صحة حديث نهي النبي الصائم عن الاكتحال
السؤال: ما صحة حديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال : " ليتقه الصائم " ؟
المجيب  عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
الأحاديث الواردة في الأمر أو النهي عن الكحل في الصوم :
ورد في هذا الباب عدة أحاديث منها ما رواه أبو داود ـ وغيره كما سأذكر ـ في 2/775 باب في الكحل عن النوم للصائم ح ( 2377 ) فقال : حدثنا النفيلي ، حدثنا علي بن ثابت ، حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة ،عن أبيه، عن جده ،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال : " ليتقه الصائم " .
قال أبو داود : قال لي يحيى بن معين : هو حديث منكر ، يعني حديث الكحل.

تخريجه :
*أخرجه أحمد 3/499 عن علي بن ثابت به بلفظ " أمر بالإثمد المروّح عند النوم " وجعله من مسند هوذة.
*وأخرجه أحمد 3/476 عن أبي أحمد الزبيري (محمـد بن عبد الله بن الزبير) ، والدارمي 1/441 ( 1684 ) ، والبخاري في " التاريخ الكبير " 7/398 ، والبيهقي 4/262 من طريق أحمد بن يوسف، ثلاثتهم (الدارمي، والبخاري، وأحمد بن يوسف) عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، كلاهما ( أبو أحمد الزبيري ،وأبو نعيم ) عن عبد الرحمن بن النعمان ،عن أبيه عن جده ولفظ الزبيري " اكتحلوا بالإثمد الروّح ، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر" ولفظ أبي نعيم نحوه إلا أن فيه قصة معبد في مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه.
وفيه ـ أي حديث أبي نعيم ـ أن عبد الرحمن بن النعمان قال : حدثني أبي، عن جدي : فهذا صريح في أن الحديث من مسند معبد لا من مسند هوذة ، والله أعلم .

الحكم عليه :
في سند أبي داود عبد الرحمن بن النعمان متكلم فيه ، وأبوه النعمان مجهول، وقد حكى أبو داود عن ابن معين أنه منكر ، وكذا أنكره الإمام أحمد كما في مسائل أبي داود (298) .
وقال الترمذي 3/105 في "الجامع" : "ولا يصح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء" ، وقال ابن القيم عن هذا الحديث "زاد المعاد" 2/63 : " ولا يصح "، وكان قال قبل ذلك 2/60 : " ولا يصح عنه في الكحل شيء " ، وقال ابن حجر ـ عن حديث الباب ـ في تعجيل المنفعة 2/333 : " وهو حديث منكر " .
وفي الباب عن أنس ،وعائشة ،وأبي رافع وغيرهم ،ونظراً لحكم هؤلاء الحفاظ على جميع أحاديث الباب بالنكارة ،فلا حاجة للإطالة في سردها ، وقد بحثت هذا الأحاديث الثلاثة ،فوجدت كلام الأئمة متفقاً مع حالها ،إذ هي من قبيل الضعاف والمناكير .

بقي أن يقال :

إن الاكتحال باقٍ على الأصل ،وهو إباحته للصائم ،لعدم الدليل المانع منه ،كما قال ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ في تبويبه لحديث أبي رافع المشار إليه آنفاً، حيث قال:"باب الرخصة في اكتحال الصائم إن صحّ الخبر، وإن لم يصح الخبر من جهة النقل ، فالقرآن دال على إباحته ، وهو قول الله عز وجل:"فالآن باشروهن" الآية، دال على إبـاحة الكحل للصائم.ا هـ، والله أعلم .


صحة حديث استياك النبي
–صلى الله عليه وسلم– وهو صائم
السؤال: ما صحة حديث : " رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم– يستاك مالا أحصي وهو صائم ".
المجيب  عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
هذا الحديث رواه أبو داود – وغيره كما سيأتي ، فقال في (2/768) باب السواك للصائم ح(2364) : حدثنا محمد بن الصبّاح ، حدثنا شريك /ح/، وحدثنا مسدد ، حدثنا يحيى عن سفيان، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه قال :" رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم – يستاك وهو صائم" ، زاد مسدد : "ما لا أعد ولا أحصي".

تخريجــه :

أخرجه (الترمذي 3/104) باب ما جاء في السواك للصائم ح(725) ، و(أحمد 3/248، 445،446) ، و(ابن أبي شيبة 2/295) ح (9148) و(الحميدي 1/77) ح (141) (ابن خزيمة 3/)248 ح(2007) ، و(البخاري ( تعليقاً ) 2/39) ، باب سواك الرطب واليابس للصائم ، عن عامر بن ربيعة – رضي الله عنه – بصيغة التمريض .

