تأهب لأهوال القيامة
فتأهبوا لتلك الشدائد والأهوال، واعتدوا للجواب عند السؤال.

فكيف بك يا ابن آدم؟،

إذا نشر ديوانك؟،

وخف ميزانك؟،

وطاش خيالك؟،

وكشف عنوانك؟

أتدري مَن عصيت؟

وعلى مَن اجتريت؟

أبعدت التوبة والإنابة، ونكثت عهده، وأفشيت سره، وعصيت أمره، وركبت الجرائم.

أما علمت أنه يراك؟

فمن ينجيك منه إذا وقفت بين يديه وساًلك عن قبيح فعلك، وقد أطرقت منه خجلا؟

فإن أقررت أخذت بالاقرار، وإن أنكرت لم ينفعك الإنكار.

فانظر لنفسك قبل حلول رمسك، فقد تصرمت أيامك، وحان حمامك قال ابن المبارك رضي الله عنه: "يا ابن آدم، استعد للآخرة، وأطع الله بقدر حاجتك إليه، وأغضب الله بقدر صبرك على النار".

وقال الحسن رضي الله عنه: "إن الله تعالى أمر بالطاعة وأعان عليها، ونهى عن المعصية وأغنى عنها، فاعمل بقدرك على النار، ولا تجعل في ركوبها حجة".

وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: "العجب كل العجب لمن عرف الله ثم عصاه بعد المعرفة".

وقال سعيد بن سعيد: "لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن أنظر من عصيت".

وقال الفضيل رضي الله عنه: "وجدت في بعض الكتب: إذا عصاني من عرفني سلطت عليه من لا يعرفني".

وقال حميد الطويل لبعض إخوانه: عظني، فقال: "يا أخي، إذا عصيت وظننت أنه يراك فقد تجرأت على عظيم، ولكنك بجهلك تظن انه لا يراك".

وقال حماد بن يزيد رضي الله عنه: "إذا أذنب العبد بالليل أصبح ومذلته في وجهه".

وقال مالك بن دينار رضي الله عنه: "رأيت عتبة الغلام وهو في يوم شديد الرد، وهو يرشح عرقاً، فقلت له: ما الذي أوقفك في هذا الموضع؟ فقال: يا سيدي هذا موضع عصيت الله فيه".

وأنشد يقول:
أتفرح بالذنوب وبالمعاصي...          وتنسى يوم يؤخذ بالنواصي
وتأتي الذنب عمداً لا تبالي...          ورب العالمين عليك حاصي

قالت أم محمد ابنة كعب رضي الله عنها لأبنها: "أني لأعرفك صغيراً وكبيرا طيبا، فقال: يا أماه، وما موتتي أن يكون الله عز وجل اطلع علي وأنا ذنوبي قد غمستني فمضتني، و قال: وعزتي و جلالي لأغفرن لك".

وقال الفضيل رحمه الله تعالى: "رحم الله عبداً نظر لنفسه، فإنه إن لم ينظر لنفسه لم ينظر لها غيره".

وقيل في المعنى شعر:
إن الأماكن في المعاد عزيزة...          فاختر لنفسك إن عقلت مكاناً

لا تأكل النار موضعاً مسحته الدموع
وقال عتبة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما النجاة يا رسول الله؟ فقال: "إمسك لسانك، والزم بيتك، وآبك على خطيئتك"، وقال ابن منبه رضي الله عنه: فقد زكريا ولده عليهما للسلام، فوجده بعد ثلاثة أيام على قبر يبكي، فقال له: يا بني، ما يبكيك؟

فقال له: إنك أخبرتني أن جبريل عليه السلام أخبرك أن بين الجنة والنار مغارة لا يطفىء حرها إلا الدموع، فقال: إبك يا بني".

وقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أيدخل من أمتك الجنة بغير حساب؟ قال: "من كثرت ذنوبه فبكى عليها".

وقيل: إن فتى من الأنصار رضي الله عنه، دخل خوف النار في قلبه، حتى حبسه في بيته.          

فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم واعتنقه، فخر ميتاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "جهزوا صاحبكم، فإن خوف النار فتت كبده"، وكان محمد بن المنكدر إذا بكى مسح وجهه بدموعه، ويقول: إن النار لا تأكل موضعاً مسحته الدموع".

وقيل لبعض الصالحين رضي الله عنه: إن كثرة البكاء تذهب البطر، فبكى عمره حتى عمي.

وقال الحسن رضي الله عنه: "رأيت بعض إخواني في المنام وهو شديد البياض، ومجاري دموعه تبرق، فقلت له: مت؟ قال: نعم، قلت له: إلى ماذا صرت وكنت طويل الحزن في إلدنيا؟ فتبسم وقال: "رفع الله لنا بذلك الحزن علم الهداية إلى منازل الأبرار، فحللنا مساكن المتقين".
   
قلت له: بماذا تأمرني؟ فقال: "يا أخي، أطول الناس حزناً في الدنيا أكثرهم فرحاً في الآخرة".

وقال رسول صلى الله عليه وسلم: "إذا مات أحدكم عرض علي مقعده بالغدو والعشي، أن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار".

وقال صلى الله عليه وسلم: "الموت قيامة، فإذا مات أحدكم قامت قيامته".

وقال وهب بن الوردي: "لا يخرج العبد من الدنيا حتى يرى الملكين اللذين وكلّلا به في دار الدنيا، فإذا كان عمله صالحاً قالا: جزاك الله عنا خيرا، فطالما سمعنا منك الخير فنحن لك اليوم على ما تحب.

وإن كان عمله سيئاً قالا له: لا جزاك الله عنا خيراً ما سمعنا منك إلا سوءاً ونحن لك اليوم على ما تكره ".

وقيل في المعنى شعر:
الموت في كل حين ينشر الكفنا...          ونحن في غفلة عما يؤدبنا
لا تطمئن إلى الدنيا وزينتها...          وإن توشحت في أثوابها الحسنا