أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: ضبط النفس من كنوز رمضان الأربعاء 29 مارس 2023, 3:03 pm | |
| ضبط النفس من كنوز رمضان
ضبط النفس أيها المؤمنون معناه حبس الغضب وكظم الغيظ معناه أن نأخذ الأمور بهدوء وأن ننظر الى عواقب الأمور ونحسب لها حسابها وهذه خصلةٌ من كانت فيه فقد أحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أمَّا بعد: فيقول رب العالمين سبحانه: {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )}
وعند الإمام أحمد من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:- «( قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَارِبَ بْنَ خَصَفَةَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى قَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ فَقَالَ يا محمد مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ النبى يمنعك اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِ الرجل فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ له مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي قَالَ يا محمد كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ قَالَ النبى تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وأخلى سبيلك قَالَ لَا وَلَكِنْ أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ قال جابر فَخَلَّى رسول الله سَبِيلَهُ فَأَتَى الرجل قَوْمَهُ فَقَالَ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ )» يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة المؤمنون: إن من أعظم ما نتعلمه ومن أوضح ما نكتسبه من صيام رمضان هو تدريب وتمرين كل واحد منا على ضبط النفس.
وما أحوجنا أيها المؤمنون الى ضبط النفس خاصة فى هذه الأيام التى انفلتت فيها الأعصاب وزاد فيها الحماس والإنفعال وكثرت فيها الزلات والأخطاء.
قال رَسُولَ الله: إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم.
حينما نتعامل فى بيوتنا مع أولادنا وأزواجنا نحن بحاجة الى ضبط النفس حين نتعامل مع أقاربنا وذوى أرحامنا ومع الجيران نحن بحاجة الى ضبط النفس حين نتعامل مع الناس فى المساجد وفى وسائل النقل وفى الميادين وفى المصالح العامة والخاصة نحن بحاجة الى ضبط النفس «لَيْسَ الشَّديدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ».
من كنوز رمضان ومن ثمرات الصيام أننا نتدرب ونتمرن على مدار ثلاثين يوماً وليلة على ضبط النفس على الحلم وعلى التأنى وعدم العجلة.
فلا يسمح للمسلم الصائم أن يرفث ولا يسمح له أن يجهل ولا يسمح له أن يصخب ولا أن يسب ويشتم وإلا ضاع منه ثواب الصيام.
المسلم الصائم يؤمر أمراً أن يملك أعصابه لله وأن يضبط نفسه ابتغاء مرضاة الله مهما سمع ومهما رأى من سفاهات ومكروهات.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله «كل عمل بن آدم له إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم إني امرؤ صائم».
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم * إن الجواب لباب الشر مفتـــاح الصمت عن جاهل أو أحمق شرف * أيضاً وفيه لصون العرض إصـلاح ما ترى الأسد تخشى وهي صامتة * والكلب يُخسأ لعمروٍ وهو نبــاح.
ضبط النفس أيها المؤمنون معناه أن نحكم عقولنا قبل أن نتصرف أو نتكلم وهذه حكمة يؤتيها الله تعالى من يشاء من عباده ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرأً كثيراً.
مَرَّ أحد الصالحين بقرية فجعل يدعو أهلها الى الخيرات وكانوا قوم سوء فجعلوا يسبونه ويشتمونه فدعا لهم بالصلاح والهداية ثم انصرف عتب عليه بعض أصحابه قالوا تدعو لهم وترد عليهم خيراً وهم يسبونك ويشتمونك ويريدون بك شراً؟!
فقال في رقة نفس وسعة صدر كلٌ ينفق مما عنده.. إن كريم الأصلَ كالغصنِ كُلما ازداد من خيرٍ تواضعَ وانحنى.
