عليها ولم يأمره أن يطلع عليها أمته وهو نظير الخلاف في علم الساعة الثالثة أكثر المسلمين على أن الروح جسم وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة لوصفها في الآيات والأحاديث بالتوفي والقبض والإمساك والإرسال والتناول والإخراج والخروج والتنعيم والتعذيب والرجوع والدخول والرضا والإنتقال والتردد في البرزخ وأنها تأكل وتشرب وتسرح وتأوي وتعلق وتنطق وتعرف وتنكر إلى غير ذلك مما هو من صفات الأجسام والعرض لا يتصف بهذه الصفات أيضا فلا شك أنها تعرف نفسها وخالقها وتدرك المعقولات وهذه علوم والعلوم أعراض فلو كانت عرضا والعلم قائم به لزم قيام العرض بالعرض وهو فاسد.

7 قال الأستاذ أبو القاسم القشيري وكون الروح من الأجسام اللطيفة في الصورة ككون الملائكة والشياطين بصفة اللطافة الرابعة الصحيح أن الروح والنفس شيء واحد قال الله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك} وقوله: {ونهى النفس عن الهوى} ويقال فاضت نفسه أي ماتت وخرجت.

8 وقال بعض أهل السنة إن الروح التي تقبض غير النفس ويؤيده ما أخرجه إبن أبي حاتم عن إبن عباس في قوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} الآية قال في جوف الإنسان نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فيتوفى الله النفس في منامه ويدع الروح في جوفه تتقلب وتعيش فإن أراد الله أن يقبضه قبض الروح فمات وإن أخر أجله رد النفس إلى مكانها من جوفه.

9 وقال مقاتل للإنسان حياة وروح ونفس فإذا نام خرجت نفسه التي يعقل بها الأشياء ولم تفارق الجسد بل تخرج كحبل ممتد له شعاع فيرى الرؤيا بالنفس التي خرجت منه وتبقى الحياة والروح في الجسد فيهما يتقلب ويتنفس فإذا حرك رجعت إليه أسرع من طرفة عين فإذا أراد الله أن يميته في المنام أمسك تلك النفس التي خرجت وقال أيضا إذا خرجت نفسه فصعدت فإذا رأت الرؤيا رجعت فأخبرت الروح وتخبر الروح القلب فيصبح ويعلم أنه قد رأى كيت وكيت.

10 وأخرج أبو الشيخ في كتاب العظمة وإبن عبد البر في التمهيد عن وهب بن منبه قال إن نفس الإنسان خلقت كأنفس الدواب التي تشتهي وتدعو إلى الشر ومسكنها في البطن وفضل الإنسان بالروح ومسكنه في الدماغ فبه يستحيي الإنسان وهو يدعو إلى الخير ويأمر به ثم نفخ وهب على يده فقال ترون هذا بارد وهو من الروح وتنهد على يده فقال هذا حار وهو من النفس ومثلهما كمثل الرجل وزوجته فإذا أبق الروح إلى النفس والتقيا نام الإنسان فإذا إستيقظ رجع الروح إلى مكانه وتفسير ذلك بأنك إذا كنت نائما واستيقظت كأن شيئا يثور إلى رأسك ومثل القلب كمثل الملك والأركان أعوانه فإذا أمرت النفس بالشر إشتهت وتحركت الأركان ونهاها الروح ودعاها إلى الخير فإن كان القلب مؤمنا أطاع الروح وإن كان كافرا أطاع النفس وعصى الروح فتنشط الأركان.

11 وأخرج إبن سعد في طبقاته عن وهب بن منبه قال خلق الله إبن آدم من التراب والماء ثم جعلت فيه النفس فيه يقوم ويقعد ويسمع ويبصر ويعلم ما تعلم الدواب ويتقي ما تتقى ثم جعلت فيه الروح فبه عرف الحق عن الباطل والرشد من الغي وبه حذر وتقدم واستتر وتعلم ودبر الأمور كلها.

