هو وهي - [10] أشح يطاق؟!
ولربما كان أسوأ من بخل المادة هذا بخل العواطف والمشاعر! فحينها لا سبيل لإبقاء المودة والرحمة والسكن -أركان الزواج الأساسية- ولا غرابة في الطلاق الصامت إن حصل!
كان أقرب للحلم، أن تتزوج رجلًا ينضح كرمًا وحبّا، تلك التي لو طلبوا دمها ما بخلت، مبسوطة الكف تنفق ممّا آتاها الله جل وعلا، وربما مما لا تملك فتراها تسأل يَمنة ويُسرة، لتفرّج عن مكروبٍ دَيْنه، أو تدفع لمريض ثمن دوائه، أو تجود بدمعها وحنانها على مَن لم تستطع مساعدته فتَجبرُ قلبه!
تؤثِر على نفسها ولو كان بها خصاصة، وتزجّ بلقمة تسدّ جوع مَن ابتُلِيَ بالفقر ولو لَم يكن لديها سوى ما أعطت، ففي ذلك لذّة تنتشي بها وقُربٌ من ربِّها جُلّ وعَلا تجد حلاوته في قلبها!
يقصدها جلّ مَن حولها ممّن ضاقت بوجهه السبل، فهو يعرف أنه لن يعود خائبًا ولو بحفنة كلماتٍ تذكّره بالآخرة وعِظم أجر الصابرين! وحسبها أنها حاولت وإن أخفقت!
وحين أقدم «فارسها» تخيّلت أنه سيشاركها همّها ذاك وخصلتها المباركة وأنهما سيتنافسان في العطاء والبذل وستكون الحياة حلوةً بمرارة ضغوطها، إذ أن الله معهما يسمع ويرى تلك الأكفّ المبسوطة!
وليطمئن قلبها أنه مثلها.. سألته.. وامتحنته.. وأكّدت عليه.. فأكّد وطمْأنَ وانتفش! ثم كان بعد الزواج ما كان، وظهر ما لم يكن في الحسبان.. فذبل القلب الطيب.. وارتكس!
هي: يلزمنا بعض الأشياء للمطبخ والبيت، كتبتها لك مساءً، هلاّ أخذتها لكي لا أتأخر عليك بالغداء؟
هو: ألم يبق شيء من طعام البارحة؟
هي: من الأساس كانت الكمية قليلة وأكلنا منها ليومين!
هو (مقلِّبًا ورقة الطلبات): لوبياء؟! غالية جدًا في هذه الأيام، ثم لا داعي لهذا، ولا لذلك! وذاك اشتريته منذ فترة فهل تبخّر؟!
هي: أتحسبني أستهتر؟! لِمَ تُشعرني كلما طلبتُ منك ابتياع شيء أنني أتسوّل؟! حتى بتّ أتمنى لو لم أطالبك بشيء!
يرنّ جوّاله، يُخرِجه من جيبه ليردّ، قد ابتاع جوّالًا جديدًا، آخر موديل! وثمنه باهظ جدًا! تتلفّت إليه، وتعضّ على يدها من الندم!
مؤلمٌ أن تتوقّع من الطرف الآخر تحلّيه بصِفاتٍ تحبها ثم تجد نقيض ما توقعت، تتهاوى آمالٌ عَقَدَتْها وأحلام بنتها، ولربما -إن لم يكن هناك ما يغطّي غياب هذه الصفات- تهوي معها!
ما لم تدركه هذه الزوجة أن زوجها يعاني من البخل «الانتقائي» ففي فترة الخطبة قد تكون امتحنته ورأت منه خيرًا؛ ظهر لها أنه كريم ولكنه كذلك في الأمور التي تعنيه أو التي يراها هو مناسِبة ومقنِعة له كي يصرف المال في وجهتها، وغالبًا ما تكون مرتبطة به شخصيًا كابتياع أشياء يملكها لنفسه فيسعد!
وهذا نوعٌ جديد من البخل لا يعرفه الكثيرون، فتراهم يتساءلون ما المشكلة في الطرف الآخر، فحينًا ينفق بسخاء وأحيانًا أُخرى يقبض كفّه!!