الحكم عليه :
إسناد الحديث ضعيف من أجل عاصم –كما سبق بيان حاله – ولذا قال أبو جعفر العقيلي في ( الضعفاء 3/334) – عقب إخراجه الحديث من طريق الثوري عن عاصم : " ولا يروى بغير هذا الإسناد ، إلا بإسناد لين " ا.هـ .
وقال الدارقطني عقب إخراجه الحديث (2/162) ح(2344) "عاصم بن عبيد الله غيره أثبت منه " ا.هـ وقال – كما في (إتحاف المهرة لابن حجر 6/393) "عاصم ليس بقوي " ا.هـ وقد سـقط هذا الكلام من المطبوع .
وقال (البيهقي 4/272) لما أخرجه من طريق عاصم : " عاصم ليس بالقوي " ، وفي موضع آخر قال عن عاصم 2/12 : " ضعيف " ، وقال في 10/24 : " روايات عاصم فيها ضعيف ".
وأشار ابن عبد البر إلى تضعيفه بقوله في ( الاستذكار 10/254) : " وقد روي عنه .. " ا.هـ .
وقال المنذري في ( اختصار سنن أبي داود 3/241) – عقب حكاية تحسين الترمذي – " وفي إسناده عاصم بن عبيد الله ، وقد تكلم فيه غير واحد " .
وقال ابن حجر في ( التغليق 3/159) : وأما إمام أهل الصنعة محمد بن إسماعيل فعلق حديثه بصيغة التمريض للين فيه " ا.هـ ومع ذلك فقد حسن إسناده الحافظ في ( التلخيص 1/62) .
وأما ابن خزيمة فقد قال عقب إخراجه له : " وأنا برئ من عهدة عاصم .. – ثم قال - :" كنت لا أخرج حديث عاصم بن عبيد الله في هذا الكتاب ، ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ، وهما إماما أهل زمانهما قد رويا عن الثوري عنه ، وقد روى عنه مالك خبراً في غير الموطأ "ا.هـ .
وبما سبق يعلم أن في تحسين الترمذي وابن حجر في ( التلخيص 1/62) له نظر ، والله أعلم ولم أقف على ما يشهد لما دل عليه حديث الباب من كثرة السواك للصائم إلا أنه جاء حديث عن عائشة مرفوعاً : " من خير خصال الصائم السواك " وهو حديث ضعيف ؛ لأنه من رواية مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن مسروق ، عن عائشة – رضي الله عنها – ومجالد ليس بالقوي ، وفي روايته عن الشعبي – خاصة – ضعف – كما نص عليه الإمام أحمد – رحمه الله – فينظر جملة كبيرة من أقوال الأئمة فيه في ترجمته عند العقيلي في ( الضعفاء 4/233) ولذا قال ابن حجر في ( التلخيص ) عن هذا الحديث (1/68) : " ضعيف " ولا تخلو أحاديث الباب – التي وقفت عليها – من ضعف وبعضها شديد الضعف .
وبعد : فإن ضعف الأحاديث الواردة في الباب ، لا يعني عدم مشروعية السواك للصائم ، بل المشروعية ثابتة بالأحاديث العامة التي تدل على مشروعية السواك في كل وقت كحديث :" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " أخرجه البخاري ح(887) ومسلم ح(252). وقد حكى ابن القيم – رحمه الله – استحباب السواك في كل وقت عن أكثر العلماء ، كما في (تهذيب السنن 3/241).
ولعل من المناسب هنا أن أشير إلى أشهر حديثين تمسك بهما – فيما أعلم – من كره السواك بعد الزوال :

الحديث الأول :

حديث علي وخباب – رضي الله عنهما – الذي أخرجه (البزار 6/82-83 ) ح(2138،2137) والطبراني في (الكبير 4/78 ) ح(3696) ، والدارقطني في (السنن 2/204) والبيهقي في (الكبرى 4/274) من طريق كيسان أبي عمر القصار ، عن يزيد بن بلال، عن علي – رضي الله عنه - ، وثنا كيسان عن عمرو بن عبد الرحمن ، عن خباب – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي ؛ فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كان نوراً بين عينيه يوم القيامة ".
هذا لفظ الطبراني ، وقال بعده : " لم يرفعه علي " أي: أنه موقوف على علي – رضي الله عنه – من قوله ، وهذا الحديث مداره – كما ترى – على كيسان أبي عمر القصار ، وقد ضعفه أحمد وابن معين والساجي وقال الدارقطني : "ليس بالقوي" ، كما في (تهذيب التهذيب 8/396).وقال الدارقطني – عقب إخراجه الحديث في سننه - : "كيسان أبو عمر ليس بالقوي ومن بينه وبين علي غير معروف "، ووافقه على ذلك الذهبي في تهذيبه للسنن الكبرى للبيهقي 4/1650 ح(7203)، وضعفه ابن حجر في ( التلخيص 1/62).

الحديث الثاني :
حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أخرجه (الدارقطني 2/203) ، و(البيهقي 4/274) من طريق عمرو بن قيس ، عن عطاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : "لك السواك إلى العصر ، فإذا صليت العصر فألقه ،فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : " خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " ، وفي إسناده عمرو بن قيس ، قال عنه ابن حبان في ( المجروحين 2/85) يروي عن عطاء ، وكان فيه دعابة ، ويقلب الأسانيد ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات " ، ولذا قال الذهبي في تعليقه على سنن (البيهقي 4/1650-1651) ح (7204) : " عمرو واهٍ "


صحة حديث تبييت النية للصيام

السؤال: ما صحة حديث: "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له".
المجيب  عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
حديث من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له .
أخرجه أبو داود وغيره ـ كما سيأتي ـ فقال في 2/823،باب النية في الصيام ح ( 2454 ) :
حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني ابن لهيعة ،ويحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، عن حفصة زوج النبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" .

