وكذلك فإن من هؤلاء من يقول زيادة في التلبيس:
اقرأ آية كذا مائة مرة، ومن آية كذا إلى آية كذا مائتي مرة، وآية كذا أربعمائة مرة، ومئات من المرات، وكأن أمامه جدول كل ما اتصل واحد أعطاه من الآيات، والأعداد التي ما أنزل الله بها من سلطان، وقضية طلب قراءة الآيات ما هي إلا لخداع الناس، وذر الرماد في العيون.
سبحان الله! مدعو علم الغيب غزوا الفضائيات، صارت لهم برامج خاصة، طعنًا في التوحيد، واعتداء على خصوصيات رب العالمين.
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14] لقد بقي الجن في عهد سليمان يعملون بما أمرهم به حتى بعد موته، لم يكونوا يعلمون موته، وكان قائمًامستندًا على عصا يظنونه يصلي، فلما أكلت دودة الأرض عصا سليمان التي كان متكئًا عليها خر ميتًا، وكان قد مات من قبل، فتبينت الجن عند ذلك أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
عباد الله:
{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [لطور:41] يقولون: البرج الفلاني.. والنجم الفلاني.
خبرا عني المنجم أني *** كافر بالذي قضته الكواكب
عالمًا أنما يكون وما *** كان قضاء من المهيمن واجب
شاهد أن من تكهن *** أو نجم زار على المقادير كاذب
عباد الله:
هذا المنجم أو الرمال الذي يخط في الرمل، أو الذي يضرب بالحصى والودع، أو الذي يقرأ الفنجان، أو يقرأ الكف، برامج لقراءة الكف، برامج لقراءة الفنجان، وهذا الحاسب أو الذي يدعي الكشف، وهذا العراف الذي يدعي علم الغيب، وهذا الذي يستخدم الشياطين أو يكذب من عنده، وهذا الذي يزجر طيرًا أو يضرب في الأرض، وهذا الذي يستقسم بالأزلام، أو يقرأ أباجاد أبجد هوز؛ للاستدلال بها على الغيب، سُئل شيخ الإسلام -رحمه الله- عمن يعتقد أن الكواكب لها تأثير في الوجود، أو يقول إن له نجمًا في السماء يسعد بسعادته ويشقى بعكسه، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان نجمه بالعقرب أو المريخ ونحو ذلك، فأجاب شيخ الإسلام بقوله: "الحمد لله النجوم من آيات الله الدالة عليه، المسبحة له، الساجدة له، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، بأمر الله جعل لها وظائف: هداية للمسافر في البر والبحر، ورجومًا للشياطين تسبح وتسجد، يقول: والمنجمون يدعون علم الغيب والخرافات والأكاذيب، خاطبتهم وبينت فساد صناعتهم، فقال رئيس منهم: إنا والله لنكذب مائة كذبة حتى نصدق في كلمة واحدة، واعتقاد المعتقد أن نجمًا من النجوم السبعة هو المتولي لسعده ونفسه اعتقاد فاسد، واعتقاد أن النجم يدبر، من اعتقد ذلك فهو كافر بالله، ثم إن الأوائل من هؤلاء المنجمين المشركين الصابئين عباد النجوم والكواكب الذي إذا ولد المولود أخذوا طالع المولود من النجم ومن الاسم، ويتكلمون في اختيارات السفر، ومتى يكون السفر فيه فلاح أو شقاء.
ولما أراد علي -رضي الله عنه- أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم فقال: يا أمير المؤمنين، لا تسافر فإن القمر في العقرب، يعني: في برج العقرب، فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هزم أصحابك، فقال له علي -رضي الله عنه-: بل أسافر ثقة بالله، وتوكلاً على الله، وتكذيبًا لك، وإرغامًا لأنفك، فسافر علي -رضي الله عنه- بجيشه، فبورك له في ذلك السفر، ونصره الله على الخوارج، وقتلهم شر قتلة -رضي الله تعالى عنه-".
عباد الله:
إن استدراج المتصلين، وخداع الناس، والتلبيس عليهم بقراءة بعض الآيات، والسؤال عن الأسماء والأقارب، واستعمال القرين من الجن الذي يخبر عن أشياء، هو من حيل هؤلاء الدجالين، فينبغي معرفة حيلهم، والتحذير منهم، وأن نحذر أقاربنا وأصحابنا وعموم المسلمين من هذه الطوام العظيمة التي خرجت.
اللهم إنا نسألك أن تقينا الشر وأهله، والكفر وأهله، والسحر وأهله يا رب العالمين، اللهم اجعلنا لك موحدين، لك ذاكرين، لك شاكرين، عليك متوكلين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن الله لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومصطفاه وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، كما صليت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
الواجب الشرعي حيال السحرة وأفعالهم:
عباد الله:
لا يجوز المشاهدة ولا السؤال ولا التصديق لهولاء المشعوذين والعرافين، ولا التجربة بحجة: لعلهم يفعلون لي شيئًا، ومنهم من يقول: أنا أعرف أنهم دجالون ولكن لعلهم يفيدون، فكيف يلتمس الشفاء من أصحاب العطب؟
إن كشف حيل هؤلاء واجب شرعي، وإن الاحتساب في بيان باطلهم واجب لا بد منه دفاعًا عن العقيدة؛ دفاعًا عن التوحيد؛ دفاعًا عن الإسلام، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن حلوان الكاهن، نهى عن إيتاء الكاهن مالاً -وهو الأجرة التي تدفع إلى هؤلاء- وبين أنها حرام بنص الحديث، فكيف يتصل هؤلاء برقم سبعمائة أو غيره من الأرقام؛ لكي تؤخذ أجرة الكاهن، وتستقطع من قيمة المكالمة، أليست قيمة المكالمة من حلوان الكاهن الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ أليس في ذلك دعم وتشجيع لهؤلاء؟ أليس الاتصال على هؤلاء من المشاركة في الإثم والعدوان؟
عباد الله:
مهما بلغت معاناة الإنسان من مرض مستعص، أو سحر مؤلم، أو عين مفسدة.. ونحو ذلك من أنواع الشقاء النفسي أو الخلافات الأسرية والاجتماعية أو الأمراض النفسية.
فمَنْ الذي يُلجأ إليه؟
أليس اللجوء إلى الله؟
أليس ربنا سبحانه هو القادر على الشفاء؟
ألا يجب علينا أن نحقق التوحيد:
{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} [الزمر: 22]؟
ألا يجب علينا الإيمان والاعتصام بالله لأجل الحياة الطيبة، إذا عملنا صالحًاأيضًا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]؟ أليس المضطر يجيب الله دعوته؟
فأين دعاء المضطرين؟
أين اعتقاد أن الله مع المؤمنين، وأنه يدافع عن الذين آمنوا، وأنه يكشف الضر؟
مَنْ الذي يكشف الضر؟
مَنْ الذي ينفع؟
مَنْ الذي بيده الأمر؟
مَنْ الذي يُجير ولا يُجارُ عليه؟
مَنْ الذي لا تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا يعلمه؟
مَنْ هو الشافي؟
مَنْ هو الذي يذهب الأسقام؟
أليس من أسمائه تعالى الشافي؟
ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«لا شافي إلا أنت»[5]؟