هو وهي - [19] ويزيدها الإحراقُ إشراقاً!
والعمل الصالح لا يقتصر على صغار الأعمال الصالحة بل كل ما حدّده الله للإنسان وفي المقدمة الأهداف الكبيرة والأعمال العظيمة.
مضت سنوات ذوات عدد على زواجها منه، حين تقدّم لها درست المشروع من كل جوانبه، وجدت فيه ما تتمنّاه في شريك حياتها من خُلُقٍ ودين وثقافة وتمّيز، لفتَها بشخصيته المتّزنة الواثقة، ولكن لا يمكن أن يكمل الأمر من كل الجوانب دون أن يكون هناك شيءٌ ينغّص، فبالرغم من وجود ميزات عدّة إلا أنه استوقفها نقصٌ اعتبرَتْه يومها أساسًا في الارتباط، ولكن مَن حولها ابتداءً بأمها وانتهاءً بصديقاتها والعائلة أفهموها أنه أمر ثانوي لا يؤخذ بالاعتبار في زمنٍ قلّ فيه (العرسان)!
ثم قَبِلَت به وتزوجا وأسّسا لمسكنهما آمِلَين أن يكون السكن الروحي أيضًا، ولكن هذا النقص كان يعود بين الفينة والأُخرى ليدغدغ رغبتها بأن يكون زوجُها ذا هَمٍّ وهِمّة لهدف راق!
ففي الوقت الذي كانت تحمل هي هَمّ الدعوة والأُمّة وتتطوّع في أي مشروع تجده يحقق هدف خدمة الإسلام والارتقاء بالمسلمين وتأمين حاجات الُمعْوِزين، كان هو يتابع الأخبار مُبدِيًا ألمه وحزنه على حال هذا البلد أو ذاك، حتى إذا ما أغلق التلفاز نام على مخدّة من حرير، غير آبه بما هو حاصل، وغير مهتمّ بما يمكن أن يقدّمه من جهد ووقت لإحداث تغيير ولو بسيط!
ما كان يعي أن الاهتمام عند نشرة الأخبار فقط لن يُعيد مجدًا ضاع ولا حُرُمات انتُهِكَت ولا أرضًا اغتُصِبَت، ولن يروّع المعتدي مهما كانت هويته أو مشروعه! وكانت كلما سألته: "هل أنت سعيد؟!" أجابها: "ولمَ لا أكون؟
عملي ممتاز وأسرتي مستقرة ولديّ كلُّ ما يؤمّن راحتي وسعادتي!
ليس عندي ضغوط نفسية ولا هواجس، وإن حدثت مشكلة أستطيع حلّها، ماذا أريد أكثر من ذلك؟".. فتغصّ بِرِيقها وتُشيح بوجهها عنه لتُخفي دمعة تُلْهب خدّها!
وكانت كلّما ضاق الخِناق على المسلمين في أي مكان، ينعكس اختناقًا وحِنْقًا على ما هو عليه، فجُلّ همّه صفقة رابحة أو سهرة مريحة!
ويغلي قلبها من كل نقطة دم تسيل هنا أو خروج روح بعد صراع مع جوع أو مرض هناك، أو ظلم واقع على المسلمين من أعوان الشيطان بلغات مختلفة، تعود للاختناق، وتحلم به يمشي في طريقها الذي تؤمن به ليصل بنفسه إلى ما يجب أن يكون برأيها!
رسالتي إلى الزوجة:
لا شك أن إصرار هذه الزوجة على تغيير زوجها وأهدافه، ثم اكتئابها من حاله سيوصِلانِها على المدى البعيد إلى مشاكلَ عميقةٍ معه ولن تستطيع تعديل ما تريد إن لم يكن هو مقتنعًا به لأنه المسؤول عن نفسه وأفكاره وأهدافه، أما إن كان راضيًا عن نفسه فلن يتحمّل تكاليف التغيير و تَبِعاتِه لأنه مُجْهِد!
إذن؛ عليها التركيزُ على إيجابيات زوجها، وكذلك تقبّل الوضع الذي هي فيه لتستطيع إكمال رسالتها الزوجية والأسرية على أكمل وجه دون منغِّصات تُحيل حياتها جحيمًا ولتشكر الله تعالى أنه لم يمنعها من عمل الخير والسعي لتحقيق ما ترتجف.
ثم رسالة إلى الزوج:
ما هي تلك السعادة التي تختصر فيها الكونَ في عملٍ تُنجِزه وأسرة مستقرة تديرها؟
ألا يبدو مفهوم السعادة هنا مُقزَّمًا بالنسبة لمسلم مستخلَفٍ في الأرض؟!
هل يمكن أن يكون الهدف من الوجود هو الإطار الذي تحدد فيه اهتماماتك وانشغالاتك؟!
دراسة ثم عمل وزواج، وتستمر على هذا المنوال حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا؟!
هل هذا ما يُضفي معنىً على الحياة يستحق أن تعيش لأجله؟!
إن كان الأمر كذلك فما الذي يفرّقنا عن باقي المخلوقات؟!
توصّل باحثون غربيون إلى أن الشعور بالسعادة لمجرد تأمين الراحة والاستقرار للنفس يعكِسُ -إلى حدٍّ ما- شخصية سطحية وأنانية.
وأكّدوا على أن السعداء يجدون الحياة بسيطة والضغوط قليلة والرغبات مُشبعة.
بينما قالت الباحثة كاتلين فوس: إن الحياة ذات المعنى هي تلك التي تتجاوز الذات.
وأكد مؤسس علم النفس الإيجابي مارتن سليغمن:
"إن أولئك الذين يمتلكون معانيَ أسمى في حياتهم غالباً ما يبحثون بجِدٍّ عن المعنى، حتى عند معرفتهم أن ذلك قد يكون على حساب سعادتهم، ولأنهم استثمروا أنفسهم سلفًا لشيء أكبر من ذواتهم، فإنهم يحملون الهمَّ أيضًا، ولديهم مستوى من الضغط النفسي والتلهف في حياتهم أعلى من السعداء من البشر".
والعمل الصالح لا يقتصر على صغار الأعمال الصالحة بل كل ما حدّده الله للإنسان وفي المقدمة الأهداف الكبيرة والأعمال العظيمة.
فحين يكرّس المرء حياته لهدفٍ كبير يجدُ السعادةَ الحقيقية الثابتة، غيرَ الآنية المربوطة بلذةٍ أو شهوة أو راحة، وكلما سما الهدفُ كان معنى الحياة أعظم وكان الشعور بالسعي لهذا الهدف أروع حتى لو كان مؤلمًا.
فشمّر عن ساعد الهمّة واسلك الطريق الذي يوصِلك للهدف مستعيناً بالله جل وعلا، وتأكد أنه كلما زاد في حياتك الإحراق، يشبعها ذلك إشراقًا.
بقلم الأستاذة: سحر المصري
غفر الله لها ولوالديها وللمسلمين