تخريجه :
*أخرجه ابن خزيمة 3/212 ح ( 1933 ) عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، ويونس بن عبد الأعلى ، كلاهما عن عبد الله بن وهب به بنحوه .
*وأخرجه أحمد 6/287 عن حسن بن موسى الأشيب ، والطحاوي في " شرح المعاني " 2/54 ، والطبراني في " الكبير "23/206ح (367) من طريق عبد الله بن يوسف، كلاهما ( حسن، وعبد الله ) عن ابن لهيعة به بنحوه ، إلاّ أن حسن بن موسى لم يذكر ابن عمر .
*وأخرجه الترمذي 3/108 ، باب ما جاء " لا صيام لمن يعزم من الليل " ح ( 730 ) من طريق سعيد بن أبي مريم ، والنسائي 4/196 ، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة ( 2339 ) ، والدارمي 1/431 ح ( 1650 ) من طريق سعيد بن شرحبيل ، والنسائي ح ( 2332 ) من طريق شعيب بن الليث بن سعد ، كلاهما ( سعيد، وشعيب ) عن الليث سعد، والنسائي ح ( 2333 ) من طريق أشهب، وابن حبان في " المجروحين " 2/46 ، والدارقطني 2/135 ح ( 2193 ) ، والبيهقي 4/203 من طريق عبد الله بن عباد المصري ،عن المفضل بن فضالة ، أربعتهم ( ابن أبي مريم ، والليث ، وأشهب ، والمفضل ) عن يحيى بن أيوب به بنحوه إلاّ أن سعيد بن شرحبيل أسقط ابن شهاب في حديثه ، وقال المفضل في حديثه : عن يحيى بن أيوب ، عن يحي بن سعيد الأنصاري ،عن عمرة ،عن عائشة ، وفي رواية أشهب قال : عن يحيى وآخر .
*وأخرجه ابن أبي شيبة 2/292 ح ( 9111 ) ـ ومن طريقه ابن ماجه 1/542 باب ما جاء في فرض الصوم من الليل والخيار في الصوم ح ( 1700 ) ـ عن خالد بن مخلد القطواني ، عن إسحاق بن حازم ، عن عبد الله بن أبي بكر به بنحوه ، إلاّ أنه لم يذكر الزهري في حديثه .
*وأخرجه مالك في " الموطأ " 1/288 ح ( 5 ) ، ومن طريقه النسائي 4/197 ح ( 2341 ) .
والنسائي 4/197 ح ( 2337 ، 2338 ) من طريق ابن المبارك ، وعبد الرزاق 4/275 ح ( 7786 ) ـومن طريقه البخاري في " التاريخ الأوسط" 2/252 . كلاهما (ابن المبارك ، وعبد الرزاق ) عن معمر ، والنسائي 4/197 ح ( 2334 ) من طريق ابن جريج ، والنسائي 4/197 ح ( 2335 ) من طريق عبيد الله بن عمر ، والنسائي 4/197 ح ( 2338 ) من طريق ابن المبارك ، عن ابن عيينة ، والبخاري في " الأوسط " 2/253 من طريق عبد الرحمن بن إسحاق المدني، وعقيل سبعتهم ( مالك ، وابن جريج ، وعبد الله ، ومعمر ، وابن عيينة ، وعبد الرحمن ،وعقيل ) عن الزهري به بنحوه إلاّ أنهم جميعاً – سوى ابن جريج – جعلوه موقوفاً على حفصة ، ولم يذكر معمر – فيما رواه عنه عبد الرزاق – ابن عمر في حديثه ،وقال أي معمر ـ فيما رواه عنه ابن المبارك – وابن عيينة : عن ابن شهاب ، عن حمزة بن عبد الله ابن عمر ،عن أبيه عن حفصة قولها ، وزاد عقيل : وابن عمر ، وجعله مالك: عن الزهري عن حفصة وعائشة قولهما .
*وأخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " 2/55 من طريق صالح بن أبي الأخضر ، والبخاري – معلقاً – في " التاريخ الأوسط " 2/253 عن عبد الرحمن بن نمر ، كلاهما (صالح، وابن نمر) عن سالم ،عن أبيه موقوفاً عليه .
*ورواه مالك في " الموطأ " 1/288 ح ( 5 ) ، ومن طريقه النسائي 4/198 ح ( 2343 ) ، والنسائي 4/192 ح ( 2342 ) من طريق المعتمر بن سليمان، وعبد الرزاق 4/275 ح (7787)، كلاهما (المعتمر، وعبد الرزاق ) عن عبيد الله بن عمر ، وعبد الرزاق ح ( 7787 ) عن ابن جريج ، والطحاوي في " شرح المعاني " 2/55 من طريق موسى بن عقبة، أربعتهم ( مالك ، وعبيد الله ، وابن جريج ، وموسى ) عن نافع ، عن ابن عمر قوله، إلاّ أن ابن جريج وعبيد الله بن عمر – فيما رواه عنه عبد الرزاق – جعلاه عن حفصة موقوفاً عليها .

الحكم عليه :
إسناد أبي داود متصل ورجاله ثقات ، سوى يحيى بن أيوب ، فإنه صدوق ، وابن لهيعة وهو مضعّف .
وقد تبين من التخريج السابق أنه وقع اختلاف على عبد الله بن أبي بكر بن حزم في إسقاط ذكر الزهري من الإسناد ، والصواب مع من أثبته ، لأن اللذين أسقطاه هما : إسحاق بن حازم ، ويحيى بن أيوب – فيما رواه سعيد بن شرحبيل ، عن الليث بن سعد عنه – وكلاهما صدوق ، وقد خولفا : فأما إسحاق بن حازم فخلاصة حاله ما ذكره ابن حجر في التقريب ( 100 ) : " صدوق تكلم فيه للقدر " وقد خالف من هو أوثق منه ، وأما سعيد بن شرحبيل فهو " صدوق " أيضاً ، كما في التقريب ( 237 ) ، وقد خالفه شعيب بن الليث ، وابن وهب في روايتهما عن الليث ، وهما أوثق منه ، ولعلّ هــذا الاضطراب من قبل يحيى بن أيوب نفسه ، فقد سبق كلام الأئمة في حفظه ، حتى قال فيه الإمام أحمد : سيئ الحفظ .
فالمحفوظ إذن في حديث عبد الله بن أبي بكر، هو ذكر الزهري بينه وبين سالم، فيبقى الاختلاف في رفع الحديث ووقفه.
وقد ظهر من التخريج السابق أن عبد الله بن أبي بكر، ومن تابعه عن الزهري – وهو ابن جريج – قد خولفا في رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حيث رواه الأكثرون من أصحاب الزهري موقوفاً على حفصة، وبعضهم يجعله موقوفاً على ابن عمر، وبعضهم يجمع بينهما..