12 وقال إبن عبد البر في التمهيد ذكر أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان أن عبد الرحمن بن القاسم بن خالد صاحب مالك قال النفس جسد مجسد كخلق الإنسان والروح كالماء الجاري واحتج بقوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس} الآية وقال ألا ترى أن النائم قد توفى الله نفسه وروحه صاعد ونازل وأنفاسه قيام والنفس تسرح في كل واد وترى ما تراه من الرؤيا فإذا أذن الله في ردها إلى الجسد عادت واستيقظ بعودها جميع أعضاء الجسد قال فالنفس غير الروح والروح كالماء الجاري في الجنان فإذا أراد الله إفساد ذلك البستان منع عنه الماء الجاري فيه فماتت جنانه فكذلك الإنسان قال إبن إسحاق قال عبيد الله بن أبي جعفر إذا حمل الميت على السرير كانت روحه بيد ملك يسير بها معه فإذا وضع للصلاة عليه وقف فإذا حمل إلى قبره سار معه فإذا ألحد ووري بالتراب أعاد الله نفسه حتى يخاطبه الملكان فإذا وليا عنه إختلع الملك نفسه فرمى بها إلى حيث أمر وهذا الملك من أعوان ملك الموتى. إنتهى.

13 وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في كل جسد روحان أحدهما روح اليقظة التي أجرى الله العادة إنها إذا كانت في الجسد كان الإنسان مستيقظا فإذا خرجت من الجسد نام الإنسان ورأت تلك الروح المنامات والأخرى روح الحياة التي أجرى إليه الله العادة أنها إذا كانت في الجسد كان حيا فإذا فارقته مات فإذا رجعت إليه حيي وهاتان الروحان في باطن الإنسان لا يعرف مقرهما إلا من أطلعه الله على ذلك فهما كجنينين في بطن إمرأة واحدة.
* وقال بعض المتكلمين الذي يظهر أن الروح بقرب القلب قال إبن عبد السلام ولا يبعد عندي أن يكون الروح في القلب قال ويجوز أن تكون الأرواح كلها نورانية لطيفة شفافة ويجوز أن يختص ذلك بأرواح المؤمنين والملائكة دون أرواح الكفار والشياطين ويدل على روح الحياة قوله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت} الآية ويدل على وجود روحي الحياة واليقظة قوله تعالى: {الله يتوفى الأنفس} الآية تقديره يتوفى الأنفس التي لم تمت أجسادها في نومها فيمسك الأنفس التي قضى عليها الموت عنده ولا يرسلها إلى أجسادها ويرسل الأنفس الأخرى وهي أنفس اليقظة إلى أجسادها إلى إنقضاء أجل مسمى وهو أجل الموت فحينئذ تقبض أرواح الحياة وأرواح اليقظة جميعا من الأجساد ولا تموت أرواح الحياة بل ترفع إلى السماء حية فتطرد أرواح الكافرين ولا تفتح لها أبواب السماء وتفتح أبواب السماوات لأرواح المؤمنين إلى أن تعرض على رب العالمين فيا لها من عرضة ما أشرفها إنتهى كلام الشيخ عز الدين.
* قلت وما ذكره من أن الروح في القلب قد جزم به الغزالي في كتابه الإنتصار وقد ظفرت له بحديث أخرجه إبن عساكر في تاريخه عن الزهري أن خزيمة بن حكيم السلمي ثم النميري قدم على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فقال يا رسول الله أخبرني عن ظلمة الليل وضوء النهار وحر الماء في الشتاء وبرده في الصيف ومخرج السحاب وعن قرار ماء الرجل وماء المرأة وعن موضع النفس من الجسد فذكر الحديث إلى أن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما موضع النفس ففي القلب إنقطع العرق الحديث بطوله وهذا مرسل وله طرق أخرى مرسلة موصولة في المعجم الأوسط للطبراني وتفسير إبن مردويه وكتاب الصحابة لأبي موسى المديني وإبن شاهين قال الحافظ إبن حجر في الإصابة والحديث فيه غريب كثير وإسناده ضعيف جدا الخامسة أجمع أهل السنة على أن الروح محدثة مخلوقة ولم يخالف في ذلك إلا الزنادقة وممن نقل الإجماع عن حدوثها محمد بن نصر المروزي وإبن قتيبة ومن الأدلة على ذلك حديث الأرواح جنود مجندة والمجندة لا تكون إلا مخلوقة وكذا ما يأتي في الفائدة بعده السادسة أختلف في تقديم خلق الأرواح على الأجساد وتأخيرها عنها على قولين مشهورين فبالأول قال الإمام محمد بن نصر وإبن حزم وادعى فيه الإجماع واستدل له بما أخرجه إبن منده من حديث عمرو بن عنبسة مرفوعا إن الله خلق أرواح العباد قبل العباد بألفي عام فما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها إختلف وسنده ضعيف جداً.
* وبأحاديث إخراج ذرية آدم من ظهره ومنها حديث لما خلق الله آدم مسح على ظهره فسقط منه كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة والنسمة الروح وللحاكم أيضا عن أبي بن كعب في قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك} الآية قال جمعهم له يومئذ جميعا ما هو كائن إلى يوم القيامة فجعلهم أرواحاً وصورهم واستنطقهم فتكلموا وأخذ عليهم العهد والميثاق الحديث.
* واستدل للثاني بقوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا} روي أنه مكث أربعين سنة قبل أن ينفخ فيه الروح وبحديث إبن مسعود إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح وأجيب بالفرق بين نفخ الروح وخلقه فالروح مخلوقة من زمن طويل وأرسلت بعد تصور البدن مع الملك لإدخالها في البدن السابعة ذهب أهل الملل من المسلمين وغيرهم إلى أن الروح تبقى بعد موت البدن وخالف فيه الفلاسفة دليلنا قوله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} والذائق لا بد أن يبقى بعد المذوق وما تقدم في هذا الكتاب من الآيات والأحاديث في بقائها وتصرفها وتنعيمها وتعذيبها إلى غير ذلك وعلى هذا فهل يحصل لها عند القيامة فناء ثم تعاد توفية بظاهر قوله تعالى: {كل مَنْ عليها فانٍ} أولا بل تكون من المستثنى في قوله: {إلا من شاء الله} قولان حكاهما السبكي في تفسيره المسمى بالدر النظيم وقال الأقرب أنها لا تفنى وأنها من المستثنى كما قيل في الحور العين. إنتهى.
