قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا} أي ثم بعثنا من بعد الرسل المتقدم ذكرهم موسى بن عمران بالمعجزات الباهرات والحجج الساطعات: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ} أي أرسلناه إلى فرعون - ملك مصر في زمن موسى - وقومه: {فَظَلَمُوا بِهَا} أي كفروا وجحدوا بها ظلماً وعناداً: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} أي انظر أيها السامع ما آل إليه أمر المفسدين الظالمين كيف أغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه، وهذا أبلغُ في النكال لأعداء الله، وأشفى لقلوب أولياء الله: {وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي إني رسولٌ إليك من الخالق العظيم رب كل شيء وخالقه ومليكه: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ} أي جديرٌ بي وحقٌ عليَّ أن لا أخبر عن الله إلا بما هو حقٌ وصدق لما أعلم من جلاله وعظيم شأنه: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي جئتكم بحجة قاطعة من الله تشهد على صدقي فخلِّ واترك سبيل بني إسرائيل حتى يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطنُ آبائهم. قال أبو حيان: ولما كان فرعون قد ادعى الربوبية فاتحه موسى بقوله: {إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لينبهه على الوصف الذي ادعاه وأنه فيه مبطلٌ لا محقٌ، ولما كان قوله: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ} أردفها بما يدل على صحتها وهو قوله: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} ولما قرّر رسالته فرَّع عليها تبليغ الحكم وهو قوله: {فَأَرْسِلْ مَعِي بَنِي إِسْرَائِيلَ}: {قَالَ إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} أي قال فرعون لموسى: إن كنت جئت بآية من ربك كما تدّعي فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك في دعواك، قال ذلك على سبيل التعجيز لموسى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} أي فإذا بها حية ضخمة طويلة. قال ابن عباس: تحولت إلى حية عظيمة فاغرة فاها مسرعةً نحو فرعون و: {مُبِينٌ} أي ظاهر لا متخيَّل: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} أي أخرجها من جيبه فإذا هي بيضاء بياضاً نورانياً عجيباً يغلب نورها نور الشمس. قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض: {قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} أي قال الأشراف منهم وهم أصحاب مشورته إن هذا عالمٌ بالسحر ماهرٌ فيه، وقولهم: {عَلِيمٌ} أي بالغٌ الغاية في علم السحر وخدعه وفنونه: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} أي يخرجكم من أرض مصر بسحره: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} أي بأي شيء تأمرون أن نفعل في أمره؟ وبأي شيء تشيرون فيه؟ قال القرطبي: قال فرعون: فماذا تأمرون وقيل: هو من قول الملأ أي قالوا لفرعون وحده: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} كما يُخاطب الجبارون والرؤساء: ما ترون في كذا،: {قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} أي أخِّر أمرهما حتى ترى رأيك فيهما وأرسل في أنحاء البلاد من يجمع لك السحرة: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} أي يأتوك بكل ساحرٍ مثله ماهر في السحر، وكان رؤساء السحرة بأقصى صعيد مصر: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} في الكلام محذوفٌ يدل عليه السياق وهو أنه بعث إلى السحرة وطلب أن يُجمعوا له فلما جاءوا فرعون قالوا: إنَّ لنا لأجراً عظيماً إن نحن غلبنا موسى وهزمناه وأبطلنا سحره؟: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ} أي قال فرعون: نعم لكم الأجر وأزيدكم على ذلك بأن أجعلكم من المقربين أي من أعزّ خاصتي وأهل مشورتي. قال القرطبي: زادهم على ما طلبوا: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} أي قال السحرة لموسى: اختر إمّا أن تُلقي عصاك أو نلقي نحن عصيّنا. قال الزمخشري: تخييرهم إيّاه أدبٌ حسن كما يفعل أهل الصناعات إذا التقوا كالمتناظرين قبل أن يخوضوا في الجدال هذا ما قاله الزمخشري، والأظهر أنهم قالوا ذلك من باب الاعتزاز بالنفس وتوهم الغلبة وعدم الاكتراث بأمر موسى كما يقول المعتد بنفسه: أبدأ أو تبدأ: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} أي قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فلما ألقوا العصيّ والحبال سحروا أعين الناس أي خيلوا إليهم ما لا حقيقة له كما قال تعالى: { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}: {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} أي أفزعوهم وأرهبوهم إرهاباً شديداً حيث خيلوها حياتٍ تسعى وجاءوا بسحر عظيم يهابه من رآه قال ابن اسحق: صُفَّ خمسة عشر ألف ساحر مع كل ساحرٍ حبالُه وعصيُّه وفرعون في مجلسه مع أشراف مملكته فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد ثم ألقى رجل منهم ما في يده من العصيّ والحبال فإِذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضاً.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: سورة الأعراف: القسم الثاني الأربعاء 08 فبراير 2023, 12:27 am
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} أي أوحينا إليه بأن ألق عصاك فألقاها فإِذا هي تبتلع بسرعة ما يزوّرونه من الكذب، قال ابن عباس:: {تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} لا تمر بشيء من حبالهم وخشبهم التي ألقوها إلا التقمته: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي ثبت وظهر الحق لمن شهده وحضره، وبطل إفك السحر وكذبه ومخايله: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ} أي غُلب فرعونُ وقومهُ في ذلك المجمع العظيم وصاروا ذليلين: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا ءامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} أي خرّوا ساجدين معلنين إيمانهم بربّ العالمين لأن الحق بهرهم قال قتادة: كانوا أول النهار كفاراً سحرة وفي آخره شهداء بررة.
{قَالَ فِرْعَوْنُ ءامَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ} أي قال فرعون الجبار للسحرة آمنتم بموسى قبل أن تستأذنوني؟ والمقصود بالجملة التوبيخ: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} أي صنيعكم هذا حيلةٌ احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا إلى الميعاد لتخرجوا منها القبط وتسكنوا بني إسرائيل، قال هذا تمويهاً على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإِيمان: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي فسوف تعلمون ما يحلُّ بكم، وهذا وعيد وتهديد ساقه بطريق الإِجمال للتهويل ثم عقّبه بالتفصيل فقال: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ} أي لأقطعنَّ من كل واحد منكم يده ورجله من خلاف. قال الطبري: ومعنى: {مِنْ خِلافٍ} هو أن يقطع من أحدهم يده اليمنى ورجله اليسرى، أو يقطع يده اليسرى ورجله اليمنى فيخالف بين العضوين في القطع: {ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} أي ثم أصلبكم جميعاً تنكيلاً لكم ولأمثالكم، والصلب التعليق على الخشب حتى الموت: {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} إنّا راجعون إلى الله بالموت لا محالة فلا نخاف مما تتوعدنا به ولا نبالي بالموت وحبذا الموت في سبيل الله: {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ ءامَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا} أي ما تكره منا ولا تعيب علينا إلا إيماننا بالله وآياته كقوله: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} قال الزمخشري: أرادوا وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها وهو الإِيمان: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} أي أفضْ علينا صبراً يغمرنا عند تعذيب فرعون إيانا وتوفنا على ملة الإِسلام غير مفتونين.
{وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وءالِهَتَكَ} أي قال الأشراف لفرعون: أتترك موسى وجماعته ليفسدوا في الأرض بالخروج عن دينك وترك عبادة آلهتك وفي هذا إغراءٌ لفرعون بموسى وقومه وتحريضٌ له على قتلهم وتعذيبهم: {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} أي قال فرعون مجيباً لهم: سنقتل أبناءهم الذكور ونستبقي نساءهم للاستخدام كما كنا نفعل بهم ذلك وإنّا عالون فوقهم بالقهر والسلطان: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} أي قال موسى لقومه تسليةً لهم حين تضجروا مما سمعوا: استعينوا بالله على فرعون وقومه فيما ينالكم من أذاهم واصبروا على حكم الله: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي الأرض كلها لله يعطيها من أراد من عباده، أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي النتيجة المحمودة لمن اتقى الله: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} أي أوذينا من قبل أن تأتينا بالرسالة ومن بعدما جئتنا بها يعنون أن المحنة لم تفارقهم فهم في العذاب والبلاء قبل بعثة موسى وبعد بعثته: {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} أي لعل ربكم أن يهلك فرعون وقومه ويجعلكم تخلفونهم في أرضهم بعد هلاكهم وينظر كيف تعملون بعد استخلافكم من الإِصلاح والإِفساد، والغرضُ تحريضهم على طاعة الله، وقد حقق الله رجاء موسى فأغرق فرعون وملّك بني إسرائيل أرض مصر، قال في البحر: سلك موسى طريق الأدب مع الله وساق الكلام مساق الرجاء.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: سورة الأعراف: القسم الثاني الأربعاء 08 فبراير 2023, 12:28 am
{وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} اللام موطئة لقسم محذوف أي والله لقد ابتلينا واختبرنا فرعون وأتباعه بالجدب والقحط: {وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} أي وابتليناهم بإِذهاب الثمار من كثرة الآفات، قال المفسرون: كانت النخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة: {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي لعلهم يتعظون وترقُّ قلوبهم فإِن الشدة تجلب الإِنابة والخشية ورقة القلب، ثم بيّن تعالى أنهم مع تلك المحن والشدائد لم يزدادوا إِلا تمرداً وكفراً فقال: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أي إذا جاءهم الخِصْب والرّخاء قالوا هذه لنا وبسعدنا ونحن مستحقون لذلك: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} أي وإِذا جاءهم الجدب والشدة تشاءموا بموسى ومن معهمن المؤمنين أي قالوا: بشؤمهم قال تعالى رداً عليهم: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي إِن ما يصيبهم من خير أو شر بتقدير الله وليس بشؤم موسى، قال ابن عباس: الأمر من قِبَل الله ليس شؤمهم إِلاّ من قِبَله وحكمه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون أن ما لحقهم من القحط والشدائد من عند الله بسبب معاصيهم لا من عند موسى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي قال قوم فرعون لموسى: أي شيء تأتينا به يا موسى من المعجزات لتصرفنا عما نحن عليه فلن نؤمن لك، قال الزمخشري: فإِن قلت كيف سموها آية ثم قالوا: {لِتَسْحَرَنَا بِهَا}؟ قلت: ما سموها آية لاعتقادهم أنها آية وإِنما قصدوا بذلك الاستهزاء والتلهي قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ} أي أرسلنا عليهم المطر الشديد حتى عاموا فيه وكادوا يهلكون، قال ابن عباس: الطوفان كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار: {وَالْجَرَادَ} أي وأرسلنا عليهم كذلك الجراد فأكل زروعهم وثمارهم حتى أكل ثيابهم: {وَالْقُمَّلَ} وهو السوس حتى نخر حبوبهم وتتّبع ما تركه الجراد وقيل: هو القمل المشهور كان يدخل بين ثوب أحدهم وجلده فيمصه: {وَالضَّفَادِعَ} جمع ضفدع حتى ملأت بيوتهم وطعامهم وإِذا تكلم أحدهم وثبت الضفدع إِلى فمه: {وَالدَّمَ} أي صارت مياههم دماً فما يستقون من بئر ولا نهر إِلا وجدوه دماً: {ءايَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} أي علامات ظاهرات فيها عبرٌ وعظاتٌ ومع ذلك استكبروا عن الإِيمان: {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} أي استكبروا عن الإِيمان بها لغلوهم في الإِجرام.
{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} أي وحين نزل بهم العذاب المذكور: {قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} أي ادع لنا ربك ليكشف عنا البلاء بحق ما أكرمك به من النبوة، قال الزمخشري: أي أسعفنا إِلى ما نطلب إِليك من الدعاء لنا بحق ما عندك من عهد الله وكرامته بالنبوة: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} اللام لام القسم أي والله لئن رفعت عنا العذاب الذي نحن فيه يا موسى لنصدقنَّ بما جئت به ولنطلقنَّ سراح بني إسرائيل، وقد كانوا يستخدمونهم في أرذل الأعمال: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ} أي فلما كشفنا بدعاء موسى عنهم العذاب إِلى حدٍّ من الزمان هم واصلون إِليه ولا بدَّ. قال ابن عباس: هو وقت الغَرق: {إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} أي إِذا هم ينقضون عهودهم ويصرّون على الكفر: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} أي فانتقمنا منهم بالإِغراق في البحر: {بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} أي بسبب تكذيبهم بآيات الله وإِعراضهم عنها وعدم مبالاتهم بها.
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} أي وأورثنا بني إِسرائيل الذين كانوا يُستذلون بالخدمة أرض الشام وملّكناهم جميع جهاتها ونواحيها: مشارقها ومغاربها: {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بالخيرات وكثرة الثمرات: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي تمَّ وعد الله الصادق بالتمكين لبني إِسرائيل في الأرض ونصره إِياهم على عدوهم، قال الطبري: وكلمتُه الحسنى هي قوله جل ثناؤه: {ونريد أن نُمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ..} الآية: {بِمَا صَبَرُوا} أي بسبب صبرهم على الأذى: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} أي خرّبنا ودمّرنا القصور والعمارات التي كان يشيدها فرعون وجماعته وما كانوا يعرشون من الجنّات والمزارع.