وهذا بيان رواياتهم ـ ملخصاً ـ :

1 – الزهري عن سالم عن ابن عمر عن حفصة موقوفاً عليها : وقد روى هذا الوجه عنه مالك ، وعبيد الله ، وعبد الرحمن بن إسحاق المدني ، وعقيل ، ويونس ،ومعمر - فيما رواه عنه عبد الرزاق - ، إلاّ أنه – أي معمر – لم يذكر ( ابن عمر ) في حديثه ، وزاد عقيل : وابن عمر مع حفصة ، وجعله مالك : عن الزهري ، عن حفصة ، وعائشة قولهما .
2 – الزهري عن سالم عن ابن عمر قوله : وقد رواه عنه صالح بن أبي الأخضر ،وعبد الرحمن بن نمر ، ويونس ،وعقيل الأيليان.

وقد تابع سالماً – فيما رواه الجماعة بجعله موقوفاً على ابن عمر أو حفصة – راويان آخران وهما :

1 – نافع ، وقد رواه عن ابن عمر موقوفاً عليه – فيما رواه عنه مالك وموسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر – فيما رواه عنه المعتمر بن سليمان - ، ورواه نافع ، عن ابن عمر ، عن حفصة موقوفاً عليها ـ فيما رواه عنه ابن جريج وعبيد الله بن عمر ـ فيما رواه عنه عبد الرزاق ـ .
2 – حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن حفصة موقوفاً عليها : وقد رواه عنه سفيان بن عيينة ، ومعمر – فيما رواه عنه ابن المبارك – عن الزهري عنه - .

ولأجل تتابع هؤلاء الحفاظ من أصحاب الزهري على رواية هذا الوجه ، فقد نصّ جماعة من الأئمة على ترجيح الوجه الموقوف ومنهم :
1 – الإمام أحمد : حيث قال : " ماله عندي ذلك الإسناد ، إلا أنه عن ابن عمر وحفصة إسنادان جيدان " ا هـ . نقله عنه الميموني ، كما في شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/183 ، وابن عبد الهادي في التنقيح 2/282 .
2 – البخاري : حيث قال في " التاريخ الأوسط " 2/253 : "غير المرفوع أصح " ا هـ .
ونقل الترمذي عنه في " العلل الكبير " (118) ح ( 202 ) أنه خطأه – أي مرفوعاً – ثم قال : "وهو حديث فيه اضطراب ، والصحيح عن ابن عمر موقوف ،ويحيى بن أيوب صدوق " ا هـ .
3 – أبو حاتم الرازي : فقد نقل عنه ابنه في " العلل " 1/225 قوله : " وقد روي عن الزهري عن حمزة عن ابن عمر عن حفصة قولها ، وهذا عندي أشبه " ا هـ .
4 – النسائي : ففي " التحفة " للمزي 11/286 أنه قال : " الصواب عندنا موقوف ، ولم يصح رفعه – والله أعلم – لأن يحيى بن أيوب ليس بالقوي ، وحديث ابن جريج ،عن الزهري غير محفوظ " ا هـ .
5 – الترمذي 3/108 : " حديث حفصة [ غريب ] لا نعرفه مرفوعاً إلاّ من هذا الوجه ، وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله ، وهو أصح ، وهكذا أيضاً روي عن الزهري مرفوعاً ، ولا نعلم أحداً رفعه إلاّ يحيى بن أيوب … " ا هـ.
6 – الطحاوي في شرح المعاني 2/55 .
7 – الدارقطني كما في " العلل " [ 5/ق 166 ] حيث قال : " رفعه غير ثابت " ا هـ .
8 – ابن عبد البر ، كما نقله عنه العنيني في " عمدة القاري " 10/305 .
9 – ابن التركماني ، كما في " الجوهر النقي " 4/202 .
10 – المزي كما في التحفة 11/285 .
11 – ابن القيم ، كما يظهر من كلامه في تهذيب السنن 3/331 .
12 – ابن عبد الهادي في " التنقيح " 2/280 .
13 – ابن كثير في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب ص (306) ح (247 ).

وقد خالف هؤلاء الأئمة آخرون فصححوه مرفوعاً ومنهم :
1 – ابن خزيمة ، - كما تقدم - .
2/3 - نقل الحافظ ابن حجر في الفتح 4/169 ح(1924 ) أن ابن حبان والحاكم صححاه ، ولم أجدهما في المطبوع من صحيحهما .
4 – البيهقي 4/202 حيث قال : " وهذا حديث قد اختلف على الزهري في إسناده ، وفي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعبد الله بن أبي بكر أقام أسناده ورفعه ، وهو من الثقات الأثبات " ا هـ .
ثم ساق طريق ابن جريج التي تابع فيها ابن أبي بكر على الرفع – وهذا – فيما يظهر ميل منه إلى ترجيح المرفوع .
5 – الخطّابي ، كما في " المعالم " 3/332 .
6 – ابن حزم في المحلى 6/161 .
7 – النووي في " المجموع " 6/289 .
فهذا ما يتعلق بالاختلاف في رفعه ووقفه ، على أن في الحديث اختلافاً أوسع من هذا لكن ما ذكرته هو غالب الخلاف فيه ،وما لم اذكره فهو عائد إليه، والله أعلم .
وأما ما يتعلق بالاختلاف في إسناده على الزهري: فقد رواه الإمام مالك ،عن الزهري ،عن عائشة وحفصة قولهما – فلم يذكر سالماً – وما رواه عن نافع ،عن ابن عمر قوله ، وتابعه عليه عبيد الله بن عمر ـ كما تقدم ـ فهذان الوجهان كلاهما محفوظ عن الإمام مالك ، إلاّ أن رواية الزهري ،عن عائشة وحفصة منقطعة ، لأنه لم يدركهما رضي الله عنهما ، ولذا قال النسائي – كما في التحفة 11/285 ـ : " أرسله مالك بن أنس " .
وأما الطريق التي رواها عبد الله بن عباد المصري عن الفضل بن فضالة ،عن يحيى بن أيوب ،عن يحيى بن سعيد الأنصاري ،عن عمرة ،عن عائشة مرفوعاً " من لم يبيت … " فلا تصلح شاهداً للوجه المرفوع، لأن هذا الإسناد مقلوب – كما قال ابن حبان – والصواب فيه :عن يحيى بن أيوب ،عن عبد الله بن أبي بكر ،عن الزهري ،عن سالم ،عن أبيه ،عن حفصة ،وآفة هذا الإسناد ،هو عبد الله بن عباد المصري ، قال عنه ابن حبان في " المجروحين " 2/46 :"شيخ يقلب الأخبار ،روى عن المفضل بن فضالة… ثم ساق الحديث السابق– ثم قال :روى عنه روح بن الفرج ،أبو الزنباع نسخة موضوعة ".ا هـ.
وحديث عائشة هذا من رواية روح عنه، وهو على ضعفه،فقد تفرد به كما قال الدارقطني .
وقد جاء حديث آخر من حديث ميمونة بنت سعد مرفوعاً بنحو حديث الباب أخرجه الدارقطني 2/136 ح (2197) لكنه من رواية الواقدي ، وهو متروك، ينظر نصب الراية 4/435.