وتكبر المشكلة حين يكون أحد الزوجين كريم إلى حدٍّ كبير ويتصدّى له زوج ممسِك! وتختلف المفاهيم على حسب الشخصية، فما يعتبره أحدهم بخلًا قد يعتبره الآخر حرصًا! ولذلك من الأهمية بمكان أن يتناول الزوجان هذا الموضوع ويفصِّلانه في أيام الخِطبة بصراحة كبيرة لتفادي مشاكل قد تتفاقم بعد الزواج!
وعادة ما يكون «بخل الزوج» هو الأكثر والأقسى، لأنه المسؤول عن النفقة والمستوى المعيشي للأسرة، وقبل إطلاق هذه الصِفة المقيتة يجب التوقف عند العديد من الأسئلة لكي لا تظلم الزوجةُ زوجها: هل يقتّر في الضروريات أم الكماليات؟
وهل يملك المال ويكنزه أم رزقه قليل؟
هل يحرم الأولاد والزوجة من المصروف ومن الترويح؟
هل يماطل في شراء الحاجيات ويُسائل عند كل فاتورة؟
وقد تكون لهذه المشكلة أسباب عديدة كالخوف من المستقبل أو الوقوع في فخ الديون أو المرور بحالات حرمان في فترة سابقة أو ربما استغلال الزوجة بالاعتماد على راتبها!
وليحذر البخيل من كراهية مَن حوله وإعراضهم عنه خاصة إن كان موسِرًا ولا يُصدَم بكثرة الشقاق والنزاع مع الزوجة المحرومة ما يُنذِر بانفصال وشيك!
وللتخلّص من هذه الصفة الذميمة قبل انعكاسها السلبي على الأسرة يجب العمل على تغيير القناعات وزيادة منسوب الإيمان والثقة بما عند الله جل وعلا: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] والدعاء بإلحاح أن يتخلّص من هذا «المرض» الذي يسبِّب بُعد الناس عنه كأنه وباء!
وهمسة للزوجة:
اصبري وصابري واحتسبي أمرك عند الله جل وعلا، واقنعي بما عندك واعتبريه ابتلاء سيعوّضك الله عنه خيرًا في الآخرة، طالبي بحق الأسرة في النفقة بلِين وتجنبي التوبيخ والاتهام بالتقصير، وانتبهي إلى أسلوبك ووقت طلبك للمال؛ فقد يكون أسلوبك ما يجرّه للعناد وعدم الإنفاق!
واستكشفي هل بخله نابع من هَمّ دَيْنٍ سيطر عليه فامسك يده؟!
تقرّبي منه وشاركيه بوضع خطة لميزانية الأسرة وأريه أنك حريصة على ماله بتنازلك عن بعض الأمور غير الأساسية، وابتعدي عن المقارنات بينك وبين مَن حولك، وحاولي أن لا تقارني بين وضعك بعد الزواج وقبله، ووازني أمورك؛ فإن شعرتِ أن الحياة لا تُطاق معه فلا بدّ من وقفة جدّيّة مع نفسك لدراسة كل الخيارات المطروحة لما فيه مصلحتك ومصلحة الأسرة كذلك!
ووقفة مع فتوى شرعية:
جاء في المُغْني لابن قدامة وجملته: "أن الزوج إذا لم يدفع إلى امرأته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة، أو دفع إليها أقل من كفايتها فلها أن تأخذ من ماله الواجب، أو تمامه بإذنه وبغير إذنه، بدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» [صحيح البخاري: 5364].
وهذا إذنٌ لها في الأخذ من ماله بغير إذنه وردٌّ لها إلى اجتهادها في قدر كفايتها وكفاية ولدها وهو متناول لأخذ تمام الكفاية».
ولربما كان أسوأ من بخل المادة هذا بخل العواطف والمشاعر! فحينها لا سبيل لإبقاء المودة والرحمة والسكن -أركان الزواج الأساسية- ولا غرابة في الطلاق الصامت إن حصل!
بقلم الأستاذة: سحر المصري
غفر الله لها ولوالديها وللمسلمين