وإِلى هنا تنتهي قصة فرعون وقومه ويبتدئ الحديث عن بني إِسرائيل وما أغدق الله عليهم من النعم الجسام، وأراهم من الآيات العظام، تسليةً لرسوله عليه الصلاة والسلام مما رآه منهم قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} أي عبرنا ببني إِسرائيل البحر وهو بحر القُلْزم عند خليج السويس الآن: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} أي مروا على قوم يلازمون على عبادة أصنام لهم: {قَالُوا يَامُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} أي اجعل لنا صنماً نعبده كما لهم أصنام يعبدونها، قال ابن عطية: الظاهر أنهم استحسنوا ما رأوا فأرادوا ان يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقربُ به إلى الله إلا فبعيدٌ أن يقولوا لموسى اجعل لنا إلهاً نُفرده بالعبادة: {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أي إِنكم قوم تجهلون عظمة الله وما يجب أن ينزّه عنه من الشريك والنظير، قال الزمخشري: تعجَّبَ من قولهم على أثر ما رأوا من الآية العظمى، والمعجزة الكبرى فوصفهم بالجهل المطلق وأكّده، لأنه لا جهل أعظم مما رأى منهم ولا أشنع: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} أي هالك مدمَّر ما هم فيه من الدين الباطل وهو عبادة الأصنام: {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي باطل عملهم مضمحلٌ بالكلية لأنهم عبدوا ما لا يستحق العبادة: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي أأطلب لكم معبوداً غير الله المستحق للعبادة والحال أنَّ الله فضَّلكم على غيركم بالنعم الجليلة، قال الطبري: فضَّلكم على عالمي دهركم وزمانكم: {وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} أي واذكروا يا بني إِسرائيل النعم التي سلفت مني إِليكم حين أنجيتكم من قوم فرعون يذيقونكم أفظع أنواع العذاب وأسوأه ثم فسره بقوله: {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} أي يذبحون الذكور ويستبقون الإِناث لامتهانهن في الخدمة: {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} أي وفي هذا العذاب اختبار وابتلاء من الله لكم عظيم فنجاكم منه أفلا تشكرونه؟
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: سورة الأعراف: القسم الثاني الأربعاء 08 فبراير 2023, 12:28 am
{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} أي وعدنا موسى لمناجاتنا ثلاثين ليلة وأكملناها بعشر ليالٍ فتمت المناجاة أربعين ليلة. قال الزمخشري: روي أن موسى وعد بني إِسرائيل وهو بمصر إِن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتابٍ من عند الله فيه بيانُ ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعونُ سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوماً وهو شهر ذي القعدة فلما أتمَّ الثلاثين أنكر خلوف فمه "تغير رائحته" فتسوّك فأوحى الله تعالى إِليه: أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك فأمره تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة: {وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} أي كن خليفتي فيهم إِلى أن أرجع: {وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}أي وأصلحْ أمرهم ولا تسلك طريق الذين يفسدون في الأرض بمعصيتهملله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} أي ولما جاء موسى للوقت الذي وعدناه فيه وناجاه ربه وكلمه من غير واسطة: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} أي أرني ذاتك المقدسة أنظر إليها، قال القرطبي: اشتاق إِلى رؤية ربه لمّا أسمعه كلامه فسأل النظر إِليه: {قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} أي أجابه ربه لن تستيطع رؤيتي في الدنيا فإِن هذه البنية البشرية لا طاقة لها بذلك ولكنْ سأتجلّى لما هو أقوى منك وهو الجبل فإِن ثبت الجبل مكانه ولم يتزلزل فسوف تراني أي تثبت لرؤيتي وإِلاّ فلا طاقة لك: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أي فلما ظهر من نور الله وتجلّيه اندك الجبل وتفتّت وسقط موسى مغشياً عليه من هول ما رأى. وفي الحديث: فساخ الجبل: {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} أي فلما صحا من غشيته قال تنزيهاً لك يا رب وتبرئة أن يراك أحدٌ في الدنيا تبتُ إِليك من سؤالي رؤيتك في الدنيا وأنا أول المؤمنين بعظمتك وجلالك: {قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} أي اخترتك على أهل زمانك بالرسالة الإِلهية وبتكليمي إِياك بدون واسطة: {فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ} أي خذ ما أعطيتك من شرف النبوة والحكمة: {وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} واشكر ربك على ما أعطاك من جلائل النعم. قال أبوالسعود: والآية مسوقة لتسليته عليه السلام من عدم الإِجابة إِلى سؤال الرؤية كأنه قيل: إِن منعتك الرؤية فقد أعطيتك من النعم العظام ما لم اعط أحداً من العالمين فاغتنمها وثابرْ على شكرها: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} أي كتبنا له كل شيء كان بنو إِسرائيل محتاجين إِليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام مبيّنة للحلال والحرام كلُّ ذلك في ألواح التوراة: {مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} أي ليتعظوا بها ويزد جروا وتفصيلاً لكل التكاليف الشرعية: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} أي خذ التوراة بجدٍّ واجتهادٍ شأن أولي العزم: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} أي وأمر بني إِسرائيل بالحث على اختيار الأفضل كالأخذ بالعزائم دون الرخص فالعفو أفضل من القصاص، والصبر أفضل من الانتصار كما قال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} قال ابن عباس: أُمر موسى أن يأخذها بأشدّ مما أُمر به قومه: {سَأُورِيْكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} أي سترون منازل الفاسقين - فرعون وقومه - كيف أقفرت منهم ودُمِّروا لفسقهم لتعتبروا فلا تكونوا مثلهم، فإِن رؤيتها وهي خالية عن أهلها موجبة للاعتبار والانزجار.
{سَأَصْرِفُ عَنْ ءايَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي سأمنع المتكبرين عن فهم آياتي فلا يتفكرون، ولا يتدبرون بما فيها، وأطمس على قلوبهم عقوبةً لهم على تكبرهم قال الزمخشري: وفيه إِنذار للمخاطبين من عاقبة الذين يُصرفون عن آيات الله لتكبرهم وكفرهم بها لئلا يكونوا مثلهم فيسلك بهم سبيلهم: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ ءايَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} أي وإِن يشاهدوا كل آية قرآنية من الآيات المنزلة عليهم أو يرَوْا كل معجزة ربانية لا يصدقوا بها: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} أي وإِن يروا طريق الهدى والفلاح لا يسلكوه: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} أي وإِن يروا طريق الضلال والفساد سلكوه كقوله: {فهديناهم فاستحبوا العمى على الهُدى}: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي ذلك الانحراف عن هَدْي الله وشرعه بسبب تكذيبهم بآيات الله: {وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} أي وغفلتهم عن الآيات التي بها سعادتهم حتى لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي جحدوا بما أنزل الله: {وَلِقَاءِ الآخِرَةِ} أي وكذبوا بلقاء الله في الآخرة أي لم يؤمنوا بالبعث بعد الموت: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي بطلت أعمالهم الخيرية التي عملوها في الدنيا من إِحسانٍ وصلة رحم وصدقة وأمثالها وذهب ثوابها لعدم الإِيمان: {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي هل يُثابون أو يعاقبون إِلا بما عملوا في الدنيا؟
{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} قال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى عن ضلال من ضلَّ من بني إِسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامريُّ من الحليّ، فشكّل لهم منه عجلاً جسداً لا روح فيه وقد احتال بإِدخال الريح فيه حتى صار يسمع له خُوار أي صوتُ كصوت البقر ومعنى: {مِنْ بَعْدِهِ} أي من بعد ذهاب موسى إِلى الطور لمناجاة ربه: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي كيف عبدوا العجل واتخذوه إِلهاً مع أنه ليس فيه شيء من صفات الخالق الرازق، فإِنه لا يملك قدرة الكلام ولا قدرة هدايتهم إِلى سبيل السعادة فكيف يتخذ إِلهاً؟: {اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} أي عبدوا العجل واتخذوه إِلهاً فكانوا ظالمين لأنفسهم حيث وضعوا الأشياء في غير موضعها، وتكرير لفظ: {اتَّخَذُوا} لمزيد التشنيع عليهم: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ} أي ندموا على جنايتهم واشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل: {وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا} أي تبينوا ضلالهم تبيناً جلياً كأنهم أبصروه بعيونهم: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا} أي لئن لم يتداركنا الله برحمته ومغفرته: {لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} أي لنكوننَّ من الهالكين، قال ابن كثير: وهذا اعترافٌ منهم بذنبهم والتجاءٌ إِلى الله عز وجل.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: سورة الأعراف: القسم الثاني الأربعاء 08 فبراير 2023, 12:29 am
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ} أي ولما رجع موسى من المناجاة: {غَضْبَانَ} مما فعلوه من عبادة العجل: {أَسِفًا} أي شديد الحزن: {قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} أي بئس ما فعلتموه بعد غيبتي حيث عبدتم العجل: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} أي أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظار موسى حتى يرجع من الطور؟ والاستفهام للإِنكار: {وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} أي طرح الألواح لما عراه من شدة الغم، وفرط الضجر غضباً لله من عبادة العجل، وأخذ بشعر رأس أخيه هارون يجره إليه ظناً منه أنه قصَّر في كفهم عن ذلك وكان عليه السلام شديد الغضب لله سبحانه، قال ابن عباس: لمّا عاين قومه وقد عكفوا على العجل ألقى الألواح فكسرها غضباً لله وأخذ برأس أخيه يجره إليه: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} أي قال هارون يا ابن أمي -وهو نداء استعطاف وترفق- إن القوم استذلوني وقهروني وقاربوا قتلي حين نهيتهم عن ذلك فأنا لم أقصّر في نصحهم: {فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي لا تُسئْ إليَّ حتى يُسرَّ الأعداء بي ويشمتوا بإهانتك إليَّ ولا تجعلني في عداد الظالمين بالمؤاخذة أو النسبة إلى التقصير، قال مجاهد: {الظَّالِمِينَ} أي الذين عبدوا العجل: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} لما تحقق لموسى براءة ساحة هارون عليه السلام من التقصير طلب عند ذلك المغفرة له ولأخيه فقال: {اغْفِرْ لِي وَلأَخِي} الآية قال الزمخشري: استغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه، ولأخيه مما عسى أن يكون فرط منه في حين الخلافة، وطلب ألاّ يتفرقا عن رحمته، ولا تزال منتظمة لهما في الدنيا والآخرة.
