سورة التوبة
عناصر السورة
نقض عهد المشركين، وإِعلان الحرب عليهم والبراءة منهم
فريضة قتال مشركي العرب
مشروعية الأمان
الحكمة من البراءة من عهود المشركين
مصير المشركين إما التوبة وإما القتال
التحريض على قتال المشركين الناكثين للعهود
اختبار المسلمين واتخاذ البطانة
عمارة المساجد
فضل الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله
ولاية الآباء والإخوان الكافرين، وتفضيل الإيمان والجهاد
نصر الله للمؤمنين على الأعداء في مواضع كثيرة
تحريم دخول المشركين إلى المسجد الحرام
الأمر بمقاتلة أهل الكتاب، وأخذ الجزية منهم
افتراء اليهود والنصارى على الله بنَسبتهم الولد له سبحانه
طريقة تعامل الرهبان والأحبار مع الناس
عدد الشهور عند الله، وقتال المشركين كافة وتحريم النسيء
التحريض على الجهاد وعذاب تاركيه، ومعجزة الغار
الأمر بالخروج للجهاد في سبيل الله
تخلف المنافقين عن غزوة تبوك ومسألة الإذن لهم في ذلك
الدليل على تخلف المنافقين بغير عذر
اختلاق المنافقين أعذاراً أخرى للتخلف، وفرحتهم بالسيئة التي تصيب المؤمنين وحزنهم بالحسنة
إحباط ثواب المنافقين على نفقاتهم وصلواتهم وتعذيبهم في الدنيا والآخرة
انتهاز المنافقين الفرصة للطعن بالرسول صلى الله عليه وسلم، وحَلِفُهُم الإيمان الكاذبة
مصارف الزكاة
إيذاء المنافقين للرسول صلى الله عليه وسلم
أحوال المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك وخوفهم أن يفضحهم القرآن
صفات المنافقين وجزاؤهم الأخروي
صفات المؤمنين وجزاؤهم الأخروي
أسباب جهاد الكفار والمنافقين
كذب المنافقين وخلفهم العهد والوعد
إعابة المنافقين على المؤمنين المنفقين
فرح المتخلفين من المنافقين عن غزوة تبوك
منع المنافقين من الجهاد، ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليهم، والتحذير من الاغترار بهم
قصة حديث الصلاة على عبد الله بن أُبَيّ
استئذان زعماء المنافقين في التخلف عن الجهاد، وإقدام المؤمنين عليه
معاتبة المنافقين بالتخلف عن الجهاد
عدم تصديق المنافقين في اعتذاراتهم وأيمانهم الكاذبة
أحوال الأعراب سكان البادية
منزلة السابقين الأولين وحال منافقي المدينة وما حولها
قَبول التوبة والصدقات والأعمال الصادرة عن خلوص النية والإثابة عليها
الانتظار الصعب
المقارنة بين أهل النفاق وأهل التقوى
حال المؤمنين الصادقين في جهادهم
وجوب قطع الموالاة مع الكفار حيِّهم وميِّتهم
قَبول توبة أهل تبوك ومجازاة المخلفين الثلاثة على صدقهم
النهي عن التخلف عن الجهاد وتبيين حسن جزاء المجاهدين
توزيع المسؤوليات بين المسلمين لنشر الدين
الدعوة إلى إظهار الغلظة مع الكفار
مدى تأثير التنزيل على المؤمنين والمنافقين
امتنان الله على المؤمنين بصفات رسوله الكريم
بَين يَدَيْ السُّورَة
* هذه السورة الكريمة من السور المدنية التي تُعنى بجانب التشريع، وهي من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري عن البراء بن عازب أن آخر سورة نزلت براءة، وروى الحافظ ابن كثير: أن أول هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مرجعه من غزوة تبوك، وبعث أبا بكر الصديق أميراً على الحج تلك السنة، ليقيم للناس مناسكهم، فلما قفل أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلغاً عن رسول الله صلى الله ما فيها من الأحكام نزلت في السنة التاسعة من الهجرة، وهي السنة التي خرج فيها رسول الله عليه وسلم لغزو الروم، واشتهرت بين الغزوات النبوية بـ "غزوة تبوك" وكانت في حرٍّ شديد، وسفر بعيد، حين طابت الثمار، وأخلد الناس إلى نعيم الحياة، فكانت ابتلاء لإِيمان المؤمنين، وامتحاناً لصدقهم وإِخلاصهم لدين الله، وتمييزاً بينهم وبين المنافقين، ولهذه السورة الكريمة هدفان أساسيان -إلى جانب الأحكام الأخرى- هما:
أولاً: بيان القانون الإِسلامي في معاملة المشركين، وأهل الكتاب.
ثانياً: إِظهار ما كانت عليه النفوس حينما استنفرهم الرسول لغزو الروم.