والخلاصة مما تقدم ما يلي :
1 – أن الصواب عن عبد الله بن أبي بكر، هو إثبات الزهري بينه وبين سالم.
2 – أن الحديث اختلف في رفعه ووقفه على الزهري، وأن الراجح وقفه، لأن المتقنين لحديث الزهري والعارفين به ، رووه موقوفاً ، وهم أيضاً أكثر من الذين رفعوه ،وأن حذاق الأئمة – كما قال ابن عبد الهادي في التنقيح 2/280 – من المتقدمين على ترجيح الموقوف ، إما على ابن عمر ،أو على حفصة رضي الله عنهم ، وسند الموقوف صحيح .
3 – أن ما روي مرفوعاً في هذا الباب ،عن عائشة أو ميمونة بنت سعد ، فإنه لا يصح ، والله أعلم .


صحة حديث " ليس من البر الصيام في السفر"
السؤال: ما صحة حديث : " ليس من البر الصيام في السفر" ؟
المجيب  عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
حديث " ليس من البر الصيام في السفر" رواه عن النبي –صلى الله عليه وسلم- عدة من الصحابة- رضي الله عنهم- ، وسأكتفي هنا ببعض ما ثبت من ذلك، ومنه حديث جابر بن عبدالله – رضي الله عنه- قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في سفر فرأى زحاما، ورجلاً قد ظلل عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال: " ليس من البر الصيام في السفر ".
أخرجه (البخاري 2/44) ، باب قول النبي – صلى الله عليه وسلم- لمن ظلل عليه واشتد الحر: " ليس من البر..." (1946)، و(مسلم 2/786) ح(1115)، و(أبوداود 2/766)، باب اختيار الفطر (2407)، و ( النسائي 4/177) ح(2262)، وفي (الكبرى 2/100) ح(2570)، و(أحمد 3/299، 317، 319، 399)، و(الدارمي 1/434) ح(1661) من طرق جابر –رضي الله عنه- .


صحة حديث "من أفطر يوماً من رمضان..."
السؤال: ما صحة حديث : "من أفطر يوماً من رمضان لم يجزه صيام الدهر ، وإن صامه " ؟
المجيب  عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
هذا حديث رواه أبو داود ـ وغيره كما سأبين ـ في 2/788 ، باب التغليظ فيمن أفطر عمداً ، ح ( 2396 ، 2397 ) حدثنا سلميان بن حرب ، قال : حدثنا شعبة / ح / وحدثنا محمد بن كثير ، قال : أخبرنا شعبة ،عن حبيب بن أبي ثابت ،عن عمارة بن عمير ،عن ابن مطوس ،عن أبيه ـ قال ابن كثير : عن أبي المطوس عن أبيه ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له ، لم يقض عنه صيام الدهر "حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، حدثني حبيب ، عن عمارة ، عن ابن المطوس ، قال : فلقيت ابن المطوّس ، فحدثني ،عن أبيه ،عن أبي هريرة قال : النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل حديث ابن كثير وسليمان . قال أبو داود : واختلف على سفيان وشعبة عنهما : ابن المطوّس ، وأبو المطوّس .