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي إن الذين عبدوا العجل - ذكر البقر - واتخذوه إلهاً سيصيبهم غضب شديد من الرحمن، وينالهم في الدنيا الذل والهوان، قال ابن كثير: أما الغضب الذي نال بني إسرائيل فهو أن الله تعالى لن يقبل لهم توبة حتى يقتل بعضُهم بعضاً، وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلاً وصَغَاراً في الحياة الدنيا: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} أي كما جازينا هؤلاء بإِحلال الغضب والإِذلال كذلك نجزي كل من افترى الكذب على الله قال سفيان بن عُيينة: كلُّ صاحب بدعة ذليل: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَءامَنُوا} أي عملوا القبائح والمعاصي ثم تابوا ورجعوا إلى الله من بعد اقترافها وداموا على إيمانهم وأخلصوا فيه: {إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} أي إنَّ ربك يا محمد من بعد تلك التوبة لغفور لذنوبهم رحيم بهم قال الألوسي: وفي الآية إعلامٌ بأنَّ الذنوب وإن جلّتْ وعظمت فإن عفو الله تعالى وكرمه أعظم وأجلُّ، وما ألطف قول أبي نواس غفر الله تعالى له: يا ربِّ إنْ عَظُمتْ ذنوبي كثــرةً فلقد علمتُ بأنَّ عفوكَ أعظمُ إن كانَ لا يَرْجوكَ إلا محســنُ فبمنْ يلوذُ ويستجيرُ المــجرمُ؟
{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} أي سكن غضب موسى على أخيه وقومه: {أَخَذَ الأَلْوَاحَ} أي ألواح التوراة التي كان ألقاها: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ} أي وفيما نُسخ فيها وكُتب هداية للحق ورحمة للخلق بإرشادهم إلى ما فيه سعادة الدارين: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} أي هذه الرحمة للذين يخافون الله ويخشون عقابه على معاصيه.
{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا} أي اختار موسى من قومه سبعين رجلاً ممن لم يعبدوا العجل للوقت الذي وعده ربه الإِتيان فيه للاعتذار عن عبادة العجل: {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} أي فلما رجف بهم الجبل وصعقوا: {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ} أي قال موسى على وجه التضرع والإِستسلام لأمر الله: لو شئت يا ربِّ أن تهلكنا قبل ذلك لفعلتَ فإِنّا عبيدك وتحت قهرك وأنت تفعل ما تشاء: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا}؟ أي أتهلكنا وسائر بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء السبعون في قولهم:: {أرنا الله جهرة}؟ والاستفهام استفهام استعطاف وتذلل فكأنه يقوله: لا تعذبنا يا ألله بذنوب غيرنا قال الطبري في رواية السدي: إن الله أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناسٍ من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، ووعدهم موعداً فاختار موسى من قومه سبعين رجلاً على عينه ثم ذهب بهم ليعتذروا فلما أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة، فإِنك قد كلمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول: رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهُم وقد أهلكتَ خيارهم لو شئت أهلكتَهم من قبل وإياي" أقول: إذا كان هذا قول الأخيار من بني إسرائيل فكيف حال الأشرار منهم؟ نعوذ بالله من خبث اليهود: {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ} أي ما هذه الفتنة التي حدثت لهم إلا محنتك وابتلاؤك تمتحن بها عبادك: {تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} أي تضل بهذه المحنة من تشاء إضلاله وتهدي من تشاء هدايته: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} أي أنت يا رب متولي أمورنا وناصرنا وحافظنا فاغفر لنا ما قارفناه من المعاصي وارحمنا برحمتك الواسعة الشاملة: {وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} أي أنت خير من صفح وستر، تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: سورة الأعراف: القسم الثاني الأربعاء 08 فبراير 2023, 12:29 am
{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} هذا من جملة دعاء موسى عليه السلام أي حقّقْ وأثبتْ لنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} أي تبنا ورجعنا إليك من جميع ذنوبنا: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} أي قال تعالى أما عذابي فأصيب به من أشاء من عبادي وأما رحمتي فقد عمَّتْ خلقي كلهم. قال أبو السعود: وفي نسبة الإِصابة إلى العذاب بصيغة المضارع ونسبة السعة إلى الرحمة بصيغة الماضي إيذانٌ بأن الرحمة مقتضى الذات، وأما العذاب فمقتضى معاصي العباد: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} أي سأجعل هذه الرحمة خاصة في الآخرة بالذين يتقون الكفر والمعاصي ويعطون زكاة أموالهم ويصدّقون بجميع الكتب والأنبياء: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} أي هؤلاء الذين تنالهم الرحمة هم الذين يتبعون محمداً صلى الله عليه وسلم النبيَّ العربي الأمي أي الذي لا يقرأ ولا يكتب، قال البيضاوي: وإنما سمّاه رسولاً بالإِضافة إلى الله تعالى، ونبياً بالإِضافة إلى العباد: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ} أي الذي يجدون نعته وصفته في التوراة والإِنجيل.قال ابن كثير: هذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثته وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ} أي لا يأمر إلا بكل شيء مستحسن ولا ينهى إلا عن كل شيء قبيح: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} أي يحل لهم ما حرّم عليهم من الأشياء الطيبة بشؤم ظلمهم ويُحرّم عليهم ما يستخبث من نحو الدم والميتة ولحم الخنزير: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} أي يخفف عنهم ما كلفوه من التكاليف الشاقة التي تشبه الأغلال كقتل النفس في التوبة وقطع موضع النجاسة من الثوب والقصاص من القاتل عمداً كان القتل أو خطأً وشبه ذلك: {فَالَّذِينَ ءامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} أي فالذين صدقوا بمحمد وعظّموه ووقّروه ونصروا دينه: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ} أي واتبعوا قرآنه المنير وشرعه المجيد: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي هم الفائزون بالسعادة السرمدية.