ضبط النفس أيها المؤمنون معناه حبس الغضب وكظم الغيظ معناه أن نأخذ الأمور بهدوء وأن ننظر الى عواقب الأمور ونحسب لها حسابها وهذه خصلةٌ من كانت فيه فقد أحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه يوماً فقال يطلع عليكم الآن من هذا الفج ركب من خير أهل المشرق قام عمر رضي الله ينظر الى القادمين فلقي ثلاثة عشر راكبًا فرَحَّبَ بهم وقرَّبهم وقال مَنْ القوم؟
قالوا قومٌ من عبد القيس قال أقدمكم هذه البلاد من أجل التجارة؟ قالوا لا قال فلعلكم إنما قدمتم تريدون رسول الله؟ قالوا أجل.
ففرح عمر بهم ومشى معهم يحدثهم حتى دخل بهم على النبي فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى القوم بأنفسهم عن رحالهم فمنهم من سعى سعيًا ومنهم من هرول هرولة ومنهم من مشى حتى أتوا رسول الله فأخذوا بيديه وجعلوا يقبلونها ثم قعدوا بين يديه.
وبقي رجل واحد منهم يُقالُ له الأشج وهو أصغر القوم لم يتعجَّل كما تعجَّل الناس لكنه أناخ الإبل وعقلها وجمع متاع القوم ثم أقبل يمشي على تؤدة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده فقبَّلها ثم جلس مع الناس أمامه فقال له النبي فيك خصلتان يحبهما لله ورسوله، قال وما هما يا نبي الله؟
قال الأناة والتؤدة قال الأشج يا نبى الله أجبلنى عليهما ربى أم أنى تخلّقت بهما؟
فقال صلى الله عليه وسلم بل جبلك اللهُ عليهما فقال الحمد لله الذي جبلني على ما يُحِبُّ اللهُ ورسوله.
كم من شقاق وشقاء وقع وكم من بيوت خُرِّبت وكم من أسر تفككت وكم من أرحام قُطِّعتْ وكم من حقوق ضاعت وكم من أموال وثروات أهدرت وكم من أرواح أُزهقتْ وكم من دماء سفكت واستبيحت وكم من شعوب توالت عليها المحن وتزاحمت عليها الفتن وذاقت الأمرين بسبب التهور وشدة الحماس وبسبب سرعة الغضب والإنفعال.
ورد فى الأثر أن رجلاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى يده رجل يقوده فقال النبى صلى الله عليه وسلم لِمَ أمسكت بأخيك ودخلت به علىّ؟ قال يا رسول الله إنه قتل ابني فاقتص لى منه فقال الرسول للرجل أقتلت ولده؟ قال نعم قتلته يا رسول الله قال النبى وما حملك على قتل النفس التى حَرَّمَ اللهُ إلا بالحق؟ قال يا رسول الله كنت أجمع الحطب أنا وإيَّاهُ فسبَّني وشتمني فما تمالكت نفسى فأهويت بالفأس على رأسه فقتلته.
بسبب الغضب والتهور وغياب الحكمة وقع الرجل فى شر أعماله: {(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)}.
لأجل هذا حذرنا ربنا من التهور ومن سرعة الغضب وأمرنا على لسان نبيه بضبط النفس وكظم الغيظ وبشرنا فقال: (ما من جرعة أحَبُّ إلى الله من جرعة غيظ يكظمها عبد ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيماناً).
ليس ضعفاً ولا هواناً أن تكون عفيف اللسان ليس ضعفاً ولا استكانة أن تحكم عقلك وتنظر الى عواقب الأمور.
قال رجل لـ ضرار بن القعقاع والله لو قلت لى كلمة واحدة لرددتها عليك وأسمعتك بدلها عشر كلمات فقال له ضرار والله لو قلت لى عشراً لم تسمع مني واحدة.
يكفى أن تعلم أخى أن ضبط النفس وكظم الغيظ والتحلى بالحكمة وضبط النفس فى سائر المواقف هى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التوراة والإنجيل والقرآن.
ثبت في مستدرك الحاكم أن زيد بن سعنة أحد أحبار اليهود اشترى تمراً معلوماً من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أجل معلوم وقبل الموعد بأيام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبى قد فرغ من صلاة الجنازة على أحد المسلمين وجلس متعباً إلى جدار.
