حتى لا تضيع دقائق شهر رمضانلقمان عبد السلام كانت حفصة بنت سيرين تقول: “يا حبذا عبادة وأنا نائمة على فراشي”[1] وأي عبادة تعنى حفصة؟ إنها عبادة الصيام، هي مجلبة الحسنات والخيرات للصائم بلا مشقة العمل ولا عناء العبادة، وتجلبها بفضل النية التى محل نظر الخالق سبحانه وتعالى، وهي تجارة العلماء الحقيقية الواسعة، والتي بتعددها يتحول العمل الصالح الواحد إلى غيره من قربات، وتتضاعف بها الأجور، ويتضاعف أجر العمل اليسير بسببها؛ وخاصة في أجواء مواسم الطاعات فإنه يتضاعف الأجر أكثر باجتماع النية الصالحة مع شرف الزمان كشهر رمضان مجمع الخيرات والبركات.
قال ابن المبارك:” رُبّ عمل صغير تُكثّره النية”[2].
محفزات لاغتنام دقائق شهر رمضانأولاً: تأمل قوله تعالى في وصف شهر رمضان بأنه: {أيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} لتنبه على قلة مدة الشهر وسرعة انقضاء أيَّامِهِ وساعاته.
في هذا التعبير القرآني دلالتان:• رحمة الله تعالى على عباده حيث لم يكتب عليهم أيام السَّنَة أو معظمها ويجعلها رمضان للصيام، كالصلوات الخمس، ولكن من لطفه سبحانه أن جعل الصوم –الذى هو ركن من أركان الإسلام– أياماً معدودات، لا يطيل زمنه تخفيفاً ورحمةً علينا.
• ضرورة الانتباه لأهمية هذه الأيام القليلة وما في طياتها من النفحات الإلهية وكنوز المنح والعطايا التى لا تحصى، والمؤمن العاقل هو الذى يدرك ما تشير إليه هذه الآية من الحرص والجد على اغتنام أيام شهر رمضان الاغتنام الأمثل.
ثانياً: الاستشعار بفضائل شهر رمضان، من كونه شهرا تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين تسهيلا لصالح الأعمال، وفيه نزول القرآن الكريم في ليلة خير من ألف شهر، وقُدر صيامه وقيامه –إذا كانا إيماناً واحتساباً- من أسباب مغفرة الذنوب، فكان حري بمن عقل مكانة شهر رمضان أن يستغل وقته بما يعود عليه بالنفع وسعادتي الدنيا والآخرة، وأن المال وأرباح التجارة ونحوها لن يعدل لحظة الطاعة في شهر رمضان.
ثالثاً: مطالعة أحوال سلف الأمة في شهر رمضان وكيفية عمرانهم إياه بما حقق لهم السيادة والسعادة في جميع شؤون حياتهم، كانوا حريصين على فعل الخير وعمل الطاعات، ثم إذا جاء شهر رمضان زاد حرصهم وقوة نشاطهم في اغتنام الموسم الفضيل بما يقربهم من ربهم سبحانه وتعالى، فحبذا لو تأمل الإنسان المؤمن سيرهم في هذا الباب كي يتقوى ويتحمس لاستغلال فرص شهر رمضان أحسن استغلال، وصدق أبو حنيفة إذ يقول:” الحكاياتُ عن العلماءِ ومحاسنِهم أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من الفقه، لأنها آدابُ القوم[3] وهذا كلام الخبير بسير الرجال الصالحين ويجب تقديره حق القدر.
رابعاً: تذكر حال أصحاب القبور المقصرين أصحاب التسويف الكسالى، وهم الآن في حال الحسرة والندم بعدما عاينوا حقيقة قيمة العمر، وتبينوا أهمية مواسم الطاعة ويتمنون الرجعة والعودة ليعيشوا مثل شهر رمضان فيغتنموا جميع لحظاته في ضروب الطاعات، ولكن هيهات والله المستعان.
حري بكل مسلم أن ينتبه قبل فوات الأوان ويحمله شعور مفارقة الحياة في أي لحظة نحو الجد والعاطفة الصادقة لاستغلال وقته في هذا الشهر الفضيل بما يزيد رصيده من التقوى والعزائم على العمل الصالح.
خامساً: تأمل النظر في عاقبة العباد ودرجاتهم في الجنان بما يتفاوتون؟ يكون تفاوتهم وتفاضلهم حسب الأعمال الصالحة والاجتهاد والتضحية في سبيل الطاعة {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} (الأنعام: 132) وأفضل الأزمنة الذهبية لعمل صالح ونيل الأجور المضاعفة هي مواسم الطاعات، وخير شهورها وأفضلها شهر رمضان، والتفكر في هذا الجانب يشحذ الهمم الخامدة ويدفع إلى التنافس في درجات الجنة.
مجالات استثمار الأعمال الصالحة في شهر رمضان الفضيلإن عدة شهر رمضان إما تسع وعشرون أو إكمال العدة ثلاثين يوماً، والمقصد الشرعي الرئيس من هذه الأيام المعدودات المباركة هو الاستثمار في أنحاء البر والتقوى، وصحبة ذهن الصائم هذا المقصد النبيل ضروري جدا كي ينعكس في قلبه وجوارحه وسلوكياته حتى يكتب له النجاح التام، وتحقيقه يأتي من حسن إدارة الوقت واستغلاله استغلال الأمثل، وذلك بترتيب الأمور حسب أولوياتها وأهميتها، ويتعين تقديم الفرائض على ما دونها وقد قال الله تعالى فيما يرويه عنه النبي عليه الصلاة والسلام:” وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَـيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ[4] فالمبادرة إلى الصلوات الخمس مثلا؛ مع الحرص على أداءها على الوجه المطلوب دون التخلف عنها أولى وأحب إلى الله تعالى من الاهتمام بصلاة التراويح التى هي نافلة، وهذا من العجائب والظاهرة المعتادة في كل شهر رمضان حيث يهتم كثير من المسلمين بحضور صلاة التراويح ويتسابقون إليها ويتزاحمون في المساجد من أجلها دون غيرها من الصلوات الخمس، ربما ظنا منهم أو جهلا أن التراويح آكد من تلك الفرائض، مع أنه لا مقارن بأي حال من الأحوال بين الفرض والنافل من حيث التقديم والايجاب، بل الأولى الجمع بين الفرائض والنوافل معا، والمقصود هنا أنه يجب أن يتفقه الصائم فقه الأولويات في استثمار أوقاته..
من خلال مجالات البر الآتية: 1 – مجال القرآن تلاوةً وتدبراً وحفظاًعادة المسلمين الجادين سلفا وخلفا مع القرآن الكريم في شهر رمضان عادة مشرفة ومتميزة، لا نظير لها في سائر شهور الدنيا، فعنايتهم به عظيمة إما قراءة بتدبر، أو على وجه الحدر، وقد عظمت هذه العناية نظرا لعلاقة شهر رمضان بالقرآن الكريم واقتداءا بسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، حيث كان هديه عليه الصلاة والسلام في الشهر الفضيل الإقبال على مدارسة القرآن الكريم مع جبريل عليه السلام فيختم معه ختمة في كل شهر رمضان إلا في العام الذي توفي فيه وقد ختم فيه الختمتين.