* أما بالنسبة للهدف الأول فقد عرضت السورة إلى عهود المشركين فوضعت لها حداً، ومنعت حج المشركين لبيت الله الحرام، وقطعت الولاية بينهم وبين المسلمين، ووضعت الأساس في قبول بقاء أهل الكتاب في الجزيرة العربية، وإِباحة التعامل معهم، وقد كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين عهود ومواثيق، كما كان بينه وبين أهل الكتاب عهود أيضاً، ولكن المشركين نقضوا العهود وتآمروا مع اليهود عدة مرات على حرب المسلمين، وخانت طوائف اليهود "بنو النضير" و "بنو قريظة" و "بنو قينقاع" ما عاهدوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوا عهودهم مرات ومرات، فلم يعد من الحكمة أن يبقى المسلمون متمسكين بالعهود وقد نقضها أعداؤهم، فنزلت السورة الكريمة بإِلغاء تلك العهود ونبذها إليهم على وضوحٍ وبصيرة، لأن الناكثين لا يتورعون عن الخيانة كلما سنحت لهم الفرصة، وبذلك قطع الله تعالى ما بين المسلمين والمشركين من صلات، فلا عهد، ولا تعاهد، ولا سلم، ولا أمان بعد أن منحهم الله فرصة كافية هي السياحة في الأرض أربعة أشهر ينطلقون فيها آمنين، ليتمكنوا من النظر والتدبر في أمرهم، ويختاروا ما يرون فيه المصلحة لهم. وفي ذلك نزل صدر السورة الكريمة: {بَرَاءةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ..} الآيات.
* ثم تلتها الآيات في قتال الناقضين للعهود من أهل الكتاب: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر..} الآية، وقد تناول الحديث عنهم ما يقرب من عشرين آية، كشف الله سبحانه فيها القناع عن خفايا أهل الكتاب، وما انطوت عليه نفوسهم من خبثٍ ومكر، وحقدٍ على الإِسلام والمسلمين.
* وعرضت السورة للهدف الثاني، وهو شرح نفسيات المسلمين حين استنفرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزو الروم، وقد تحدثت الآيات عن المتثاقلين منهم والمتخلفين، والمثبطين، وكشفت الغطاء عن فتن المنافقين، باعتبار خطرهم الدائم على الإِسلام والمسلمين، وفضحت أساليب نفاقهم، وألوان فتنتهم وتخذيلهم للمؤمنين، حتى لم تدع لهم ستراً إِلا هتكته، ولا دخيلة إِلا كشفتها، وتركتهم بعد هذا الكشف والإِيضاح تكاد تلمسهم أيدي المؤمنين، وقد استغرق الحديث عنهم معظم السورة بدءاً عن قوله تعالى: {لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك..} إِلى قوله تعالى: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبةً في قلوبهم إِلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم} ولهذا سماها بعض الصحابة "الفاضحة" لأنها فضحت المنافقين وكشفت أسرارهم، قال سعيد بن جبير: سألت ابن عباس عن سورة براءة فقال: تلك الفاضحة، ما زال ينزل: ومنهم، ومنهم، حتى خفنا ألا تدع منهم أحداً، وروي عن حذيفة بن اليمان أنه قال: إِنكم تسمونها سورة التوبة، وإِنما هي سورة العذاب، والله ما تركت أحداً من المنافقين إِلا نالت منه، وهذا هو السر في عدم وجود البسملة فيها قال ابن عباس: سألت علي بن أبي طلب لِم لمْ يُكتب في براءة: {بسـمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيِمِ}؟ قال: لأن: {بسـمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيِمِ} أمان، وبراءة نزلت بالسيف، ليس فيها أمان، وقال سفيان بن عيينة، إِنما لم تكتب في صدر هذه السورة البسملة لأن التسمية رحمة، والرحمة أمان، وهذه السورة نزلت بالمنافقين وبالسيف، ولا أمان للمنافقين.
* وبالجملة فإِن هذه السورة الكريمة قد تناولت "الطابور الخامس" المندس بين صفوف المسلمين ألا وهم "المنافقون" الذين هم أشد خطراً من المشركين، ففضحتهم وكشفت أسرارهم ومخازيهم، وظلت تقذفهم بالحمم حتى لم تُبق منهم دياراً، فقد وصل بهم الكيد في التآمر على الإِسلام، أن يتخذوا بيوت الله أوكاراً للتخريب والتدمير، وإِلقاء الفتنة بين صفوف المسلمين، في مسجدهم الذي عرف باسم "مسجد الضرار" وقد نزل في شأنه أربع آيات في هذه السورة: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ..} الآيات ولم يكد النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى الوحي حتى قال لأصحابه: (انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وحرّقوه) فهدموه وكفى الله الإِسلام والمسلمين شرهم، وكيدهم، وخبثهم، وفضحهم إلى يوم الدين.
التَــســـميَــة:
تسمى هذه السورة بأسماء عديدة أوصلها بعض المفسرين إِلى أربعة عشر اسماً، قال العلامة الزمخشري: لهذه السورة عدة أسماء: (براءة، والتوبة، والمقشقشة، والمبعثرة، والمشردة، والمخزية، والفاضحة، والمثيرة، والحافرة، والمنكلة، والمدمدمة، وسورة العذاب) قال:لأن فيها التوبة على المؤمنين، وهي تقشقش من النفاق أيتبرئ منه، وتبعثر عن أسرار المنافقين، وتبحث عنها وتثيرها وتحفر عنها، وتفضحهم، وتنكل بهم، وتشردهم، وتخزيهم، وتدمدم عليهم.