عموم رسالة الإسلام للناس كافة {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}
{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} هذا بيان لعموم رسالته صلى الله عليه وسلم لجميع الخلق أي قل يا محمد للناس إني رسولٌ من عند الله إلى جميع أهل الأرض: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي المالك لجميع الكائنات: {لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِِ وَيُمِيتُ} أي لا ربَّ ولا معبود سواه فهو الإِله القادر على الإِحياء والإِفناء: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي صدّقوا بآيات الله وصدقوا برسوله المبعوث إلى جميع خلقه: {النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ} أي آمنوا بالنبي الأمي صاحب المعجزات الذي لا يقرأ ولا يكتب المصدق بالكتب التي أنزلها الله عليه وعلى غيره من الأنبياء: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي اسلكوا طريقه واقتفوا أثره رجاء اهتدائكم إلى المطلوب.
أَتباع الحق من قوم موسى، ونعم الله تعالى على بني إسرائيل في صحراء التيه {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}
{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أي ومن بني اسرائيل جماعة مستقيمون على شريعة الله يهدون الناس بكلمة الحق لا يجورون. قال الزمخشري: لما ذكر تعالى الذين تزلزلوا منهم في الدين وارتابوا حتى أقدموا على العظيمتين: عبادة العجل، وطلب رؤية الله، ذكر أن منهم أمة موقنين ثابتين يهدون الناس بكلمة الحق ويدلونهم ويرشدونهم على الاستقامة: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} أي وفرقنا بني إسرائيل فجعلناهم قبائل شتّى اثنتي عشرة قبيلة من اثني عشر ولداً من أولاد يعقوب. قال أبو حيان: أي فرقناهم وميزّناهم أسباطاً ليرجع أمر كل سبط أي "قبيلة" إلى رئيسه ليخفَّ أمرهم على موسى ولئلا يتحاسدوا فيقع الهرج، ولهذا فجّر لهم اثنتي عشرة عيناً لئلا يتنازعوا ويقتتلوا على الماء، وجعل لك سبطٍ نقيباً ليرجعوا في أمورهم إليه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ} أي حين استولى عليهم العطش في التيه: {أَنِ اضْرِب بِعَصَاكَ الْحَجَرَ} أي أوحينا إِليه أن يضرب الحجر بعصاه فضربه: {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} أي انفجرت من الحجر اثنتا عشرة عيناً من الماء بعدد الأسباط: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} أي قد عرف كل سبطٍ وجماعة منهم عينهم الخاصة بهم، قال الطبري: لا يدخل سبطٌ على غيره في شربه: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} أي جعلنا الغمام يكنّهم من حر الشمس ويقيهم من أذاها، قال الألوسي: وكان الظلُّ يسير بسيرهم ويسكن بإقامتهم: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} أي وأكرمناهم بطعام شهي هو: {الْمَنَّ} وهي شيء حلوٌ ينزل على الشجر يجمعونه ويأكلونه و{السَّلْوَى} وهو طائر لذيذ اللحم يسمى السُمَّاني، كلُّ ذلك من إفضال الله وإنعامه عليهم دون جهدٍ منهم: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي وقلنا لهم كلوا من هذا الشيء الطيب اللذيذ الذي رزقناكم إياه: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} في الكلام محذوف تقديره: فكفروا بهذه النعم الجليلة وما ظلمونا ولكنْ ظلموا أنفسهم حيث عرّضوها بالكفر لعذاب الله.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: سورة الأعراف: القسم الثاني الأربعاء 08 فبراير 2023, 12:30 am
أمر بني إسرائيل بسكنى بيت المقدس {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ} أي واذكر لهم حين قلنا لأسلافهم اسكنوا بيت المقدس وكلوا من مطاعمها وثمارها من أي جهة ومن أي مكان شئتم منها: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} أي وقولوا حين دخولكم: يا ألله حُطَّ عنا ذنوبنا: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ} أي نمح عنكم جميع الذنوب التي سلفت منكم{سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} أي وسنزيد من أحسن عمله بامتثال أمر الله وطاعته فوقَ الغفران دخولَ الجنان: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} أي غيَّر الظالمون منهم أمر الله بقولهم كلاماً لا يليق حيث قالوا بدل: {حِطَّةٌ} حنطة في شعيرة وبدل أن يدخلوا ساجدين خشوعاً لله دخلوا يزحفون على أستاههم "أدبارهم" سخرية واستهزاء بأوامر الله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ} أي فأرسلنا عليهم عذاباً من السماء بسبب ظلمهم وعدوانهم المستمر سابقاً ولاحقاً قال أبو السعود: والمراد بالعذاب "الطاعون" روي أنه مات منهم في ساعة واحدة أربعةٌ وعشرون ألفاً.
{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} أي واسأل يا محمد اليهود عن أخبار أسلافهم وعن أمر القرية التي كانت بقرب البحر وعلى شاطئه ماذا حلَّ بهم لما عصوا أمر الله واصطادوا يوم السبت؟ ألم يمسخهم الله قردة وخنازير؟ قال ابن كثير: وهذه القرية هي (أيلة) وهي على شاطئ بحر القلزم: {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} أي يتجاوزون حدّ الله فيه وهو اصطيادهم يوم السبت: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا} أي حين كانت الحيتان "الأسماك" تأتيهم يوم السبت - وقد حُرّم عليهم الصيدُ فيه - كثيرةً ظاهرةً على وجه الماء: {وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} أي وفي غير يوم السبت وهي سائر الأيام لا تأتيهم بل تغيب عنهم وتختفي: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أي مثل ذلك البلاء العجيب نختبرهم ونمتحنهم بإظهار السمك لهم على وجه الماء في اليوم المحرَّم عليهم صيده وإخفائها عنهم في اليوم الحلال بسبب فسقهم وانتهاكهم حرمات لله. قال القرطبي: روي أنها كانت في زمن داود عليه السلام وأن إبليس أوحى إليهم فقال: إنما نُهيتُم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء فيأخذونها يوم الأحد ويحتالون في صيدها: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} قال ابن كثير: يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق: فرقة ارتكبت المحظور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} أي لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم قد هلكوا واستحقوا العقوبة من الله فلا فائدة في نهيكم إياهم؟: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي قال الناهون: إنما نعظهم لنعذر عند الله بقيامنا بواجب النصح والتذكير: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي ينزعون عمَّا هم فيه من الإِجرام، قال الطبري: أي لعلهم أن يتقوا الله فينيبوا إلى طاعته ويتوبوا من معصيتهم إيّاه وتعدّيهم في السبت: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} أي فلما تركوا ما ذكّرهم به صلحاؤهم ترك الناسي للشيء وأعرضوا عن قبول النصيحة إعراضاً كلياً: {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} أي نجينا الناهين عن الفساد في الأرض: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي وأخذنا الظالمين والعصاة بعذابٍ شديد وهم الذين ارتكبوا المنكر: {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} أي بسبب فسقهم وعصيانهم لأمر الله: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ} أي فلما استعصوا وتكبروا عن ترك ما نهو عنه: {قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} أي مسخناهم إلى قردة وخنازير، والمعنى أنهم عُذبوا أولاً بعذاب شديد فلما لم يرتدعوا وتمادوا في الطغيان مسخوا قردة وخنازير، والحاصل أن أصحاب القرية انقسموا ثلاث فرق: فرقةٌ عصتْ فحلَّ بها العذاب، وفرقة نهت ووعظت فنجاها الله من العذاب، وفرقة اعتزلت فلم تنه ولم تُقارف المعصية وقد سكت عنها القرآن، قال ابن عباس: ما أدري ما فعل بالفرقة الساكتة أنجوا أم هلكوا؟ قال عكرمة: فلم أزل به حتى عرّفته أنهم قد نجوا لأنهم كرهوا ما فعله أولئك، فكساني حلة.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} أي واذكر يا محمد حين أعلم ربك ليسلطنَّ على اليهود إلى قيام الساعة من يذيقهم أسوأ العذاب بسبب عصيانهم ومخالفتهم أمر الله واحتيالهم على المحارم، وقد سلّط الله عليهم بختنصّر فقتلهم وسباهم، وسلّط عليهم النصارى فأذلوهم وضربوا عليهم الجزية، وسلَّط عليهم محمداً صلى الله عليه وسلم فطهّر الأرض من رجسهم وأجلاهم عن الجزيرة العربية، وسلّط عليهم أخيراً "هتلر" فاستباح حماهم وكاد أن يبيدهم ويفنيهم بالقتل والتشريد في الأرض، ولا يزال وعد الله بتسليط العذاب عليهم سارياً إلى أن يقتلهم المسلمون في المعركة الفاصلة إن شاء الله ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله: {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} أي سريع العقاب لمن عصاه وغفورٌ رحيم لمن أطاعه: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا} أي فرّقناهم في البلاد طوائف وفرقاً ففي كل بلدة فرقة منهم، وليس لهم إقليم يملكونه حتى لا تكون لهم شوكة، وما اجتمعوا في الأرض المقدسة في هذه الأيام إلا ليذبحوا بأيدي المؤمنين إن شاء الله كما وعد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود..) الحديث أخرجه مسلم ثم بيّن تعالى أنهم ليسوا جميعاً فجاراً بل فيهم الأخيار وفيهم الأشرار فقال: {مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ} أي منهم من آمن وهم قلة قليلة ومنهم من انحطّ عن درجة الصلاح بالكفر والفسوق وهم الكثرة الغالبة: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي اختبرناهم بالنعم والنقم والشدة والرخاء لعلهم يرجعون عن الكفر والمعاصي: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ} قال ابن كثير: أي خلف من بعد ذلك الجيل الذي فيهم الصالح والطالح خلْفٌ آخر لا خير فيهم ورثوا الكتاب وهو التوراة عن آبائهم: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} أي يأخذون ذلك الشيء الدنيء من حطام الدنيا من حلال وحرامٍ ويقولون متبجحين: سيغفر الله لنا ما فعلناه، وهذا اغترار منهم وكذب على الله: {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} أي يرجون المغفرة وهم مصرّون على الذنب كلما لاح لهم شيء من حطام الدنيا أخذوه لا يُبالون من حلالٍ كان أو حرام: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ} الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي ألم يؤخذ عليهم العهد المؤكد في التوراة أن يقولوا الحق ولا يكذبوا على الله؟ فكيف يزعمون أنه سيغفر لهم مع إصرارهم على المعاصي وأكل الحرام؟: {وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} في هذا أعظم التوبيخ لهم أي والحال أنهم درسوا ما في الكتاب وعرفوا ما فيه المعرفة التامة من الوعيد على قول الباطل والافتراء على الله: {وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} أي والآخرة خير للذين يتقون الله بترك الحرام: {أَفَلا تَعْقِلُونَ}؟ الاستفهام للإِنكار أي أفلا ينزجرون ويعقلون؟ والمراد أنهم لو كانوا عقلاء لما آثروا الفانية على الباقية: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} أي يتمسكون في أمور دينهم بما أنزله الله ويحافظون على أداء الصلاة في أوقاتها: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} أي لا نضيع أجرهم بل نجزيهم على تمسكهم وصلاحهم أفضل وأكرم الجزاء. {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ} أي اذكر حين اقتلعنا جبل الطور ورفعناه فوق رؤوس بني إسرائيل: {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} أي كأنه سقيفة أو ظلة غمام: {وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} أي أيقنوا أنه ساقط عليهم إن لم يمتثلوا الأمر، قال المفسرون: روي أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة لغلظها وثقلها فرفع الله الطور على رؤوسهم وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها وإلاّ ليقعنَّ عليكم فلما نظروا إلى الجبل خرَّ كل واحد منهم ساجداً خوفاً من سقوطه ثم قال تعالى: {خُذُوا مَا ءاتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} أي وقلنا لهم خذوا التوراة بجد وعزيمة: {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي اذكروا ما فيه بالعمل واعملوا به لتكونوا في سلك المتقين.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: سورة الأعراف: القسم الثاني الأربعاء 08 فبراير 2023, 12:30 am
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءادَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} قال الطبري: أي واذكر يا محمد إذْ استخرج ربك أولاد آدم من أصلاب آبائهم فقرّرهم بتوحيده وأشهد بعضَهم على بعض بذلك، قال ابن عباس: مسح الله ظهر آدم فاستخرج منه كلَّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة. {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} أي وقرّرهم على ربوبيته ووحدانيته فأقروا بذلك والتزموه: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} أي لئلا تقولوا يوم الحساب إنا كنا عن هذا الميثاق والإِقرار بالربوبية غافلين لم ننبه عليه: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ ءابَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} أي ولكيلا تقولوا يوم القيامة أيضاً نحن ما أشركنا وإنما قلدنا آباءنا واتبعنا منهاجهم فنحن معذورون: {أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} أي أفتهلكنا بإشراك من أشرك من آبائنا المضلّين بعد اتباعنا منهاجهم على جهلٍ منا بالحق؟: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي وكما بينا الميثاق نبيّن الآيات ليتدبرها الناس وليرجعوا عما هم عليه من الإِصرار على الباطل وتقليد الآباء.
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءاتَيْنَاهُ ءايَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا} أي واتل يا محمد على اليهود خبر وقصة ذلك العالم الذي علمناه علم بعض كتب الله فانسلخ من الآيات كما تنسلخ الحية من جلدها بأن كفر بها وأعرض عنها: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} أي فلحقه الشيطان واستحوذ عليه حتى جعله في زمرة الضالين الراسخين في الغَواية بعد أن كان من المهتدين قال ابن عباس: هو "بلعم بن باعوراء" كان عنده اسم الله الأعظم. وقال ابن مسعود: هو رجل من بني إسرائيل بعثه موسى إلى ملك "مَدْيَنَ" داعياً إلى الله فرشاه الملك وأعطاه المُلْك على أن يترك دين موسى ويتابع الملك على دينه ففعل وأضل الناس بذلك: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي لو شئنا لرفعناه إلى منزلة العلماء الأبرار ولكنه مال إلى الدنيا وسكن إليها وآثر لذاتها وشهواتها على الآخرة واتبع ما تهواه نفسه فانحط أسفل سافلين: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} أي فمثله في الخسة والدناءة كمثل الكلب إن طردته وزجرته سعى فلَهَث، وإن تركته على حاله لَهَث، وهو تمثيل بادي الروعة ظاهر البلاغة: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي هذا المثل السيء هو مثلٌ لكل من كذّب بآيات الله، وفيه تعريضٌ باليهود فقد أوتوا التوراة وعرفوا صفة النبي عليه الصلاة والسلام فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وانسلخوا من حكم التوراة: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أي اقصص على أمتك ما أوحينا إليك لعلهم يتدبرون فيها ويتعظون: {سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أي بئس مثلاً مثلُ القوم المكذبين بآيات الله: {وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} أي وما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم فإن وباله لا يتعداها.
