هو وهي - [07] سأبقى أفتش عني!
إنّ الزواج بعيدًا عن الأهل ليس بالأمر السهل، وهو يحتاج إلى مجهود نفسي وجسدي أكبر، خاصة إن كان الوضع كما أشرت إليه وهنا على الفتاة التفكير مليًا قبل الإقدام على خطوة الزواج من الأساس: هل تستطيع أن تتحمل هذه المسؤولية وهذا البُعد؟
وعليها استكشاف المكان الذي ستعيش فيه وطبيعة الحياة، حتى لو كلفها ذلك زيارة البلد الذي ستستقر فيه مع زوجها، فحينها ربما تعدل عن فكرة الارتباط من أساسها إذا شعرت بانعدام طاقتها للتأقلم في هذا البيت والمحيط!
تجترّ الماضي كلما خنقتها الغربة: ماذا فعلتُ بنفسي؟!
كيف رميتُ "بي" في أتون زواج يدفعني إلى الجنون دفعًا؟!
تقلّب نظرها بين ماضٍ وحاضر ومستقبل وتُنصت لهلوَسات تزجّها في الخوف والألم غريبة أنا هنا وفي كل مرة تنتشي من نبضاته الدافئة سويعات تعود ليلفّها الصقيع من ثان!
هو: أحبك وقد أقسمت، لِم لا تصدّقين بَوْحِي؟! أم أنك سئمت؟!
هي: بل أصدّق، ولو شككتُ لحظة لفرَرْت! ولكني سئمت، نعم سئمت غربة الزمان والمكان!
هو: لم أُخفِ عنك شيئًا، أخبرتكِ أن العيش في الغربة موحش، وأنك ستفتقدين حياة اعتدتِها.
هي: ولكنك لم تخبرني أنني سأفتقد نفسي! وأنك لن تكون هنا! وأنني سأبقى أفتش عني بين الزوايا، وأتابع صدى هَمْهَماتك في الغرف الباردة! لم تخبرني أنني سأبقى حبيسة المنزل أسترق النظر إلى السماء من فوّهة صغيرة لأعرف إن كان النهار لا يزال مسيطرًا أم أن الليل قد أرخى سدوله، وأحاول أَخْذَ نَفَسٍ عميق أفتقده إلا حين أغوص في ذاكرة الأهل ومَن تركت خلفي!
هو: لم أَعِدك أنني سأترك كل شيء لأبقى رهين رغبتك والمكوث إلى جانبك.
هي: يا ضيعة الأمنيات! وخذلان الأمل!
هو: لا تحرقي المساحات الخضراء، وأبقِي مكانًا للأمل! إني – وربي - أحبك!
هي: ما قيمة الكلمات الحارّة المتناثرة حين أشعر أنني في أسفل القائمة وفي وادٍ غير الواد!؟ رُدّني إلى حضنٍ ضمّني وسماءٍ عَشقتُها!
• • •
صرخة تطلقها الكثيرات ممن ارتضين الزواج خارج حدود الوطن.
وبعض هؤلاء الزوجات يدخلن حالة اكتئاب من الوحدة، ويزداد وزن الواحدة منهن بشكل كبير بسبب عدم الحركة واللجوء إلى النهم كردة فعل للوحدة والغربة!
وهذا نذير سلبي للعلاقة الزوجية؛ إذ إنها تكون على المِحكّ عند كل سوء تفاهم صغير؛ فالقلوب حُبلى وتنتظر لحظة التنفيس!
وإن لم يستوعب الزوج الحالة النفسية التي تمر بها الزوجة جرّاء ما تتعرّض له فستُكوى الزوجة بتلك النار وحدها وتزيد وتيرة الخلافات والندم على الارتباط، أو إنها ستستسلم للواقع وترضخ للضغوط وتشلّ حركتها الفكرية وتعتبر نفسها «دخيلة» على الحياة بلا هدف ولا شأن!