تخريجه :
*أخرجه النسائي في : الكبرى " 2/245 ح ( 3282 ) وأحمد 2/380 ، وابن خزيمة 3/238 ح ( 1987 ) من طريق محمد بن جعفر المعروف بغندر ، وأبو داود الطيالسي في مسنده ص (331 ) ـ ومن طريقه : النسائي في " الكبرى " 2/245 ح ( 3283 ) ، وابن خزيمة 3/238 ح ( 1988 ) ـ،والنسائي في " الكبرى " 2/245 ح ( 3282 ) من طريق ابن علية ، وأحمد 2/386،وفي 2/458 عن بهز بن أسد، على أنه قرنه في الموضع الثاني بغندر ، والدارمي 1/436ح(1667) عن أبي الوليد الطيالسي (هشام بن عبد الملك)، وابن خزيمة 2/238 ح ( 1987 ) من طريق خالد بن الحارث،وابن أبي عدي ، والطحاوي في " شرح المشكل " 4/179 من طريق سعيد بن عامر ، ثمانيتهم (غندر ،وأبو داود ،وابن علية ،وبهز ،وأبو الوليد ،وخالد ،وابن أبي عدي ،وسعيد بن عامر) عن شعبة به بنحوه ، إلاّ أن بعضهم قال :عن ابن المطوس ،وبعضـهم قال: عن أبي المطوس ، وفي حديث أبي داود الطيالسي قال حبيب : وقد رأيت أبا المطوس ،وفي حديث سعيد بن عامر،لم يذكر عمارة بن عمير بين حبيب وأبي المطوس .
*وأخرجه الترمذي 3/101 ، باب ما جاء في الإفطار عمداً ح ( 723 ) ، والنسائي في " الكبرى " 2/245 ح ( 3279 ) ، كلاهما عن محمد بن بشار ( بندار ) ، وأحمد 2/470 ـ ومن طريقه أبو داود 2/788 ح ( 2397 ) ـ كلاهما (بندار ، وأحمد ) عن ابن مهدي ، ويحيى القطان ، إلا أن أبا داود لم يخرج حديث ابن مهدي .
والنسائي في " الكبرى " 2/244 ، ح ( 3278 ) ، وأحمد 2/470 ، من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين ، والنسائي 2/245 ح ( 3280 ) من طريق عبد الرزاق [ وهوفي مصنفه 4/198 ح ( 7474 ) ]، وأبي داود الطيالسي ، وابن أبي شيبة 2/348 ح ( 9783 ) ـ وعنه ابن ماجه 1/535 ، باب ماجاء في كفارة من أفطر يوماً من رمضان ح ( 1672 ) ـ ، وابن ماجه 1/535 ح ( 1672 ) عن علي بن محمد ، وأحمد 2/442 ، ثلاثتهم ( ابن أبي شيبة ، وعلي ، وأحمد ) عن وكيع ، وأحمد 2/470 عن يزيد بن هارون ، والدارمي 1/435 ح ( 1666 ) عن محمد بن يوسف الفريابي ، ثمانيتهم ( ابن مهدي ، والقطان ، ابو نعيم ، وعبد الرزاق ، والطيالسي ، و وكيع ،ويزيد ،والفريابي ) عن سفيان الثوري ،عن حبيب بن أبي ثابت به بنحوه ، إلاّ أن وكيعاً ، ويزيد بن هارون ،وعبد الرزاق ، وأبا داود الطيالسي ، وابن مهدي ،والقطان – فيما رواه عنهما بندار – كلهم لم يذكروا عمارة بن عمير بين حبيب ، وأبي المطوس ،وبعضهم قال : أبو المطوّس ، وبعضهم قال : ابن المطوّس .
*وعلقه البخاري 2/40 باب إذا جامع في رمضان ،وقال : ويُذكر عن أبي هريرة رفعه… فذكر نحوه .
*وأخرجه النسائي في " الكبرى ، 2/246 ح ( 3284 ) عن هلال بن العلاء،عن أبيه ،عن عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن زيد بن أبي أنيسة ،عن حبيب بن أبي ثابت، عن علي ابن الحسين ، عن أبي هريرة : أن رجلاً أفطر في شهر رمضان ،فأتى أبا هريرة فقال: لا يقبل منه صوم سنة .
*وأخرجه النسائي في " الكبرى " 2/246 ( ) ح ( 3285 ) من طريق شريك عن العلاء بن عبد الرحمن ،عن أبيه ،عن أبي هريرة موقوفاً بلفظ :" من أفطر يوما من رمضان لم يقضه يوم من أيام الدنيا " .

الحكم عليه :
إسناد أبي داود رجاله ثقات ، سوى ابن المطوّس ، أو أبو المطوس : هو يزيد ، وقيل عبدالله بن المطوس وثقه ابن معين ، وقال أحمد : لا أعرفه ، ولا أعرف حديثه عن غيره ،وقال البخاري : لا أعرف له غير حديث الصيام ، ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا ؟ ، وقال ابن حبان : يروي عن أبيه مالا يتابع عليه ، لا يجوز الاحتجاج بأفراده ،علق ابن حجر – معلقاً على كلام ابن حبان -:"وإذا لم يكن له إلاّ هذا الحديث فلا معنى لهذا الكلام ".
قال الذهبي : "وثق" ،وفي "الميزان" : "لا يعرف لا هو ولا أبوه" ،و قال ابن حجر: "لين لحديث " .
ينظر : الميزان 4/574 ، الكاشف 1/461 ، تهذيب التهذيب 12/214 ، التقريب / 674 .
وأما أبوه فمجهول ، ينظر : الميزان 4/574 ، التقريب / 535 .

وقد ضعّف حديث الباب جماعة ومنهم :
1 – ابن خزيمة في " صحيحه " ، حيث قال : " إن صح الخبر ، فإني لا أعرف ابن المطوّس ولا أباه " ، وبه يتبين أن نسبة ابن خزيمة إلى تصحيح هذا الخبر فيه نظر ، كما فعل العيني في " العمدة " 11/23 .
2 – البيهقي ،حيث قال في "المعرفة" 6/268 :"ولم يثبت في الكفارة بالفطر بغير الجماع حديث"اهـ.
3 – ابن عبد البر في " التمهيد " 7/173 ، حيث قال : " وهو حديث ضعيف لا يحتج به " اهـ .

