فَصْلٌ
كُرِهَ إفْرَادُ رَجَبٍ، والجُمُعَةِ، والسَّبْتِ، والشَّكِّ، وَالدَّهْرِ، وَكُلِّ يَومٍ يُعَظِّمُهُ الكُفَّارُ مَا لم يُوافِقْ عَادَةً، وَيَحْرُمُ صَومُ العِيدَينِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، لا لِمَنْ تَمَتَّعَ وَلم يَجِدْ هَدْيًا.
وسُنَّ لِمَن تَطَوَّعَ بِعِبَادَةٍ إتْمَامُهَا، إلا الحَجَّ والعُمْرَةَ، فَيَجِبُ إتْمَامُهُمَا، وَقَضَاءُ فَاسِدِهِمَا، والفِطْرُ فِي الفَرْضِ لمَرَضٍ يَشُقُّ، وَسَفَرِ قَصْرٍ، وَخَوفِ حَامِلٍ أو مُرْضِعٍ على نَفْسِهِمَا فَتَقْضِي، وَعَلى وَلَدِهِمَا فَتَقْضِي وَتُطْعِمُ مِسْكِينًا لِكُلِّ يَومٍ، والهَرِمُ، وَمَنْ لا يُرْجَى بُرْؤُهُ يُطْعِمُ فَقَطْ، وَيَقضِي المُغْمَى عَليهِ، إلَّا المجنُونُ.
ذكر بعد ذلك الأيام التي لا تصام أو لا يجوز إفرادها، (إفْرَادُ رَجَبٍ) ولو كثرت فيه الأحاديث، فإن رجب إذ جاء فيه أحاديث مكذوبة، يمكن أنها تقرب من مائة حديث، ثم جمعها ابن حجر في رسالة مقروءة اسمها (تبيين العجب لما ورد في شهر رجب) للحافظ ابن حجر.
فلما لم يصح شيء منها فإن صيام شهر رجب دون غيره يعتبر مكروها أو بدعة، وكذلك (إفْرَادُ الجُمُعَةِ)، دخل النبي ﷺ على [جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ـ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهَا ـ] وهي صائمة يوم الجمعة فقال: « لَهَا أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لَا.قَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لَا.قَالَ: فَأَفْطِرِي ». عزم عليها حتى أفطرت يوم الجمعة؛ وذلك لأنه يوم عيد، والإنسان عليه أن يفرح في ذلك اليوم ويجعله يوم عيد ولا يخصه بالصيام.
أمَّا إذا كان يصومه معتادا فلا بأس، إذا كان يصوم يوما ويفطر يوما وافق أن فطره يوم الخميس وصومه يوم الجمعة فجاز ذلك.
وكذلك إفراد يوم (الشَّكِّ) اليوم الذي هو ليلة الثلاثين من شعبان، إذا لم يروا الهلال مع أنها صحو يقولون: هذا يوم الشك.
وكذلك أيضاً إذا حال دونه غيم أو قتر على الصحيح فإنه لا يصام أيضاً يوم الشك.
وكذلك صوم (الدَّهْرِ)، جاء في حديث: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ » في رواية: « لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ » فدل ذلك على أنه لا يصوم ذلك؛ لأنه يكلف نفسه، وكذلك أعياد الكفار، (وَكُلّ يَومٍ يُعَظِّمُهُ الكُفَّارُ) لا يجوز للمسلمين أن يشاركونهم بتعظيمه لا بصيامه ولا باحترامه ولا بإظهار الفرح به (مَا لم يُوافِقْ عَادَةً)، إذا وافق عادة فإنه يجوز أن يصوم في رجب وأن يصوم الجمعة لأنه وافق عادة، وأن يصوم الشك لأنه وافق عادة، وأن يصوم ذلك الذي هو عيد المشركين لأنه عادة وليس عبادة.
(وَيَحْرُمُ صَومُ العِيدَينِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، إلَّا لمتمتعٍ وَلم يَجِدْ الهَدْيَ)، أمَّا يومي العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى لا شك أنها أيام فرح فلا يجوز أن يصومها بل يحرم، وكذلك أيام التشريق، الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة؛ لأنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، رخص لمن لم يجد الهدي أن يصومها فيصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر وينويها عن الفدية التي عليه لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [سورة البقرة، الآية: 196] فيصوم الثلاثة إذا لم يقدر على صيامها قبل العيد، صامها بعد العيد إذا لم يجد هديا.
