حاسب نفسك
إخواني: للدنيا تخدمون، وبالليل على فراشكم تنامون، ثم تقولون وانتم لا تفعلون، وكم تعاهدون وتنقضون، وكم تشاهدون اليسر ولا تعتبرون.
يا مضيعون الأعمار في الغفلة على ماذا تتكلون؟
والموت والحسام والعقالب بين أيديكم..
أما تعلمون؟
كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون، هنالك تطلبون الإقالة فلا تقالون، وتطلبون الرجعة فلا ترجعون.
أي تطلبون الرجعة إلى الدنيا طمعاً في أن تعملوا عملاً صالحاً غير الذي كنتم تعملون، فلا إلى الدنيا ترجعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال الحسن البصري: "عجبت لأقوام أمروا بالزاد ونودي فيهم بالرحيل وهم يلعبون".
وقيل في المعنى شعر:
لو يعلم الخلق ما يراد بهم... وأيما مورد غدا يردوا
ما استعذبوا لذة الحياة ولا... طاب لهم عيشهم ولا رقدوا
خوفا من العرض والصراط على... نار تلظي وحرها يقد
قال إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه: "دخلت على بعض إخواني أعوده، فجعل يتنفس ويتأسف، فقلت له: على ماذا تتنفس وتتأسف؟ فقال: ما تأسفي على البقاء في الدنيا، ولكن تأسفي على ليلة نمتها، ويوم افطرته، وساعة غفلت فيها عن ذكر الله تعالى"..
وقال الجنيد رضي الله عنه: "لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا".
وقال بعض الصالحين: " لي أربعون سنة ما غمني إلا طلوع الفجر ".
وقيل لزيد بن هارون: "كم تصلي في الليل؟ فقال: أو أنام منه شيئاً إذا لا أنام الله لي منه عيناً أبداً".
وروي عن مطرف رضي الله عنه أنه كان يقول: "لا يراني الله آكلا نهاراً، ولا نائماً ليلاً أبداً".
وكان ثابت البناني رضي الله عنه يصلي كل يوم ثلاثمائة وستين ركعة، وكان يقول في دعائه: "اللهم إن كنت أعطيت أحداً الصلاة في قبره، فأعطني ذلك.
وذكر بعض أصحابه أنه كان يقول: "رأيته في منامي وهو قائم يصلي في قبره".
وروي عن علي بن عبد الله عنه، أنه كان يسجد في كل يوم ألف سجدة وكانوا يسمونه السَّجَّاد.
وروي عن أويس القرني رضي الله عنه أنه قال: "والله لأعبدن الله تعالى عبادة الملائكة، فليلة معظمها قائماً، وليلة معظمها ساجداً".
وقيل أن عامر بن قيس رضي الله عنه كان يقول: "والله لاجتهدن، فإن نجوت فبرحمة الله، وأن هلكت فبعد جهدي".
وكان مسروق رضي الله عنه يصلي حتى انتفخت عيناه وقدماه.
وكان مسلم الخولاني رضي الله عنه قد علق صوتاً ببيته يخوف به نفسه، وكان يقول لنفسه: "قومي خيراُ لله، فو الله لأرجفن بك حتى يكون الكل منك لا مني.
فإذا دخل أنفرد وتناول السوط، فيضرب به رجليه ويقول لنفسه: "أنت أحق بالضرب من دابتي"..
وكان يقول: لا يظن أصحابي أنهم قد فازوا، فو الله لأزاحمهم يوم القيامة حتى يعلموا أنهم خلفوا ورائهم رجالاً".
وكان ضيغم قد تعبَّد قائماً حتى أقعد، ومقعداً حتى استلقى، ومستلقياً حتى مات وهو ساجد، وكان يقول في دعائه: "اللهم إني أحب لقاءك فأحبب".
وقالت امرأة حسان رضي الله عنها: "كان حسان إذا آوى إلى فراشه جعل يخادعني كما تخادع المرأة ولدها، فإذا نمت شد روحه وقام إلى الصلاة، فأقول له: يا عبد الله رفقاً بنفسك، فيقول: اسكتي، ويحك، فو الله لأرقدن رقدة لا أقوم منها زمناً طويلا".
وكان الربيع بن خيثمة رضي الله عنه لا ينام الليل ويخاف البيات، وكان يبكي ليلاً ونهاراً، ولا يفتكن البكاء.
وكان السري السقطي رضي الله عنه يدافع البكاء في أول الليل، فإذا نام الناس أخذ في البكاء إلى الصباح.
وكان ضيغم رضي الله عنه يقول: "لو علمت أن رضاه لي في تقريض لحمي بالمقاريض لفعلت ذلك".
وكان بشر رضي الله عنه لا يزال مهموماً، فقيل له في ذلك، فقال: "إني مطلوب، وكان لا ينام الليل".