{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمً الْخَاسِرُونَ} أي من هداه الله فهو السعيد الموفق، ومن أضله فهو الخائب الخاسر لا محالة، والغرضُ من الآية بيان أن الهداية والإِضلال بيد الله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} أي خلقنا لجهنم ليكونوا حطباً لها خلقاً كثيراً كائناً من الجن والإِنس، والمراد بهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} أي لهم قلوب لا يفهمون بها الحق: {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا} أي لا يبصرون بها دلائل قدرة الله بصر اعتبار: {وَلَهُمْ ءاذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} أي لا يسمعون بها الآيات والمواعظ سماع تدبر واتعاظ، وليس المراد نفي السمع والبصر بالكلية وإنما المراد نفيها عما ينفعها في الدين: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} أي هم كالحيوانات في عدم الفقه والبصر والاستماع بل هم أسوأ حالاً من الحيوانات فإنها تدرك منافعها ومضارها وهؤلاء لا يميزون بين المنافع والمضار ولهذا يُقْدمون على النار: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} أي الغارقون في الغفلة.
أسماء الله الحسنى {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} أي لله الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها لإِنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها فسمّوه بتلك الأسماء: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} أي اتركوا الذين يميلون في أسمائه تعالى عن الحق كما فعل المشركون حيث اشتقوا لآلهتهم أسماء منها كاللات من الله، والعُزَّى من العزيز، ومناة من المنّان: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي سينالون جزاء ما عملوا في الآخرة.
{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} أي ومن بعض الأمم التي خلقنا أمة مستمسكة بشرع الله قولاً وعملاً يدعون الناس إلى الحق وبه يعملون ويقضون، قال ابن كثير: والمراد في الآية هذه الأمة المحمدية لحديث (لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خَذَلَهم ولا من خَالَفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) وهذه الطائفة لا تختص بزمان دون زمان بل هم في كل زمان وفي كل مكان، فالإِسلام دائماً يعلو ولا يُعلى عليه وإن كثر الفُسَّاق وأهل الشر فلا عبرة فيهم ولا صَوْلة لهم، وفي الحديث بشارة عظيمة لهذه الأمة المحمدية بأن الإِسلام في علوّ شرف وأهله كذلك إلى قرب الساعة: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أي والذين كذبوا بالقرآن من أهل مكة وغيرهم سنأخذهم قليلاً وندنيهم من الهلاك من حيث لا يشعرون، قال البيضاوي: وذلك بأن تتواتر عليهم النعم، فيظنوا أنها لطف من الله تعالى بهم فيزدادوا بطراً وانهماكاً في الغيِّ حتى تحق عليهم كلمة العذاب: {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي وأمهلهم ثم آخذهم أخذ عزيز مقتدر كما في الحديث الشريف (إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته) : {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي أخذي وعقابي قوي شديد وإنما سمّاه كيداً لأن ظاهره إحسانٌ وباطنه خذلان: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} أي أولم يتفكر هؤلاء المكذبون بآيات الله فيعلموا أنه ليس بمحمد صلى الله عليه وسلم جنون بل هو رسول الله حقاً أرسله الله لهدايتهم، وهذا نفيٌ لما نسبه له المشركون من الجنون في قولهم: {يا أيها الذي نُزّل عليه الذكر إنك لمجنون}: {إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ليس محمد إلا رسول منذر أمره بَيِّنٌ واضح لمن كان له لبُّ أو قلبٌ يعقل به ويعي: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي أولم ينظروا نظر استدلال في ملك الله الواسع مما يدل على عظم الملك وكمال القدرة، والاستفهام للإِنكار والتعجب والتوبيخ: {وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} أي وفي جميع مخلوقات الله الجليل منها والدقيق فيستدلوا بذلك على كمال قدرة صانعها وعظم شأن مالكها ووحدة خالقها ومبدعها؟: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} أي وأن يتفكروا لعلهم يموتون عن قريب فينبغي لهم أن يسارعوا إلى النظر والتدبر فيما يخلصهم عند الله قبل حلول الأجل: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} أي فبأي حديث بعد القرآن يؤمنون إذا لم يؤمنوا به وهو النهاية في الظهور والبيان: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} أي من كتب الله عليه الضلالة فإنه لا يهديه أحد: {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي ويتركهم في كفرهم وتمردهم يترددون ويتحيرون.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: سورة الأعراف: القسم الثاني الأربعاء 08 فبراير 2023, 12:30 am
علم الساعة غيبي لا يعلمه إلا الله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187)}
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} أي يسألونك يا محمد عن القيامة: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} أي متى وقوعها وحدوثها؟ وسميت القيامة ساعة لسرعة ما فيها من الحساب كقوله: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب}: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} أي قل لهم يا محمد لا يعلم الوقت الذي يحصل قيام القيامة فيه إلا الله سبحانه ثم أكَّد ذلك بقوله: {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} أي لا يكشف أمرها ولا يظهرها للناس إلا الرب سبحانه بالذات فهو العالم بوقتها: {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي عظُمت على أهل السموات والأرض حيث يشفقون منها ويخافون شدائدها وأهوالها: {لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} أي يسألونك يا محمد عن وقتها كأنك كثير السؤال عنها شديد الطلب لمعرفتها: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} أي لا يعلم وقتها إلا الله لأنها من الأمور الغيبية التي استأثر بها علاّم الغيوب: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون السبب الذي لأجله أُخْفيتْ. قال الإِمام الفخر: والحكمة في إخفاء الساعة عن العباد أنهم إذا لم يعلموا متى تكون كانوا على حذرٍ منها فيكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية.
الأمر كله لله وحده، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}
{قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} أي لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيراً ولا أدفع عنها شراً إلا بمشيئته تعالى فكيف أملك علم الساعة؟: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} أي لو كنت أعرف أمور الغيب لحصّلت كثيراً من منافع الدنيا وخيراتها ودفعت عني آفاتها ومضراتها: {وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} أي لو كنت أعلم الغيب لاحترست من السوء ولكنْ لا أعلمه فلهذا يصيبني ما قُدَّر لي من الخير والشر: {إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} أي ما أنا إلا عبد مرسل للإِنذار والبشارة: {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي لقوم يصدقون بما جئتهم به من عند الله.