* وفي كتاب إبن القيم أختلف في أن الروح تموت مع البدن أم الموت للبدن وحده على قولين والصواب أنه إن أريد بذوقها الموت مفارقتها للجسد فنعم هي ذائقة الموت بهذا المعنى وإن أريد أنها تعدم فلا بل هي باقية بعد خلقها بالإجماع في نعيم أو عذاب وقد أخرج إبن عساكر في تاريخ دمشق بسنده إلى محمد بن وضاح أحد أئمة المالكية قال سمعت سحنون بن سعيد وذكر له عن رجل يذهب إلى أن الأرواح تموت بموت الأجساد فقال معاذ الله هذا قول أهل البدع الثامنة إختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها إختلف فقيل هو إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد وأن الخير من الناس يحن إلى شكله والشرير يميل إلى نظيره فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير أو شر فإذا إتفقت تعارفت وإذا إختلفت تناكرت وقيل المراد الإخبار عن بدء الخلق على ما ورد أن الأرواح خلقت قبل الأجساد بألفي عام فكانت تلتقي فتتشام فلما حلت الأجساد تعارفت بالمعنى الأول فصار تعارفها وتناكرها على ما سبق من العهد المتقدم وقال بعضهم الأرواح وإن إتفقت في كونها أرواحا لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها فتتشاكل أشخاصا كل نوع يألف نوعها وتنفر من مخالفها وفي تاريخ إبن عساكر بسنده عن هرم بن حيان قال أتيت أويسا القرني فسلمت عليه ولم أكن رأيته قبل ذلك ولا رآني فقال لي وعليك السلام يا هرم بن حيان قلت من أين عرفت إسمي وإسم أبي ولم أكن رأيتك قبل اليوم ولا رأيتني قال عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك إن الأرواح لها أنفاس كأنفاس الأجساد وإن المؤمنين ليعرف بعضهم بعضا ويتحابون بروح الله وإن لم يلتقوا وأخرج الطوسي في عيون الأخبار عن عائشة رضي الله عنها أن إمرأة كانت بمكة تدخل على نساء قريش تضحكهم فلما هاجرت إلى المدينة قدمت علي فقلت أين نزلت قالت على فلانة إمرأة كانت تضحك بالمدينة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فلانة المضحكة عندكم قلت نعم قال على من نزلت قلت على فلانة المضحكة قال الحمد لله إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها إئتلف وما تناكر منها إختلف التاسعة قال إبن القيم فإن قيل بأي شيء تتمايز الأرواح بعد مفارقة الأشباح حتى تتعارف وهل تتشكل بشكل فالجواب على قاعدة أهل السنة كثرهم الله تعالى أن الأرواح ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وتذهب وتجيء وتتحرك وتسكن وعلى هذا أكثر من مائة دليل مقررة منها قوله تعالى: {ونفس وما سواها} فأخبر أنها مسواة كما قال الله تعالى عن البدن: {الذي خلقك فسواك فعدلك} فسوى بدنه كالقالب لنفسه فتسوية البدن تابع لتسوية النفس قال ومن ها هنا يعلم أنها تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها فإنها تتأثر وتنفعل عن البدن كما يتأثر البدن وينفعل عنها فيكتسب البدن الطيب والخبيث منها كما تكتسبهما هي منه قال بل تميزها بعد المفارقة يكون أظهر من تميز الأبدان والإشتباه بينهما أبعد من إشتباه الأبدان فإن الأبدان تشتبه كثيرا وأما الأرواح فقلما تشتبه قال ويوضح هذا أنا لم نشاهد أبدان الأنبياء والأئمة وهم يتميزون في علمنا أظهر تميز وليس تميزا راجعا إلى مجرد أبدانهم بل هي بما عرفناه من صفات أرواحهم وأنت ترى أخوين شقيقين مشتبهين في الخلقة غاية الإشتباه وبين روحيهما غاية التباين وقل أن نرى بدنا قبيحا وشكلا شنيعا إلا وجدته مركبا على نفس تشاكله وتناسبه وقل أن ترى آفة في بدن وفي روح صاحبه آفة تناسبها ولهذا تأخذ أصحاب الفراسة أحوال الناس من أشكال الأبدان وقل أن ترى شكلا حسنا وصورة جميلة وتركيبا لطيفا إلا وجدت الروح المتعلقة به مناسبة له قال وإذا كانت الملائكة تتميز من غير أبدان تحملهم وكذلك الجن فالأرواح البشرية أولى إنتهى ووقع في كلام الغزالي في الدرة الفاخرة أن روح المؤمن على صورة النحلة وروح الكافر على صورة الجرادة وهذا شيء لا يعرف له أصل بل وقع في حديث الصور أن إسرافيل يدعو الأرواح فتأتيه جميعا أرواح المسلمين تتوهج نورا والأخرى مظلمة فيجمعها جميعا فيعلقها في الصور ثم ينفخ فيه فيقول الرب جل جلاله وعزتي ليرجعن كل روح إلى جسده فتخرج الأرواح من الصور مثل النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيأتي كل روح إلى جسده فتدخل فتمشي في الأجساد مثل السم في اللديغ فقوله مثل النحل ليس تشبيها في الهيئة والصور بل هو في الخروج وهيئته فقط ومثله قوله تعالى { يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر } وفي لفظ هذا الحديث في تفسير جويبر فتأتي أرواح المؤمنين من الجابية وأرواح الكفار من برهوت ولهن أهدى إلى أجسادها من أحدكم إلى رحله والأرواح يومئذ سود وبيض فأرواح المؤمنين بيض وأرواح الكفار سود العاشرة.