وكان يقول: "أخاف أن يأتيني أمره وأنا نائم".
وكانت أم سليمان رضي الله عنها، على نبينا وعليه افضل الصلاة والسلام تقول له: "يا بني، لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيراً يوم القيامة.. يا بني، مَنْ يُرد اللهَ لا ينام الليل لأن مَنْ نام الليل ندم بالنهار".
وقيل في المعنى شعر:
يا أيها الغافل جد في الرحيل... وأنت في لهو وزاد قليل
لو كنت تدري ما تلاقي غدا... لذبت من فيض البكاء والعويل
فاخلص التوبة تحظى بها... فما بقي في العمر إلا القليل
ولا تنم إن كنت ذا غبطة... فإن قدامك نوم طويل
وقال بعض الصالحين رضي الله عنه: "كانت رابعة العدوية رضي الله عنها تقوم الليل، وتهجع عند السحر، فإذا انتبهت قالت: يا نفس، كم تنامي؟ يوشك أن تنامي فلا تقومي إلى يوم القيامة".
وروي عن يحيى بن زكريا عليهما السلام، أنه شبع ليلة من خبز الشعير، فنام عن حزبه، فأوحى الله تعالى إليه: "يا يحيى، هل وجدت داراً خيراً من داري، أو جواراً خيراً من جواري، وعزتي وجلالي لو اطلعت على الفردوس إطلاعة لذاب جسمك وذهبت نفسك، ولو اطلعت على وجهي إطلاعة لتبكين الصديد بدل الدموع، ولتلبس الحديد بدل المسوح".
وقيل: أوحى الله تعالى، إلى داود عليه السلام: "يا داود، إذا حدثتك نفسك بالنوم فاذكر مصرع أهل النار، وصول الزبانية، وغلق أبواب جهنم، فإنك إن فعلت ذلك انتفى النوم عنك، يا داود، خذ حظك من الليل ولا تغفل عن الصلوات، واجعل موضوع الضحك بكاء خوفاً مني أنجيك من حر نار جهنم يوم القيامة.
وكان سعيد بن المسيب يقول: "أيُّما رجل قام من الليل فتوضأ وصلى ركعتين، إلا تبسَّم الجبار في وجهه وقال: "يا ملائكتي، أشهد كم أني قد غفرتُ له".
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: "يا داود، قل لبني إسرائيل: مَنْ صلى في السحر ركعتين بقلب حاضر تَوَّجَهُ اللهُ بتاج كرامته يوم القيامة".
وحكي عن واصلة بن هشام رضي الله عنه أنه كان يصلي الليل كله، وإذا كان وقت السحر، قال: "إلهي، ليس مثلي يسألك الجنة، ولكن أجرني من النار".
وكان عمر بن عتبة رضي الله عنه يخرج كل ليلة إلى المقابر، ويقول: "يا أهل القبور، طويت الصحف ورفعت الأقلام، ثم يصف قدميه ويصلي إلى الصباح".
وكان أسيد رضي الله عنه إذا آوى إلى فراشه يتقلب كالحبة على المقلى، ويقول: "إنك لين وفراش الجنة ألين منك.. ولا يزال راكعاً وساجداً إلى الصباح".
وكان الأسود رضي الله عنه يصوم في الصيف وشدة الحر حتى يحمر مرة ويصفر مرة أخرى.
وكان سفيان الثوري.رضي الله تعالى عنه من شدة تفكره يبول الدم، وكان إذا سمع المؤذن يتغير لونه ويبكي حتى يغمى عليه.
وكان أبو عبيدة الخواص رضي الله عنه يبكي ويقول: "قد كبرت فاعتقني من النار".
وكان يزيد الرقاشي رضي الله عنه يبكي حتى أظلمت عيناه وأحرقت ألدموع مجاريها.
وكان مالك بن دينار رضي الله عنه يبكي حتى سودت الدموع خده، وكان يقول: "لو ملكت البكاء لبكيت أيام حياتي".
وقيل لعطاء السلمي رض الله عنه: ما تشتهي؟ فقال: "أشتهي أن أبكي حتى لا أقدر أن أبكي"، وكان يبكي في الليل والنهار، وكانت دموعة سائلة على خديه.
وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بُكاءً شديداً، فقيل له: "ما بُكاؤك؟ فقال: لا أدري على ما أقدم؟ على رضا أم على سخط؟".
وبكى معاذ رضي الله عنه بُكاءً شديداً، فقيل له: "ما يُبكيك؟ فقال: لأن الله عز وجل قبض قبضتين، فجعل واحدة في الجنة، والأخرى في النار، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون".
وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: "بكى أبني علي رضي الله عنه، فقلت له: يا بني، ما يُبكيكَ؟ فقال: يا أبت، إني أخاف أن لا تجمعنا القيامة وتفرق بيننا".