يُسَنُّ لكل (مَنْ تَطَوَّعَ بِعِبَادَةٍ إتْمَامُهَا) مَنْ دخل في صيام تطوع ولم يكن له عذر يسن له أن يتمه، من دخل في صلاة تطوع ولم يكن له عذر يحمله على القطع فإنه في هذه الحال يتمها، نقول أتم هذه الصلاة فإنك بدأتها فلا تقطعها إلا لعذر.
أمَّا (الحَجّ والعُمْرَة) فإن من دخل فيهما وجب عليه الإتمام حتى ولو فسد ويقضي فاسدا، فإذا أحرمت بالعمرة فإن عليك إتمامها إلا إذا اشترطت إذا قلت: إن حبسني حابس محلي حيث حبسني. فلك ما استثنيت، حبسك مرض أو حبسك عدو صدوك عن إتمام عمرتك في هذه الحال لك أن تترخص وأن تترك الحج، وكذلك العمرة من دخل فيها لزمه إتمامها، قال الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [سورة البقرة، الآية: 196] أتموا الحج وأتموا العمرة لله، فمن أحرم بها لزمه أن يتمها إلا إذا كان اشترط، لو أن امرأة أحرمت بالعمرة واشترطت إن جاءها العذر أنها تتحلل فلها ما استثنت.
يقول: من أحرم بالحج أو العمرة وجب عليه إتمامهما، (وَقَضَاءُ فَاسِدِهِمَا) لو أنه أفسد العمرة بجماع أو أفسد الحج بجماع فإن عليهما أن يبقيا على إحرامهما ويكملانه، لو جامع مثلا ليلة التروية أو مساء يوم التروية وهو محرم، يقف وهو محرم ويأتي بمزدلفة ثم بمنى ثم يرمي الجمار ثم يودع، مع أن هذا الحج قد فسد؛ وذلك لأنه أفسده بالجماع وعليه القضاء في السنة القابلة، يقال أنت أفسدته وأتممته ولو كان فاسدا ومع ذلك عليك أن تحج بدلها، فيحج بدل تلك الحجة. وكذلك العمرة إذا أفسدها بجماع فعليه أن يأتي بعمرة، لكن العمرة وقتها واسع، يجب إتمامها وقضاء فاسدهما يعني الحج والعمرة.
(الفِطْرُ فِي الفَرْضِ لمَرَضٍ يَشُقُّ) أفضل، إذا أفطر لمرض وذلك المرض يشق جاز له الفطر وعليه القضاء، عليه القضاء لقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [سورة البقرة، الآية: 184] (الفِطْرُ فِي الفَرْضِ) يعني في رمضان إذا كان لمرض أو كان لسفر تقصر فيه الصلاة، فإن الفطر جائز، فإن كان هناك مشقة فالفطر أفضل، وإن لم يكن هناك مشقة فالصيام أفضل، وفي هذه الأزمنة نرى أن الصيام أولى؛ وذلك لعدم المشقة، ولأن بعض الناس إذا أفطر ثقل عليه القضاء.
الواحد إذا سافر إلى مكة يوما واحدا وأفطر هذا اليوم الواحد يثقل عليه، ربما لا يصومه إلا بعد سنتين، يمر عليه إحدى عشر شهرا وما صام ذلك اليوم تثاقلا، ثم يأتيه الشهر الثاني فيقال أخطأت عليك مع القضاء كفارة وهي إطعام مسكين.
وكذلك إذا خافت (الحَامِل أو المُرْضِع) على نفسها فإنها تفطر وتقضي لخوفها على نفسها، المرضع تقول: أخشى أن يجف لبني فأرضعته إياه، الذين حضروها قالوا: إنها ما أرضعته، أو إنما أمسك الثدي ولم يمص هذا عذرهم، والصحيح أنه إذا قدر مثلا أنه يكتفي بلبنها وأنه -لبنها- لا يؤثر فإن الصيام أفضل.
لكن بعض النساء إذا كان الولد يجوع، فتقول إذا لم آكل يبس ثديي فيجوع ولدي فأنا آكل حتى أدر عليه وأطعمه ويرضع من لبني، فإذا كان فطرها لأجل الولد فإن عليها مع القضاء كفارة إطعام مسكين عن كل يوم.