14 أخرج إبن منده عن إبن عباس قال ما تزال الخصومة بين الناس حتى تخاصم الروح الجسد فتقول الروح للجسد أنت فعلت ويقول الجسد للروح أنت أمرت وأنت سولت فيبعث الله ملكا يقضي بينهما فيقول لهما إن مثلكما كمثل رجل مقعد بصير وآخر ضرير دخلا بستانا فقال المقعد للضرير إني أرى ها هنا ثمارا ولكن لا أصل إليها فقال له الضرير إركبني فركبه فتناولها فأيهما المعتدي فيقولان كلاهما فيقول لهما الملك فإنكما قد حكمتما على أنفسكما يعني أن الجسد للروح كالمطية وهو راكبه.

15 وأخرج الدارقطني في الأفراد من حديث أنس مرفوعا نحوه ولفظه يختصم الروح والجسد يوم القيامة فيقول الجسد إنما كنت بمنزلة الجذع ملقى لا أحرك يداً ولا رجلاً لولا الروح ويقول الروح إنما كنت ريحاً لولا الجسد لم أستطع أن أعمل شيئاً وضرب لهما مثل أعمى ومقعد وحمل الأعمى المقعد فدله ببصره المقعد وحمله الأعمى برجله وله شاهد عن سلمان موقوفاً أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ولفظه مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد قال المقعد للأعمى إني أريد ثمرة ولا أستطيع أن أقوم إليها فاحملني فحمله فأكل وأطعمه وهذا يدل على أن القلب محل الروح والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب والحمد لله رب العالمين.

ISLAMICBOOK.WS :copyright: 2022
جميع الحقوق متاحة لجميع المسلمين