وقيل لزيد بن يزيد رضي الله عنه: "ما لنا لا نرى عينك تجف من الدموع، فقال: إن الله توعدني إن أنا عصيته يسجنني في النار".
وقيل: إن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له عليه الصلاة والسلام: "يا جبريل، ما بُكاؤك؟ فقال: يا محمد، ما غفلت عيني منذ خلق الله جهنم مخافة أن أعصيه، فيُلقيني فيها".
وقال عليه الصلاة والسلام: "ما أتاني جبريل عليه السلام إلا وهو يرعد خوفاً من الجبار، فقلت له: يا جبريل مما هذا البُكاء وهو الخوف؟ فقال: يا محمد، والذي بعثك بالحق نبياً ما ضحكتُ منذ خلق اللهُ تعالى جهنم، فقلت له: يا جبريل، صفها لي، فقال: يا محمد، أرضها الرصاص، وسقفها النحاس، وحيطانها الكبريت".
وقيل: "مر عيسى عليه السلام بفتى قائم على صخرة وحوله دم طري ودم يابس، فقال عيسى عليه السلام: ما الذي أصابك؟ فقال: يا روح الله، دخل علي خوف جهنم في قلبي، فانشق له قلبي وجلدي وسائر لحمي، فهذا الدم الذي يسيل من جسدي لذلك.
فخرج عيسى عليه السلام إلى قومه وجمع الناس، وقال: هذا من أبناء الدنيا وخاف النار فانشق جلده وسائر جسده ولم يدخلها، فكيف حال مَنْ دخلها".
وقيل: "مَرَّ بعض العُصاة بمقبرة، فتناول عظاماً فتفتَّت في يده، فقال: ويلٌ من تقصيري، وإلى هذا مصيري. فذهب إلى أمِّهِ فقال لها: يا أمَّاهُ، مالي آبق، وما يصنع بالأبق إذا وجده سيده، فقد وجدت شدة، فقالت: يا بني، لا تضيق علي، فصاح صيحة وخَرَّ مغشياً عليه، فقالت له: يا بني، فأين يكون التقي؟ فقال: يا أمَّاهُ، إذا قدمت على يوم القيامة فسلي عني مالكاً خازن النار،. ثم صاح صيحة عظيمة فمات.. فنودي عليه بين الناس مَنْ يُصَلّي على قتيل جهنم".
وقيل في المعنى شعر:
لما تذكرت عذاب النار أزعجني... ذاك التذكر عن أهلي و أوطاني
فصرت في القفر أراعي الوحش منفرداً... كما تراني على وجدي وأحزاني
وهذا قليل لمثلي في جراءته... فما عصى الله عبد مثل عصياني
نادوا علي وقولوا في مجالسكم... هذا المسيء وهذا المذنب الجاني
فما بكيت ومما قصرت عن زللي... ولا غسلت بماء الدمع أجفاني
قال إبراهيم الخواص رضي الله عنه: "كنت كثير المشي إلى المقابر، فجلستُ يوماً فغلبتني عيناي فنمتُ، فسمعتُ قائلاً يقول: خذوا سلسلة فأدخلوها في فيه وأخرجوها من أسفله، وإذا الميت يقول: يا رب، ألم أكن أصلي؟ ألم أكن أقرأ القرآن؟ ألم أكن أحج البيت الحرام؟ وإذا بقائل يقول: بلى، ولكنك إذا خلوت بالمعاصي لم تراقبني".
وكان ضيغم قد حَجَّ عشرين حَجَّةً، وجاهد عشرين سنة، فلمَّا مات رؤي في النوم، فقيل له: "ما فعل اللهُ بك؟ فقال: أوقفني بين يديه، وقال: بماذا جئتني؟ فقلتُ: يا رب بحج عشرين سنة، فقال: ما قبلتُ منها شيئاً، فقلتُ: بقراءة القرآن عشرين سنة، فقال: ما قبلتُ منها شيئآَ، فقلت: بجهاد عشرين سنة فقال: ما قبلتُ منها شيئاً، فقلت: يا رب، أنا بين يديك فقيراً، فقال: وعزتي و جلالي لولا اطلاعي عليك يوماً وقد خرجت من بيتك إلى صحن دارك لتنظر وقت الزوال لئلا يفوت الوقت احترازاً لِمَا فرضته عليك لعذبتك في النار.. فأدخلني الجنة".
وحكي عن الحسن البصري رضي الله عنه أنه رؤي في المنام بعد موته، فسُئِلَ عن حاله، فقال: "أقامني الله بين يديه وقال: يا حسن تذكر صلاتك في المسجد يوم كذا وكذا، إذا رمقك الناس بأبصارهم فزدت حُسناً في صلاتك، وعزتي وجلالي لولا أن صلاتك لي خالصة لطردتك عن بابي، ولقطعتك عني مرة واحدة".