وكذلك الحامل إذا خافت على حملها وأفطرت فإن عليها أن تصوم عن كل يوم أفطرته أو أن تتصدق عنه؛ لأن فطرها لأجل ولدها لا لأجل نفسها، وكذلك الحامل إذا خافت على نفسها فإنه ليس عليها إلا القضاء إن خافت على ولدها عليها مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، وكذلك المرضع إن خافت على نفسها فإنها تعتبر كمريضة ليس عليها إلا القضاء، وأمَّا إذا كان خوفها على ولدها فعليها مع القضاء كفارة.
(الهَرِمُ) أي كبر السن يصح معه الفطر والإطعام، كما ذكرنا أن أنسا كان إذا دخل أو أقبل رمضان جمع ثلاثين مسكيناً وأطعمهم حتى يشبعوا واكتفى بذلك عن الصيام، وكأنهم استدلوا بقول الله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ [سورة البقرة، الآية: 184].
المريض الذي لا يُرجى برؤه يطعم يكتفي بالإطعام؛ وذلك لأن المرض ألزمه الفراش و(لا يُرْجَى بُرْؤُهُ)، فيتصدق عنه عن كل يوم طعام مسكين.
(المُغْمَى عَليهِ) يقضي، يقضي الصلوات ويقضي الصيام، الإغماء هو الغشية التي تغيب الإدراك والعقل، روي أن عمارا أغمي عليه ثلاثة أيام فلما صحا قضى، أمَّا المجنون فإنه لا يقضي؛ وذلك لأنه قد سقط عنه التكليف ورفع عنه القلم فلا قضاء عليه، ولأنه قد لا يرجى برؤه ولأن الله إذا أخذ ما وهب سقط ما وجب.
كِتَابُ الاعْتِكَـافِ
هُوَ سُنَّةٌ، ولُزُوْمُ المَسجِدِ للطاعةِ، وَيَجِبُ بِالنَّذرِ، وإنَّمَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ، وَمَسْجِدِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ تَلزَمُهُ في مُدَّةِ اعتِكَافِهِ، وَمِنَ المَرأةِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، سِوَى مَسْجِدِ بَيتِهَا، وَلَو نَذَرَ شَهْرًا مُطْلقًا لَزِمَه مُتَتَابِعًا، وَالشُّرُوعُ قَبْلَ ليْلَتِهِ.
وَيَبْطُل: بِرِدَّةٍ، وَسُكْرٍ، وَجِمَاعٍ، وإنْزَالٍ بِمُبَاشَرَةٍ، لا بِخُرُوجٍ لا بُدَّ مِنْهُ كَحَاجَتِهِ، وَوَاجِبٍ وَمَسنونٍ شَرَطَهُ، وَلَهُ السُّؤالُ عَنِ المَرِيضِ مَا لَمْ يَخْرُجْ، وَيَشْتَغِلُ بِالقُرَبِ، وَيَجْتَنِبُ مَا لا يَعْنِيَهُ، وَلَو نَذَرَهُ أو الصَّلاةَ في مَسْجِدٍ فَلَهُ فِعلُهُ في أَفْضَلَ مِنهُ، وأَفْضَلُهَا: الحَرَامُ، ثُمَّ المَديِنةُ، ثُمَّ الأَقْصَى.
(كِتَابُ الاعْتِكَـافِ)
يقول: (هُوَ سُنَّةٌ) الاعتكاف مشتق من العكوف الذي هو الإقامة على الشيء، يقال عكف على هذا المكان يعني أبطأ فيه، ومنه عكوف المشركين في قولهم: ﴿نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾ [سورة الشّعراء، الآية: 71] نظل يعني نبقى النهار كله عاكفين لها، وقول إبراهيم -عليه السَّلام-: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ [سورة الأنبياء، الآية: 52] كانوا يطيلون القيام عندها ويُسَمَّى ذلك عكوفاً.
