يوم في حياة الرسول ﷺ في رمضان
مسعود صبري
يوم في حياة الرسول ﷺ في رمضان Ocia_230
ربما يتساءل كثير من المسلمين عن حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان.

كيف كان يصوم؟
 
كيف كان يتسحَّر؟

كيف كان يُفطر؟


كيف كان يقضي يومه فيه؟

لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينوي الصيام كل يوم، وكان يتسحَّر مع إحدى زوجاته، يأكل قليلاً من الطعام، ربما كان يتسحَّر على تمرات أو شيئاً قليلاً من الطعام، مع شرب الماء، وكان أحياناً يتسحَّر مع بعض الصحابة، ففي الصحيح أنه تسحَّر هو وزيد بن حارثة -رضي الله عنه- ثم بعدما ينتهي من السُّحُور قام إلى صلاة الفجر، ولم يكن بين سحوره وصلاته إلا قدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية من القرآن.

ولعله تسحَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم صلى سُنَّة الصبح ركعتين خفيفتين، وينتظر في بيته، حتى يستأذنه بلال في إقامة الصلاة، ثم يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من حُجُرات نسائه، لأنها لصيقة بالمسجد، فيُصلّي بالناس صلاة الصُّبح.

وكان يجلس في المسجد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، فينتظر قُرابة الثلث ساعة أو يزيد ثم يُصلّي ركعتين، وأخبر أن مَنْ فعل هذا كمَنْ حَجَّ واعتمر وله الثواب كاملاً.

وكان –صلى الله عليه وسلم- في بيته مع زوجاته في خدمتهم، بل كان يلاطفهن ويداعبهن حتى في رمضان، بل إنه ربما كان يُقَبِّلُ زوجاته وهو صائم، وهذا شيء خاص برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ثم إذا كان قبل المغرب كان يقول أذكار المساء وبعض الأدعية، فإذا أُذِّنَ للمغرب طلب من زوجاته أن يأتوا له بالفطور، فكان يفطر قبل أن يُصلّي المغرب، وكان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ”كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء”.

ثم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بعد إفطاره فريضة المغرب في المسجد، ثم يعود إلى بيته، فيصلي سُنَّة المغرب البعدية، ويجلس مع زوجاته، حتى إذا أذِّنَ للعشاء يصلي السُّنَّة القبلية في بيته، ثم يخرج يؤم الناس في صلاة العشاء، وقد صلى التراويح بالصحابة في المسجد ثلاث مرات، ثم لم يخرج إليهم خشية أن تُفرض عليهم، فكان يرجع إلى بيته، ويصلي من الليل ما شاء الله تعالى له، فكان يُطيل الصلاة.

وقد سُئِلَتْ السيدة عائشة –رضي الله عنها– كيف كانت صلاة رسول الله –صلى الله عليه وسلم– في رمضان؟

فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسل عن حُسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسل عن حُسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً.

ثم إذا انتهى من الصلاة نام -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يصلي الوتر، فتسأله عائشة -رضي الله عنها-: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي.

وذلك أن من السُّنَّة أن لا ينام الإنسان حتى يصلي الوتر قبل نومه، لكن هذه خصوصية للرسول -عليه الصلاة والسلام-.

وكان من عادته -صلى الله عليه وسلم- أنه ربما جامع زوجته في ليل رمضان، ثم ينام ولا يستيقظ حتى يؤذن للفجر، فيقوم وهو جُنُبٌ، فيغتسل ثم يذهب لصلاة الفجر.

وهو هنا -صلى الله عليه وسلم- يُعَلّمُ الأمَّة، أن الصيام إنما هو في نهار رمضان، وليس الليل وقت صيام، أو امتناع عن المُباحات، إنما الامتناع يكون بالنهار دون الليل.

وكان -صلى الله عليه وسلم- يشغل نفسه في رمضان بقراءة القرآن والصلاة والذِّكْر والصدقة والصيام، ولا يأكل إلا قليلاً، وربما كان يواصل الصيام يومين وثلاثة، ويقول: ”إنما أبيتُ عند ربي يٌطعمني ويسقين”.

ومن بين الأمور التي تُمَيِّزُ حياة الرسول في رمضان، أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يضرب المثل في الصبر على الجوع، ويُعَلِّمُ أمَّته أن رمضان ليس شهر أكل وشرب ولهو كما هو الحال في كثير من بيوت المسلمين، وإنما يعلمهم -صلى الله عليه وسلم- أنه شهر عبادة وطاعة لله تعالى.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قيام الليل في بيته بعد أن ترك صلاة القيام في المسجد خشية أن تُفرض، ولَمَّا كان آخر أيام من رمضان، عاد فجمع بناته ونساءه والمؤمنين للصلاة مرة أخرى جماعة.

فكان يُصَلِّي من الليل، ثم يكون مع أهله، ثم يتسحَّر، ثم ينتظر صلاة الفجر، فيُصَلِّي سُنَّة الصُّبح في البيت، ثم يخرج لصلاة الفريضة جماعةً في المسجد.

كما كان -صلى الله عليه وسلم- يُكثر من الصدقة في رمضان على الفقراء والمساكين، ويزيد صدقاتهم في رمضان عن غيرها، حتى وصفه الصحابة -رضوان الله عليهم- في صدقته في رمضان، كأنه الريح المُرسلة، من كثرة نفقته، ومُسارعته بمواساة الفقراء والمساكين في هذا الشهر الفضيل.

كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في المسجد في العشر الأواخر في رمضان، ولَمَّا كان آخر عام في حياته -صلى الله عليه وسلم- اعتكف عشرين يوماً، وكان يجتهد في هذه العشر ابتغاء إصابة ليلة القدر، كما ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله: ”تحرُّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان”، وكان يقول لأصحابه: ”أرى رؤياكم قد تواطأت في العشر الأواخر، فمَنْ كان مُتحرِّياً، فليتحرَّها في العشر الأواخر.

ولعل أبرز ميزات حياة الرسول في رمضان، أنه كان يُحِبُّ كثرة الدعاء فيها، كما في سُنَنِ الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها-: قالت: «قلت: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر، ما أدعو به؟ قال: قولي: اللهم إنك عَفُوٌ كريمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَنِّي”.

وكان يوقظ أهله في العشر الأواخر للاجتهاد في العبادة لا يتركهم ينامون، كما أخرج الترمذي بسنده عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان”.

ويضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- القدوة للزوج أن يكون حريصاً على طاعة أهله لله تعالى، لا أن يكون حريصاً على طعامهم وشرابهم ومنامهم وجميع شؤون دنياهم، ثم يتركهم ودينهم، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].