وقد أعل الخبر بعدة علل غير ما تقدم ، وهي كما يلي :
1 – الشك في سماع المطوّس من أبي هريرة ، كما قاله البخاري ، وقد نقلت كلامه قريباً .
2 – التفرد بالحديث من أبي المطوس ،كما ذكر ذلك كلٌ من الإمام أحمد – فيما نقله العيني في " العمدة " 11/23 – ،وكذلك أعله بالتفرد الإمام البخاري – فيما نقله أبو عيسى الترمذي في " العلل الكبير "ص (116)ح (199) – وكذلك أعله بالتفرد أبو علي الطوسي ، نقله عنه العيني أيضاً ، وكذلك أعله الذهبي بالتفرد كما في ( الميزان 4/574)
3 – الانقطاع بين حبيب و أبي المطوس ، وأنه رآه فقط ولم يسمعه ، كما ذكر الإمام شعبة – فيما نقله الدارقطني في العلل 8/267 ـ .
وأجيب عن هذه العلة بأن حبيباً صرّح بالتحديث عند الإمام أحمد في المسند 2/470.
4 – الاختلاف الكثير في إسناده ، كما أعله بذلك جماعة ومنهم :
أ-الإمام أحمد كما يفهم من رواية مهنا الذي سأل الإمام أحمد عن هذا الحديث ؟ فذكر الاختلاف في سنده ، ثم قال : لا أعرف المطوس … ، كما في " العمدة " للعيني 11/23 .
ب- ابن حجر في " الفتح " 4/191 ح ( 1935 ) .وأجيب أن الاختلاف قد وقع في إسناده إلاّ أن الأوجه ليست متكافئة فقد رجح الإمام أبو حاتم الرازي – كما في العلل لابنه 1/245 – طريق الثوري عن حبيب ،وكذا الدارقطني في " العلل " 8/269 ، حيث قال : " وأضبطهم للإسناد يحيى القطان ومن تابعه عن الثوري " ا هـ .
إلاّ أنه ومع ذلك ، فكون الإسناد متحد المخرج ، على جهالة في راوايه ، ويقع فيه هذاالاضطراب ، فإن هذا مما يزيد القدح في الخبر ، والله أعلم .
5-أنه روي موقوفاً على أبي هريرة رضي الله عنه ، كما تقدم في التخريج .
وأجيب بأن هذه العلة غير قادحة لأن الوجه الموقوف – الذي سبق تخريجه عن النسائي – لا يثبت ، وبيان ذلك كما يلي :
أما الوجه الذي رواه النسائي عن هلال بن العلاء، عن أبيه، عن عبيد الله بن عمرو الرقي ،عن زيد بن أبي أنيسة ،عن حبيب ،عن علي بن الحسين ، عن أي هريرة ، فقد أعله أبو حاتم الرازي – كما في العلل لابنه 1/254 – بقوله : " إنما هو حبيب ،عن عمارة بن عمير ، عن أبي المطوس ، عن أبي هريرة عن النبي-صلى الله عليه وسلم… فذكره ".

وكلامه رحمه الله فيه إعلال لهذا الوجه من وجهين :
الأول : تدليس حبيب .
الثاني : أن المحفوظ عن حبيب إنما هو رواية الجماعة ـ يعني حديث سفيان ،وشعبة ـ .

ويمكن أن يعلّ هذا الوجه أيضاً بعلة ثالثة وهي :
أن فيه العلاء بن هلال ، قال عنه أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث ، عنده عن يزيد بن زريع أحاديث موضوعة . وقال النسائي : هلال بن العلاء بن هلال ، روى عن أبيه غير حديث منكر ، فلا أدري منه أتى ، أو من أبيه كما في تهذيب الكمال 22/545 ، وعليه فلعل الخطأ في هذا الإسناد من العلاء ، والله أعلم .
أما الوجه الثاني ،وهو الذي رواه شريك ،عن العلاء بن عبد الرحمن ،عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ففيه تفرد شريك ومن بعده – حسب ما وقفت عليه – ومع ذلك ، فهو أقوى إسناداً من الإسناد المرفوع .
وكلمة البيهقي المتقدمة وهي أنه لا يثبت في الكفارة بالفطر غير الجماع حديث ،تدل على أنه لا حاجة لجمع الشواهد المرفوعة ، وقد ذكر جملة منها ، العيني في " عمدة القاري " 11/23 ، وقد تكلم عليها ، وكلها من رواية المجاهيل والمتروكين والضعفاء .


صحة حديث " إذا سمع أحدكم النـداء ، والإناء على يده ..."

السؤال: ما صحة حديث " إذا سمع أحدكم النـداء ، والإناء على يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته مـنه "؟
المجيب  عمر بن عبد الله المقبل
الجواب:
رواه أبو داود ـ وغيره كما سيأتي ـ في 2/761 ، باب في الرجل يسمع النداء والإناء
على يده ح (2350) فقال :حدثنا عبد الأعلى بن حماد ،حدثنا حماد ،عن محمد بن عمرو،عن أبي سلمة عن أبي هريرة – رضي الله عنه - 61556; قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- 61541; : "إذا سمع أحدكم النـداء،والإناء على يده،فلا يضعه حتى يقضي حاجته مـنه " .

تخريجه :
*أخرجه الدارقطني 2/128 ح ( 2162 ) من طريق أبي داود .
*وأخرجه الحاكم 1/426 من طريق الحسن بن سفيان ،عن عبد الأعلى بن حماد به بلفظه.
*وأخرجه أحمد 2/510 ،وفي 4/423 ، والحاكم 1/203،205 من طرق عن حماد بن سلمة به بلفظه .
*وأخرجه أحمد 2/510 ، وابن جرير 2/175 عن أحمد بن إسحاق الأهوازي ، والبيهقي 4/218 من طريق أحمد بن عبيد الله النرسي ، ومحمد بن أحمد الرياحي ، ( أحمد ، والأهوازي ، والنرسي ، والرياحي ) عن روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظه ، لكن زاد أحـمد ، والأهوازي، والرياحي في حديثهم:"وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر".
*وعلقه ابن حزم في المحلى 6/233 عن حماد بن سلمة ،عن حميد ، عن أبي رافع أو غيره ، عن أبي هريرة موقوفاً بلفظ :" أنه سمع النداء ، والإناء على يده ، فقال : أحرزتها ورب الكعبة " .
*وأخرجه أحمد 2/423 عن غسان بن الربيع البصري ،عن حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد ، عن الحسن مرسلاً بلفظه .