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أي هو سبحانه ذلك العظيم الشأن الذي خلقكم جميعاً وحده من غير معين من نفسٍ واحدة هي آدم عليه السلام: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي وخلق منها حواء: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} أي ليطمئن إليها ويستأنس بها: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا} أي فلما جامعها حملت بالجنين حملاً خفيفاً دون إزعاج لكونه نطفةً في بادئ الأمر، قال أبو السعود: فإنه عند كونه نطفة أو علقة أخف عليها بالنسبة إلى ما بعد ذلك من المراتب، والتعرضُ لذكر خفته للإِشارة إلى نعمته تعالى عليهم في إنشائه إياهم متدرجين في أطوار الخلق من العدم إلى الوجود، ومن الضعف إلى القوة: {فَمَرَّتْ بِهِ} أي استمرت به إلى حين ميلاده: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} أي ثقل حملها وصارت به ثقيلة لكبر الحمل في بطنها: {دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} أي دعوا الله مربيهما ومالك أمرهما: {لَئِنْ ءاتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي لئن رزقتنا ولداً صالحاً سويَّ الخِلْقة لنشكرنَّك على نعمائك: {فَلَمَّا ءاتَاهُمَا صَالِحًا} أي فلما وهبهما الولد الصالح السويّ: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا ءاتَاهُمَا} أي جعل هؤلاء الأهل شركاء مع الله فعبدوا الأوثان والأصنام: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزّه وتقدّس الله عما ينسبه إليه المشركون: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا} الاستفهام للتوبيخ أي أيشركون مع الله ما لا يقدر على خلق شيء أصلاً: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} أي والحال أن تلك الأوثان والآلهة مخلوقة فكيف يعبدونها مع الله؟ قال القرطبي: وجمع الضمير بالواو والنون لأنهم اعتقدوا أن الأصنام تضر وتنفع فأجريت مجرى الناس: {وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا} أي لا تستطيع هذه الأصنام نصر عابديها: {وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} أي ولا ينصرون أنفسهم ممن أرادهم بسوء، فهم في غاية العجز والذلة فكيف يكونون آلهة؟: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ} أي أن الأصنام لا تجيب إذا دعيت إلى خير أو رشاد لأنها جمادات: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} أي يتساوى في عدم الإِفادة دعاؤكم لهم وسكوتكم، قال ابن كثير: يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواء لديها من دعاها ومن دحاها كما قال إبراهيم: {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42].
عجز المعبودات من دون الله عن فعل شيء {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (198)}
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} أي إن الذين تعبدونهم من دونه تعالى من الأصنام وتسمونهم آلهة مخلوقون مثلكم بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك فلهذا قال: {فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} أمرٌ على جهة التعجيز والتبكيت أي أدعوهم في جلب نفع أو دفع ضرٍّ إن كنتم صادقين في دعوى أنها آلهة: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا} توبيخ إثر توبيخ وكذلك ما بعده من الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي هل لهذه الأصنام: {أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا} أي أم هل لهم أيدٍ تفتك وتبطش بمن أرادها بسوء؟: {أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا} أي أم هل لهم أعينٌ تبصر بها الأشياء؟: {أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} أي أم هل لهم آذان تسمع بها الأصوات؟ والغرض بيان جهلهم وتسفيه عقولهم في عبادة جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن عابدها شيئاً لأنها فقدت الحواس وفاقد الشيء لا يعطيه، والإِنسان أفضل بكثير من هذه الأصنام لوجود العقل والحواس فيه فكيف يليق بالأكمل الأشرف أن يشتغل بعبادة الأخسّ الأدون الذي لا يحسُّ منه فائدة أبداً لا في جلب منفعة ولا في دفع مضرّة؟: {قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} أي قل لهم يا محمد ادعوا أصنامكم واستنصروا واستعينوا بها عليَّ: {ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ} أي ابذلوا جهدكم أنتم وهم في الكيد لي وإلحاق الأذى والمضرة بي ولا تمهلون طرفة عين، فإني لا أبالي بكم لاعتمادي على الله قال الحسن: خوفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بآلهتهم فأمره تعالى أن يجابههم بذلك: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ} أي إنَّ الذي يتولى نصري وحفظي هو الله الذي نزَّل عليَّ القرآن: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} أي هو جل وعلا يتولى عباده الصالحين بالحفظ والتأييد، وهو وليهم في الدنيا والآخرة: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} كرّره ليبيّن أن ما يعبدونه لا ينفع ولا يضر: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا} أي وإِن تدعوا هذه الأصنام إلى الهداية والرشاد لا يسمعوا دعاءكم فضلاً عن المساعدة والإِمداد: {وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} أي وتراهم يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد لا تبصر لأن لهم صورة الأعين وهم لا يرون بها شيئاً.
أمره صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، ومقاومة الشيطان {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202)}
{خُذِ الْعَفْوَ} أمرٌ له عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق أي خذ بالسهل اليسير في معاملة الناس ومعاشرتهم، قال ابن كثير: وهذا أشهر الأقوال ويشهد له قول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم "إن الله يأمركَ أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك": {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} أي بالمعروف والجميل المستحسن من الأقوال والأفعال: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} أي لا تقابل السفهاء بمثل سفههم بل احلم عليهم، قال القرطبي: وهذا وإن كان خطاباً لنبيه عليه الصلاة والسلام فهو تأديبٌ لجميع خلقه: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} أي وإمّا يصيبنَّك يا محمد طائف من الشيطان بالوسوسة والتشكيك في الحق: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي فاستجر بالله والجأ إليه في دفعه عنك: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي سميعٌ لما تقول عليمٌ بما تفعل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا} أي الذين اتصفوا بتقوى الله: {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ} أي إذا أصابهم الشيطان بوسوسته وحام حولهم بهواجسه: {تَذَكَّرُوا} أي تذكروا عقاب الله وثوابه: {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} أي يبصرون الحق بنور البصيرة ويتخلصون من وساوس الشيطان: {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ} أي إخوان الشياطين الذين لم يتقوا الله وهم الكفرة الفجرة فإن الشياطين تغويهم وتزين لهم سبل الضلال: {ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} أي لا يُمْسكون ولا يكفّون عن إغوائهم.
اتباع النبي صلى الله عليه وسلم الوحي الإلهي، وخصائص القرآن {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ} أي وإذا لم تأتهم بمعجزةٍ كما اقترحوا: {قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا} أي هلاّ اختلقتها يا محمد واخترعتها من عند نفسك؟ وهو تهكمٌ منهم لعنهم الله: {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} أي قل لهم يا محمد ليس الأمر إليَّ حتى آتي بشيءٍ من عند نفسي وإنما أنا عبدٌ امتثل ما يوحيه الله إليَّ: {هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} أي هذا القرآن الجليل حججٌ بيّنة، وبراهين نيّرة يغني عن غيره من المعجزات فهو بمنزلة البصائر للقلوب به يُبْصر الحق ويُدرك: {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي وهداية ورحمة للمؤمنين لأنهم المتقبسون من أنواره والمنتفعون من أحكامه.
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} أي وإذا تليت آيات القرآن فاستمعوها بتدبر واسكتوا عند تلاوته إعظاماً للقرآن وإجلالاً: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي لكي تفوز بالرحمة: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} أي واذكر ربك سراً مستحضراً لعظمته وجلاله: {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} أي متضرعاً إليه وخائفاً منه: {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} أي وسطاً بين الجهر والسرّ: {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} أي في الصباح والعشيّ: {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} أي ولا تغفُل عن ذكر الله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} أي الملائكة الأطهار: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} أي لا يتكبرون عن عبادة ربهم: {وَيُسَبِّحُونَهُ} أي ينزهونه عما لا يليق به: {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} أي لا يسجدون إلا لله.