فصل في التعجيل بالتوبة والندم واستدراك ما فات واغتنام ما بقي من العمر
فصل في التعجيل بالتوبة والندم واستدراك ما فات واغتنام ما بقي من العمر Ocia_715
فانتبه يا بني لنفسك واندم على ما مضى من تفريطك، واجتهد في لحاق الكاملين، ما دام في الوقت سَعةٌ، واسقِ غصنك ما دامت فيه رطوبة، واذكر ساعاتك التي ضاعت، فكفى بها عظة، ذهبَتْ لذةُ الكسل فيها، وفاتت مراتبُ الفضائل، وقد كان السلف رحمهم الله يحبون جمعَ كل فضيلة، ويبكون على فوات واحدة منها.

قَالَ إبراهيم بن أدهم رحمه الله:
دخلنا على عابدٍ مريض، وهو ينظر إلى رجليه ويبكي.
فقلنا: ما لك تبكي؟
فقال: ما اغبرّتا في سبيل الله تعالى.
وبكى آخر فقيل له: ما يبكيك؟
قَالَ: على يومٍ مضى ما صمته، وعلى ليلة ذهبَت ما قمتها.

واعلم يا بني أن الأيام تبسُطُ ساعاتٍ، والساعاتُ تبسُط أنفاسًا، وكلُ نفَسٍ خزانة، فاحذر أن تُذهِبَ نفسًا في غير شيء، فترى يوم القيامة خزانةً فارغة فتندم.

وقد قَالَ رجل لعامر بن عبد قيس: قف أكلمُك!
فقال: أمسِكِ الشمسَ.

وقعد قومٌ عند معروف [الكرخي] رحمه الله، فقال: أما تريدون أن تقوموا، فإن ملَكَ الشمس يجرُّها لا يفتُر.

وفي الحديث:
"مَنْ قَالَ سبحان الله وبحمده غُرسَت له نخلةٌ في الجنة".

فانظر إلى مضيِّعِ الساعات كم يفوته من النخل.

وقد كان السلف يغتنمون اللحظات:
فكان كَهْمَسُ [بن الحسن التميمي] يختم القرءان في كل يومٍ وليلةٍ ثلاث مرات.

وكان أربعون رجلاً من السلف يصلون الفجر بوضوء العشاء.

وكانت رابعةُ لا تنام الليل، فإذا طلع الفجر هجعَتْ هجعةً خفيفة، وقامت فزِعَةً وقالت لنفسها: النوم في القبور طويل.