الحكم عليه :
إسناد أبي داود متصل ورجاله ثقات، سوى محمد بن عمرو، فإنه صدوق له أوهام .
وحديث الباب صححه الحاكم ، وجوّد إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة 1/52 .
وقال أبو حاتم الرازي – كما في العلل لابنه 1/123-124 ، 256-257 عن طريق حماد عن محمد بن عمرو : " ليس بصحيح " ، ولم يبين أبو حاتم سبب ذلك ، وهناك أسباب يمكن أن يعزى إليها عدم تصحيحه للحديث وهي:
1 – تفرد حماد عن محمد بن عمرو بن علقمة بالحديث .
2 – رواية الحديث عن حماد على أوجه مختلفة وهي أربعة – كما تقدم في التخريج .
3 – خطأ حماد في الإسناد الآخر ، وهو روايته عن عمار بن أبي عمار ، قال أبو حاتم :
" أما حديث عمار فعن أبي هريرة موقوف ، وعمار ثقة " ا هـ .
فهذه إشارة من أبي حاتم إلى وهم حماد في رفعه – والله أعلم – ويؤيد هذا أن حماداً قد اختلف عليه – كما تقدم – فكأنه لم يضبط هذا الحديث .
وأما قول شعبة : كان حماد يفيدني عن عمار بن أبي عمار ، وقول ابن المديني : هو أعلم الناس بثابت ، وعمار بن أبي عمار – كما في السير 7/445،446 – فلا ينافى ما ذهب إليه أبو حاتم من تعليل الوجه المرفوع ، إذ يحمل ثناء شعبة وابن المديني عليه على العموم ، وكلام أبي حاتم مستثنى من هذا العموم ليتم الجمع بين أقوال الأئمة ما دام ذلك ممكناً .

هذا ، وقد جاء معنى هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ومنهم :
1 – جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :
أخرجه أحمد 3/348 من طريق ابن لهيعة، عن أبي الزبير قال : سألت جابراً عن الرجل يريد الصيام ، والإناء على يده ليشرب منه ، فيسمع النداء ؟ قال جابر : كنا نتحدث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال : ليشرب " .
وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن الهيعة ، وقد تقدم الكلام عليه مراراً، ولم أقف على من تابعه .

2 – بلال بن رباح رضي الله عنه :
أخرجه أحمد 6/12 وغيره من طريق أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الله بن معقل المزني ، وفي 6/13 من طريق شداد مولى عياض بن عامر ، كلاهما ( عبد الله ، وشداد ) عن بلال ـ رضي الله عنه– " أنه جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- يؤذنه بالصلاة ، فوجده يتسحر في مسجد بيته " هذا لفظ حديث شداد .
وإسنادا الإمام أحمد فيهما ضعف، أما الطريق الأول، ففيه عنعنة أبي إسحاق وهو مدلس، ولم أقف له على طريق صرّح بالسماع، وأيضاً فلم أقف على ما يبين إداراك عبد الله بن معقل لبلال.
وأما الطريق الثاني فهو منقطع ، لأن شداداً لم يدرك بلالاً،كما قال أبو داود وغيره ،وهو أيضاً لا يعرف ، كما نقله ابن حجر عن الذهبي في تهذيب التهذيب 4/291 .
ولذا قال الحافظ في التقريب /264 : " مقبول ، يرسل " .
وقصة بلال هذه جاءت من مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، حيث قال : كان علقمة بن علاثة عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: " رويداً يا بلال ، يتسحر علقمة ، وهو يتسحر برأس " .
أخرجه الطيالسي ص (258) ،والطبراني في " الكبير " كما في المجمع 3/153- وفي سنده قيس بن الربيع ،قال عنه الحافظ في التقريب (457) : " صدوق تغير لما كبر ، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدّث به " .

3 – أنس بن مالك -رضي الله عنه- :
أخرجه البزار 1/467 ح ( 983 ) كشف – من طريق مطيع بن راشد،عن توبة العنبري أنه سمع أنس به مالك يقول ، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " انظر مَنْ في المسجد فادعه، فدخلت ـ يعني المسجد – فإذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فدعوتهما ، فأتيته بشيء فوضعـته بين يديه ، فأكل وأكلوا، ثم خرجوا، فصلّى بهم رسـول الله –صلى الله عليه وسلم- صلاة الغداة".
قال البزار : " لا نعلم أسند توبة عن أنس إلاّ هذا وحديثاً آخر ، ولا رواهما عنه إلاّ مطيع " ا هـ . ومطيع بن راشد لا يعرف ، كما قال الذهبي في الميزان 4/130 ، وفي التقريب (535)" مقبول " ، وهو على ضعفه تفرد به عن توبة العنبري .

4 – أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه :
أخرجه ابن جرير 2/175 من طريق الحسين بن واقد، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال : أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر ،قال : أشربها يا رسول الله ؟ قال : نعم ، فشربها ".
وفي إسناده الحسين بن واقد ، وقد ترجمته في الحديث الأول ، وأن الإمام أحمد قد استنكر بعض حديثه ، وهو ممن يدلس كما وصفه بذلك الدارقطني والخليلي ، وقد عنعن في هذا الإسناد .
و أبو غالب صاحب أبي أمامة، ضعّفه ابن سعد، وأبو حاتم، والنسائي، وابن حبان، ووثقه الدارقطني ، وقال ابن معين : صالح الحديث كما في تهذيب الكمال 34/170،وقد لخص ابن حجر هذه الأقوال بقوله في التقريب(664) : " صدوق يخطيء " .
وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة ،ذكر جملة منها ابن أبي شيببة في المصنف 2/276 – 278،وابن حزم في المحلى : 6/232 – 233 ،وابن حجر في فتح الباري 4/161 ح ( 1917 ) ، 4/162 ح (1918) ، والله أعلم .