في العيد.. بر والديك وصل رحمك
أرشيف إسلام أون لاين
في العيد.. بر والديك وصل رحمك Ocia_338
العيد كما هو فرحة تغمر قلوب المؤمنين، وتظهر على محياهم، فهو أيام فرحة وسرور وتقرب إلى الله تعالى بالذكر والشكر والاعتراف بنعم الله علينا، فإن من الأمور التي يجب أن نرعاها ونشد عليها بر الوالدين وصلة الأرحام، ولكن في حال لو يطلب الوالدان مقاطعة الأقارب بسبب أو بدون سبب، فهل يجب طاعة الوالدين وترك الصلة، أم يخالف الطاعة هنا؟ ولعل الصحيح أن يقال: بر والديك وصل رحمك!

إذا أمكن الجمع بين بر الوالدين وصلة الرحم لا سيما في أيام العيد، فعلام التخيير بين الواجبين؟ لا يلزمنا أن نخير أنفسنا إذا ممكن أن يجمع بين الامور، وإن كنا دائما في تفكيرنا لا نتذكر ثقافة الجمع، وهذا ينطبق على كثير من أمور حياتنا نقول: إما كذا أو كذا، ولكنه من الممكن أن نجمع بين الأمرين، بين صلة الرحم وبين بر الوالدين، حتى لو كان الآباء يريدون منعنا من صلة الرحم.

وهناك بعض الحقائق التي يجب أن تكون أساسا للتعامل في هذا الأمر:
أن الشريعة حاكمة لنا جميعاً بلا استثناء، آباء وأبناء، أقارب وأجانب، ونجد في كتاب ربنا قوله سبحانه وتعالى: ﴿‌وَإِنْ ‌جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: 15].

وهذه الآية تعتبر نصا قريبا في هذه المسألة، فأي أمر من الوالدين في معصية الله فالواجب عصيانهما، واتباع أمر الله سبحانه وتعالى، لأن الذي سيحاسب العباد آباء وأبناء هو الله سبحانه وتعالى، فأنت عبد، ووالدك عبد، ووالدتك أمة لله، وكلنا جميعا سواسية أمام الله تعالى في الحساب، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح.

أن الاستسلام للخطأ أمر غير مقبول، وإن تغاضينا عنه وقتاً لعلاجه، فهناك من الأمور الثابتة التي يجب أن نحافظ عليها، منها صلة الرحم، ولا يسمع لأي أحد في هذا أبداً، الأمر الآخر أننا نسعى مع الوالدين أن يعودا للحق والصواب، وكما حافظنا على أمر الله تعالى، نأخذ بأيديهم إلى هذا الحق، وهذا من واجبنا تجاه من نعرف ونحب، وإن كان الله تعالى أمرنا بالبر للوالدين، أليس من البر أن نأخذ بأيديهم إلى الله تعالى؟ وأن نعيدهم إلى جادة الصواب؟!!

إن آباءنا وأمهاتنا ليسوا ملائكة تمشي على الأرض، ولكنهم بشر يصيبون ويخطئون، ونحن نقتدي بهم في الصواب، ونأخذه بأيديهم عند الخطأ، وهذا من باب إسداء النصح لهم، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه: “الدين النصيحة؟ قلنا: لِمَنْ يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”.

أن المناقشة والحوار المفتوح من أنجح الأساليب بين الناس، فليكن الابن صديقاً لأبويه، ويناقش معهما، ويصوب ما في كلامهما من صواب، ويلتمس العذر لهما فيما لا يُرضي الله، ويترفّق بهما، حتى تصل إلى إسداء الجميل لهما، وتعديل سلوكهما.

ويُفيدنا في هذا الأمر ما قاله الشيخ جعفر أحمد الطلحاوي من علماء الأزهر عن طاعة الوالدين، حيث يقول:
أولاً: بر الوالدين والإحسان إليهما يلي حق الله تعالى بالوجوب والاستحقاق، كما أن عقوق الوالدين -والعياذ بالله- يأتي بعد الإشراك بالله في عِظَمِ الجُرم وكِبَرِ الذنب قال تعالى: ﴿‌وَقَضَى ‌رَبُّكَ ‌أَلَّا ‌تَعْبُدُوا ‌إِلَّا ‌إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، وجاء في سورة مريم مما أنطق الله تعالى به عيسى وهو ما يزال بعد في المهد صبياً: ﴿‌وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ [مريم: 31].

كما في الصحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ”سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحَبُّ إلى الله؟ قال: ”الصلاة على وقتها” قلت ثم أي؟ قال: ”بر الوالدين”، يُلاحظ في هذه النصوص بالنَّص على حق الله تعالى أولاً وأعقبت ذلك بحق الوالدين.

ثانياً: من النصوص القطعية “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” ومنها أيضاً: “إنما الطاعة في المعروف”، ومنها ما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ”على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحَبَّ وكَرِهَ إلا أن يُؤمر بمعصية فإن أمِرَ بمعصية فلا سمع ولا طاعة”.

ثالثاً: وعلى هذه النصوص فلا إثم في صلة الرحم التي أمر الله تعالى بوصلها بينما يأمر الوالدان بقطيعتها.

رابعاً: على أنه ينبغي أن ندرك جيداً أن اختلاف الرأي بين الولد ووالديه لا يفسد للود قضية، ولا يسقط عنه ما أوجب الله علينا من الإحسان إليهما والبر بهما.

خامساً: رفعاً للحرج ودفعاً للمشقة أن نقوم بصلة الرحم وليس بالضرورة أن يكون ذلك بعلم الوالدين، كما أن علينا أن نخلص النية في القيام بهذه الشعبة من شعب الإيمان وهي صلة الرحم إليهم، فيمكن أن نستخفي بصلتنا هذه لهؤلاء الأقارب عن سمع وبصر الوالدين، ويكفينا علم الله المحيط بكل شيء، قال تعالى: ﴿‌رَبُّكُمْ ‌أَعْلَمُ ‌بِمَا ‌فِي ‌نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾ [الإسراء: 25].

سادساً: إذا فتح الله عليك وألهمك باباً من أبواب الرُّشْدِ تسعى به إلى التقريب بين والديك وبين أقاربك فتقرب بين المتباعدين وتصلح بين المتفاسدين فتكون بذلك حققت شعبة ثالثة من شعب الإيمان وهي إصلاح ذات البين لقوله تعالى: ﴿‌فَاتَّقُوا ‌اللَّهَ ‌وَأَصْلِحُوا ‌ذَاتَ ‌بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: 1].

المصدر:
*مسعود صبري