الاعتكاف (لُزُوْمُ المَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللَّـهِ)، يعني البقاء في المسجد، (وَيَجِبُ بِالنَّذرِ) إذا نذر أن يعتكف فإنه يجب عليه الوفاء خلافا للحنفية الذين يقولون: لا يجب إلا ما كان جنسه موجودا يعني جنسه واجبا بأصل الشرع، فيقولون: إذا نذر صلاة وجب عليه القضاء؛ لأن هناك صلوات مكتوبة واجبة إذا نذر صياما وجب عليه؛ لأن الصيام جنسه واجب في رمضان، وأمَّا إذا نذر اعتكافا فليس هناك اعتكاف فريضة، فيكون سنة ولكن عندنا أنه يجب، يجب الوفاء بالنذر؛ لقوله تعالى: ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [سورة الحجّ، الآية: 29].
يقول: يجب على المعتكف أن يصلي مع الجماعة، فإن كان في مسجده الذي اعتكف فيه الجمعة صلى فيه وإلا ذهب إلى الجمعة، المسجد عادة يصلى فيه الأوقات وقد لا يصلى فيه الجمعة، فإذا اعتكف في المسجد الذي ليس فيه جمعة فله رخصة في أن يذهب إلى أقرب الجوامع.
يجب بالنذر من نذر صياما أو اعتكافا أو قراءة محددة وجب عليه أن يفعل، وجب عليه أن يعتكف أو نحو ذلك، مثال ذلك إذا قال: لله علي أن أعتكف عشرة أيام في مسجد شيخ الإسلام. وجب عليه أن يوفي بالنذر، لكن لو قال: سأعتكف في المسجد الجامع الذي في وسط البلد يجوز؛ وذلك لأن ذلك المسجد أقدم من هذه المساجد فيعتكف فيه ويصلي فيه الجمعة، ولا يلزمه أن يرجع إلى هذا المسجد، لا بد أن يكون في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة مدة اعتكافه.
المرأة تعتكف في كل مسجد سوى مسجد بيتها، وذلك لأن بيتها يعتبر منها فإذا كانت تصلي في زاوية من بيتها فهذه الزاوية لا نقول إنها تعتكف فيها؛ لأنها لا تسمى اعتكافا؛ لأنها داخل بيتها.
يقول في مسجدها (سِوَى مَسْجِدِ بَيتِهَا) الأفضل أن تعتكف في أقرب مسجد إذا نذرته، (لَو نَذَرَ شَهْرًا مُطْلقًا لَزِمَه التّتابع وَالشُّرُوعُ قَبْلَ ليْلَتِهِ)، إذا قال: لله علي إن نجحت أو إن قبلت أن أعتكف شهرا في هذا المسجد، فنقول: عليك إذا تحقق النذر الوفاء بهذا النذر، عليك الوفاء به.
إذا نذر شهرا فالأصل أنه من الهلال إلى الهلال، وأمَّا إذا نذر ثلاثين يوما فإنه يعد ثلاثين من وسط الشهر أو من أوله أو من آخره، وهل يلزمه التتابع؟ إذا نذر شهرا لزمه التتابع، وأمَّا إذا نذر ثلاثين أو أربعين يوما فالأقرب أنه لا يلزمه التتابع إلا بنية.
يقول: (الشُّرُوعُ قَبْلَ ليْلَتِهِ) إذا نذر أن يعتكف العشر الأواخر متى يبدأ؟ يبدأ قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين يدخل المعتكف قبل غروب الشمس بخمس دقائق أو بدقيقتين حتى يتحقق أنه اعتكف العشر كلها؛ لأنها تبدأ من أول ليلة، يسن الشروع قبل ليلته يعني قبل غروب الشمس من يوم العشرين.
متى يبطل الاعتكاف؟
إذا ارتد وكفر بعد إسلامه بطل اعتكافه، إذا تعاطى مسكرا شرب خمرا بطل اعتكافه، لا يمكن أن يجمع بين طاعة ومعصية، يبطل بالجماع، قال تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾ [سورة البقرة، الآية: 187] المباشرة الوطء فإذا حصل بطل اعتكافه، يبطل أيضاً بالإنزال يعني الاستمناء، العادة السرية، إذا حاول حتى أنزل أو باشر امرأته فأنزل وجب عليه القضاء، ولا يجب عليه الكفارة بالمباشرة خارج الفرج.