تقدَّم حبر اليهود الى رسول الله وهو على هذه الحال فأخذ بمجامع قميصه وردائه وجعل ينظر إليه بوجه غليظ متجهم ويقول يا محمد! ألا تقضني حقي؟ والله! إنكم لمطل يا بني عبد المطلب.
حضر وشاهد الموقف من أوله عمر فجعلت عيناه تدوران في وجهه من شدة الغضب فقال لحبر اليهود يا عدو الله! أتقول لرسول الله ما أسمع وتصنع ما أرى؟!
والذي بعثه بالحق لولا ما أُحاذر من لومه لضربت بسيفي هذا رأسك فارتعد الحبر وخاف واضطرب إذ الكلام من عمر وما أدراك ما عمر؟!
وهنا يتدخل رسولُ الله فينظر إلى عمر ويبتسم في سكون وهدوء ثم يقول يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك أن تأمرني بحُسن الأداء وتأمره بحُسن الطلب ثم أسَرَّ الى عمر بكلمات وبعدها قال اذهب يا عمر مع الرجل فأعطه حقه انطلق عمر وجعل يزن للرجل حتى وفَّاهُ حقه وزاده عشرين صاعاً فقال حبر اليهود هذا حقى فما هذه الزيادة يا عمر؟
قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك جزاء ما خوفتك وروعتك تلألأ وجه الحبر بالبِشْرِ وقال ألا تعرفني يا عمر؟ قال لا، قال أنا زيد بن سعنة، حبر اليهود لم يكن من علامات النبوة شيء إلا عرفته في وجه رسول الله إلا علامتين.. (أنه يسبق حلمه جهله ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً)، وقد عرفتهما الآن فاشهد يا عمر أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً واشهد يا عمر فوق ذلك أنى خرجت من شطر مالي صدقة على أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم.
{{وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)}.
تَذَكَّرْ أخى أن الكلمة القاسية الجافة؛ لها كلمة طيبة مرادفة تؤدي نفس المعنى تماماً بلا أذى فبالكلمة العوراء لا تنطق ولكن بما يرضى الإله من الكلام.
فقط استعن بمولاك واستعذ بالله من الشيطان الرجيم واهدأ وتفكَّر وتريَّث قبل أن تتكلَّم أو تتصرَّف.. تسلم وتغنم ويرضى اللهُ عنك ورسوله.
الخطبة الثانية تعلّمنا أيها المؤمنون من سيرة رسول الله أنه كان يتسامح كثيراً فى حق نفسه لم يغضب لنفسه ولم ينتقم لنفسه أبداً وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن حراماً كما قالت عائشة رضى الله عنها لكنه كان أحياناً ينفعل ويغضب وأحياناً كان ينتقم لكن كان غضبه لله وكان انتقامه إذا انتهكت حُرُمَاتُ الله قالت عائشة إلا أن تنتهك حُرمة لله فكان ينتقم لله بها.
الغضب من أجل الله إذا انتهكت محارمه مطلوب شرعاً ولكن بضوابطه الشرعية ضوابط جلب المصلحة ودفع المفسدة.
الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الرحيم الحليم قد غضب غضباً شديداً عندما: «خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ فوجد َالنَّاسَ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَرِ فوَقف على رؤسهم وكَأَنَّمَا تَفَقَّأَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ الْغَضَبِ قَالَ مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ».
وعندما بلغه أن معاذاً يصلى بالناس يطيل الصلاة ويشق على الناس غضب صلى الله عليه وسلم وقال: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ لا تطول بهم اقرأ بسبح اسم ربك الاعلى والشمس وضحاها ونحوها».
تجرَّد أخى من حُظوظ نفسك وقل الحق ولا تخشى فى الله أحداً، اغضب لله وانتصر لله، لكن فى حدود المسموح لك لا تتجاوز حدودك ولا تدَّعى ما ليس لك بحق.
قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم مَنْ رأى منكم مُنكرًا فإن استطاع أن يُغَيّرهُ بيده فليفعل فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
محمد سيد حسين عبد الواحد إمام وخطيب ومدرس أول.
|
|