فنصيحة إلى تلك الزوجة أن تعدّل مزاجها وتنظر إلى الواقع بنظرة إيجابية، وتستبدل الأفكارٍ الإيجابية بتلك السلبية.. وتُشغل نفسها بالمطالعة وزيادة الثقافة والتعمق فيما تحب عن طريق الكتب أو الإنترنت.. وقد تدخل عالم الدراسة عن بُعد أو تقوم بنشاط دعوي أو حتى تعمل بأجر، وقد أصبحت الفرص متوفرة لكل ذلك في الشبكة العنكبوتية..
كما يمكنها الالتحاق بدار لحفظ القرآن الكريم وتعلّم التجويد والتفسير وغير ذلك من العلوم التي تكون لها زادًا روحيًا وعلميًا، ثم لتفكر أنّ هدف وجودها الإنسان على هذه الأرض هو عبادة الله تعالى، فلتجعلها منحة تتقرّب فيها إلى الله عز وجل أكثر في غياب الأهل والأصحاب، مع أنّ وسائل التواصل الاجتماعي قد تيسرت بشكل كبير بعد ثورة الإنترنت بفضل الله تعالى ويمكنها اغتنام ذلك بشكل ميسّر.
وليأخذ الزوج نصيبه من الاهتمام بزوجته عبر اختياره مكانًا للسكن في المجمّعات السكنية التي تحوي مساحات واسعة وحدائق تستطيع الزوجة الاستفادة منها حين يضيق صدرها وتختار من قاطنيها مَن يتناسب مع عقليتها والتزامها وأخلاقها، ولا يتحجّج الزوج بأنّ الفتن في هذه المجمّعات كثيرة وأنه يريد أن ينأى بعائلته عنها، بل عليه أن يفكر مليًا بما قد تؤول إليه الأمور إن وصلت زوجته لمرحلة من الاكتئاب عميقة، وطالما أنه يثق بها وبحكمتها وأخلاقها -وهذه ركائز أساسية لقبول الزواج بها- فذلك داعم لقرار سكنه في هذه المجمّعات، وموازنة السلبيات والإيجابيات مهمة في هذا الجانب.
وحين يأتي المولود الجديد إن قدّر الله جلّ وعلا ذلك، يصبح الوقت جُلّه للاعتناء به خاصة أنها وحيدة، وهي بحاجة لأن تقوم بكل شيء معتمدة على الله تعالى أولاً ثم على نفسها وهذا قد يشكِّل عامل ضغط إضافي عليها؛ وبرغم استمتاعها في رعايته بسبب عاطفة الأمومة، إلا أن شعورها بالوحدة خاصة في فترة مرضه وعدم خبرتها الكافية يزيد من شعورها بالغربة.
وهنا يأتي دور الزوج المساند المتعاطف، من خلال تأمين المساعدة لها والمشاركة في الاهتمام بالطفل والسماح لها بزيارة أهلها في بلدها الأصل خلال السنة لتكون لها زادًا تكمل به مشوار الحياة في الغربة!
إنّ الزواج بعيدًا عن الأهل ليس بالأمر السهل، وهو يحتاج إلى مجهود نفسي وجسدي أكبر، خاصة إن كان الوضع كما أشرت إليه وهنا على الفتاة التفكير مليًا قبل الإقدام على خطوة الزواج من الأساس: هل تستطيع أن تتحمل هذه المسؤولية وهذا البُعد؟
وعليها استكشاف المكان الذي ستعيش فيه وطبيعة الحياة، حتى لو كلفها ذلك زيارة البلد الذي ستستقر فيه مع زوجها، فحينها ربما تعدل عن فكرة الارتباط من أساسها إذا شعرت بانعدام طاقتها للتأقلم في هذا البيت والمحيط!
نقطة هامة جدًا قبل الخوض في تجربة الزواج في الغُربة، فالحصول على "اللقب": متزوجة، لا يستحق أن نخسر "القلب" أو أن ندخل في أتون الاكتئاب والتعاسة.
بقلم الأستاذة: سحر المصري
غفر الله لها ولوالديها وللمسلمين