يجوز أن يخرج لما لا بد منه، أن يخرج لقضاء حاجته يعني مثاله التبول ونحوه وكذلك إذا لم يجد من يحضر له الطعام جاز أن يخرج كي يشتري لنفسه الطعام، وكذلك له أن يخرج لواجب أو مسنون شرطه. إذا قال: يا رب إني أشترط أن أخرج لعيادة أبي، أو أخرج لتشييع من مات من أقاربي. فإن ذلك جائز؛ لحديث:
« المُؤمِنُوْنَ عَلَى شُرُوْطِهِم » له أن يسأل عن المريض ما لم يخرج.
كانت عائشة تعتكف بعد موت النَّبِيِّ ﷺ تدخل الحجرة لحاجة وفيها المريض ولا تجلس عنده، وإنما تقول كيف أنت، أو كيف حالك، ولا تطيل الجلوس، وهكذا أيضاً قالت إن النَّبِيَّ ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده، وتذكر أنها إذا دخلت البيت وفيه إنسان معتكف لا تقول كيف أنت وإنما تسأل من عنده وتقول كيف هو؟
يجوز (السُّؤال عَنِ المَرِيضِ) ما لم يخرج من المسجد، كيف المريض، كيف حاله، ما حالته، يشتغل بالقرب، المعتكف متفرغ للعبادة، فلا بد أنه في تفرغه يشتغل بالقربات، القربات هي أن يشتغل بالقراءة وبالأذكار وبالصلوات وبالأوراد والأدعية، يشتغل بالقربات ولا يجوز أن يخرج لأي قربة أخرى.
إذا أراد أن يتصدق طلب من أولاده وطلب أن يأتوه بمال يتصدق به حتى يجمع في هذا الاعتكاف بين الاعتكاف وبين الصدقة وبين الصلاة وبين القراءة والذكر والدعاء ونحو ذلك وله أن ينكر على من رأى منه منكرا.
يقول: (يَشْتَغِلُ بِالقُرَبِ، وَيَجْتَنِبُ مَا لا يَعْنِيَهُ) الكلام الذي ليس بيعنيه وليس له أهمية لا يسأل عنه لا يقول ماذا تقول يا فلان؟ إذا نذر الاعتكاف وجب عليه الوفاء، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ [سورة الحجّ، الآية:29] فإذا نذر أن يطوف بالبيت سبعة أشواط في يوم كذا فعليه الوفاء، وإذا نذر أن يصلي في هذه الليلة عشر ركعات والوتر وجب عليه الوفاء، وإذا نذر أن يقرأ في هذا اليوم خمسة أجزاء من القرآن وجب عليه الوفاء.
كل نذر طاعة يجب الوفاء به؛ لقوله ﷺ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّـهَ تَعَالَى فَلْيُطِعْهُ » كذلك إذا نذر (الصَّلاةَ في مَسْجِدٍ فَلَهُ فِعلُهُ في أَفْضَلَ مِنهُ)، مثاله: إذا نذر أن يعتكف في هذا المسجد أو يصلي فيه عشر ركعات وصلى في مسجد أقدم منه أجزأه ذلك، أو انتقل من الاعتكاف في هذا إلى مسجد الإمام تركي الذي في البلد، فإنه والحال هذه يكون قد وفى بنذره؛ لأنه أتى بالمنذور وبأفضل منه، المنذور أن يعتكف في هذا المسجد، وهذا المسجد جديد ما له إلا سنوات، أمَّا مسجد البلاد مسجد الإمام تركي فله نحو ثلاثمائة سنة، وهو مبني أو مائتين.
سواء كان النذر اعتكافا أو صلاة، إذا نذره في مسجد فله أن ينتقل إلى أفضل منه، إذا نذر الصلاة أو الاعتكاف في المسجد الحرام وجب عليه الوفاء به مع القدرة، ولا يجزئه أن يعتكف في غيره وذلك؛ لأنه أفضل المساجد، إذا نذر أن يصلي أو يعتكف في المسجد النبوي فله أن يعتكف في الحرام؛ لأنه أفضل، ولا يجوز أن يعتكف في قباء؛ لأنه مفضول يعني المسجد الحرام أفضل منه، المسجد النبوي أفضل منه.
فالحاصل أن من نذر أن يصلي أو يعتكف في المسجد الحرام ما يجزئ غيره عنه، أمَّا إذا نذر أن يصلي أو يعتكف أو يقرأ في المسجد..